أصداء

وخارج الملعب نبقى أصدقاء

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

ما الذي يشد أذهان وعيون كل هذه الملايين من البشر الى هذا العشق الغريب والمسيطر على النفوس وما تحمله من مشاعر ودفق نبضات الروح، وما شكل كل هذا السحر الذي يسيطر عليها وهي مبتلاة بكل هذا الشد والجذب نحوة كرة تتلاعب بها العقول قبل الأرجل والأبدان ؟!
أي نوع هذا من المشجعين المتفرجين والمشاهدين الذين يملأون الأجواء صياحاً وضجيجاً عذبـــاً و رقصاً مع أنغام الموسيقى.. يسرحون ويمرحون في شوارع المدن وأزقتها ويقيمون إحتفالات كرنفالية جميلة وهستيرية واسعة على الهواء.. ويفترشون الحدائق وماجاورها، ويبيتون ليال طوال لا تغمض فيها عيونهم إلا القليل.. يقتنون ما يقتنون ويقضمون بمتعة وحماس وفرح لفائف الطعام وما يصاحبها من شراب، من أجل أن يصحوا جميعاً ليوم جديد، يهرعون فيه الى ساحات اللعب ومن ثم الهتاف المجنون ؟!
سحرٌ لا يوصف منذ أن عرفت البشرية والخليقة ( أسحاراً ) و خداعاً يتلاعب بها البشر وتتلاعب بهم وبمقدراتهم !
سحر الكرة بقي هو الوحيد لصيقاً بالنفوس لا يغادرها، بل يزداد عنفواناً مع كل قفزة جديدة لتلك الكرة المدورة ولكل تنافس يُعقد هنا وهناك. مشهد يتكرر كل أربعة أعوام، تتنافس البلدان فيما بينها من أجل الظفر بتنظيم هذه البطولة الفريدة من نوعها في العالم، بل وتسعى شعوب المعمورة لإقامة طقوس خاصة لها قبل بداية إنطلاقها وحتى ما بعد إنتهاءها ! فالحُمى كما يقال وهي تسري في الأبدان لا بد من عقار لها يوقف شرورها، أما حمى كأس العالم فإنها هي الوحيدة التي تستمر وتعاود، دون أن تتمكن حتى جمعيات مناهضة الكرة التي تنتشر خلال مباريات كأس العالم من إيقافها !
لقد صدرت تقارير عديدة و دراسات وبحوث لا عدّ لها ولا حصر حول هذه البطولة منذ أن نبتت الفكرة و نمت في رأس المحامي الفرنسي " جول ريميــــه " في بدايات القرن العشرين، كأول مؤسس لهذه البطولة التي إنطلقت أولى بطولاتها في عام 1930 في الأوروغواي، وتأثره بالمحامي الفرنسي الذي سبقه " كوبرتان " مؤسس أولى دورات الألعاب الأولمبية الحديثة في عام 1896 من القرن التاسع عشر، و توالت تلك التقارير و تطورت مع تطور الأحداث التي يشهدها العالم وتشهدها الصراعات السياسية عموماً، فأقامت مراكز الدراسات بحوثاً من أجل ذلك السحر الذي فاق كل التوقعات و قفز عليها وعلى منحنيانها المعتادة ! ولأن كرة القدم لعبة شعبية، ولأن الجماهير هي الطرف الرئيسي فيها والعنصر المستهدف، فإن الشركات الإقتصادية و شركات الإعلان تتهافت عليها من أجل الترويج لمنتوجاتها وبضاعاتها وتدفع مليارات الدولارات في تمويل نشاطها، لكون تلك الكرة المدورة هي أفضل وسيط سحري لرواج السلع التجارية، ولكونها ايضاً تحظى بمتابعة جماهيرية واسعة لا تحظى به بقية الألعاب التي يختص بمتابعتها شريحة معينة من الناس، فجمهور كرة القدم من كل الطبقات والفئات الإجتماعية، يتابعها الفقراء مع الجوع الذي يلف حياتهم، ويتابعها الأغنياء والأثرياء الذين تكشف إنفعالاتهم أحياناً كثيرة عن خبايا سجاياهم وطبائعهم التي لا يعرف عنها عامة الناس ! فلا حدود في الإنفعال والتصرف والسلوك في الملاعب وأمام شاشات التلفزة والعروض !
ولأن كل هذا الذي يحدث للناس وهم في غمرة إنفعالاتهم الغير منضبطة، فإن كرة القدم ومباريات كأس العالم تبقى على الدوام هي اللغة العالمية الوحيدة التي يفهمها جميع أبناء الشعوب دون حواجز، وهي العملة الأكثر إنتشاراً وتداولاً بين الدول. وإنْ كانت دول العالم الآن تتحدث منذ عقدين أو ثلاث عن بزوغ عصر العولمة، فإن كرة القدم وبطولات كأس العالم وهي تتوالى كل أربعة أعوام ومنذ أكثر من سبعين عاماً وقبلها منذ مائة عام في الدورة الأولمبية 1908 هي التي جعلت العالم قرية صغيرة كما يقال في أيامنا هذه وليس العولمة تحديداً بذاتها !
لقد تابع مباريات البطولة السابقة في عام 2002 أكثر من 1،3 مليار مشاهد في مختلف بقاع العالم، والتنافس يشتد هذه الأيام لكي يقفز الرقم بعيداً و محققاً ردود أفعال لدى كل المتابعين من سياسيين وإقتصاديين وطلاب بحوث و دراسات. كل يسعى الى ضالته في إستثمار هذه البطولة العالمية لتحقيق أهداف.. قد تعجز عن تحقيقها السياسات المتصارعة هذه الأيام.
لقد أعطت كرة القدم وبطولات كأس العالم بُعداً جديداً آخراً للعالم المبتلي بالعنف والدموية التي يشهدها في ساحات متعددة، ولتطلعات الشعوب في أن تعيش عالماً مسالماً تجد فيه تنافساً وإبداعاً تتحكم فيه قوانين العدالة والمساواة والحياة الكريمة الآمنة البعيدة عن مظاهر التسلط والخوف والكراهية والتمييز والقهر الإجتماعي. عالم آخر تتعزز فيه أفضل جوانب الرياضة وهي روح العمل الجماعي والصحة المتنامية و نبذ العنف بكل أشكاله !
جماهير الناس وعلى مختلف مشاربهم وألوانهم وهم يملأون الملاعب في جميع مباريات كأس العالم دون إستثناء، وغيرهم الذين يشاهدون المباريات عبر التلفاز بشغف كبير.. تجمعهم روح من نوع جديد و عالم من نوع جديد.. يتطلعون أن يأخذهم الى حيث متعة الروح والعقل والجسد. عالم ينشد الصداقات والسلام خارج ساحات الصراع !

عبد الجبار السعودي

بصرة - أهوار في حزيران 2006
Basrahahwar@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف