لكي يعود المسلمون أمة متحضرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لكيلا يعود المسلمون جاهلية آبائهم الأولين - الحلقة الخامسة
لقد انهمك الكثير من المعنيين بشؤون الفكر والحضارة في تحديد عوامل التحضر في الأمم، حتى اجمعوا على أنها تجتمع في ثلاث عوامل هي الإنسان والأرض والثروات، فكل أمة من الناس اجتمعت على ارض معينة وعندها ثروات تستطيع أن تشيد حضارة.
وبموجب هذه النظرية فإن الأمة الإسلامية على سعة الأرض التي تملكها ووفرة الثروات التي تسبح فوقها والتعداد البشري فيها تجدها أمة تعيش الفقر المدقع وقد تحولت أرضها الواسعة إلى دويلات وممالك وإمارات وأقاليم، أما إنسانها فهو لا يعرف ما ذا يفكر وكيف يعمل حتى لا يمكن أن يتفق منهم اثنان على قضية واحدة. فهي أمة متمزقة متشرذمة يقتل فيها الشرسُ الإنسانَ الوادع، والبطاشُ الإنسانَ المُسالم، فمنهجهم القتل والسرقة والاستحواذ والإقصاء والقتل على الهوية والدين والاعتقاد.
فالمسلم يقتل المسيحي وكأن نبي الإسلام أمر بإبادة الإنسان الآخر ولم يقرءوا أمر الله فيهم بقوله (لكم دينكم ولي دين) ().
أما إذا انفرد المسلم السني بأخيه المسلم الشيعي فانه يتفنن في قتله ويتلذذ في سفك دمه ويتبجح في انتهاك حرمته وما عراق الأمس واليوم عنكم ببعيد، ولم تكن جريمته إلا لأنه يأتمر بأمر الله تعالى الذي فرض على المسلمين جميعا محبة أهل البيت عليهم السلام وأمر بموالاتهم. وإذا أراد الشيعة أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم ولم ينسوا إشراك اخوتهم من أهل السنة معهم، ذبحوهم شر ذبح وطالبوهم بالمصالحة الوطنية.
ولم يسألوا أنفسهم أو يسألهم أحد أين كانت لغة المصالحة الوطنية هذه حينما كان الشيعة يبادون في سجون طائفية المشروع القومي العربي، وأين دعاة التوافق والصلح والمصالحة وأمثالهم حينما كان الشيعة يُقتلون علنا في الشوارع ويدفنون في المقابر الجماعية وينفون من الأرض في الشتاء القارص ؟.
فترى العلماني منهم إذا حكم حكم بالعنف والإقصاء، أما الإسلامي منهم إذا أفتى عاث في الأرض فسادا وأباح قتل الناس بفتواه الدموية وأحل قتل النساء والأطفال في المدارس والطرقات والأسواق، في الحل والترحال، في الإعلان والإسرار، وأمر في التقرب بقتل كل المارة في الشارع ذلك لأنه يريد أن يتعشى مع إبليس في قعر جهنم تاركا وراءه رسول الإنسانية ومبادئ نبي الرحمة الذي قال عنه ربه ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) () ووصفه بسمو الأخلاق فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم) ().
وأمر باحترام الإنسانية فقال: (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا) ().
فأين تلك التعاليم من هذه الممارسات ؟
وأين الثرى من الثريا (ما لكم كيف تحكمون ) ()
فهذا الإمام الباقر وحفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تراه يقول في حديث له لزياد: ( ويحك وهل الدين إلا الحب، ألا ترى إلى قول الله : " إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ". أو لا ترى قول الله لمحمد صلى الله عليه وآله : " حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم ". وقال : " يحبون من هاجر إليهم ". فقال : الدين هو الحب، والحب هو الدين ().
فالدين هو الحب وليس الذبح والقتل والإقصاء، وليس التدمير والتخريب والإفساد، كما ليس الدين إرهابا ولا إرعابا لأي إنسان أبدا.
إذن فمن أين جاء هذا إلى المسلمين ؟
وكيف غزاهم هذا الفكر المتلبس بالإسلام ؟
ومن غرسه فيهم ؟
ثم هل يمكن للمسلمين أن يعودوا أمة متحضرة شامخة كما أرادها الله تعالى أن تكون وسطا بين الناس ؟
وإذا أمكن لها ذلك، وهو كذلك فما هو السر في تخلفها ؟
ولكي تعرف السر في تخلفها عليها أن تتعرف على الأسرار التي تبعثها أمة إنسانية راقية متحضرة.
ذلك لأن العامل الأساس الذي ينخر في عقول الأمة التي جعلها أميَة لا تفهم فقه الحياة وتستوعب منطق البناء ولا تعرف ثقافة الاجتماع، هو عامل: مناهج العلم المغلوط والمعرفة المشوشة التي رسمت لها سبل العنف والتحجر في الفهم والممارسة والعمل.
وحينما استقرينا هذه الحقيقة ذهبنا إلى تسليط الضوء على :
السر الأول من الأسرار التي تبعث في الأمة النهوض الحضاري فكان عليها استجماع عناصر القوة عبر الاجتماع والوحدة والألفة وليس التشرذم والتمزق. فكان سر قوتهم في وحدتهم.
ولن يتحقق هذا ما لم تكن الأمة من قمتها حتى قاعدتها عقلانية في الحياة فتحكّم منطق العقل لا لغة الهوى ومنطق الأنا، فكان ذلك هو السر الثاني.
وهذا لن يتحقق إلا بالتخلص من فكر العنف وثقافة التطرف الذي يمثل السر الثالث من بحثنا.
وهو الذي لا يمكن تحقيقه إلا بالعودة إلى ثقافة الرفق وفهم منطق الحياة الذي يعني السلم والسلام والإسلام، وهذا هو محور السر الرابع.
الذي لا يمكن تحقيقه ما لم تعود الأمة إلى نبي السلم وأئمة السلام من أهل بيته، فكان ذلك يمثل السر الخامس.
وهذا هو الآخر يتعذر تحقيقه ما لم تكن الأمة مطيعة لنبيّها صلى الله عليه وآله وسلم في أهل بيته وملتزمة بمناهجه، وهذه هي حقيقة السر السادس.
ثم يستحيل تحقق الطاعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يتمكن المسلمون من الثورة على الفكر الأموي المتغلغل في ثقافتهم وفكرهم وهذا هو مفاد السر السابع.
وكذلك يستحيل على المسلمين الثورة على الفكر الأموي المتغلغل فيهم ما لم يتمكنوا من قطع مصادر التغذية الفكرية الأموية التي تسربت في مفاصل الأمة، فكان هذا هو السر الثامن من أسرار نجاحهم على سبيل تحقيق القفزة نحو التحضر وتجذير المبادئ الإنسانية التي جاء بها نبي الإسلام على الواقع العملي في حياة الأمة فكرا وممارسة وعملا.
ولما أن أنهينا البحث في تلك الأسرار من خلال الحلقات السابقة رأينا تسليط الضوء على مفاد السر الثامن من الأسرار اللازمة لتخليص المسلمين من التردي الحضاري والعنف الفكري والتمزق الاجتماعي والتقهقر وثقافة الذبح والمفخخات والمطاحن البشرية وتدمير الحياة.
فالسرُّ الثامن: الثورة على الفكر الأموي المتداخل في المسلمين تستلزم قطع مصادر التغذية الأموية
الحقيقة التي يجب الإذعان بها وعدم المكابرة على حسابها هي أن المسلمين عموما ما خلا النواصب والخوارج يحبون أهل البيت عليهم السلام إلاّ أنهم لا يتبعونهم ولا ينتهجون مناهجهم في الحياة، وفي ذلك خلل كبير كما أسلفنا من أن المحبة تقتضي الاتباع كما هو صريح المنطق القرآني الواضح.
وبالتالي فإن مخالفتهم أهل البيت في عدم متابعتهم سيجعلهم من مصاديق المثل القائل:
احب الصالحين ولست منهم**** وابغض الطالحين وأنا منهم
وهذا هو السر في عدم تمكين المسلمين أنفسهم من التخلص من مناهج العنف التي بين أيديهم والعودة إلى مناهج السلم والمحبة التي ينشدها الله في كتابه رسوله في سنته، لأنهم يقولون ما لا يفعلون وهذا من المقت الذي ذمه الله وذم عليه فاعله بقوله: " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" ().
ولكي يتمكن المسلمون من أن يكونوا حضاريين حقا من خلال عودتهم إلى مناهج الرسول على وجه الحقيقة والكمال يجب عليهم التخلص من الفكر الأموي المتلبس بلباس الإسلام، ذلك الفكر الذي بين يدي المسلمين عموما، لكونه يلبس الحق بالباطل ويلبس الباطل الأموي مسوح الحق النبوي، الأمر الذي تجد المسلمين به يحبون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويكرهون أهل بيته عليهم السلام أو يقولون بحب أهل البيت ولا يتبعونهم، أو يدعون اتباعهم لهم ويعملون بمناهج الأمويين ويفكرون بأفكارهم التكفيرية ومناهجهم التدميرية والاقصائية، وذلك بفعل تغلغل المناهج الأموية بالفكر الذي بين يدي عموم المسلمين وتشربها بعقيدتهم بالشكل الذي صنع من المسلمين أمة كبيرة لكنها غثاء كغثاء السيل لا يدفعون عن أنفسهم شرا ولا يغيرون من واقعهم السيء مقدار أنملة كما قال نبيهم الأكرم الذي يقولون باتباع سنته صَلَّى الله عَلَيةِ وَآلِهِ وَسَلَّمَِّ، حيث قال (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها.
قال: قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ ؟
قال أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن قال قلنا وما الوهن قال حب الحياة وكراهية الموت ) ()
وهذا ما يشهد عليه واقع الحال الذي نراه في العراق وعموم الأمة.
من هنا يجب على المسلمين إعادة النظر بما بين أيديهم من فكر أموي ألبسه الأمويون لباس السنة النبوية، وأمروا المسلمين بالعمل على تلك السنة التي أسماها الأمويون سنة رسول الله التي اهتمت بعزلها أهل بيت رسول الله عن حياة المسلمين ليتم عزل الأمة عن الرسول كما سيأتي على ذلك البحث.
لأن هناك فرقا كبيرا بين السنة النبوية المعروفة بالسلم والمحبة والتآلف والتوادد والإنسانية، وبين السنة الأموية الدموية الظاهرة بالعنف والطائفية وكره أهل البيت عليهم السلام ومعاداتهم قولا وفعلا أو فعلا دون القول، واستباحة دماء شيعتهم ومحبيهم وهدم دورهم وإسقاط شهادتهم واعتبارهم كما رأينا خلال التاريخ القديم والوقائع العراقية خلال هذا القرن المنصرم الأيام التي نعيش.
من هنا يتبين أن قطع مصادر التغذية الأموية من الأروقة الفكرية والعملية والاجتماعية في حياة المسلمين من أهل السنّة يقتضي العمل على أمرين مهمين:
الأمر الأول: عزل أئمة الفكر الأموي الدموي
لما كان الفكر الأموي الذي تلاعب بالسنّة النبوية التي أراد الأوائل تدوينها فدوّنها الأمويون بما تشتهيه أنفسهم وبما ينسف القواعد التي بناها الرسول وأرسى قواعدها بيده الشريفة، فأسس الأمويون سنة جديدة بقواعد منهجية أموية لتربية الناس على عداوة أهل البيت عليهم السلام، وصنعوا وعاظ سلاطين وأئمة فتوى إرهابيين وعلماء إفساد تدميريين.
هنا صارت المسؤولية التاريخية لأهل السنة وجوب التصدي بحزم وشجاعة لعزل فئتين من خدام المشروع الأموي في الأمة وذلك إذا أرادوا الثورة على الفكر الأموي:
الفئة الأولى: وعاظ السلاطين الذين كانوا بالأمس القريب فضلا عن الماضي السحيق يمثلون علماء البلاط وموظفون لتخدير المسلمين وإلقاء مسوح الشرعية على طواغيت الحكم الأموي وتمرير الفتوى التي يتم لهم بها ذبح أهل بيت رسول الله عليهم الصلاة والسلام وإبادة شيعتهم على طول التاريخ لكونهم يمثلون ضمير الأمة وقلب الدين النابض بقيم السماء التي ورثوها من رسول الله صَلَّى الله عَلَيةِ وَآلِهِ وَسَلَّمَِّ عبر أهل بيته.
أما الفئة الثانية: فهي فئة القصاصين الذين كانوا يملأون بقصصهم الفراغ الفكري والخلأ الثقافي عند العامة من مسلمي هذه الأمة من أجل إتمام مهمتهم في تخدير عقلية المسلمين حتى انتهى الأمر بان تكالبت عليهم الأمم ومزقتهم إلى الدويلات التي هم عليها الآن، وبهذا المشروع التخديري حصل تمييع لشخصية الإنسان المسلم واستعباده من الحياة الفاعلة على طول التاريخ.
من هنا يجب على المسلمين عموما التنصل من أئمة الفكر الأموي المتوغلين فيهم تحت ستار الدين والسنة النبوية التي هي في واقعها سنة أموية اختصت بالحرب على الله ورسوله وأهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهوهم تطهيرا.
الأمر الثاني: عزل الزعامات السياسية الأموية الدموية
كما هو معروف عند البحث العلمي النزيه أن زعماء التسلط الأموي قديما وحديثا كانوا وما زالوا يدأبون على تسخير العامة من الأمة لإرادتهم، ذلك التسخير الذي لا يمكنهم تحقيقه من دون العمل الجاد والاضطلاع بمهمتين:
المهمة الأولى: تخدير الأمة فكريا وتوجيهها ثقافيا بما يطوع إرادتها باتجاه إرادة السياسيين الأمويين، والمتسلين بالفكر الأموي.
المهمة الثانية: العمل على إبعاد حيوية الفكر والثقافة والاعتقاد الإسلامي ا لأصيل المتمثل بسنة رسول الله التي عمل على بيان معالمها أهل بيته عليهم السلام وفي مقدمتهم أمير المؤمنين علي عليه السلام، مما يستدعي إبعاد أهل البيت عن التأثير في حياة المسلمين، وهذا يقتضي صنع البدائل عنهم مثل أئمة فتوى ودين وعلماء بلاط ووعاظ سلاطين والمؤسسات التي دارت في هذا المدار، ثم إعلان حربهم الشعواء على رسول الله والانتقام منه عبر الانتقام من أهل بيته، وبهذا يكون قد وقعت على الأمة في حبائل مخطط رهيب أدى إلى ما نحن عليه الآن من معطيات العنف الأموي، والإرهاب الدموي، والإقصاء الطائفي، والذبح على الهوية، والإبادة على محبة أهل البيت عليهم السلام، وهذا يتطلب أن يختص بهذا المشروع الدموي رجال الإفتاء البلاطيين، وأئمة الفتوى السلطويين، ووعاظ السلطة من الأمويين والمتزلفين تحت ستار علماء المسلمين.
من هنا وجب على المسلمين التخلص من زعماء الفكر السياسي الأموي وأئمة الفتوى الأموية، وكلاهما دمويان تكفيريان، وذلك لكي تتمكن الأمة من إحداث انقلابها أو ثورتها على الفكر الأموي الذي زج ويزج بها في أتون الحروب المذهبية والطائفية والقومية وغيرها.
أما كيف يتمكن المسلمون السنة من قطع مصادر التغذية الفكرية والثقافة الأموية من خلال قطعهم الارتباط بزعماء الفكر الأموي، فهذا ما سنبينه في البحثن عن السر الثامن من أسرار تحقيق النجاح الحضاري المطلوب.
السرُّ التاسع :
قطع مصادر التغذية الأموية يستلزم التمييز بين الفكر الإسلامي والفكر الأموي.
يجب التسليم بأنه لن يتمكن المسلمون من التخلص من زعماء الفكر الأموي ولا السياسيين ذوي النزعة الأموية إلا بعد أن يحددوا معالم الفكر الأموي المتداخل في ثقافتهم الدينية والسياسية. وأن ابرز علامة دالة على الفكر الأموي هي دموية الفكر الذي يستبيح الإنسان عموما، والمؤمن بأهل البيت خصوصا، ويلاحق الإنسان على الهوية كما كان يفعل الأمويون والخوارج مع شيعة أهل البيت عليهم السلام على طول التاريخ، حتى سنّوا قوانين سرت مسرى القواعد الفقهية وجرت مجرى الدساتير السياسية في تعبئة عموم المسلمين ضد أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم.
مثل سنّة سب أمير المؤمنين علي عليه السلام ولعنه. وسنّة الانتقام من شيعتهم. وسنة إخراجهم من الإسلام، فجوزوا قتلهم وأوجبوا استباحة دمهم وسبي نسائهم وانتهاك حرماتهم والاعتداء على مقدساتهم التي هي مقدسات الإسلام وشعائر الدين الذي أمر به الرسول الأمين وأقره لهم أئمة المسلمين عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
فقد دأبت دموية السنة الأموية الحاقدة على الإسلام في إعلانها جملة من اللوائح القانونية والدساتير الحكومية التي ما زالت أصداءها سائدة إلى هذا اليوم بالقوة والفعل، ومنها الإعلانات التالية:
الإعلان الأول : إعلان أبي سفيان الكفر بالإسلام علنا
لقد أعلن الكفر في جملة من أعلن أبو سفيان زعيم الانقلاب الأموي على رسول الله وأحد مدبري الإطاحة بالإسلام وكان ذلك في اليوم الأول لاستلام عثمان سدة الحكم والخلافة وقد أعلن التاريخ على لسان الشعبي قوله (فلما دخل عثمان رحله دخل إليه بنو أمية حتى امتلأت بهم الدار، ثم أغلقوها عليهم، فقال أبو سفيان بن حرب: أعندكم أحد من غيركم ؟ قالوا : لا، قال: يا بنى أمية، تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان، ما من عذاب ولا حساب، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا قيامة ) () وأبو سفيان هذا ما زال رمزا مهما يرفع لواء ثقافته علماء المسلمين وأئمة البلاط حتى هذا اليوم.
الإعلان الثاني: إعلان يزيد بن أبي سفيان كفره بالإسلام
اضافة إلى أن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان كان شاربا للخمر معاقرا للموبقات لاعبا بالقردة والدفوف فاسقا فاجرا، فانه قد: أعلن كفره بعد اقترافه جريمة قتل الإمام الحسين عليه السلام وذلك:
(لما جيء برؤوس الشهداء والسبايا من آل محمد صلى الله عليه وآله أنشد يزيد لعنه الله :
لما بدت تلك الرؤوس وأشرقت **** تلك الشموس على ربى جيرون
صاح الغراب فقلت صح أو لا تصح *** فلقد قضيت من النبي ديوني ) ().
الإعلان الثالث: إجماع الأمة التي قاتلت الإمام الحسين عليه السلام على إعلان الكفر
لقد اجتمعت الأمة وأجمعت على قتل الإمام الحسين عليه السلام وهو ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأعلنت تلك الأمة إنما هي تقاتله بغضا لأبيه علي بن أبي طالب وثأرا منهم لآبائهم زعماء الجاهلية حينما قاتلوا رسول الله وحاربوه فقاتلهم أمير المؤمنين عليه السلام، وقد ذكر التاريخ عن الإمام الحسين عليه السلام قوله ( أنه لما خرج من الخيمة (يوم عاشوراء) وركب جواده وحمل على القوم فانهزموا من بين يديه كالجراد المنتشر فرجع وقال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم رجع إليهم ثانيا وقال لهم ويلكم على ماذا تقتلونني ؟ أعلى عهد نكثته ؟ أم على سنّة غيرّتها ؟ أم على شريعة بدلتها ؟ أم على حق تركته ؟ فقالوا نقتلك بغضا منا لأبيك ) () وهذا دليل واضح على خروج هذه الجماعة وان كانت أمة عظيمة من الناس، ذلك لان الله لا يتعاظمه الأمم التي تريد دخول جهنم من أوسع أبوابها.
وكتاب الله صريح في ذلك حيث : (قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا إدّاركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين ) ().
وأن الله تعالى لم يكن ليحابي أحدا أو جماعة إذا أرادت أن تدخل جهنم زمرا بإرادتها وقد قال سبحانه ( يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ) ().
الإعلان الرابع: إعلان عمر بن سعد بن أبي وقاص كفره بالإسلام
ثم أن عمر بن سعد بن أبي وقاص أوضح شكه في الإسلام ليلة أعلن انه قرر اختياره قتل الإمام الحسين عليه السلام وإذا قال: (يقولون إن الله خالق جنة ونار وتعذيب وغل يدين) وذلك يوم أنشد الأبيات التالية :
فو الله ما أدرى وإني لصادق ***** أفكر في أمري على خطرين
أأترك ملك الري والري منيتي *** *أم أصبح مأثوما بقتل حسين
ابن عمى والحوادث جمة ******* ولكن لي في الري قرة عيني
يقولون إن الله خالق جنة ********** ونار وتعذيب وغل يدين
فإن صدقوا مما يقولون إنني ***** أتوب إلى الرحمن من سنتين
وإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة ******* وملك عقيم دائم الحجلين
وإن آله العرش يغفر زلتي ******** ولو كنت فيها أظلم الثقلين
ولكنها الدنيا بخير معجل ****** وما عاقل باع الوجود بدين ) ()
الإعلان الخامس: إعلان الزعيم الأموي كفره حينما تفاخر بذبح الإمام الحسين
وذلك هو خولي بن يزيد الأصبحي حيث تسالم عند المؤرخين: أن ( خولي بن يزيد الأصبحي بعد أن اقدم على جريمة حز راس ابن بنت رسول الله جاء إلى عبيد الله بن زياد بن أبيه (والذي نسبه أبو سفيان إليه)، فانشد يقول:
إملأ ركابي فضة وذهباإني قتلت السيد المحجبا
قتلت خير الناس أما وأبا ) ()
وقد تواتر عند الشيعة والسنة قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (حسين مني وأنا من حسين)، ومنها ما رواه ابن حبان : (أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام دعوا له فإذا حسين مع الصبيان يلعب فاستقبل أمام القوم ثم بسط يده فجعل الصبي يفرها هنا مرة وها هنا مرة وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه حتى أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى تحت قفاه ثم قنع رأسه فوضع فاه على فيه فقبله وقال حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط ) ()
وببديهة العقل أن الأمة التي اجتمعت وألّبتْ على قتل شخص كان هو من الرسول والرسول منه هل يمكن أن يعتبر مؤمنا أو مسلما حتى يدافع أحد عنه ؟
وذا اُعتبر مسلما فأي شيء بقي من الإيمان والإسلام بعد قتله الرسول وذبحه ؟
إضافة إلى دعوة الرسول مستجابة بقوله ( احب الله من احب حسينا ) فهل يُقال احب الله من قتل حسينا أو رضي الله على من قتل حسينا ؟ أم يجب أن يقال قتل الله وأبغض الله من قتل حسينا ؟ ذلك لان قاتل الإمام الحسين عليه السلام هو تربية الفكر الدموي العنيف وثقافة الانتقام من نبي السلم والسلام.
وهذا يعني أن الثقافة الأموية التي حملها زعماء الحزب الأموي وغرسوها في نفوس اتباعهم ومن نهج نهجهم من عامة هذه الأمة كانت وما زالت تدل على كفرهم بالإسلام وعدم اعتقادهم به وما يقدمون عليه في قتالهم أهل البيت عليهم السلام والانتقام من شيعتهم إنما هو ثار وانتقام من جهاد النبي وأهل بيته وفي طليعتهم أمير المؤمنين عليه السلام.
الإعلان السادس : تأسيس الأمويين لعام الجماعة
وهو العام الذي أجمعت فيه الأمة على إمامة إمام الكفر بكل القيم ليعلن حربه على الإسلام باسم الإسلام، ويستبيح دماء أئمة المسلمين من أهل البيت عليهم السلام ومن يتبعهم إلى يوم الدين.
والتاريخ الإسلامي على ما فيه من تزوير للحق وطمسه الحقائق وإغماطه الحقوق لكنه لم يستطع ولو على المدى البعيد أن يذكر حقيقة تأسيس عام إجماع المسلمين الذي أسسه الأمويون ليحصلوا منه على إجماع الأمة على الباطل ضد الحق، وعلى الإرهاب ضد السلم، والجاهلية ضد التحضر، والكفر ضد الإيمان.
ذلك العام الذي (قال معاوية في خطبته بالنخيلة قرب الكوفة:
ألا إن كل شئ أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به، قال أبو إسحاق: وكان والله غدارا. وروى الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن سويد، قال: صلى بنا معاوية بالنخيلة الجمعة، ثم خطبنا فقال: والله إني ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون ().
وقال الشيخ محمود أبو رية في كتابه أضواء على السنة المحمدية: (وقد قرأ بعض المسلمين عام الجماعة على حقيقته فقالوا انه: (هو العام الذي نزل فيه الحسن رضى الله عنه عن الحكم إلى معاوية حقنا لدماء المسلمين سنة 41 هzwj; وسموه عام الجماعة وهو في الحقيقة كان عام الفرقة) ()
وهذا التصريح الذي ينقله أبو رية إنما كاشف عن عمق الجهل الذي دأب ويدأب عليه وعاظ السلاطين ومفكروا البلاط في هذه الأمة على تمويه الحقائق على الأمة وزيادة ظلالها ظلالا، والتعمية عليها تعمية.
الإعلان السابع: إعلان البراءة من أمير المؤمنين
بعد أن تمكن معاوية من إجماع الأمة على الظلال الذي يريد وعملت في هذا السبيل جماعات التظليل الفكري والتعمية الثقافية من اجل تمرير مآربه الانقلابية على الإسلام والثأر من رسول الله من خلال الانتقام من أهل بيته وشيعتهم.
وبعد أن تمكن الزعيم القومي العربي معاوية من ذلك أعلن البراءة من أمير المؤمنين عليه السلام لمقامه الذي لا ينكره أحد من عموم الأمة ما خلا الأمويين والنواصب وبما فيهم الخوارج، حيث أصدر معاوية مرسوما انقلابيا اسودا على الإسلام وعممه إلى جميع أمصار المسلمين (فكتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته. فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤن منه ويقعون فيه وفي أهل بيته).
علما أن سب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من المحرمات المؤكدة الموجبة للكفر بل هو الكفر بعينه. وقد دأبت عليه الأمة ردحا من الزمن ليس بيسير، وما نراه اليوم نسف حرمات أهل البيت في بقيع المدينة وسامراء العراق وغيرها إلا دليل شاهد على ذلك.
وكشاهد على ذلك ما رواه مؤرخوا السنة والشيعة على حد سواء ومنها على سبيل الشاهد ما روي : (عن عبد الله الجدلي قال دخلت على أم سلمة فقالت لي أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم؟
قلت: معاذ الله أو سبحان الله أو كلمة نحوها.
قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سب عليا فقد سبني ) () ذكره هذا الحديث جمع غفير من محدثي السنة ومنهم النسائي في كتابه الخصائص ص99 وكذلك في سننه الكبرى في الجزء 5ص133، ثم المستدرك للحاكم ج3 ص121 وغيرهم كثير.
إن هذه التربية الانقلابية على رسول الله قد عملت بها الأمة بما تشير إلى الدقة في منهج النصب الأموي لأهل البيت عليهم السلام في الصدر الأول من الإسلام فما بالك فيما بعد والى هذا اليوم.
فقد روى التاريخ أن:
(سعيد بن جبير قال : بلغ ابن عباس أن قوما " يقعون في علي عليه السلام فقال لابنه علي بن عبد الله : خذ بيدي فاذهب بي إليهم، فأخذ بيده حتى انتهى إليهم فقال : أيكم الساب لله ؟
فقالوا : سبحان الله من سب الله فقد أشرك.
فقال : أيكم الساب رسول الله ؟
فقالوا : من سب رسول الله فقد كفر.
فقال : أيكم الساب لعلي ؟
قالوا : قد كان ذاك.
قال : فاشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من سب عليا " فقد سبنى، ومن سبنى فقد سب الله، ومن سب الله كبه الله على وجهه في النار، ثم ولى عنهم فقال لابنه علي : كيف رأيتهم فأنشأ يقول :
نظروا إليك بأعين محمرة **** نظر التيوس إلى شفار الجازر
قال زدني فداك أبوك، فقال:
خزر الحواجب ناكسي أذقانهم **** نظر الذليل إلى العزيز القاهر
قال زدني فداك أبوك.
قال: ما أجد مزيدا ".
قال: لكني أجد :
أحياؤهم خزي على أمواتهم * والميتون فضيحة للغابر ) ()
وهذا دليل واضح بيّن يؤكد المنهج الأموي الانقلابي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خلال الكفر بالإسلام ونكران أهل بيته، ومع ذلك كله تجد الأمة المسلمة مستسلمة للفكر الأموي وهم يسمعون تصريحات النبي في حق أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام.
الإعلان الثامن: بناء سنة أموية بدل السنة النبوية بتشويه الحقائق في أذهان المسلمين
بعد أن اغرق معاوية أذهان المسلمين وعبأ رجال الرواية المأجورين لصناعة روايات في حق ابن أسرته الأموية عثمان، فعزم على خلق روايات في مدح الخلفاء السابقين مقابل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقد درج ذلك كله ضمن ما يسمى بالأحاديث النبوية أو السنة النبوية. وهذا هو نص المرسوم الأموي الذي ذكره ابن أبي الحديد وهو من أعلام أهل السنة غير الأموية بقوله: (ثم كتب [ معاوية ] إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين.)() إلى أن قال: فقرئت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها )().
الإعلان التاسع: تأسيس منهج العنف عند المسلمين بإعلان الانتقام من شيعة أهل البيت
حيث ورد في ذلك التعميم الذي بعثه (خليفة المسلمين معاوية؟) الذي بايعوه خليفة لرسول الله وراعيا للإسلام وحاميا للمسلمين في العام الذي باركته الأمة وهو عام الجماعة الذي اتبعه مشروع كتابة السنة النبوية على يد وضاع الحديث الأمويين ليخرج إلى الأمة مشروع جديد اسمه (السنة والجماعة) الذي يجب أن تتبعه الأمة على مر الأجيال فقال معاوية في تأسيسه لمشروع العنف في المسلمين الذي كان شيعة أهل البيت الميدان المفضل لتطبيق مناهج العنف عمليا في الواقع الخارجي فقال معاوية : (انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه) ().
حيث كانت السنة في مشروع الأمويين تعني سنتهم التي أرادوها للمسلمين تحت ستار السنة النبوية الشريفة، والجماعة تعني إجماع المسلمين على ولاية معاوية في العام الذي قاتل فيه الامام الحسن عليه السلام وانتزع منه الخلافة عبر سيل من الدماء كما هو حال ما يجري في عراق اليوم من محاولات إعادة البعثيين وتسليطهم على رقاب المسلمين من جديد، وقد سمي ذلك العام بعام الجماعة فجُمعتا ليكون كل من يسير على الإسلام الأموي ويعادي رسول الله في أهل بيته بِأهل السنة والجماعة.
الإعلان العاشر: تخريج علماء وأئمة فتوى ضد أئمة أهل البيت وشيعتهم
وهذا هو الأنكى والأشد لأن مشروع تربية الأمة على العنف يحتاج إلى أدوات تقوم بتوجيه الأمة لهذا الفعل المشين، فكان علماء البلاط ووعاظ السلاطين ورجال الاختصاص في وضع الحديث هم الأدوات الأفضل لأداء هذا الدور الأساس في تصفية جذور الإسلام الذي أرسى قواعده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليحل محله الإسلام الأموي، حيث قام معاوية ومن معه من الأمويين على مشروع توظيف متنسكين وعلماء دين لتبرير إقصاء أهل البيت وإبادة شيعتهم، وقد أرسل كتبه التي عمم فيها هذا الأمر إلى أنحاء البلاد الإسلامية حتى قال المؤرخون وقد :
(قُرئت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدَّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر وألقي إلى معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله.
فلم يزل الأمر كذلك حتى مات (استشهد) الحسن بن علي عليه السلام فازداد البلاء والفتنة فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا خائف على دمه أو طريد في الأرض. ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين عليه السلام وولى عبد الملك بن مروان فاشتد الأمر على الشيعة وولى عليهم الحجاج بن يوسف فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي عليه السلام وموالاة أعدائه [ وموالاة من يدعى من الناس أنهم أيضا أعداؤه ] فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم وأكثروا من النقص من علي عليه السلام وعيبه والطعن فيه والشنآن له حتى أن إنسانا وقف للحجاج ويقال : أنه جد الأصمعي عبد الملك بن قريب فصاح به أيها الأمير إن أهلي عقوني وسموني عليا وإني فقير بائس وأنا إلى صلة الأمير محتاج فتضاحك له الحجاج وقال : للطف ما توسلت به قد وليتك موضع كذا )()
وهكذا تم تعيين ذلك الرجل واليا للمسلمين، ودأب المسلمون على هذه التعاليم حتى صارت سنّة أدرجوها في السنة النبوية، مع تسمية عام الانتقام من الإسلام وأهل البيت بعام الجماعة فدمجوا العنوانين على مر التاريخ ليعلنوا أن هذه الممارسات هي ممارسات الدين والسنة التي يجب اتباعها والتي تعارف عليها فيما بعد (بالسنة والجماعة)، وأضافوا عليها قدسية الدين وتمت الكارثة على المسلمين.
حتى كان من ابرز نتائج هذه المشاريع : التشويه الفكري والعقائدي والثقافي في أذهان المسلمين فتمكن بذلك الأمويون من صياغة شخصية الإنسان المسلم شخصية هجينة تعلن إسلامها نظريا وتكفر به عمليا، تحب الرسول وتكفر بأهل بيته الذي تفانى في محبتهم وأمر الناس بها، وتعلن إخلاصها للرسول وتنتقم منه باجتثاث أهل بيته ومن يحبهم ويتودد إليهم، تعلن محبتها للإنسانية وتقتل أهل بيت نبيها، ومع ذلك تتشدق تلك الشخصية التي عليها عامة المسلمين بقيم الحق والخير ويقتلون أئمة الحق وينتقمون من الخير.
إلى أن نشأ من جراء تلك السياسات الأموية جيل من المتنسكين والعبّاد المتظاهرين بالصلاح والخوارج المتعبدين ودعاة الإصلاح من النواصب ممن كانوا يظهرون للناس أمورا ينسبونها إلى الإسلام، بل ينسبون الإسلام إليهم ويحصرون معرفته بهم دون أهل البيت الذي نزل في بيتهم القرآن وترعرع في ثناياهم الإسلام وهبط على جدهم الوحي.
حتى صار من أبرز معطيات تلك الشخصية الهجينة للامة الإسلامية أن سنّوا إلى هذا اليوم مناهج هجينة تكشف عن وحشية تعاملهم مع الإسلام وأهل البيت ومن يؤيدهم ويحبهم ويشايعهم.
ولبيان ذلك أكثر لا بد من تسليط الضوء على الأمور التالية الكاشفة عن معالم تلك الشخصية الهجينة :
الأمر الأول إظهار الاهتمام بحقوق الإنسان
الاهتمام بحقوق الإنسان أمر جميل يدعو إليه الإسلام فيحترم الإنسان والإنسانية إلا أن عامة الأمة كانت وما زالت تعمل بازدواجية الشخصية التي أسسها الأمويون من خلال التعامل المزدوج الذي يسميه القران الكريم نفاقا لأنهم يقولون ما لا يفعلون فذمهم بقوله تعالى: ( لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) () ومقت هذه الصفة لأنها من معطيات ثقافة المنافقين وليست المؤمنين والممارسات اليومية دالة على ذلك.
ومن الممارسات الكاشفة عن تلك الشخصية الهجينة أن روى المؤرخون المنصفون من أهل السنة قولهم: (..مضى القوم إلى النهروان، وقد كانوا أرادوا المضي إلى المدائن، فمن طريف أخبارهم أنهم أصابوا في طريقهم مسلما ونصرانيا، فقتلوا المسلم لأنه عندهم كافر، إذ كان على خلاف معتقدهم، واستوصوا بالنصراني، وقالوا : احفظوا ذمة نبيكم ) (). وقوله خلاف معتقدهم يعني ذلك المسلم كان من شيعة أهل البيت عليهم السلام المتوددين إلى نبي الإسلام في أهل بيته كما أمرهم، فهم يقتلون الشيعي ويستحلون دمه بينما يستوصوا خيرا بالنصراني وكأن نبيهم الذي أوصى بحفظ ذمة النصراني ا وصى بقتل أهل بيته وشيعتهم، الأمر الكاشف عن الازدواجية الحادة في شخصية هذه الأمة.
الأمر الثاني: إظهار الاهتمام بحقوق الأديان
وهذا المبدأ مما لا يقل قطعا ويقينا عما قد سبق من المعالم المزدوجة في الشخصية لدى عموم الأمة التي تربت على الجمع بين الاهتمام بالأديان واحترام أهل الذمة وإعلان الإيمان بالله ورسوله وبين الكفر بنبي الإسلام عبر الانتقام من أهل بيته الذين يمثلون أصل الدين وقمة الإنسانية.
وقد تحدث التاريخ عن هذه الشخصية كثيرا حتى قال: (أن واصل بن عطاء.. أقبل في رفقة ( كانوا معه) فأحسوا بالخوارج، فقال واصل لأهل الرفقة: إن هذا ليس من شأنكم، فاعتزلوا ودعوني وإياهم، وكانوا قد أشرفوا على العطب، فقالوا : شأنك، فخرج إليهم، فقالوا : ما أنت وأصحابك ؟ فقال : قوم مشركون مستجيرون بكم، ليسمعوا كلام الله، ويفهموا حدوده، قالوا : قد أجرناكم، قال: فعلمونا، فجعلوا يعلمونهم أحكامهم، ويقول واصل : قد قبلت أنا ومن معي، قالوا: فامضوا مصاحبين فقد صرتم إخواننا، فقال : بل تبلغوننا مأمننا، لان الله تعالى يقول : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه، قال : فينظر بعضهم إلى بعض، ثم قالوا : ذاك لكم، فساروا معهم بجمعهم حتى أبلغوهم المأمن. ) ().
وهذا يكشف عن مدى احترام الخوارج والنواصب ومن معهم على منهجهم من أمويي النزعة والنصب، فيحترمون أهل الذمة ويعلمونهم الأحكام التي هم عليها ثم يجتهدون في اتباع وصايا النبي وتعاليم القرآن فيوصلونهم إلى مأمنهم آمنين سالمين، بينما يستبيحون دماء أهل البيت وشيعتهم؟ !
وبعد هذا فأية ازدواجية أفضع من هذه الازدواجية؟
الأمر الثالث: استباحة حرمة أهل البيت وشيعتهم
يذكر التاريخ وقائع كثيرة يندى لها الجبين في هذا الخصوص ومنها: إن هؤلاء المتنسكين الخوارج لقوا يوما ما عبد الله بن خباب وهو صحابي بدري مواليا لأمير المؤمنين علي عليه السلام وكان: ( في عنقه مصحف، على حمار، ومعه أمراته وهى حامل فقالوا له : إن هذا الذي في عنقك ليأمرنا بقتلك.
فقال لهم : ما أحياه القرآن فأحيوه وما أماته فأميتوه.
فوثب رجل منهم على رطبة سقطت من نخلة فوضعها في فيه، فصاحوا به، فلفظها تورعا. وعرض لرجل منهم خنزير فضربه فقتله، فقالوا : هذا فساد في الأرض، وأنكروا قتل الخنزير، ثم قالوا لابن خباب : حدثنا عن أبيك.
فقال : إني سمعت أبي يقول : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : ستكون بعدى فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه، يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، فكن عبد الله المقتول، ولا تكن القاتل.
قالوا : فما تقول في أبى بكر وعمر ؟ فأثنى خيرا.
قالوا : فما تقول في علي قبل التحكيم، وفى عثمان في السنين الست الأخيرة ؟ فأثنى خيرا.
قالوا : فما تقول في علي بعد التحكيم والحكومة ؟
قال : إن عليا أعلم بالله وأشد توقيا على دينه، وأنفذ بصيرة.
فقالوا : إنك لست تتبع الهدى، إنما تتبع الرجال على أسمائهم، ثم قربوه إلى شاطئ النهر، فأضجعوه فذبحوه ) ()
من هنا يتبين أن الهدى عندهم يتجسد في بغض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والبراءة منه وأن لا يقول فيه إلا شرا. كما يتبين انهم قطاع طرق وجزارين على الهوية ومتفننين في تقتيلهم من يكتشفون انه ممن يحب أهل البيت عليهم السلام.
وبعد هذه البيانات الخطيرة عن السنة الأموية التي ألبسوها لباس التقوى لتكون السنة النبوية التي توجب على المسلمين جميعا التمسك بأئمة هذا التاريخ الفكري والثقافي المشوش المصنوع وفق القياسات الأموية الدموية وليست النبوية الشريفة. لأن السنة النبوية لم تكن لتنص على محاربة أمير المؤمنين علي وأهل البيت عليهم السلام بل أمرت بالضد من ذلك.
فهل السنة النبوية تستبيح دماء من يحب رسول الله في أهل بيته؟
أم أن السنة النبوية سنة دموية تحترم الخنزير وتتورع من أكل تمرة سقطت من شجرة أباح الله للمارة الأكل منها بقدر مقدور، ثم تستبيح دماء شيعة أهل البيت وتبقر بطن امرأته وهي حامل؟
كما في رواية ابن قتيبة الدينوري في كتابة الإمامة والسياسة حيث قال عن عبد الله بن الخباب: (فجاءوا به وبامرأته، فأضجعوه على شفير النهر، على ذلك الخنزير، فذبحوه فسال دمه في الماء، ثم أقبلوا إلى امرأته، فقالت : إنما أنا امرأة، أما تتقون الله؟
قال فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاثة نسوة، فيهم أم سنان قد صحبت النبي عليه الصلاة والسلام ) ().
و بالطبع فإنه لا ذنب لهؤلاء سوى إيمانهم بأهل بيت نبيهم الذين أمر الله بولايتهم في كتابه، وقرن ولايتهم بولايته فقال: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) () وكان هؤلاء الراكعون هم علي بن أبي طالب وحده المخصوص في هذه الآية كما اجمع عليه مفسروا المسلمين جميعا.
ثم قرن طاعتهم بطاعته فقال: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم..) () ومَنْ أفضل من أهل البيت ليكون وليا لأمر المسلمين من بينهم ؟.
هذا إضافة إلى أن الله تعالى قرن أنفسهم بنفسه في آية الغنائم فقال: ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبل إن كنتم آمنتم بالله والرسول وما اُنزل على عبدنا يوم التقى الجمعان) () فكان شرط إيمان المسلم يتبين في إعطاءه الخمس للذين نصت عليهم الآية وهو الله ورسول وقرباه ويتاماهم ومساكينهم وأبناء السبيل منهم دون عموم المسلمين الذين فرض لهم الزكاة دون أهل البيت عليهم السلام كما فصله أهل البيت عليهم السلام وذكره باقي المفسرين.
ومما تقدم من البحث تبين أن الأمويين قد عملوا على صنع سنة أموية خاصة بهم ثم نسبوها إلى النبي الأكرم والأبرأ منها فسموها سنة نبوية لما اختصت بذبح أهل بيته ومن يحبهم و يواليهم ويتودد إليهم من الممتثلين لأمر الله تعالى فيهم.
من هنا يتبين أن المسلمين إذا أراد أن يقطعوا مصادر التغذية الأموية من أوساطهم لابد لهم تطهير الفكر الإسلامي الذي بين أيديهم من مخالب السنة الأموية والثقافة الدموية المتعشعشة فيهم، والذي رأينا بعضا من ملامحه، ومصاديقه في واقعنا اليومي المعاصر وخصوصا العراق.
وبالتالي فماذا سيتمخض تطهير الثقافة الأموية من الفكر الإسلامي الذي بين يدي المسلمين من أهلنا من أهل السنة ؟
هذا ما سنبحثه في السر التاسع من الأسرار الكفيلة بدفع الأمة نحو الشموخ الحضاري الذي ستتهالك عليه الأمم بحثا عنه؟
محمد سعيد المخزومي
الأربعاء 12/ تموز /2006
المصادف
16/ جمادي الثاني/ 1427