إما دولة الطائف وإما دولة الطوائف (1)

من بعد حرب طائفية أكلت الأخضر واليابس فى لبنان وإستمرت لسنوات طويلة، ومن بعد أن تبين أن طائفة لن تنتصر إنتصارا ساحقا على أخرى إجتمع الفرقاء تحت رعاية المملكة السعودية وتوصلوا لإتفاق الطئف الشهير. نص إتفاق الطائف الذى حظى بتأييد دولى على أن تدخل القوات السورية لفرض الأمن والنظام، وأن تنزع أسلحة المليشيات وأن يتم إنهاء حكم الطوائف وكذلك القضاء على محاصصة المراكز والوظائف العمومية فى الدولة اللبنانية تدريجيا، أى باختصار أنشاء دولة فى لبنان.
الإتفاق فى بعده النظرى تضمن أساسا معقولا لبناء الدولة اللبنانية. ولكن يبدو أن إتفاق الطائف، وعلى عادة الأعراب، بنى على الأمنيات الطيبة فقط ولم يأخذ فى إعتباره الواقع. أثبت الواقع أن الإتفاق كان مرحلة لكل الفرقاء اللبنانيون، مرحلة الخضوع للإرادة الدولية وأيضا إدراك عبثية الإستمرار فى الإحتراب من بعد أن ربحت بعض الفرق وخسرت بعضها، ولم يعد ممكنا جنى مزيد من الأرباح لمن ربح، ولا فرصة لإستعادة الخسائر لمن خسر.
خسر اللاجئون الفلسطينيون ومسلحيهم جمهورية الفكهانى. خسر المارونيون إستفرادهم بإدارة الدولة اللبنانية. كسب الشيعة اللبنانيون ثقلا يتوازى مع تعدادهم. لم يكسب الدروز ولم يخسروا. كذلك لم يكسب السنة اللبنانيون ولم يخسروا إلا بعض العمق السنى الفلسطينى!
إنتقل الصراع اللبنانى اللبنانى من ساحة الحرب إلى ساحة السياسة والإقتصاد. فى الساحة الإقتصادية كسب السنة من دعم المال السعودى ويمكن الزعم أن الإقتصاد اللبنانى قد بنى من بعد الحرب الأهلية على دعامتين، الأولى هى الأموال والمساعدات السعودية السخية المباشرة والغير مباشرة، والدعامة الثانية هى أموال المهاجرين اللبنانيون وأكثرهم من الطائفة المارونية.
لم يستطع لا السنة اللبنانيون ولا المارون من ترجمة قوتهم الإقتصادية إلى مكاسب سياسية لعدة أسباب. أول تلك الأسباب أن القوة الإقتصادية لا تؤمن قوة سياسية إلا لو ساندتها إمكانيات عسكرية. ولذلك نجد أن دول مثل اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية رغم قوتها الإقتصادية الرائعة ليس لها وزن سياسى كمثل وزن كوريا الشمالية التى تشحذ غذاء مواطنيها! الفئة الوحيدة التى إستطاعت زيادة وزنها السياسى بإضطراد هى فئة الشيعة اللبنانيون!
إستفادت طائفة الشيعة اللبنانيين أيضا من الموارد المالية التى صار مهاجروها يضخونها فى شرايينها ولكن هذه الموارد لم تكن على قدر ما يضخه السنة ولا الموارنة. إستعاضت الطائفة الشيعية عن وفرة الموارد الإقتصادية السنية والمارونية بأن إستغلت الوجود السورى والتماهى الطائفى الإيرانى فى زيادة التسلح والتدريب العسكرى لمنسبيها حتى صارت قوة تفوق قوة الدولة اللبنانية "المزعومة". وأدت زيادة القوة العسكرية للطائفة الشيعية إلى وجود علاقة تشبه الإبتزاز بينها وبين الدولة اللبنانية "المزعومة". وآسف إن كان وصف المزعومة صادما للبعض ولكنها هى الحقيقة، فلا وجود لدولة لبنانية إلا بالقدر الذى توجد به دولة صومالية!
لا نريد تكرار ما كتبناه سابقا من الدولة اللبنانية إلتزمت بتقديم كافة الخدمات لمجتمع دولة حارة حريك، بينما دولة حارة حريك لم تلتزم حتى بالتنسيق مع الدولة اللبنانية فى قرارها دخول الحرب مع الجارة الجنوبية، وإذا لم يكن هذا إبتزازا فماذا يكون!؟ سوريا إنصاعت للقرار الدولى بإنسحابها من لبنان وهى تعلم يقنيا أنها لم تنسحب فلا زال لها جيش عرمرم فى الجنوب اللبنانى. بل كان الإنسحاب السورى بشكل ما أفضل لسوريا إذ أن جيشها التابع لحارة حريك ينفذ أجندتها بدون مسؤلية مباشرة عليها وبدون أن تعرض دولتها للإهتزاز، وشعبها للخسائر.
الكلام عن أن "المقاومة" لن توجه سلاحها للصدور اللبنانية هو كلام أقل ما يقال عنه هو أنه كلام فارغ المضمون. سمعناه عندما قال الفلسطينيون أن السلاح الفلسطينى لن يوجه لصدور الفلسطينيين وأن الدماء الفلسطينية خط أحمر إلى آخر ذلك الكلام الفارغ الذى كذبته وتكذبه الوقائع كل يوم. علما بأن كفة القوى غير حاسمة لصالح فريق فلسطينى بعكس الواقع اللبنانى. أيضا ليس من المحتم أن تستعمل "المقاومة " سلاحها ضد الصدور اللبنانية، مجرد وجود ذلك السلاح يكفى بالغرض فى إبتزاز الدولة اللبناينة.
وإلى تتمة....

عادل حزين
نيويورك
Adel.hazeen@gmail.com