إما دولة الطائف وإما دولة طوائف2
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ذكرنا فى المقالة السابقة أن إتفاق الطائف الذى تم التوافق عليه بين الفرقاء اللبنانيين برعاية : وتأييد المجتمع الدولى عام 1989 وضع مبادىء لوقف الحرب الأهلية بين الطوائف اللبنانية المتصارعة، كما وضع أساس إنشاء دولة فى لبنان. ولكن إتفاق الطائف كان خطة تعبر عن الأمنيات الطيبة بأكثر منه مشروعا واقعيا. ومن العناصر الغير واقعية فى إتفاق الطائف إئتمانه سوريا على تنفيذ الشق الرئيسى فيه وهو وقف إطلاق النار بين المتحاربين وإشاعة الأمن بين ربوع لبنان، والعيب الرئيسى فى هذا التمنى هو الظن أن سوريا هيئة إغاثة أو فاعل خير بدون مقابل! أغمض المشروع النظر عن أن سوريا هى دولة إقليمية جارة للبنان ولها أطماع وأهداف تنتظر الفرصة الملائمة لتنفيذها. فات على بعض المجتمعين أن سوريا لم تكن لها أبدا سفارة فى لبنان - أى أنها لا تعترف بلبنان كدولة مستقلة- وأن نظرتها للبنان هى تماما كمثل نظرة العراق للكويت!
نقول بعض المجتمعين لأن البعض الآخر قد أمل خيرا لطائفته من الوجود السورى. وفى الحقيقة كان إتفاق الطائف وقفا لإطلاق النار وهدنة لبعض الطوائف لإلتقاط الأنفاس، أما باقى الطوائف وبالذات الطائفة المارونية فقد عانت الأمرين خلال الحرب لضعفها وعدم وجود حافز أيدولوجى لمقاتليها ولقادتها، وفى الحروب عامة فإن العامل الأيدولوجى هو الذى يبعث روح القتال وهو الذى يعين على الصمود، وهو أيضا والأهم عامل توحيد الرؤى بين القادة والمقاتلين فيصهرهم جميعا من أجل التصدى للأعداء وبلوغ الأهداف حتى لو إقتتلوا لاحقا أو تنازعوا على الغنائم!
تحارب الشيعة، أمل وحزب الله، فيما بينهم ولكنهم سرعان ماتوحدوا فى مواجهة الغير. تقاتل ايضا الفلسطينيون والسنة فيما بينهم قليلا ثم توحدوا فى مواجهة الشيعة والمارون. تقاتل الدروز مع السنة وسرعان ما إتحدوا فى مواجهة المارون. الوحيدون الذين تصارعوا فيما بينهم منذ بدء الحرب الأهلية وحتى إنتهائها وقتلوا فيما بينهم بأكثر مما قتله منهم "أعدائهم" هم المارون! تقسمت الطائفة المارونية بين ناصريين وكتائب ومردة وشيوعيون وقومى سورى وإجتماعى وعونيون وغيرهم عشرات من التنظيمات حتى أن كل عائلة أو عدة قرى إصطنعت لنفسها إسما أو حزبا، وقد ساهم ذلك فى إضعافهم حتى كانوا جميعا على وشك الفناء فعلا. إختلاف المارون بعضهم مع بعض هو أمر جيد لبعده عن الطائفية طالما كان تحت مظلة دولة، أما أثناء حرب طائفية فإما أن تصبح طائفيا أو تموت بالطائفية، وهذا ما لم يفهمه المارون حتى الآن، لذلك تجدهم أعلى الأصوات تغنيا بالقومية والعروبية بل وأحيانا بالإسلامية!
إستبشر الدروز خيرا من الوجود السورى لأن لهم صلات طائفية بالدروز السوريين وإعتبروا وجود الدروز السوريين فى أرض لبنان مددا لهم. إستبشر السنة أيضا لأن سوريا لم تكن لها الوجه الإيرانى الحالى وهى دولة ذات أكثرية سنية وجاءت للبنان بتأييد سعودى سنى فى الأساس. إستفاد المارون أيضا من الوجود السورى لأنهم وكما أسلفنا كانوا أكثر الطوائف خسرانا فى الحرب الأهلية اللبنانية، ولأن الوجه السورى كان وجها علمانيا يتوافق مع طريقة حياة المارون. عاند الجنرال عون وكان وقتها رئيس "الجمهورية" اللبنانية وصارع وهو يرى أن الدولة اللبنانية فى طريقها للزوال تحت بساطير الجيش السورى، وحاول مقاومة السوريين ولكنه إنهزم وقتها ولجأ للسفارة الفرنسية التى أمنت له المخرج للمنفى الفرنسى. تصارع السوريون أيضا وحزب الله على من له الكلمة فى الجنوب اللبنانى ولم يكن حزب الله بالقوة التى هو عليها اليوم وإنتهى الأمر توافقا على أن الكلمة الأخيرة هى لسوريا فى كافة مناطق لبنان ولم تكن سوريا لترضى بأقل من ذلك!
قامت سوريا خلال سنوات سيطرتها على لبنان بإحتلاب الضرع اللبنانى عمولات وأمول وعمالة وغيرها وكأنها مغارة على بابا فتحت للسوريين قادة وشعبا. قامت أيضا بتسليح حزب الله ليكون قوتها الضاربة وبعدها الإستراتيجى من الداخل اللبنانى ذاته، وتسارع التماهى بين سوريا وحزب الله من بعد أن تحالفت إستراتيجيا مع إيران! إعترف أغلب المارون بالجميل السورى ولم يمانعوا كثيرا فى إصابة السوريين نصيب من الغنائم اللبنانية. إكتشف السنة أن الوجه السورى قد تقلب إلى الجهة الإيرانية وإستشعروا الخطر الإيرانى الشيعى الحزب الهى مبكرا، فقام الزعيم الحريرى بتحركات سياسية يطالب من خلالها بتفعيل إتفاق الطائف الذى كان يعطى سوريا حق التواجد فى لبنان مدة معينة.حتى توصل إلى قرار مجلس الأمن رقم 1559 ولم يغفر السوريون له ذلك أبدا! لم يكن أمام الدروز إلا التحالف مع الحريرى والسنة الللبنانيون وإلا لوقعوا بين ثلاثة فكاك وليس فكين فقط! كعادتهم الرذيلة إنقسم المارون بين محبذ للوجود السورى أو فى الأقل لنفوذه عن طريق وكيله الحزب الهى ولو إلى ما لانهاية، كلحود وعدو الأمس عون وأعضاء القومى السورى والمردة والشيوعيون، وبين من يراهن على تغير التوازنات والأجندات عما كانت أيام الحرب الأهلية من كتائب وغيرهم!
وإلى تتمة...
*** لا شك فى أن مقاتلى حزب الله قد سطروا أسطورة بصمودهم لا ينكرها إلا مكابر. أما فى مجال النصر والهزيمة فمن المكابرة ايضا الظن أن حزب الله لن يفكر ألف مرة من قبل أن يقترب أحد مقاتليه من الخط الأزرق ثانية!
عادل حزين
نيويورك
Adel.hazeen@gmail.com