السياسة النووية الإيرانية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
السياسة النووية الإيرانية: ثابتة رغم الحوافز
تحوز السياسة النووية الإيرانية على إجماع مختلف اتجاهات الطيف السياسي، الأمر الذي أكد عليه، حسن روحاني، الأمين الأسبق للمجلس الأعلى للأمن القومي، حين قال:"إن السياسة النووية الإيرانية ثابتة وإن الحكومة المقبلة ستواصل ذات المسار والأهداف الراهنة".
إن ما يبرز من اختلاف بين التيارات السياسية حول السياسة النووية يأتي من زاوية تكتيكية، إذ أن الخطاب، الذي يؤكد تارة على الالتزام بالمعاهدات الدولية وينفي وجود نية لتطوير أسلحة نووية؛ وتارة أخرى يلوح بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي ومن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لا ينم عن تناقض يطال الإستراتيجيا، كونه في كلا الحالتين يصب في خدمة السياسة النووية؛ حيث يساهم الأول في تخفيف الضغوط، في حين يجعل الثاني كل من تسول له نفسه التفكير في إجهاض التطور النووي (فرض عقوبات اقتصادية أو غيرها)، يحسب ألف حساب لفعلته؛ الأمر الذي يوفر مزيدا من الوقت لإيران في طريقها نحو بلوغ العتبة النووية (Nuclear Threshold).
هذا التكتيك الخطابي الإعلامي يترافق مع تكتيك عملي آخر، يتمثل في سلوك إيران لطريق التفاوض مع قوى المجتمع الدولي الكبرى، من أجل الحيلولة دون تكتلها كجبهة موحدة في وجهها، بمعنى أخر، تهدف من خلال التفاوض إلى إبعاد التهديد عن أراضيها وضمان استمرارية وسلامة برنامجها النووي، الأمر الذي أفصح عنه، حسن روحاني، الأمين الأسبق للمجلس الأعلى للأمن القومي، حين قال:"إن.... جعل البلاد بمنأى عن التهديد وحماية المنشآت والإمكانيات المتاحة وتوسيع وتعزيز الطاقات.... هي من أهداف ومنجزات المحادثات النووية".
التكتيك التفاوضي يعني أيضا استثمار الوقت في سبيل تعزيز القدرات النووية، حيث تنطلق إيران في مفاوضاتها من زاوية تكريس حقها المشروع في دورة وقود نووي كاملة، الأمر الذي أفصح عنه، علي آقا محمدي، الرئيس الأسبق للجنة الإعلام في المجلس الأعلى للأمن القومي، أثناء المفاوضات مع الترويكا الأوروبية (بريطانيا وألمانيا وفرنسا)، حين قال:"إن الهدف من المفاوضات هو التوصل إلى حقوقنا المشروعة".
أعاد حسن روحاني، الأمين الأسبق للمجلس الأعلى للأمن القومي، تأكيد الأمر ذاته، قبل انطلاق المفاوضات مع الفيدرالية الروسية، حيث اعتبر، انه:"إذا كان [المقترح] يهدف إلى إرغام إيران على التنازل عن حقها المشروع فان المقترح لا يمكن أن ينجح".
خاضت إيران، حتى اليوم، مفاوضات مع كل من الترويكا الأوروبية والفيدرالية الروسية، فشلت الأولى بعد عامين من انطلاقها، في حين، أجهضت الثانية في المهد، إذ اعتبر علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، أن الاقتراح الروسي كان مجرد فكرة، حيث قال:" إنه فكرة وليست اقتراحا متكاملا، ونحن لا نعتبرها ناضجة، وهي تتضمن مشاكل كبيرة ".
تعكف إيران حاليا على دراسة عرض الحوافز، الذي قدمته لها كل من الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة إضافة إلى روسيا والصين، في السادس من حزيران الماضي، كإطار لحل النزاع حول برنامجها النووي، حيث أعلنت الولايات المتحدة استعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة مع إيران حول برنامجها النووي، إذا ما وافقت الأخيرة على العرض، الذي تضمن شرطاً مسبقاً يلزمها بتعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم.
انطلق الساسة الإيرانيين في تعاطيهم مع العرض، طيلة الفترة الماضية، من التركيز على النقاط التالية:
1- رفض مبدأ الشروط المسبقة:
دأبت إيران، منذ تسلمها العرض، ولا تزال على تكرار رفضها لمبدأ وضع شروط مسبقة للدخول في المفاوضات، الأمر الذي شدد عليه رئيسها أحمدي نجاد، أثناء جولاته الأخيرة على المحافظات الإيرانية، حيث قال:"إيران.... ترحب بالمحادثات العادلة وبدون شروط مسبقة".
2- إيجابية وغموض في المضمون:
وصف منو شهر متقي، وزير الخارجية الإيراني، بداية، عرض الحوافز بأنه ايجابي جدا، في
حين، رأى علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، أن فيه خطوات إيجابية، إلى جانب نقاط غامضة، حيث قال:"هناك خطوات إيجابية في هذا الاقتراح، غير أنه هناك أيضًا بعض
الأمور الغامضة التي يجب أن يتم توضيحها"، ليعود مجددا فيعتبر أن:"[العرض تضمن] نقاط ايجابية وأخرى غامضة يجب إزالتها عبر طاولة المفاوضات".
3- تأكيد تمسك إيران بحقوقها المشروعة:
أعاد المسؤولون الإيرانيين، خلال الفترة الماضية، تأكيد تمسكهم بحقوق إيران المشروعة، على رأسهم، رئيس الجمهورية، أحمدي نجاد، الذي شدد على أن:"إيران أعلنت مراراً بأنها ترحب بالمحادثات وتتحاور مع الجميع استناداً لحقوقها المشروعة".
يسجل في هذا الإطار أيضاً، الموقف الملفت للمرشد الأعلى، علي خامنئي، الذي صرح بأن:"[إيران] لن تفاوض آيا كان على حقوقها الثابتة في الحصول على التكنولوجيا النووية واستخدامها".
4- العزف على وتر الوقت: أعلنت إيران في البداية أنها ستعطي ردها في اقرب وقت ممكن، لتعود فيما بعد، فتعلن أنه لا يمكن التكهن بموعد لتقديم الرد المناسب، من ثم أعلن رئيسها، احمدي نجاد، أن الرد سيكون في أواخر آب المقبل، حيث قال:"سنعطي إن شاء الله رأينا في نهاية شهر مرداد [بداية العشر الأواخر من أب وفق التقويم الميلادي]".
اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت تنتظر الرد نهاية شهر حزيران، أن هذا التاريخ بعيد للغاية، حيث شدد رئيسها، جورج بوش، أن أمام إيران مهلة أسابيع وليس اشهر لإعطاء ردها.
حددت الولايات المتحدة مجدداً الخامس من الشهر الحالي كحد أقصى لتلقي الرد، في حين، طالبت فرنسا بأن يكون قبل انعقاد قمة مجموعة دول الثماني الصناعية في منتصف الشهر الحالي، الأمر الذي ترفضه إيران، التي تعتبر أن أوروبا لم تضمن العرض مهلة للرد من منطلق معرفتها بخصوصياتها، ما شكل خطوة بالاتجاه الصحيح، إذ لو كانت قد حددت مهلة للرد، لرفض العرض من البداية.
يبدو أن مسألة توقيت الرد، قد تحولت من قضية ثانوية إلى قضية جوهرية، من شأنها أن تؤدي للإطاحة بالعرض، حال تمسك الولايات المتحدة بموقفها، حيث لا مؤشرات تدل على أن إيران بصدد التراجع عن التوقيت الذي حددته، إذ أنه إلى جانب كونه يكسبها مزيداً من الوقت، فإنه يعزز أيضاً عنفوانها، حال رضوخ الآخرين له، هذا فضلاً عن كون الإطاحة بالعرض على هذه الشاكلة لا ترتب أي ضرر على إيران، لا بل أنها تصب في صالحها، خصوصاً لجهة موقف روسيا والصين في مجلس الأمن.
تسعى إيران من خلال تركيزها على قضية الغموض في جانب من مقترحات العرض، وعزفها على وتر الوقت، إلى الالتفاف على الشرط المسبق، الذي تضمنه العرض، أي جر الطرف المقابل نحو طاولة المفاوضات دون التزامات مسبقة من قبلها، في حين، أن تمسكها بحقوقها المشروعة كفيل بإعادة إنتاج سيناريوهات التفاوض السابقة، فهل ينجح التكتيك الإيراني هذه المرة؟.
عبد العزيز حسونة
abedaziz@hotmail.com