أصداء

صواريخ حزب الله والقسام والحرب بالوكالة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

هناك حكمة صينية قديمة للقائد الصينى العظيم " ص تزو Suh - Tzo " تقول : " إذا كان عدوك هو الأقوى وثائر الأعصاب فلا تحاول إستثارته وتجنب مواجهته، وإذا كان هو الأضعف وأعصابه هادئة فحاول أن تعمل على إثارته حتى يقع فى الفخ ".

والسؤال هنا : من الذى نصب الفخ للآخر ومن الذى وقع فيه؟ حماس أم إسرائيل؟ حزب الله أم إسرائيل؟

هذا السؤال بدوره يطرح عدة تساؤلات أخرى بالغة الأهمية:

-
ما هى الأطراف الحقيقية للصراع والحرب الدائرة حاليا فى غزة ولبنان؟

-
هل الحرب الحالية وقعت نتيجة فخ منصوب مسبقا أم أنها لا تخرج عن كونها محصلة أفعال وردود أفعال وأخطاء فى الحسابات؟

-
ما هى النقطة التى عندها يمكن أن يتطور النزاع المسلح الحالى إلى حرب إقليمية واسعة النطاق تتعدى إقليم غزة ولبنان؟

-
ما هى تأثيرات الحرب الدائرة الآن، مع احتمالات تطورها على الصراع العربى الإسرائيلى والقضية الفلسطينية من المنظورين التكتيكى والإستراتيجى؟

التحليل التالى هو محاولة جادة وموضوعية للإجابة على الأسئلة السابقة و وضع النق ا ط على الحروف، وبعيدا عن نظرية المؤامرة والتفسير التآمرى للأحداث، مع تسليمنا الكامل بأن المنطقة ومنذ معاهدة سايكس ـ بيكو فى 1916 وهى تتعرض لسلسلة لا تنتهى من المؤامرات والمخططات الأجنبية....، وبعيدا عن تأثيرات إنفجارات الصواريخ والقنابل الذكية منها والغبية، وسحب الدخان الكثيف وصور الدمار والخراب والضحايا من المدنيين العزل من السلاح...

هى محاولة لا مفر منها للقراءة المتأنية والفهم الصحيح لما يدور فى فلسطين ولبنان والمنطقة بأسرها، بعيدا عن العنتريات الكاذبة وأوهام القوة المبالغ فيها،... محاولة تتطلب منا جميعا أكبر قدر من المصارحة والمكاشفة لحقائق الصراع العسكرى على أرض الواقع وليس فى مخيلتنا، نحرص فيها على استكشاف جذور الحرب الحالية وتقديم أكبر قدر من المعلومات التى يتعين على المواطن العربى العادى أن يعرفها لأنه هو الذى يدفع الثمن فى النهاية، وحتى لا نقع - كعادتنا - فى العالم العربى والصحافة العربية فريسة لعملية تمويه وخداع مخابراتى Disinformation نكون نحن اخر من يعلم حقيقتها وأول ضحاياها.

إن المعرفة الحقة قوة، والعلم قوة، وأعداء العرب يتسلحون بالمعرفة والعلم، قبل تسلحهم بأعتى الأسلحة الفتاكة التقليدية والغير تقليدية التى عرفها التاريخ البشرى، وأعداؤنا دأبوا على إتهامنا كعرب بأننا شعوب لا تقرأ، وإذا قرأنا لا نفهم، وإذا فهمنا لا نستوعب، وإذا فهمنا واستوعبنا فإننا ننسى بعد حين، فأصبحت قوة عدونا نتيجة طبيعية لضعفنا وفرقتنا وتشرذمنا.

أطراف الصراع

إن الحرب الضارية التى تدور رحاها الآن فى كل من غزة ولبنان وإسرائيل قد إندلعت فى وقت بالغ الحرج وفى ظل ظروف إقليمية ودولية شديدة التعقيد، كما أن أسباب نشوبها تتعدى بمراحل عمليات أسر جندى إسرائيلى هنا أو جنديين هناك،.. إنها صراع إرادات وأجندات متضاربة، ومصالح متصادمة، ومحاولات حثيثة لتغيير ميزان القوى فى الشرق الأوسط من خلال بروز تحالفات إقليمية جديدة من شأنها أن تجعل كل الإحتمالات والسيناريوهات واردة.

إن ما يجرى فى منطقة الشرق الأوسط الآن ينم عن أزمة حقيقية تحمل فى ثناياها كل عوامل الإنفجار والتصعيد العسكرى، والحل الأمثل للخروج من هذه الأزمة بسلام هو أن تتعامل معها كل الأطراف بمنطق وأسلوب إدارة الأزمات لا بأسلوب ردود الأفعال المتشنجة والعاطفية والتى لا نجيد سواها.، وأسلوب إدارة الأزمات هو فن وعلم يتعلق بالقدرات الخلاقة والمهارات الشخصية لصاحب القرار، والإلمام الجيد بالأسس والقواعد والضوابط التى تحكم إدارة الأزمات، وأول خطوة فى هذا الإتجاه هى أن نحدد بدقة الأطراف الحقيقية المتحاربة والمتصارعة.

حرب باردة وحرب بالوكالة

الحرب الحالية التى تدور فى غزة ولبنان، وإن كانت تبدو فى ظاهرها حربا بين إسرائيل وحماس، وبين إسرائيل وحزب الله، إلا أنها فى حقيقة الأمر لا تعدو أن تكون سوى " حرب بالوكالة" War By Proxy تعيد إلى الأذهان الحروب التى كانت تندلع خلال سنوات الحرب الباردة بين العرب وإسرائيل فى الشرق الأوسط، أو بين الهند وباكستان فى شبه القارة الهندية، والتى كانت فى حقيقتها حروبا بين القوتين العظميين النوويتين - الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفييتى - فإذا انتصرت إسرائيل على العرب فى جولة من جولات الصراع العربى الإسرائيلى فهو إنتصار للولايات المتحدة الأمريكية وهزيمة للإتحاد السوفييتى والعكس صحيح باعتبار أن كلا منهما هو الحليف الأكبر والممول الرئيسى للسلاح لطرفى الصراع، وبالنظر إلى أن واشنطن وموسكو كانتا بمقدورهما وحدهما فرض وقف إطلاق النار عند الضرورة إذا ما لاح فى الأفق أن الحرب الإقليمية قد تؤدى إلى حدوث مواجهة عسكرية نووية بين القوتين العظميين.

فى الحرب الحالية فى غزة ولبنان نجد حماس وحزب الله يقفان على مسرح المعارك، وخلفهما ومن وراء الكواليس تقف سوريا وإيران حيث يقومان بدور المؤلف والمخرج والممول بالسلاح والمال، فى إطار حلف جديد يتكون من سورية وإيران وحزب الله وحماس فى مقابل حلف آخر غير معلن لأسباب كثيرة أهمها حساسية الشعوب العربية من الأحلاف العسكرية والسياسية، يضم الولايات المتحدة وإسرائيل وأنظمة الحكم فى الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين - نعم قطر والبحرين -،.. والحلف الأخير يحظى بتأييد وتعاطف أوروبى وغربى ربما لم يسبق له مثيل.

إن الحرب التى تشنها إسرائيل الآن فى غزة ولبنان هى التطبيق العملى لخطط حرب إسرائيلية كانت جاهزة منذ سنوات طويلة وخاصة الحرب ضد حزب الله، ووضعتها إسرائيل على الرف إنتظارا للحظة المناسبة والظروف الملائمة، وقد منحت عملية إختطاف وأسر الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليت الذريعة المناسبة لإسرائيل لتشن حربها على حماس والهدف إسقاط حكومتها المنتخبة لرفضها الإعتراف أولا بحق إسرائيل فى الوجود والتخلى عما تعتبره إسرائيل إرهابا وتعتبره حماس مقاومة شرعية ضد الإحتلال، كما منحت عملية حزب الله العسكرية الناجحة بأسر جنديين إسرائيليين الذريعة لإسرائيل لشن الحرب المتوقعة منذ سنوات لإبادة حزب الله وبتواطؤ أمريكى وغطاء سياسى كامل، وما يجرى الآن فى غزة ولبنان ليس بمعزل تماما عن الحرب الدائرة فى العراق منذ أكثر من ثلاثة أعوام.

إنها حرب باردة جديدة فى الشرق الأوسط تجرى بين طرفين رئيسيين:

-
الولايات المتحدة الأمريكية وإيران،. الولايات المتحدة تستخدم إسرائيل لتقاتل نيابة عنها تحقيقا لمصلحة أمريكية ومصلحة إسرائيلية.

-
إيران ومعها سورية الحليفة تحاربان معا الولايات المتحدة وإسرائيل من خلال حزب الله وحركة حماس، ومن خلال إثارة القلاقل والمتاعب للوجود العسكرى الأمريكى فى العراق.

والحرب الدائرة الآن فى غزة ولبنان وشمال إسرائيل هى حرب تجريبية أو " بروفة" لمعرفة رد الفعل الإسرائيلىوقبل الدخول فى حرب إقليمية واسعة تشترك فيها سوريا وإيران ضد إسرائيل والولايات المتحدة، وهى حرب تعتمد حتى الآن على استخدام صواريخ الكاتيوشا، من جانب حزب الله، وعلى سلاح الطيران والمدفعية الثقيلة من جانب إسرائيل، ودون استخدام قوات برية كبيرة العدد.

وبين الحرب الباردة والحرب بالوكالة توجد حقيقة وأمر واقع لا يحق لأحد أن يتجاهلهما ألا وهو أن أحد أطراف الصراع - الولايات المتحدة الأمريكية - قوة عظمى بل هى القوة العظمى الوحيدة فى العالم اليوم، والقوة العظمى الوحيدة فى الشرق الأوسط،.. وهذه القوة العظمى متواجدة فى المنطقة من خلال 300 ألف من القوات الأمريكية المتواجدة فى العراق ودول الخليج، ومنذ نشوب الحرب الأمريكية على العراق فى فبراير 2003 وحتى اليوم توافد على العراق والمنطقة ما يقرب من 900 ألف من القوات الأمريكية فى المتواجدة فى داخل الولايات المتحدة وفى القواعد الأمريكية المنتشرة حول العالم، وطبقا لنظام التدوير للقوات المحاربة فى العراق Rotation System،... ومن خلال أربعة عشر قاعدة عسكرية فى العراق فقط، بالإضافة إلى قواعد عسكرية أمريكية فى الكويت وقاعدة "العديد"فى قطر - أكبر وأحدث قاعدة أمريكية فى العالم، ومن خلال مقر قيادة الأسطول الخامس الأمريكى فى البحرين، وتواجد الأسطول السادس فى البحر المتوسط،... ومن خلال البوارج والمدمرات والسفن الحربية الأمريكية فى منطقة الخليج، ومن حاملات الطائرات التى تتجه فى هذه الأيام نحو الساحل اللبنانى، وعلى مقربة من الحدود السورية مثل حاملة الطائرات الأمريكية " ناشفيل"،.. ومن خلال صواريخ الكروز المتوسطة والبعيدة المدى سواء المحمولة جوا أو فى البوارج والمدمرات الحربية الأمريكية، ناهيك عن طائرات " الأواكس " AWACS وأقمار التجسس الأمريكية والإسرائيلية التى تجوب فى الفضاء فوق منطقة الشرق الأوسط بأسرها وعلى مدار الساعة، فضلا عن القوة العسكرية الإسرائيلية التى حرصت الولايات المتحدة الأمريكية طوال العقود الأربعة الماضية على أن تفوق مجموع القوى العسكرية العربية مجتمعة مع التركيز على الكيف لا الكم.

هذه كلها أمثلة على سبيل المثال لا الحصر، ويعلم الله أننى لا أذكرهها هنا للترهيب والتخويف أو دعوة للإستكانة، وإنما للعلم والتذكرة وتقرير لأمر واقع فعلا فى المنطقة، وهى كلها حقائق أضعها أمام المواطن العربى العادى بعد أن تركناه عقودا طويلة فريسة سهلة ولقمة سائغة لأصحاب الصوت العالى الحنجورى من جحافل التطرف الدينى والهوس الطائفى والمذهبية السياسية، وجنرالات الحروب الوهمية والمعارك " الدونكيشوتية "!.

إيران الهدف وحزب الله الوسيلة

لقد أدركت طهران مبكرا أن إيران هي الهدف الرئيسى من الحملة الأمريكية على العراق،بعد أن أدرجها الرئيس الأمريكى جورج بوش الإبن ضمن دول محور الشر مع العراق وكوريا الشمالية، وما العراق إلا محطة أولى ونقطة إرتكاز للإنقضاض على الهدف الأكبر لأسباب لوجيستيكية واستراتيجية فالولايات المتحدة ليست في حاجة اوهى من السذاجة بحيث ترسل الجيوش وألأساطيل وحاملات الطائرات لكى تسقط رئيس دولة حتى ولو كان صدام حسين، هذه مهمة جهاز مخابرات السى أى إيه، هذه حقيقة كان يهمس بها كثير من المراقبين والمحللين السياسيين الغربيين قبل الغزو الأمريكى للعراق وأصبحوا يتحدثون عنها صراحة وعلنا فى تحليلاتهم الصحفية وبرامج الحوار التليفزيونية الكندية والأمريكية، وهذا لا ينفي أو يتعارض مع هدف الرئيس بوش الإبن والرئيس حورج بوش الأب بل وعائلة بوش كلها فى التخلص من صدام حسين واسقاط نظامه وتصفية حساب قديم كان يستحق الدفع فى حرب الخليج الأولى.

لقد نجح الحلف الإيرانى السورى فى إستخدام حزب الله كمخلب قط فى الصراع مع إسرائيل، والضحية - كالعادة - لبنان،.. دائما لبنان هو الذى يدفع الثمن بأكثر مما يحتمل.

فى الواقع أن حزب الله قد أصبح طرفا فاعلا فى المواجهة مع إسرائيل، ولا نبالغ إذا قلنا أنه لا توجد دولة من دول الجوار الإسرائيلى تمثل خطرا وتهديدا مباشرا لإسرائيل مثل التهديد الذى يمثله حزب الله، فمصر والأردن ترتبطان مع إسرائيل بمعاهدات سلام، وسورية تسعى للتفاوض سلميا لإستعادة هضبة الجولان المحتلة دون جدوى، والنظام فى لبنان لا حول له ولا قوة، ولذا فنحن نرى أن الصدام العسكرى المسلح بين إسرائيل وحزب الله كان أمرا محتوما لا مفر منه وقد تنبأنا به وأشرنا إليه فى سلسلة مقالات نشرت فى أعقاب إغتيال رفيق الحريرى رئيس وزراء لبنان الراحل، وذلك لأسباب ثلاثة رئيسية هى:

أولا العامل الأمنى، فالكل يعلم بالهاجس الإسرائيلى الشديد الحساسية فيما يتعلق بأمن إسرائيل، فإذا كانت إسرائيل قد أصرت أثناء مفاوضات السلام مع مصر على أن تجعل شبه جزيرة سيناء منطقة منزوعة السلاح إلا من قوات رمزية فليس من المتصور أن تقبل إسرائيل أن يظل الشمال الإسرائيلى بالكامل تحت رحمة صواريخ حزب الله فى الجنوب اللبنانى، وأيضا آيات الله فى إيران.

ثانيا العامل الإيرانى : ليس خافيا على أحد أن الدعم العسكري الرئيسى لحزب الله يأتى من إيران رغم إنكار الأمين العام للحزب الشيخ حسن نصرالله لهذا مدعيا أن حزب الله يحصل على السلاح من السوق العالمى وأنه فى متناول من يقدر على الشراء ودفع الثمن، وهو هنا يتجاهل حقيقة يعلمها الشيخ حسن جيدا وهى أن السلاح سلعة إستراتيجية، وأن صفقات السلاح ـ خاصة الصفقات الكبيرة ـ حتى المعروضة فى السوق العالمى تحكمها ضوابط واعتبارات سياسية وحسابات وتوازنات إستراتيجية تفرضها الدول المنتجة بقيود على شركات ومصانع الأسلحة التابعة لها، ولذا ترى إسرائيل ومعها الولايات المتحدة أن إيران هى التى مكنت حزب الله من أن يصبح اللاعب الرئيسى على الساحة اللبنانية، ورمزا للمقاومة والكفاح المسلح ضد إسرائيل ليس فى نظر باقى طوائف الشعب اللبنانى فحسب وإنما فى نظر مئات الملايين من العرب والمسلمين، وهذا من شأنه أن يجعل من الطرف الإيرانى لاعبا إقليميا فاعلا ومؤثرا لا يمكن للقوى الكبرى أن تتجاهله. وسواء إتفق المحللون السياسيون أو اختلفوا على طبيعة وتصنيف العلاقة بين حزب الله وإيران فإن الحقيقة التى لا شك فيها ـ على الأقل من المنظور الإسرائيلى الأمريكى ـ أن حزب الله قد أصبح سلاحا فى يد إيران، ولعل هذا يفسر لنا الحملة الإسرائيلية المحمومة ضد إيران ونجاحها فى الضغط على الولايات المتحدة لإدراج إيران كدولة ضمن دول " محور الشر "، وفى إعتبار حزب الله منظمة إرهابية متطرفة.

إن إسرائيل فى الأعوام الأخيرة لمتدخر وسعا أو تألو جهدا فى التحذير من الخطر الإيرانى، وأعلن إرييل شارون أكثر من مرة أن الخطر الإيرانى لا يقل خطورة عن خطر العراق تحت حكم صدام حسين، وتسعى إسرائيل جاهدة بالتعاون مع الولايات المتحدة لإجهاض البرنامج النووى الأيرانى، ويتوقع كثير من المراقبين السياسيين الغربيين أن إسرائيل ربما تقدم على توجيه ضربة جوية للمفاعل النووى الإيرانى على غرار الضربة الجوية التى وجهتها للمفاعل النووىالعراقى فى عام 1981، وما يجعلها تتردد فى إتخاذ هذه الخطوة حتى الآن هو خشيتها من رد فعل حزب الله بضرب الشمال الإسرائيلى بصواريخ كاتيوشا المتطورة التى بحوزته، ورد فعل إيران بضرب إسرائيل نفسها بصواريخ شهاب طويلة المدى التى تمتلكها.

ثالثا إعتبار حزب الله الوجود الإسرائيلى فى المنطقة وجودا سرطانيا وغير شرعى،
ووقوف حزب الله كعقبة كبيرة فى وجه المخطط الإسرائيلى الصهيونى الأمريكى الرامى إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين فى لبنان ( وفى سورية وفى الأردن )، ودعمه للإنتفاضة الفلسطينية فى الأراضى المحتلة. وهذا الموقف كان قد أعلنه بكل وضوح الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله فى حديثه الصحفى لإبراهيم نافع وبعثة الأهرام فى 16 فبراير 2000 ـ أى قبل الإنسحاب الإسرائيلى المفاجئ من جنوب لبنان بنحو ثلاثة أشهر حيث قال بالحرف:

" بالنسبة لاسرائيل سوف تبقي في فكرنا وبرنامجنا كيانا غير شرعي وغير قانوني وطاريء وسرطاني لايمكن ان نعترف بهrlm;،rlm; وبالتالي سننخرط مع اطراف اخري في مقاومة التطبيع مع هذا الكيانrlm;،rlm; لأن مواجهة التطبيع هو الذي من شأنه ان يعيق تحول اسرائيل الي دولة عظمي في المنطقةrlm;.rlm; ومثلما كانت حرب rlm;1973rlm; وحربrlm;1982rlm; والمقاومة في لبنان وفشل الاحتلال الاسرائيلي هي العوامل التي اسقطت مشروع اسرائيل الكبري الممتدة عسكرياrlm;،rlm; فان مواجهة التطبيع هي التي من شأنها ان تسقط اسرائيل العظمي التي ستمتد سياسيا واقتصاديا وثقافياrlm;.

مطالب لبنان واضحةrlm;،rlm; وهي استعادة الارض التي تم احتلالها واقتطاعهاrlm;،rlm; ويوازي استعادة الارض من حيث الاهمية عودة اللاجئين الفلسطينيينrlm;،rlm; ومن ثم هناك موضوع التعويضrlm;.rlm; فلبنان لايتحمل من حيث تركيبته الاجتماعية وطبيعة مشاكله الراهنة توطين الفلسطينيينrlm;.rlm; وحزب الله عندما يرفض توطين الفلسطينيين في لبنان لاينطلق من حسابات سياسية او ايديولوجيةrlm;،rlm; وانما ينطلق من ان التوطين في لبنان ثم في سوريا والاردن معناه التخلي عن فلسطين وهذا أمر غير مقبول وغير وارد ونحن نقول انه لايجب فقط رفض توطين الفلسطينيين في لبنانrlm;،rlm; وانما ينبغي ايضا رفض تهجيرهم وتشتيتهم في العالمrlm;،rlm; فالفلسطينيون يجب ان يعودوا الي ارضهم ويستردوا حقوقهمrlm; ".(انتهى)

هذه الأسباب الثلاثة التى ذكرناها تشير كلها إلى حتمية المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحزب الله، ومنذ سنوات وإسرائيل تحاول أن تخلق الظروف المناسبة وتهيئ الأجواء لتلك المواجهة مستغلة التحالف الإستراتيجى الغير مسبوق بينها وبين الولايات المتحدة والمتغيرات التى طرأت على العالم منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، وبعد نجاح إسرائيل فى أن تجعل الولايات المتحدة تدرج حزب الله فى قائمة المنظمات الإرهابية المتطرفة مما يجعله هدفا فى حرب الرئيس جورج بوش الإبن ضد الإرهاب.

فى الواقع إن إدراج إسرائيل لكل من حماس وحزب الله ضمن المنظمات الإرهابية لهو أمر مثير للسخرية، إذ أن إسرائيل هى التى ساهمت فى وجودهما، فحماس أوجدتها إسرائيل ودعمتها فى أعقاب الإنتفاضة الفلسطينية الأولى ( إنتفاضة أطفال الحجارة) فى عام 1987 لتكون قوة مناوئة وموازنة لنفوذ عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية فى الأراضى المحتلة وقت أن كان عرفات وم. ت. ف. فى المنفى فى تونس، كما أن ظهور حزب الله على ساحة المقاومة كان نتيجة طبيعية لإجتياح إسرائيل لجنوب لبنان فى عام 1987، ثم الغزو الإسرائيلى على لبنان وحصار بيروت فى صيف عام 1982، تحت مزاعم تحقيق الأمن الإسرائيلى،.. إنه إنقلاب السحر على الساحر، أو ما يعرف فى السياسة بقانون النتائج العكسية The Law Of Unintended Consequences.

وإذا كانت إسرائيل هى المستفيد الأكبر من زعزعة الإستقرار فى لبنان فإن الولايات المتحدة لها مصلحة أيضا فى القضاء على حزب الله أو إضعافه إذ أن تيار المحافظين الجدد المتشدد داخل إدارة الرئيس جورج بوش والذى ظل أقطابه يناضلون للوصول للحكم طوال ربع قرن لا يمكنهم أن ينسوا أن حزب الله اللبنانى كان أول من أدخل سلاح العمليات الإستشهادية (الإنتحارية) إلى الشرق الأوسط عندما قاد أحد الفدائيين شاحنة كبيرة مفخخة بالمتفجرات وفجرها فى مقر قوات مشاة البحرية الأمريكية ( المارينز ) فى بيروت فى عام 1983، وأسفر الحادث عن مقتل 241 من القوات الأمريكية.، ولذا فنحن لا نستبعد أبدا أن يتطور الضرب الإسرائيلى الحالى للبنية العسكرية لحزب الله ومحاولة تدمير منصات إطلاق الصواريخ الثابتة والمتحركة المنتشرة فى الجنوب اللبنانى فى المستقبل القريب إلى عملية إسرائيلية - أمريكية مشتركة، أو على الأقل بتواطؤ وغطاء أمريكى. ولكن قبل ذلك كان يتعين ـ وطبقا للمخطط الإسرائيلى الأمريكى ـ خروج القوات السورية بالكامل من لبنان، ومن هنا جاء إصدار قرار مجلس الأمن رقم 1559 فى سبتمبر 2004 والذى ينص على ذلك، كما يتضمن القرار أيضا نزع سلاح الميلشيات والمقصود بالمليشيات هنا ميلشيات حزب الله، فمن فى لبنان يستطيع أن ينزع سلاح حزب الله ؟!! الحكومة أم الجيش اللبنانى الذى ليس له وجود فى جنوب لبنان على الإطلاق؟ إن معظم اللبنانيين على إختلاف مذاهبهم السياسية وطوائفهم الدينية يكادوا يتفقون على أن حزب الله هو رمز المقاومة اللبنانية، ولكن يبدو أن إسرائيل قد أخذت على عاتقها عملية نزع سلاح حزب الله بمباركة أمريكية وضوء أخضر من واشنطن.

إذن الصدام العسكرى الحالى كان لا بد له أن يقع، وأول من يعى هذا هو الشيخ حسن نصر الله - 46 عاما - الأمين العام للحزب وهو شاب يفهم فى السياسة ويمارسها، وللحقيقة والإنصاف علينا أن نعترف أنه إستطاع خلال السنوات الست الماضية وحتى الآن أن يدير الصراع مع إسرائيل والقوى الكبرى بذكاء وإقتدار وحنكة سياسية أكبر وأفضل من كثير من الحكام العرب، إلى درجة أن وصفه السفير الإسرائيلى فى واشنطن دانى أيالون بأنه " القائد الأكثر حنكة وفطنة فى العالم العربى والأشد خطرا "،.. ولعل مظاهرة المليون ونصف المليون نسمة التى حشدها بعد أيام قليلة من حادث إغتيال رفيق الحريرى تأييدا لسورية لهى أكبر دليل على ذلك ـ لقد كانت بحق " ضربة معلم "، فهى وإن كانت تهدف إلى إظهار التأييد والتضامن مع سورية والرئيس بشار الأسد إلا أنها أيضا أظهرت للعالم كله مدى التأييد والقوة والنفوذ الذى يتمتع به فى لبنان ـ إن حشد مظاهرة ضخمة تضم نحو مليون ونصف مليون متظاهر فى مدى أيام قليلة عمل كبير وإنجاز يدعو إلى
التقدير والإحترام حتى بالمقاييس الأمريكية، لقد حاول لويس فاراخان زعيم " أمة الإسلام " فى الولايات المتحدة أن ينظم مظاهرة للزنوج فى منتصف التسعينيات من القرن لماضى تعرف باسم " مظاهرة المليون" فلم يستطع، وأقصى عدد من المتظاهرين استطاع حشده كانحوالى 750 ألف متظاهر.

لقد كانت مظاهرة المليون ونصف مليون فى بيروت حدثا تاريخيا بمعنى الكلمة ورسالة قوية أرسلها حزب الله والشيخ حسن نصر الله إلى واشنطن وباريس، وقد وصلت الرسالة عالية وواضحة وفيها استعراض قوة غير مسبوق لحزب الله وزعيمه على الساحة اللبنانية، وأخشى أن يكون هذا الإحساس بالقوة قد كبر فى رأس الشاب حسن نصر الله، وتحول إلى جنون العظمة وأوهام القوة، وجعله ينسى حقائق القوة الفعلية على أرض الواقع، وأول هذه الحقائق أن بلدا مثل لبنان كله وليس الجنوب فقط لا يتعدى أن يكون مجرد نقطة على خريطة الإستراتيجية الأمريكية الكونية.

كما أخشى أن تكون أوهام القوة قد جعلت حسن نصر الله يتصور نفسه القائد التاريخى الملهم الذى سيوحد العرب والمسلمين ويحرر فلسطين والقدس الشريف، وأنه صلاح الدين القرن الواحد والعشرين.

إن القائد التاريخى الحقيقى من طراز صلاح الدين الأيوبى هو الذى تتلائم أحلامه وتطلعاته الكبيرة مع قدراته وإمكانياته فى لحظة تاريخية معينة.


وللحديث بقية بإذن الله

مسعد حجازى

كاتب وصحفى مصرى - كندى

Mossad_Hegazy@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف