أصداء

وين الملايين

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

وين الملايين... شعوب العالم وين؟

انتهت المحادثات بخصوص الأزمة اللبنانية في مدينة روما دون قرار حاسم لوقف القتال بين إسرائيل وحزب الله، هذا في الوقت الذي كثرت فيه النداءات من الشرق والغرب والتي لا تجد لها صدى أمام تعنت الولايات المتحدة وإسرائيل.

ولعل الأحداث المتتالية ودور إسرائيل البطولي فيها تدفعنا إلى التحليل واستخلاص العبر و الدروس من تاريخ المرحلة دون التعامل الانفعالي الذي يشفي وإن كان لا يجدي. ولذلك فقد وصلت إلى أربع خلاصات كبرى يمكن استنباطها من الحرب التي بدأت منذ أكثر من أسبوعين.

الخلاصة الأولى تتأسس على استمرار المواجهات وسقوط العديد من الضحايا اللبنانيين أغلبهم من الأطفال والنساء مما يؤكد ضعف القرار العربي ممثلا في الحكام العرب الذين يكتفون بالتنديد و الشجب أو مطالبة بعضهم بوقف إطلاق النار، وهذا يفهم في سياق الشرعية الشعبية التي يفتقدها كل هؤلاء الحكام باستثناء الحالة الفلسطينية التي تظل بمثابة الشمعة التي تنير ظلام العالم العربي. فلغة الخوف والتواطؤ تنبعث من أفواه المتحكمين في دواليب القرار العربي من المحيط إلى الخليج، لذلك لا ينتظر من حكام العالم العربي سوى الكلام المعسول و الديبلوماسية المطبوعة بالمفارقات العجيبة، بالمقابل أصبح الإنسان العربي والمسلم رخيصا بل أرخص من الكلاب التي تدافع عنها الجمعيات والمنظمات الدولية لكي تتمتع بكافة حقوقها. فلماذا لا يحرك الإنسان المفقود و المقتول و المصاب ضمير الحكام العرب وكأن الكل يتفرج في هذه المسرحية التراجيدية، نائما في العسل بعيدا عن هموم الشعب الحقيقية.

الخلاصة الثانية تهم الشعوب العربية التي أصبحت شبه عاجزة عن مطالبة حكامها بالابتعاد عن استهلاك لغة الخشب عندما يتعلق الأمر بمناقشة مصير الشعب اللبناني أو الفلسطيني في صراعهما مع إسرائيل. وهذا منطقي للغاية مادامت لم تحقق هذه الشعوب بالدرجة الأولى النصر في معركتها الأساسية من أجل العيش بكرامة في ظل دولة الحق والقانون. إن الوضع اليومي أصبح يؤكد أن لعنة الهزيمة مازالت تغرق المواطن العربي من رأسه حتى أخمص قدميه بل أكثر من ذلك أمست البلدان العربية لا تقارن حتى مع بعض الدول الإفريقية التي تشهد تطورا ونموا ملحوظين. وفي هذا السياق، لابد من التذكير بأن عجز الشعوب ودورها المباشر وغير المباشر في فبركة أنظمة لا تمثلها يشكل نقطة مهمة للتحليل بعيدا عن لعب دور الضحية المعروف، فلو لم يكن مواطني هذه الشعوب نعاجا لما كان حكامهم ذئابا. الوضع يتطلب وقفة نقدية لمراجعة الذات وإعادة النظر في آليات التفكير وتفكيك شروط التخلف باعتبار أن التطور الشمولي لا يتحقق بمعزل عن التطور العلمي وبناء المواطن ودولة المؤسسات الكفيلة بضمان الحريات و تحصين الأفراد والجماعات.

الخلاصة الثالثة ويختزلها الإخفاق الأمريكي والإسرائيلي بالمنطقة، وهذا يخلق عدة متاعب لإدارة بوش التي تتوفر على مشاريع سياسية متعددة تسميها الآن بالشرق الأوسط الجديد. هذا الفشل تبرره بعض الأصوات الأمريكية التي تقول أن إدارة بوش تخلت عن بلدان وحركات معينة مثل سوريا وإيران و حماس ونعتتها بمحور الشر. هذا الوضع يدفع الإدارة الأمريكية إلى ممارسة المزيد من الضغط وإعادة ترتيب أوراقها من أجل إخراج الخريطة الجديدة للشرق الأوسط. ولعل تصريح وزير العدل الإسرائيلي حاييم رامون بكون المؤتمر الدولي الذي عقد في روما أعطى إسرائيل الضوء الأخطر لمواصلة عدوانها في لبنان، يعد مقدمة لمسلسل جديد حابل بالمفاجآت الصادمة.

الخلاصة الرابعة تهم الغرب المتقدم والذي يظهر أن جل حكامه يمارسون نوعا من السكوت المفضوح وكأنهم غير قادرين على مجابهة إسرائيل. وكما راجت أغنية المطربة اللبنانية جوليا بطرس "وين الملايين...الشعب العربي وين...، فضلت استعمال مقطع مغاير يصف المشهد التراجيدي الراهن: وين الملايين... شعوب العالم وين ؟ فأمر بديهي أن لا يضرب لوجود العرب أي حساب في المعادلات السياسية حاليا، بالمقابل يطرح ألف سؤال حول دلالة الصمت الإنساني وخاصة في بلدان الغرب الذي لم يستطع حكامه أن يوقفوا إطلاق النار لحد الساعة. فمازال الحاكم ببلدان الثورات الصناعية و السياسية و الفكرية عاجزا عن إنقاذ الإنسان من الموت والضياع. أما أوروبا أو الرجل المريض كما يصفه العديد من المحللين فتراوح نفسها بين التنديد و المطالبة أو التشاور.

عموما، الأغنية الجديدة التي من المفترض أن يسمعها الكل: وين الملايين... شعوب العالم وين... تخفي مقاطعها حيوانية الإنسان ونزوعاته العنيفة و أصوله الطبيعية بل تعري عن ثقافته الناقصة و تصوره العدواني التي يجعله لا يصل إلى درجة يغلب فيها كفة الحب وينتصر لإنسانيته الغائبة التي تقول بلسان حالها: لقد ضاع الإنسان بين براثين المصالح و الصراعات الفارغة وتحول إلى ممارس للعنف أو متورطا فيه أو مساهما في إنتاجه بسكوته عن الحق أو القبول بالظلم إراديا. فكيف يحصل الانتماء للإنسانية والإنسان مازال يمارس أو يساهم في إنتاج هذا العنف المادي البشع؟

محمد نبيل

صحافي بألمانيا
falsafa71@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف