أصداء

عهد تصدير الازمات

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

إذا ماکان المفکر الشيوعي المنشق ليون تروتسکي قد ساهم في شيوع نوع من القلق في العالم بخصوص طروحاته الفکرية المتعلقة بنظرية الثورة الدائمة و التي لاقت رواجا ملحوظا في العديد من بلدان العالم و کانت وراء تشکيل العديد من التنظيمات اليسارية المتطرفة التي قامت بنشاطات سياسية و عسکرية محدودة"حرب العصابات مثلا"، فإن طروحات الزعيم الديني آية الله الخميني بخصوص مبدأ تصدير الثورة قد ساهمت و بشکل فعلي في خلق حالة من البلبلة و عدم الاستقرار لا في المنطقة فحسب وإنما حتى على الصعيد العالمي و ساهمت في خلق مناخ إستثنائي فريد من نوعه لزرع عوامل زعزعة الامن و الاستقرار في بلدان کانت حتى الامس القريب حصنا منيعا بوجه المشاکل السياسية و القلاقل الامنية.
وإذا ماکان قادة ثورة"22بهمن"التي أسقطت عرش الطاوس، کانوا يجاهرون في بداية الثورة بعزمهم على مسألة تصدير الثورة الاسلامية الى البلدان الاسلامية الاخرى التي ترزح تحت حکم الطاغوت"بحسب تعبيرهم"، فإن نضوج الوعي السياسي و الفکري للثورة الايرانية قد دعى بقادتها لإعادة النظر في هذه المسألة و بدلا من المجاهرة و الدعوة العلنية لها، شرعوا في العمل السري المنظم لها مع تسويق التبريرات العلنية المختلفة بشأن مبدأ تصدير الثورة و تأکيدهم المستمر من أنهم لايقصدون من وراء ذلک إلا التوعية الفکرية ولاشئ غير ذلک. لکن تتابع الاحداث بشکل ملفت للنظر و ذلک التحالف السياسي ـ الامني الاستراتيجي الذي نشأ بين طهران و دمشق والذي فتح الآفاق أمام الثورة الايرانية لکي تمد أياديها بإتجاهات مهمة و حساسة، تمخض في النتيجة عن خلق تنظيمات سياسية ـ عسکرية لها تأثير غير مسبوق على الشارع الشعبي، ومن هنا کان بروز الدور الايراني على الاصعدة العراقية و الفلسطينية و اللبنانية و ماعکسته من تأثيرات على الشارع العربي بحيث أحرجت الانظمة العربية المعروفة بإعتدالها ودفعتها الى زاوية قد تکون ضيقة أکثر من اللازم.
وإذا ماکان حصان طروادة إيران في الجنوب اللبناني قد أربک الحسابات الاسرائيلية بعض الشئ و ولد الکثير من القلق في عواصم"القرار العربي" و أزعج العواصم الغربية برمتها، فإن إنشغال العالم کله بهذا الحصان و السعي للجمه و ترويضه کان غاية ماتتمناه طهران، فإن ذلک في نفس الوقت إيذان بأن سياسة التأني و الصبر التي إتبعتها واشنطن سعيا منها للإقتداء بالعقلانية الاوربية، قد أثبتت فشلها الذريع و لحقت بسياسة الاحتواء المزدوج لإدارة الرئيس بيل کلينتون.
لقد کانت الاستراتيجية الايرانية مبنية على عدة أهداف مرحلية مهمة أهمها جر الغرب و أمريکا على وجه الخصوص الى حروب و مواجهات فرعية و إشغالهم بأزمات تکون هي طرف حساس و مؤثر في تسييرها و تهدئتها، وبالامس القريب حين إشتدت الدعوات لعقد إجتماع أمريکي ـ إيراني لبحث الاوضاع في العراق ورحبت واشنطن بها ضمنيا، فإن اليوم طهران بنفسها تجلس على الطرف الآخر للطاولة کي تناقش الغرب و إسرائيل سبل البحث عن مخرج للأزمة التي إشتعلت بفعل شرارة إيرانية في کومة القش اللبنانية.
ويقينا أن بحث هذه الازمة أو حتى عدم بحثها، معالجتها و حلها أو عدم معالجتها و حلها سيان في نهاية المطاف بالنسبة للسياسة الايرانية، إذ إنها باتت صاحب خبرة في ممارسة لعبة إلهاء أعدائها بقضايا و مشاکل تتفنن في إختيار الاماکن و الظروف المناسبة لإشعالها، وإنها قطعا تمتلک إحتياطيا مناسبا لمرحلة مابعد أزمة حزب الله حتى تصل طهران الى تلک الاهداف التي رسمت و خططت لها والتي قطعا سوف تکون في حالة تضاد مع الامن و الاستقرار في المنطقة و العالم، وعلى الولايات المتحدة الامريکية و اوربا أن يأخذوا على محمل الجد تلک التهديدات التي أطلقها القادة الايرانيون في بدايات الحديث عن إحتمال إحالة الملف النووي الايراني الى مجلس الامن الدولي ولاسيما تلک التي لوحوا فيها من أنهم سيوسعون من دائرة الحرب و المواجهة لتشمل مناطق متباينة من العالم. وإن السعي البراغماتي الاوربي وراء طهران من أجل التوصل معها الى حل وسط ليس إلا منح المزيد من الوقت لطهران کي تعد المزيد من المفاجئات غير السارة للغرب.
الحل الوحيد الذي لم يعد من خيار آخر أمام الادارة الامريکية للبحث فيه هو مواجهة مرکز تصدير الازمات و المشاکل وليس الانشغال بما يصدر عنها، المشکلة و الخطورة تکمن في رأس الثعبان وليس وفي ذيله!

نزار جاف
nezarjaff@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف