رد على قراءة في شخصية السيد نصر الله -1
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في مقالة لأحد الأخوة الإيلافيين، يقرأ الكاتب ويريد لنا أن نقرأ اوراق القداسة في شخصية السيد نصر الله ويبدا مقاله بالتأكيد على أن نصر الله قد أمسى ظاهرة كبيرة في الميادين الثقافية والسياسية والإجتماعية ووو. وطبعا يسرنا أن يكون ظاهرة وأن لا يستحيل إلى حالة، فالظاهرة قد تبرق برهة لتنطفيء وقد ترتقي إلى مستوى الحالة بعد أن تتدخل عوامل عديدة وعديدة جدا، قد لا يمتلك السيد نصر الله ومن وراءه إيران فرصة إنتاجها. ظاهرة البرق أو الرعد، ظواهر صوتية وضوئية كبيرة، تستحق أن تدرس بعناية، وهذا ما فعله أهل الغرب العلماني الليبرالي المتطور، وأمكن لهم من قراءة آليات تلك الظواهر أن يغنوا حياتنا العملية ومستقبل وجودنا الإنساني على هذه الأرض.
وظاهرة السيد نصر الله، وقبله عبد الناصر وصدام والقذافي وابو نضال وبن لادن والزرقاوي والخميني ووووو، جميع تلك الظواهر ومثلها كثير في آسيا وأمريكا اللاتينية، تستحق لا شك الدراسة، لكن ليس مع كل هذا الإفراط في الشغف الذي إستغرق فيه كاتبنا الهمام، لأن الإستغراق في الشغف لن يمكننا من أن نقرأ ما وراء الظاهرة وأن نرى مدى منفعتها لنا ولأجيالنا ولأرضنا ومستقبلنا ومسيرة تأقلمنا مع العالم الكبير المحيط بنا.
الإنحياز المرضي الغريب من قبل الكاتب لتلك الظاهرة، افقده ولا شك القدرة على أن يكون دارسا محايدا للظاهرة خصوصا وهو يؤكد أن :
(أكثر الشخصيات قدسيّة على وجه الإطلاق ). بمعنى أن نصر الله رجل مقدس، أي أن لديه قداسة وقدرات إعجازية كبيرة وقدرة على التواصل مع الرب أو جوهر الخليقة، وهذا النص بدءا نص كفريٌ من الزاوية الدينية ( التي لا شأن لي بها على الإطلاق ولكن للقراء شأن كبيرٌ بها ولا شك أنهم سيستهجنونها ).
السيد نصر الله مقدس، بينما المسلمون عامة يرفضون تقديس محمد أو يسوع أو موسى او آل النبي أو كبار المتصوفة والزهاد العظام، هذا تجاوز كبيرٌ لقيم المليار مسلم الذين يؤكد السيد الكاتب على أنهم منبهرون بالظاهرة الصوتية الضوئية النصرلاهية الإيرانية. لا شك أن كلام كاتبنا يمكن أن يمشي على بسطاء العامة من أخوتنا الشيعة الذين يقدسون الف ولي وإمام ( إعتمادا على الوراثة وكأن القداسة غير الموجودة اصلا حتى في محمد حسب فقه اهل السنة والجماعة، قد إنتقلت عبر الكروموسومات من الرسول الكريم إلى إبنته الكبرى ومن ثم إلى كل من جاء من رحمها الشريف وصولا إلى نصر الله والخامنائي والخميني والف شيرازي وإصفهاني وقمي وخراساني ). إنما بقية المسلمين وهم ما يعادل ال90 بالمائة من المليار ونصف، فلا مقدسات لديهم غير الله والله وحده.
( ولا شكّ أنّ الرجل الذي أحبّه ويدعو له مليار ونصف مليار مسلما بالنصرة والغلبة والتوفيق في جهاده ضدّ الكيّان الصهيوني الذي تسببّ في نكبة العالمين العربي والإسلامي على مدى عقود ). لا أدري من اين للكاتب الهمام هذا الوهم في أن مليار ونصف المليار مسلم مشغولون ومشغوفون بالدعاء بالعزة والنصر للسيد نصر الله، وهل أن الملايين من بوءساء باكستان وإندونيسيا وافريقيا والشرق الأوسط الكئيب المثقل بالبؤس والهم، ليس لهم من امرهم إلا الدعاء بالعزة والنصر لنصر الله وكأنهم ما عاد لديهم من ضنك أو مشكل غير مسألة تحرير سمير القنطار وإنتصار إيران في هذه اللعبة الوسخة السمجة. يا أخي... مسلمو الباكستان وماليزيا والفلبين وإندونيسيا ومصر والسودان، لديهم من الهموم المعيشية والحياتية ما هو اكبر واخطر واهم بكثير من الدعاء بالنصر لإيران، فمن أين لك هذا الوهم وهذا البهتان.
أما عن نكبة العالمين العربي والإسلامي، فيا صاح نكبتنا منا وفينا اصلا، ومسألة عالمين عربي وإسلامي، مسالة تفتقد الى الدقة، فلا العالم العربي يمتلك مقومات العالم الموحد ولا الإسلامي لديه عالمه الخاص الموحد ولو بالحد الأدنى من التوحد. وأما عن نكبتنا أيها العزيز فهي ليست ولم تكن ضياع فلسطين أو الجولان بقدر ما هي في ضياع فرصة التأقلم والعيش الكريم الرحب المسالم مع بعضنا اولا ثم مع العالم الإنساني المحيط بنا. مأساتنا اولا وآخرا في تخلفنا الحضاري وبؤس ثقافتنا وبؤس مسلماتنا وعجزنا عن الخروج من عنق الزجاجة الذي حشرنا به الأجداد عبر اوراقهم الصفراء ثم جاء الحكام ليقمعونا لكي لا نخرج من هذا العنق، وأخيرا تدخل الغرب ذاته في قمعنا لكي لا نخرج إلى النور. نعم نحن ضحايا، لكننا لسنا ضحايا لإسرائيل أو امريكا بقدر ما نحن ضحايا للماضي وثقافة الماضي وقسوة وسطحية مسلماتنا ومنها تلك المقدسات التي جعلتك تقول عن نصر الله أنه مقدس ومعبود للجماهير، تماما مثل ( اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى...تلك الغرانيق العلى اللواتي شفاعتهن تُرجى ).
(ومع ذلك فقد أصبح مرجعا لكل المثقفين والمفكرين وحملة الشهادات العليا الذين يتمنون من أعماق قلوبهم أن يتركوا القلم جانبا وأن يحملوا البندقية مع الأطهار الذين يصنعون لنا أعظم إنجاز حضاري في الراهن العربي ). هنا يورد الكاتب أن السيد نصر الله، بالكاد أكمل جزءا من الثانوية العامة ولم يتخرج من جامعة من جامعات الشرق ( او الغرب ) ولكنه صار ملهما ومرجعا لكل المثقفين وووو.
وصدام حسين، وعبد الناصر وهوشي منه وماوتسي تونع وبول بوت وستالين وخروتشوف، كانوا ملهمين يوما لأتباعهم وما كان لديهم شهادات جامعية أو معارف علمية كبيرة، وكان لديهم من الأتباع المسبحين بحمدهم الملايين العديدة ليس في بلدانهم حسب، بل وعلى صعيد العالم كله مما لم يملكه السيد نصر الله ( ولا اظنه سيملكه بعد أن تنتهي الواقعة بهزيمة موجعة اكيدة ) ومع ذلك اوردوا بلدانهم موارد التهلكة، إذ دمر عبد الناصر مصر، وفعل صدام والخميني ذات الأمر في العراق وإيران، بينما قتل بول بوت زعيم الخمير الحمر في كمبوديا قرابة المليونين من مواطنيه، وفعل ستالين ذات الأمر ومعه مجايله العنصري البشع هتلر، إذ قتل الأول خمسة ملايين روسي ( من المنبطحين والموالين للغرب والرافضين للكرامة والجنة الستالينية )، أما الثاني فقد قتل ما يفوق العشرون مليون إنسان على سطح الأرض ومن كل الأجناس. هذا الرخص والسطحية في النظر إلى انصاف المثقفين أو ارباعهم من خلال عدميتهم ولا اباليتهم وقدرتهم على الإنتحار وكراهية الحياة ليس مقياسا للمجد ولا يصح أن نتوهم أن مثل تلك الظواهر هي ما نحتاجه وتحتاجه شعوبنا العربية وما يسمى العالم الإسلامي ( البائس المتخلف ). بل ما نحتاجه اكير واكثر واعظم من افراد وعقليات مريضة مشبعة بالكراهية والقداسة والشفافية الزائفة. لسنا بحاجة لإبن لادن أو إبن حنبل أو إبن القيم أو إبن تيميه أو إسماعيل الصفوي وجنكيز خان، ما نحتاجه وعي جماعي إنساني وثقافة علمية وروحية سلمية وكم هائل من الحب لأنفسنا ولأخواننا في الإنسانية، وبمثل هذا وحده يمكن أن ننتصر على انفسنا اولا ثم على إشكاليات حياننا التي ابرزها الإصلاح السياسي ونشر الديموقراطية وثقافة حقوق الإنسان ووو.
وللحديث صلة.
كامل السعدون
أوسلو في آب 2006