الطاحونة الطائفية و ميليشيات الدم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تزداد الصورة قتامة و يشتد الخناق على الرقبة العراقية التي يظهر أن مرور الايام لم يعد بالضرورة لصالحها، والحصيلة الاخيرة لما حصدته مناجل الحرب الطائفية المستعرة في العراق، تؤکد قطعا أن الامر ليس بتلک السهولة التي يصورها أو حتى يتصورها المسؤولون العراقيون.
حمامات الدم المستمرة في العديد من النقاط الحساسة"طائفيا"، وتلک السياسة المزدوجة المشبعة نفاقا و کذبا من قبل قوى سياسية عراقية بات تورطها في هذا النزاع الاقذر من القذارة واضح و جلي و لايحتاج لإثبات، ذلک إن مثل هذه القوى"الطائفية للعظم" و التي تدعو لوحدة الصف الوطني و للم شمل المسلمين في أدبياتها الاعلامية"فقط"هي نفسها التي يتشبع أعضائها بکل معاني الحقد الطائفي و هي ذاتها التي تسعى لفرض سيادتها على الارض عبر سياسة"أرض محروقة"لايحترق فيها إلا الانسان العراقي المغلوب على أمره في ظل واقع بات ينذر بکارثة فعلية إن لم يتم تدارکه.
والامر الذي يدفع المرء للتشاؤم والشعور بالمزيد من الاحباط، هو إن بديل النظام السياسي الحالي في العراق، أول المستفيدين و الموظفين لورقة الصراع و الإقتتال الطائفيين، سيما وأن ذلک التيار السياسي ـ العسکري المتخفي تحت أسماء و عناوين شتى وليس هو إلا بقايا حزب البعث و أجهزته الامنية المجرمة، هو أول من إستخدم و يستخدم هکذا سلاح بوجه العراقيين، وکل عراقي يتذکر کيف أن الدبابات العراقية وهي تدخل مدن الجنوب و الوسط وقد کتبت عليها عبارات"لاشيعة بعد اليوم"کانت تشير بوضوح للماهية الطائفية لنظام البعث الذي يسعى البعض في خضم هذا الجحيم أن يمجدون أيامه سيما أولئک الکتاب الذين يسعون للفت الانتباه لکتاباتهم من خلال تأکيدهم على سوبرمانية النظام البائد في سيطرته على الدفة العراقية، متناسين من أن کل الذي يجري حاليا هو بالاساس من مخلفات و تداعيات التوجهات السياسية الفکرية الامنية لحزب البعث والتي بنيت معظمها على رکائز طائفية و عرقية محددة.
والذي يثير القرف هو أن دولة جارة تحتضن مؤتمرا للأمن و الاستقرار في العراق، هي بحد ذاتها قد تکون أکثر من متهمة بهذه الفوضى التي تعم أجزاءا محددة من العراق، وهي المسؤولة أکثر من غيرها عن هذه الطاحونة الدموية التي تدور عجلاتها بوقود حقد طحن zwnj;أوربا قبل العراق ولم يجد نفعا، هذه الدولة و تلک العصابات المجرمة التي تتغذى من"جهات رسمية"، وقفوا و يقفون خلف هذه الاحداث التي إن دلت على شئ فإنما تدل على البؤس الذي وصل إليه الواقع السياسي العراقي من جراء سياسة"النفاق" و "الکذب" و"التوافقية"المتبعة بين کل أطراف اللعبة في الساحة.
إن العقل و المنطق يدعوان للإقرار بأن هناک إحتقان طائفي إستثنائي في العراق، والاهم من ذلک هو الإعتراف بأن الکل يحاولون التهرب من "جحيم"هذه الحقيقة من خلال کلام يسوقونه"للإستهلاک"وهم بأنفسهم لا يصدقونه.
قبل أيام، تسنى لي الاتصال بمسؤول عراقي "رفيع المستوى" وحين سألته عن حقيقة الذي يجري على أرض الواقع وبعيدا عن کل"فذلکات"رسمية، وجدته يعاملني وکأنني"أطرش نايم بالزفة"کما يقول المثل العراقي الدارج، ولما حاولت جذبه الى"أرض الواقع"، قال"الواقع هو أن نستمر بتهدئة الوضع حتى ولو کانت الارض کلها محترقة"!
وفي هذا الخضم، تأتي مبادرة السيد نوري المالکي رئيس الوزراء العراقي للمصالحة الوطنية والتي تتراوح في مکانها و لم تستطع أن تدفع الامور قيد أنملة للأمام على طريق تهدئة الاوضاع، لکي تستخدم هي الاخرى کمسکن آلام وقتي للشعب العراقي رغم أن عموم الشارع العراقي قد أدرک عدم جدوى هذه المبادرة وإنها مجرد محاولة فوقية أخرى لتهدئة ما يجري في السرائر، وليس بالامکان إنقاذ هذه المبادرة من خلال مؤتمرات"إقليمية" أو حتى دولية مالم تکن هناک مصداقية في التعامل على الارض، ولايعقل أن يکون لتنظيم إرهابي کالقاعدة و بشکل فجائي کل هذا التواجد على الساحة العراقية مالم تکن هناک ظروف ذاتية و موضوعية مناسبة له، وقطعا أن السياق الذي يجري فيه الامور قد کان عاملا مشجعا لنشوء"إرهاب طائفي"يستند على قطاع عريض من الشارع العراقي.
إن تلک الميليشيات المسلحة التي تشکلت بعد سقوط طاغية بغداد والتي کانت تروج في بداية أمرها لمشروع وطني و طرد المحتل و تحرير العراق و ماإليه من شعارات ثبت بالدليل القاطع إنها کانت للإستهلاک المحلي، وإن المهمة الحقيقية و الفعلية لها تجلت و تتجلى في إذکاء نار حرب طائفية شعواء لن يستفد منها عراقي واحد بل هي أساسا في خدمة تلک العواصم التي مافتأت تعبث بالامن العراقي و يحلفون أغلظ الايمان إنهم"لمحسنون".
في کوردستان کان هناک ولمدة محددة حرب داخلية هي في الواقع کانت عملية صراع حزبي على النفوذ، لکن لم يصل الامر قط الى تصفية الحسابات من خلال الناس الابرياء و العزل، وعلى الرغم من أنه کان هناک إحتقان "حزبي"، لکنه لم يصل أبدا الى حد تتجاوز فيه کل القيم و الحدود، السبب مثلما هو واضح بسيط، وهو أن أي صراع على النفوذ يکون دور الدين فيه معدوما، فإن مساحة و حجم الخسائر الناجمة عنه سوف تکون تبعا لذلک محدودة، غير أن دخول الدين ومن أضيق"زواياه"الى حلبة الصراع السياسي کما هو الامر في العراق، فإن ذلک ليس کفيل بحدوث مثل تلک المجازر و الجرائم المروعة التي حدثت، وإنما سوف تحدث کوارث سوف تنسينا کل الذي فات.
نزار جاف
nezarjaff@gmail.com