أصداء

الإسلام السياسي والدولة.. السودان نموذجا

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الإسلام السياسي والدولة.. السودان نموذجا

(1) المزايدات طريقا للحكم
لا يتعلق الأمر بإنقلاب عسكري عادي، هو الثالث في تاريخ السودان، عدا إنقلابات أخرى فاشلة، بل بأيدلوجية دينية منغلقة سعت - عبر الجيش - للاطاحة بحكومة ديمقراطية، ووضع كل مخططاتها "الأصولية" محل تنفيذ، مغيرة بذلك الوجه العلماني والمدني للسودان، ذلك الوجه الذي استمده منذ عقود طويلة، أفاد خلالها المثقفون الليبراليون السودانيون من دراستهم في مدارس وجامعات بريطانية، ما شكّل طبقة مستنيرة، ارتكبت أخطاء سياسية لعل أفظعها المعالجات المبتسرة لمشكلة جنوب السودان، غير أنها تمكنت في المقابل من كبح جماح الثقافة السلفية الأصولية التي كانت تجاهد للبقاء في ظل قناعات مجتمعية بالمدنية والحداثة، تقودها نخبة حازت اجماعا واسعا عبر السبل الديمقراطية، وعززتها ثورتان شعبيتان ضد نظامي الجنرال إبراهيم عبود (1958-1964) والجنرال جعفر نميري (1969-1985) من أجل استعادة الديمقراطية.
ما حدث في السودان بعد إستيلاء الإسلامويين على السلطة، يجل على الوصف، خصوصا لجهة إنه توسل بالإسلام و"الدولة الإسلامية". وطيلة خمسة وعشرين عاما، ضخ الإسلامويون السودانيون يقودهم الدكتور حسن الترابي شعارات استهدفت بالأساس نسف المفاهيم المدنية واحلالها بمفاهيم "إسلامسياسية" عريضة. إذ كان يصعب قطعا ترجمتها لمشروع سياسي ناضج.
وعوض التصدي لهذا "المشروع الناقص" من قبل الأحزاب السياسية "المدنية" في السودان وخصوصا حزبي الأمة، والاتحادي الديمقراطي، انخرط الحزبان وغالبية نخبهما المثقفة في مجاراة "المشروع الإسلامي" ومحاولة خلق مشروعات موازية ومماثلة له.
وفي غضون سنوات قليلة، كان المشروع الأكثر أصولية، وقدرة على الالتفاف السياسي - باسم الدين - يزايد أكثر، ويطرح شعارات براقة، تتماهى مع محيط عربي وإسلامي متوجه بالفعل منذ نهاية السبعينات للإسلام السياسي.
كانت الخطوط العريضة التي يطرحها إسلامويو السودان تتمثل في تطبيق الشريعة الإسلامية، وإقامة نظام إسلامي، واقتصاد إسلامي، مع توجه واضح إبان الديمقراطية الثالثة (1986-1989) لاعتبار الحرب في جنوب السودان بين الجيش النظامي وثوار حركة تحرير السودان (الدكتور جون قرنق)، معركة مقدسة.
ولربما كان واحد من أهم أسباب عجلة الإسلاميويين في الاطاحة بحكومة الصادق المهدي الديمقراطية في 30 يونيو 1989، هو قرب التوصل لاتفاق سلام نهائي بعد اتفاق مماثل مبدئي بين الدكتور جون قرنق ومحمد عثمان الميرغني (زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي، الشريك في الحكم آنذاك).
لم يكن لدى الإسلامويين السودانين برنامجا سياسيا فعليا للحكم، بخلاف الشعارات التي ما فتئ دعاة الإسلام السياسي و"أسلمة المجتمع" يطرحونها في كل مكان في العالمين العربي والإسلامي. لكن الإسلامويين السودانيين زادوا على الشعارات، تفصيلات وجزئيات في البرنامج تتحدث عن حقوق المسيحيين، وحلول أزمات السودان المستفحلة، إنما بتغليب المنحى الشعاراتي.

(2) الاختبار الحقيقي.. الدولة
أصبح الإسلامويون السودانيون أمام الاختبار الحقيقي في اليوم الذي تلا إنقلابهم. حيث بات متوقعا "تنزيل" الشعارات، والمضي قدما في تجسيد "دولة إسلامية" في القرن العشرين، بأدوات وتفكير القرن السابع. وبعيدا عن تفكيك تلك الشعارات، وتحليلها، بل ومقاربتها بمفاهيم الدولة المدنية الحديثة، لابد من محاكمة تطال التجربة في ضوء "إسلاميتها"، وفي ضوء "تدين" الدولة، و"أخلاقيتها" و"استقامتها"، لأن هذه المفاهيم هي التي شكلت البنية الرئيسة في فكر الإسلام السياسي في السودان.
وكان أشياع الدكتور الترابي دائما ما يعتبرون أن السبيل لـ"هداية" المجتمع، وانصرافه لشؤون العبادة والانتقال به إلى نموذج مدني - نسبة لمجتمع المدينة المنورة - يكمن في حل عقدة أساسية تتمثل في الحكم، فأمور "العباد لا تستقيم بوجود الحكم الفاسد البعيد عن قيم الدين".
وقيم الدين، والحكومة المؤسسة على الدين لا تبنى إلا بوجودهم هم على رأس السلطة. فحتى مشاركتهم السياسية في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري - الذي بايعوه إماما للمسلمين - والتي امتدت سبعة أعوام، لم تعتبر بنظرهم كافية، على الرغم من أن أحكام الجلد والقطع والقتل والمسائل الشكلية سادت السنوات الأخيرة من حكم نميري، جنبا إلى جنب مع تراجع الحياة المدنية واعدام المفكرين (محمود محمد طه، أعدم في 18 يناير 1985).
كانت نسبة من السودانيين (الجبهة الإسلامية حازت 54 مقعدا فقط من أصل 260 مقعدا في البرلمان السوداني 1986 !!) تعتبر أن الدين "الحق" والمفاهيم الدينية الخالصة ستجد سبيلها إلى الحياة العامة فعلا إذا ما حكم الإسلامويون.
وكان واضحا أن غالبية هؤلاء يعتقدون أن ما تبثه أجهزة الإعلام التابعة للإسلاميين حول "التطبيق النموذجي"، وما تؤكده الشعارات الإسلامية، سيخلق مستقبلا مغايرا تماما للسودان، حيث ينهض الحلم بديلا للواقع، وينشأ اعتقاد جازم بأن الحكم الإسلامي - أي حكم إسلامي - سيكون مماثلا لحكم الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه !!
الغريب في الأمر أن تجربة جعفر نميري لم تثن هؤلاء الأشياع عن التطلع إلى النظام السياسي الإسلامي. لكن رمي الأحزاب الأخرى بثقلها في هذا الميدان (حزب الأمة عبر برنامجه "نهج الصحوة الإسلامية" والحزب الاتحادي الديمقراطي "الجمهورية الإسلامية")، ميدان التنافس "الإسلامي" أخلى الساحتين السياسية والفكرية من منظومات "حداثية" وعلمانية قادرة على تعرية الشعارات "الإسلاموية" وتفريغها من مضامينها. والأكثر غرابة، أن هذين الحزبين خصوصا حصلا على فرصة ذهبية باستعراض تجربة جعفر نميري الشائهة في تطبيق أحكام زعم بأنها إسلامية.
وكانت تجربة نميري التي أوعز بها الإسلامويون، قائمة على قوانين وممارسات وأمور شكلية لا تنسحب على الفهم العميق للدين، ولا تنفذ من المظهر إلى الجوهر.
وحين كانت أيدي بعض الصبية صغار السن والجياع تقطع في الخرطوم، كانت رائحة فساد كبار المسؤولين تزكم الأنوف. وكانت المجاعة التي ضربت شرق إفريقيا في 1984 تشرد الملايين في غرب البلاد، من دون أن يعترف نميري بـ"المجاعة" التي تواجه "حكومته الإسلامية" !!
في عهد الإنقاذ، صار الأمر أسوأ. فالمستشارون في عهده الذين أغروه بتطبيق "شرع الله"، أصبحوا على رأس الدولة، وبمثابة عرابيها. والذين كانوا يأتمرون بأمر نميري ويبايعونه إماما للمسلمين، أضحوا "آئمة"، فماذا كان حصاد سنوات "التجريب الإسلاموي"؟

(3) (المؤمنون) أدخلوا زجاجة في مستقيمه !!
يتضح البون الشاسع بين الشعارات "البراقة" والتطبيق حين يصار إلى مقارنة ما جرى في السودان في عهد "الحكومة الإسلامية"، بما طرحه الإسلامويون سابقا. وإذا أراد أي باحث أمين أن يعير مطابقة الدولة - أية دولة - لأبسط المعايير الأخلاقية التفاتا، فلابد أن يعرج أولا إلى حادث وقع أخيرا في يونيو 2006 (بعد توقيع اتفاق السلام، والمزاعم عن مناخ الحريات). ففي شهر يونيو - يكتب المفكر اليساري السوداني الحاج وراق عن معارض شيوعي تعرض للتعذيب (على يد من؟) - :
(ادخلوا له زجاجة في مستقيمه! وهذا لم يكن مجرد ادعاء وانما اثبته الكشف الطبي! أحد اشكال التعذيب التي يقشعر لها وجدان كل شريف، والتي تعرض لها الطبيب عمر التاج النجيب! وقبله تعرض طلاب جامعة أم درمان الاهلية، ومعتقلو (إقليم) دارفور و(حزب المؤتمر) الشعبي، وقبلهم الألوف في بيوت الاشباح من الديمقراطيين والمعارضين الى شبيه لهذه الممارسات الوحشية، مما يطرح بإلحاح قضية التعذيب في البلاد: أهي تجاوز لبعض افراد في أجهزة الأمن ام مظهر من مظاهر انتهاكات حقوق الانسان في البلاد؟.)
ويثير وراق هنا نقطة جديرة تماما بالمناقشة. فالدولة "الإسلاموية" ما تزال بعد 17 عاما عاجزة عن احترام حقوق الانسان، وما تزال بعيدة عن أي قانون "أخلاقي وضعي" ناهيك عن أي وازع ديني !! وبطبيعة الحال فقد أدرك السودانيون بعد مرور بضعة أشهر فقط على حكم الإسلامويين بأن "الدولة الإسلاموية" ما هي إلا "معتقل كبير" ترتكب فيه أفظع الجرائم وأكثرها وحشية بضمائر تستأنس بنصوص القرآن والأحاديث الشريفة.
ما حدث للدكتور عمر التاج ظل ممارسة "أصيلة" لأجهزة الأمن التابعة لدولة الإسلامويين. ولنتعرف على عدل دولة الإسلامويين، وأخلاق هذه الدولة، من خلال قراءة جزء من رسالة (العميد) محمد أحمد الريح الموجهة لوزير العدل السوداني في 15 أغسطس 1993:
"تعرضت شخصيا للاغتصاب وإدخال أجسام صلبة داخل الدبر، وقام بذلك النقيب (....) وآخرون لا أعرفهم: الإخصاء بضغط الخصية بواسطة زردية والجر من العضو التناسلي بنفس الآلة وقد قام ذلك النقيب عاصم كباشي عضو لجنة التحقيق. القذف بالألفاظ النابية والتهديد المستمر بإمكانية إحضار زوجتي وفعل المنكر معها أمام ناظري بواسطة (....) وآخر يحضر من وقت لآخر لمكان التحقيق يدعى (....) وشهرته (...)" (المصدر: موقع سودان للجميع).
ويروي المحامي السوداني عدنان زاهر قسما من تجربته في معتقلات "الإسلامويين" في 1992 في كتاب "العمارة مستنقع التعذيب"، وهو كتاب تحت الطبع:
"كان ضربهم متزامنا ومترادفا بسيل منهمر من الشتائم من نوع (انتم المحامون تفسدون العامة وتدافعون عن الباطل)، (إنكم معارضة)، (أنتم أولاد [كلمة يستحى من كتابتها])، (إنكم أتفه من مشى على الأرض)، وغيرها من الإهانات التي لا يمكن أن تسطر على الورق دون الوقوع في طائلة خدش الحياء العام".
ويمضي زاهر:
"نزعت القمصان من أجسادنا في ذلك البرد القارس ثم القى بنا على الأرض كخرفان ينوي ذبحها. كنا نرتجف من شدة البرد والقهر، وبدأ مسلسل الضرب مرة أخرى. كانوا ثلاثة يتناوبون ضربنا الملازم مهدي، شخص يدعى عبيد وآخر أسقطت أسمه الذاكرة رغم رسوخ صورته. كان ضربا مبرحا في أماكن أنتقت بعناية ومعرفة وتدريب مسبق. كانوا يختارون أكثر الأماكن إيلاما. كان الضرب يرافقه كالعادة سبابا مقذعا وبذيئا. وكمرحلة التعذيب الأولى، لم يكونوا يطلبون شيئا محددا أو معلومة بعينها كان الضرب من أجل الضرب والعنف من أجل العنف".
وفي رمضان 1990 تم اعدام 28 ضابطا عاملا وآخرين متقاعدين من الجيش السوداني بذريعة تدبيرهم إنقلابا عسكريا (يشار إلى أن الإنقاذ جاءت للحكم عبر إنقلاب عسكري!!). وتم اعدام مواطنين في الأعوام الأولى لـ"الثورة" بتهمة "اخفاء عملات أجنبية وعدم التبليغ عنها".
وتم اعدام الطبيب النقابي الدكتور علي فضل في الفترة ذاتها بحجة معارضته النظام الإسلامي. ولم يعدم الدكتور علي فضل بالاستناد إلى حكم قضائي، وإنما تحت تعذيب "الأمن الإسلاموي".
وفي خلال 17 عاما من الحكم "الإسلامي" قتل طلاب وطالبات معارضون ومعارضات في الخرطوم، وعدد من الجامعات خارج العاصمة السودانية. وقتل مواطنون ومواطنات أثناء تظاهرات ضد النظام الإسلاموي. وارتفع عدد ضحايا حرب الجنوب (التي أضحت مقدسة بين الحق الإسلامي والباطل المسيحي) إلى 2 مليون. وخلال 3 سنوات فحسب، سقط ما بين 180 - 300 ألف قتيل في دارفور !!
ولأن الإسلامويين أرادوا منذ البدء أن يحكموا سيطرتهم تماما على الخدمة المدنية و"الاقتصاد" السوداني، تم بيع مؤسسات عامة لموالين للنظام، وتم فصل حوالي 125 ألف سوداني وسودانية من وظائفهم. ويرصد التقرير السنوي لحالة حقوق الإنسان في السودان في 2003 أن حجم العاملين في هيئة السكة الحديد انخفض من 31 ألف في 1989 إلى نحو 11 ألف في 2003، أي بنسبة 65% تقريبا.
ماذا فعلت "دولة الإسلام" لهذه الأسر التي تم تشريدها؟
وهل "اقتصت" دولة الإسلام من مشايعيها الذين تورطوا في القتل والتعذيب؟
لم يحدث ذلك، فتاريخ "الدول الإسلامية" المزعومة يتكرر بطريقة تدعو للدهشة، حيث ينصب الاهتمام على الشكليات، وينصرف عن الجوهر، جوهر الدين، وجوهر الانسانية التي من أجلها بعث الأنبياء والرسل "رحمة للعالمين" !!
والمشكلة الحقيقية التي تواجه الإسلامويين عموما، وإسلامويي السودان خصوصا، هي أنهم لم يعوا دروس التاريخ بـ"عقول ناقدة" وباحثة عن "روح النص" و"مقاصده" و"غائيته"، ولم يتعلموا أبدا من الدروس الكبيرة التي وفرها التاريخ "الإسلامي"، تاريخ الدول الإسلامية، بدء بالدولة الأموية والعباسية، ونهاية بالدولة العثمانية. ومثلما حمل الخليفة العباسي الأول، لقب "السفاح"، يجوز لأي مثقف حر يرغب فعلا في فضح القشور و"ثقافة الوهم" أن يطلق على عدد من قادة هذا التيار وخصوصا في السودان، الصفة ذاتها، صفة القتل والإجرام، وباسم الدين، تماما كما كان يفعل الخليفة العباسي.
ألا يعتبر القذف بحوالي 125 ألف سوداني إلى الشارع دون وظيفة إجراما؟
ألا يعد تعذيب انسان بحشر زجاجة في مستقيمه جريمة بشعة بكل المقاييس ناهيك عن مقياس الدين؟
ولماذا بالأساس تتم الدعوة لدولة إسلامية، طالما أنها لا تتورع - باسم الدين وظل الله في الأرض - عن ارتكاب "كبائر" كالقتل؟


(4) تأهيل المجتمع أخلاقيا !!
ولئن كان زعم إسلامويي السودان ينصب على "تأهيل المجتمع أخلاقيا"، وردعه عن "طريق التهلكة"، و"اعادة صياغة الانسان السوداني"، فلننظر بروية إلى النتائج، نتائج "البعث الإسلاموي" المزعوم، أو إن شئت الدقة "العبث الإسلاموي". ورد في صحيفة "الوطن" السعودية (1/7/2006) أن اللجنة القومية لمكافحة المخدرات في السودان حذرت من "تنامي تعاطي المخدرات وسط شريحة الطلاب رغم أن الجهات المسؤولة ذكرت أن البلاغات عن انتشارها وسط الطلاب لم ترق لدرجة الظاهرة".
ويمضي الخبر للقول "لفت رئيس اللجنة الدكتور الجزولي دفع الله إلى غياب الإحصاءات الدقيقة والرسمية للمخدرات لكنه أشار إلى أن هنالك علاقة بين المخدرات والحروب التي دارت في بعض أقاليم السودان، مبينا أن الحروب حجمت من حملات مكافحة المخدرات و أتاحت الفرصة لتجار المخدرات لأن يتحركوا بحرية ويسهموا في إضعاف الشباب وتفكيك الأسر مشيرا إلى أن المخدرات المضبوطة بواسطة الشرطة تساوي حوالي10% من المخدرات المنتشرة فعلا".
هذا عن أوساط الطلاب فقط، ناهيك عن الفئات الأخرى، وفي بلد يعاني أكثر من 85 بالمئة من سكانه من الفقر المدقع. وبطبيعة الحال فإن شعارات الأسلمة وحدها، والتعويل على الوازع الأخلاقي ليس كفيلا بالتصدي لمثل هذه الظواهر الخطيرة. فالعوامل التي يهملها الإسلامويون عادة، كالاقتصاد، والحريات، والشفافية، باعتبارها معطيات وعوامل دنيوية بل و"علمانية" بنظرهم، تبرز كعوامل حاسمة في معالجة مثل هذه الظواهر.
ولعل البيئات الجامعية الفقيرة معرفيا وثقافيا وفنيا في عهدهم، أسهمت بقدر في خلق احباط واسع وسط جيل الشباب علاوة على النظرة القاتمة تجاه المستقبل في ظل وضع ينهار تدريجيا.
التعويل على الوازع الأخلاقي وحده كان سمة لمناقشات سمجة جرت في المجلس الوطني السوداني (البرلمان) خلال شهر يونيو 2006 حول توزيع الواقيات الذكرية. واعتبرت غالبية النواب الإسلامويين "المعينين بالطبع" أن توزيع الواقيات الذكرية مجانا مدعاة لـ"اشاعة الفاحشة في المجتمع"، هكذا ومرة أخرى دون أي اعتبار للعوامل الأخرى مثل العامل الاقتصادي، والحروب، بل والجهل.
وكان واجبا بالطبع أن يقر توزيع الواقيات الذكرية مجانا، مترافقا مع حملة إعلامية للحد من انتشار فيروس الإيدز في البلاد. فبحسب تقرير وضعه برنامج الامم المتحدة لمكافحة الايدز، يبقى السودان الأكثر تضررا من فيروس الايدز في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وإذا تمت الإشارة إلى أن ما يقارب النصف مليون سوداني يحملون هذا الفيروس تبعا لاحصاءات غير رسمية، فلابد أن يثير هذا الأمر قلقا عميقا، دعك من أن يطرح أسئلة عن الدولة "الإسلامية" الوحيدة ربما في المنطقة - بحسب مزاعمهم - التي يتفشى فيها هذا المرض جراء الاتصال الجنسي غالبا، فالتقرير ذاته يؤكد أن ابرز اسباب انتقال العدوى هو العلاقات الجنسية دون وقاية.
ويضيف تقرير الأمم المتحدة بأن فيروس الايدز يتفشى بين الطلاب والنازحين وأن النساء لا يحصلن على معلومات كافية حول مخاطر الاصابة بالايدز. كما أظهر تحقيق أجري أخيرا ان 5 بالمئة فقط من النساء يعرفن ان استخدام الواقي قادر على منع انتقال الفيروس ولم تر اكثر من ثلثي النساء الواقي ولم يسمعن عنه.
وأضاف التقرير ان 55 بالمئة من الرجال والنساء الذين يمارسون الدعارة في السودان يؤكدون انهم لم يروا ابدا الواقي.
ويرجع الفضل في ذلك كله إلى "دولة الإسلام" التي لا يثير حفيظتها شيء قدر الطعن في عفافها وفضيلتها، كيف لا، وهي قامت بالأساس من أجل العفاف والفضيلة؟


(5) الإسلامويون الطهرانيون !!
والإسلامويون الطهرانيون ضربوا مثلا غاية في السوء في جانب آخر يتعلق بطهر اليد، ومدى الشفافية المالية والادارية. فبعد أن تم تعيين الأشياع في وظائف الخدمة المدنية، والجيش، والأمن، والشرطة، واحكموا قبضتهم على الاقتصاد السوداني، دافعين بذلك ملايين السودانيين إلى الهجرة حتى لإسرائيل كما ورد في الأخبار أخيرا (حوالي 150 سودانيا يقبعون في السجون الإسرائيلية يطالبون بحق اللجوء السياسي)، توضح أن طهرانية الإسلاميويين بل وطهرانية دولتهم، ليست إلا غشاوة في عيون البسطاء.
ففي دليل "الدول الفاشلة" لعام 2006 الذي يصدر في واشنطن، تصدر السودان الترتيب العالمي !!. وتعريف الدول الفاشلة هي تلك "التي لا تملك فيها الحكومة سيطرة فعالة على أراضيها، والتي لا توفر الأمن المحلي أو (الخدمات العامة) لمواطنيها، وتفتقد إلى احتكار استخدام القوة".
لكن "الدولة الإسلامية" لا تفخر بترتيبها المتقدم وسط "الدول الفاشلة" فحسب، فمؤسسة الشفافية الدولية في تقريرها الأخير صنفت السودان بحسبانه الدولة العربية الأكثر فسادا وبين (الدول العشر الأكثر فسادا في العالم). يبقى هنا أن نثير سؤالا جوهريا: ترى من يفسد "في الأرض" في السودان؟
"الدولة الإسلاموية" لا تكترث لذلك، فهناك ما هو أهم، وأكثر أولوية، ولو كان "عبادة النصوص"، والتصدي بحزم لـ"العلم". ففي سبتمبر 2005 انتقد رئيس الدولة الدعوات لوقف ختان الإناث في السودان، واتهم جهات لم يسمها بتحريك الحملة ضد الختان، وقال إن هناك دوائر "تتربص بالاسلام والمسلمين تحرك حملات منع ختان الإناث".
فالخلاف حول ختان الإناث، وتصدي بعض المثقفين وبعض الدوائر الطبية في السودان لهذه العملية الإجرامية، التي أودت أخيرا بحياة طفلة سودانية تدعى (إنعام)، هو "تربص" في عرف "خليفة المسلمين" بالإسلام والمسلمين. هكذا يختزل الإسلامويون القضايا التي تؤرق المجتمع وتقض مضجعه إلى معركة دينية ظاهريا، حيث يتم التستر بالدين، ويتم "قمع" الآخرين بعصا الدين.
وبالعودة لموضوع فساد "الإسلامويين"، يمكن بسهولة الإشارة إلى كتاب صدر أخيرا من قبل الدكتور عبدالرحيم عمر محي الدين، وهو إسلاموي سوداني يبدو أنه قرر الخروج على "النسق". يحمل الكتاب اسم (الترابي والإنقاذ.. صراع الهوية والهوى). يقول الدكتور محي الدين: (أصبح الكثيرون من قادة الحركة الإسلامية لا يسكنون مع جماهير الغلابة والمستضعفين من أبناء الشعب السوداني حيث تطاول البنيان، وزهت وتشكلت أنواع الفرش والزينة، وتنوعت صنوف الطعام والشراب).
ويمضي للقول: (لا نحن ولا الإسلام ضد الطيبات من الرزق والتمتع بأنعام الله، لكن الذي ينبري لقيادة الجماهير لا بد أن يكون منهم وأن ينتمي إليهم مظهرا وجوهرا وأن تشعر الجماهير بأنه واحد منهم يعيش آلامهم ويجوع إذا جاعوا ويمتطي أبناؤه المواصلات العامة كسائر أبناء الشعب السوداني).
إذن هو اعتراف "شفاف" بأن دعاة "الإسلام السياسي" تنكروا للبسطاء والفقراء، ولم "يؤثروا" على أنفسهم، على الرغم من أنهم لا يشتكون "خصاصة". بل الأنكى من ذلك، أنهم لم يكشفوا إلى غاية الآن عن مصدر ثرائهم العريض!!
والدكتور الترابي نفسه، يقول لصحيفة الرأي العام الكويتية في 4/5/2006 (الذين يتولون السلطة في السودان جاءوا باسم الإسلام، وما زالت تغشاهم غاشية من سمعة أنهم ينتسبون إليه، وعموما أريد أن يتوبوا إلى الله لأنه إذا نسبنا للإسلام حكما يمزق البلاد، فهذا الأمر يضر به ويؤذي سمعته ودعوته في العالم ويؤثر على نشر دعوته سلبا ويظهر الإسلام بأنه دين طغيان واعتقالات، وهذا ضد الدين تماما).
وشهد "شاهدان" من أهلها !!
وبالطبع فإن جناحي الإسلامويين في السودان (المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس البشير، والمؤتمر الشعبي بقيادة الترابي) يزايدان على أيهما أكثر "أصولية" و"تدينا"، على الرغم من آراء الترابي الأخيرة حول ولاية المرأة وجواز اقترانها بمسيحي أو يهودي، والمراد غالبا من هذه "الرسالة"، هو الغرب "الكافر العلماني" !!


(6) حرب مقدسة ضد الجنوبيين.. وأخرى في دارفور
الترابي نفسه، هو الذي قاد سنوات طويلة، الحرب "المقدسة" ضد المسيحيين الجنوبيين باسم الدين و"الحور العين"، في خطاب تختلط فيه النصوص الدينية بالوعود "الجنسية" المبثوثة بسخاء للشباب وإن تلبست بالمقدس، والوطنية الشوفينية.
وجرى ذلك من خلال "شيطنة" الدكتور جون قرنق، والسخرية منه ومن شكله - كإفريقي أسود - في التلفزيون الرسمي التابع - بالطبع - للترابي وجماعته. وكان يتم بث صورة قرنق في شكل وحش يقطر فمه دما !!.
وفي مثل هذه الحالة من الفجور في الخصومة، يضرب بالنصوص عرض الحائط، وتضحي السياسة موغلة في الميكيافيلية. فـ"أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، تنسى تماما في غمرة الانشغال بتصوير (قرنق مثلا) كعدو يجوز تشنيعه بأية حال، وليغفل الإسلامويون إلى حين، سماحة الإسلام، ومقاصده، وروحه التي لا تشبه قطعا سخريتهم من الآخر حتى لو كان عدوا (افتراضيا) !!.
جناحا الإسلامويين يزايدان على الدين. فإن بدا للترابي أن يضرب تلاميذه السابقين تحت الحزام، ليفقدهم الشرعية، فإنهم في الجانب الآخر لا يقلون عنه مزايدة. فرئيس الجمهورية، بدلا من أن يحاول حل مشكلة دارفور التي تسبب بها نظامه، وأسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 180 ألف إلى 300 ألف قتيل (مسلم)، بطريقة سلمية، يقسم بـ"الطلاق" ثلاثا أنه لن يسمح بدخول قوات دولية للإقليم.
ويزيد على ذلك بأنه يفضل قيادة المقاومة (الإسلامية بالطبع) في دارفور على دخول القوات الدولية، التي أضحى لها وجود ظاهر في السودان منذ توقيع اتفاق السلام بين الخرطوم والحركة الشعبية.
فهذه القوات موجودة في الجنوب وفي جبال النوبة (غرب) وفي الخرطوم ذاتها على بعد بضعة عشرات من الأمتار من قصر البشير الرئاسي. لكن الإسلام السياسي "البراغماتي"، الشديد البراغماتية، لابد أن يزايد، ولابد أن يراهن على الدين.
يبقى هنا أن نشير إلى أن كل هذه الضجة حول دارفور، والأطماع الدولية فيها، والمخاوف من مجيء قوات (لحماية المدنيين من هجمات المليشيات المدعومة بواسطة الحكومة) هي ضجة كاذبة، تتذرع بالدين وبالوطنية الشوفينية.
وفي هذا الصدد ينسف اعتراف حكومي سوداني كل الحجج الواهية التي تسوقها في رفض مجيء هذه القوات. فمدير جهاز الأمن والمخابرات السودانية، اللواء (وقتذاك، الفريق الآن) صلاح عبدالله قال في تصريحات صحفية نقلتها الخليج الإماراتية (19-4-2004): "سلحنا ميليشيات دارفور لكننا لن نفعل ذلك في الشرق"!!
هذا يعني ببساطة أن الخرطوم سلحت المليشيات (العربية)، ودعمتها ووفرت لها الاسناد لسحق 180 ألف إلى 300 ألف من مواطنيها (المسلمين، الأفارقة). وهذا معناه أن الخرطوم تخشى تبعات هذا التصرف، خصوصا لجهة أن أطراف عدلية دولية (كافرة طبعا) كمحكمة الجنايات الدولية تتحرك جاهدة من أجل إنفاذ العدالة على مجرمي الحرب في دارفور. لكن دولة الإسلام العاجزة عن توفير العدل، لا ترغب في أن يحصل الضحايا في دارفور على أبسط حقوقهم الانسانية، وهي العدل، ناهيك عن الحقوق التي بسطها لهم الدين (القصاص) !!
وتدرك الحكومة (الإسلاموية) أن مجيء هذه القوات سيوفر غطاءا لعمل الفرق القانونية وفرق البحث والاستقصاء التابعة للمحكمة الدولية على الأرض في دارفور، فكيف تسمح دولة الإسلام، بمعاقبة مشايعيها (المؤمنين)؟
الغريب أن مدير جهاز الأمن والمخابرات ذاته عاد بعد اعترافه بعامين تقريبا ليهدد ويتوعد: (إذا كان الخيار المطروح هو استعمار السودان ودخول الجيوش الأممية إلى ترابه فإن باطن الارض خير من ظاهرها) موضحا في تصريحات نقلتها صحف الخرطوم مطلع يوليو 2006 أنه في حال نشوب المعركة (فإننا سنبدأ من الخرطوم بالطابور الخامس وعملاء الداخل من المرجفين والمتربصين بأمن الوطن ومواطنيه) !!.
كيف لا، والإسلامويون هم وحدهم الذين يحددون للآخرين "مقاس" الوطنية، و"معيار" التدين. ودولة الإسلام في السودان، لا تختلف كثيرا عن "محاكم التفتيش". فإذا كنت سودانيا يؤمن بالضمير والقيم الانسانية، وحقوق الانسان، وضرورة تطبيق العدل حتى على "فاطمة بنت محمد" عليها رضوان الله، وتدرك بأن الانسان دائما أقيم وأولى من "السيادة الوطنية"، وأن مقتل قرابة 300 ألف من مواطنيك، لابد أن يتبعه تحقيق عادل، وحساب عسير، فلا شك أنك "طابور خامس" و"مرجف" و"متربص" ينبغي أن تطالك "درة" الفريق صلاح عبدالله، و"درة" دولة الإسلام، هذا إن لم يكن مصيرك كمصير مواطني دارفور القتلى !!


علينا أن ندرك أولويات دولة الإسلام السياسي، فمقتل مواطن على يد أتباعها (اتباع الدولة) يبقى أمرا غير ذي بال، أما مساندة العدالة، والمطالبة بحماية المدنيين (طالما الجيش مقصر والأجهزة الأمنية مقصرة وقوات الاتحاد الإفريقي مقصرة)، فهي كبيرة من الكبائر.


(7) فساد دولة المؤمنين
وتنصرف دولة الإسلام إلى سفاسف الأمور، لا عظائمها. وتنشغل بالأمور التافهة على الأمور العظيمة (كالقتل). ففي 21 يونيو 2003 (الحرب في دارفور بدأت قبل ذلك، وكان المواطنون يموتون هناك)، أعلن رئيس الدولة رصد 5 مليون دينار (50 مليون جنيه) لصالح تجهيز زي خاص بالطالبات الجامعيات يستوفي "الشروط الدينية".
وأمر الرئيس بفرض هذا الزي "الإسلامي" على جميع الطالبات بالجامعات السودانية. ويتكون الزي الإلزامي من جلباب فضفاض طويل وقميص فضفاض وغطاء للرأس (خمار) وفق "الشروط الاسلامية". وفي الجانب "المظلم" من الصورة، كان ما لايقل عن 2 مليون سوداني (مسلم) يعانون من شظف العيش والجوع في معسكرات للنازحين في دارفور وفي تشاد المجاورة.
لا بل ويعن لدولة الإسلامويين الاحتفال بذكرى الإنقلاب في مثل هذه الظروف. وتنفق على الاحتفالات عشرات الملايين من الدولارات. ويطيب لها أن تستورد "يختا" فاخرا بما لا يقل عن 5 ملايين دولار ليكون في خدمة "أمير المؤمنين" وضيوفه، ولا عزاء - في الدولة الإسلاموية - للجوعى في دارفور !!
تتدخل دولة الإسلام السياسي في كل شيء في حياة مواطنيها، حتى الزي، الذي لابد أن يكون "إسلاميا"، لكنها ترفع يدها عن واجباتها الرئيسة. فالتعليم والعلاج اللذان كانا مجانا منذ عهد الاستعمار الإنكليزي، مرورا بالحكومات الوطنية كلها التي حكمت البلاد، ديكتاتورية كانت أم ديمقراطية، رفعت "دولة الإسلام" يدها "الطاهرة" عنهما منذ مجيئها، لتثقل كاهل المواطنين الفقراء بنفقات باهظة في بلد تكثر فيه الأمراض، ويسود الجهل.
علينا أن ندرك أن ما أنفقته دولة الإسلام السياسي على التعليم في الفترة 1995-1997 لا يتعدى 1.4% من الناتج القومي، في حين بلغت هذه النسبة على التوالي في بلد كساحل العاج 5% وكينيا 6% وسيشل 10%. في الوقت نفسه بلغ حجم الإنفاق العسكري المعلن في السودان 3.6% من الناتج العام أي قرابة ثلاثة أضعاف ما أنفق على التعليم (الحرب في جنوب السودان.. حصاد الهشيم - محمد عبدالعاطي، الجزيرة.نت).
ويبلغ عدد الأميين في السودان 18 مليون (التعليم والثورة: سعاد إبراهيم أحمد، مجلة احترام: المجلة السودانية لثقافة حقوق الانسان وقضايا التعدد الثقافي، مارس 2006). وجل ايرادات النفط خلال 2003 (حوالي 2.5 ترليون جنيه سوداني) تم صرفها على جهاز الدولة البيروقراطي (913.000 مليار جنيه) وتم تخصيص 468 مليار للأمن والدفاع، وهما في الحقيقة الأهم بنظر دولة الإسلام السياسي.
أما الانتاج والتنمية البشرية، فتراجع نصيبهما (من 775 مليار جنيه إلى 620 مليار) بنسبة 20% عن العام السابق، فيما تراجع نصيب التنمية الزراعية 23% (من 220 مليار جنيه في 2002 إلى 170 مليار في 2003). وفي خضم هذه الأرقام المذهلة، وخصخصة التعليم والعلاج، علينا أن نعلم أن متوسط دخل الفرد في "دولة الإسلام السياسي" لا يتجاوز 400 دولار سنويا. وعلينا أن نقرأ هذا الرقم بدقة (400 دولار سنويا) ما يعني أن متوسط الدخل يوميا لا يتعدى دولار تقريبا!!
وعلى هذا المواطن (السعيد) في دولة الإسلام السياسي التي تهتم لأمر الزي الإسلامي، والحروب المقدسة، أن يأكل ويشرب ويعلّم أبناءه، ويتعالج بدولار في اليوم!!
ويكون الأمر منطقيا لو أن رجالات دولة الإسلام السياسي يعيشون بالكيفية ذاتها التي فرضوها على المواطن السوداني. فقد كانت جملة الاعتداءات على المال العام، باستثناء قطاع المصارف من سبتمبر 2004 وحتى نهاية اغسطس 2005 تقدر بـ(542 مليون دينار، يعني 5 مليارات جنيه)، ولنلاحظ أن ما تم تخصيصه لجهاز الدولة من ميزانية العام 2003 (أي العام السابق) كان 913.000 مليار جنيه.
كانت جرائم سرقة المال العام وصلت إلي 813 مليون دينار (8 مليار جنيه) في 2002 لم يسترد منها الا 8.32 مليون دينار أي 9% تقريبا. المفاجأة المزلزلة فعلا، هي أن الاعتداء علي مال الزكاة كانت نسبته 11% من إجمالي المبالغ المسروقة. هذا يعني أن أموال "السائل والمحروم" التي تقوم بجمعها دولة الإسلام السياسي، من "السائل والمحروم" ذاته، سرقت منها أكثر من مليار جنيه!!
ولنقرأ مرة أخرى بتمعن، ففي 2003 هدد العاملون في 21 ولاية بالإضراب عن العمل بسبب عدم دفع الدولة (دولة الإسلام) أجورهم. وكانت مطالبهم وقتها لا تتعدى 6 مليار جنيه سوداني.
من يسرق، ومن يجوع؟ من يعتدي على أموال الزكاة، والمال العام؟
حسنا. من يتستر عليهم؟
من يفعل ذلك، خصوصا إذا علمنا بأن غالبية من يعملون في أجهزة الدولة، هم من الإسلامويين؟
وما تم رصده هنا، هو ما تكشف عنه الحكومة بنفسها.وهذا ما تكتب عنه صحافة الخرطوم المراقبة. وبالطبع فإن أرقام الاعتداءات على المال العام متواضعة جدا، بالنظر إلى ترتيب السودان المتقدم في الشرق الأوسط وإفريقيا كـدولة "فاسدة".
وفي 30 يناير 2006 كشفت وزيرة الدولة بوزارة الطاقة والتعدين، انجلينا جانج تينج (من الحركة الشعبية لتحرير السودان)، إنها كوزيرة لا تعلم شيئا عن العائدات الكلية للنفط ومن يقوم بحسابها والكيفية التي يتم بها ذلك!!
ولننح جانبا الحديث عن عموميات الفساد، ولنستعرض نموذجا من نماذج الفساد "الإسلاموي" في قمة هرم السلطة. قبل عامين تقريبا، انهارت بناية تابعة لجامعة الرباط في الخرطوم، والجامعة بدورها تابعة لوزارة الداخلية كعمل استثماري في التعليم العالي لهذه الوزارة. وبالاضافة للخسائر المادية، قتل مواطن بسيط في هذا الحادث.
وبعد ضغوط شعبية تعرضت لها الحكومة الإسلاموية بهدف تشكيل لجنة تحقيق، برأت لجنة التحقيق وزير الداخلية (آنذاك) الفريق عبدالرحيم محمد حسين، ملقية المسؤولية على الشركة المسؤولة عن البناء.
ونفت اللجنة ذاتها أن يكون الوزير (الإسلاموي المقرب من أمير المؤمنين) قد أثرى (ثراء حراما) من وراء "صلته" بالشركة. هذا يعني ببساطة أن للوزير صلة بالشركة التي (غشت) في مواد البناء، وتسببت بمقتل انسان واهدار مال عام. وكشفت تقارير صحافية بعد ذلك أن الشركة ذاتها هي التي قامت بتشييد بيت الوزير في ضاحية "غاردن سيتي" على شاطيء النيل الخلاب !!.
وذكرت تقارير صحافية أخرى أن كلفة المصعد الكهربائي وحده في البيت المذكور بلغت (200 مليون جنيه) في بلد لا يزيد متوسط دخل الفرد فيه سنويا عن (2مليون جنيه).
تسببت الفضائح المتتالية في استقالة الوزير. وبدلا من محاسبته، وعوضا عن ظهور "درة عمر"، كافأه رئيس الجمهورية بوزارة الدفاع !!
إنها دولة الإسلام السياسي، التي حين يسرق فيها البسطاء الذين يحصلون على دولار واحد في اليوم، تقطع أيديهم !!
ولابد أن أشير إلى أمر في غاية الأهمية، ففي نهاية يونيو 2006 أصدر النائب الأول لرئيس الجمهورية، ورئيس حكومة جنوب السودان، الفريق سلفا كير ميارديت (مسيحي، علماني) مرسوما وضع بموجبه والى غرب الاستوائية تحت الاقامة الجبرية بمنزله ريثما تنتهي التحقيقات معه بشأن اتهام بـ"الفساد".
يا سبحان الله !! الحكومة الإسلاموية عجزت طوال سنوات حكمها الـ 17 عن محاكمة أي مسؤول رفيع بتهمة الفساد، وهاهو سلفا كير (المسيحي، العلماني)، ولمّا يمض العام على توليه أعباء منصبه، يكافح الفساد بهذه الطريقة الداعية للاعجاب !!
هل الحكم الراشد يقوم على قاعدة إسلاموي/لا إسلاموي، أم على معايير أخرى؟
وهل تؤثر الرقابة الشعبية، وفصل السلطات، وحرية الصحافة، وحق العقاب من خلال صناديق الاقتراع، في فساد أو نزاهة الحكام؟ لن يجيبك الإسلامويون على مثل هذه الأسئلة، وإذا أجابوا، فإن الإجابة ستكون "مقتطعة" و"مجتزأة" من القرآن الكريم على شاكلة "لا تقربوا الصلاة".
ولنقرأ معا: وجدت الشرطة شيخا في الخامسة والستين من العمر ميتا في إحدى طرقات وسط العاصمة جيوبه خالية إلا من تذكرة طبية حديثة الصدور عليها اسم دواء لعلاج الملاريا وعزا الطبيب الشرعي أسباب الوفاة إلى مضاعفات حمى الملاريا التي لم تجد غذاء أو دواء (جريدة الخليج الاماراتية 29/11/1996).
"لو عثرت بغلة بالعراق...." !!
لكن من يسأل أمير المؤمنين؟
ومن يسأل حكومة الإسلامويين؟
لا بأس بموت فقير، أو مليون فقير، طالما أن "أولويات" الحكم، الحرب المقدسة في الجنوب، ومحاربة الفنون والآداب (تم تحطيم التماثيل الفنية في كلية الفنون الجميلة والتشكيلية في الخرطوم في مطلع التسعينات، وخسرت الإذاعة والتلفزيون تسجيلات فنية نادرة بدعوى خروجها على الدين)، بالإضافة لتثبيت دعائم حكمهم !!
تذكروا، نحن لا نتجنى على الحكم الإسلاموي، فالحرب المقدسة "الملعونة" التي قسروا الشبان السودانيين على خوضها من خلال المعسكرات الجبرية للخدمة العسكرية (حين هرب بعض المجندين من معسكر "العيلفون" في 1997 فتح الجنود النار عليهم فسقط العشرات مضرجين بدمائهم)، كان هذا ثمنها: تعتبر معدلات وفيات الأطفال دون الخامسة في السودان من أعلى المعدلات في أفريقيا والعالم العربي إذ بلغت 116 طفلا في الألف (بسبب الحرب)، في حين تنخفض هذه النسبة على سبيل المثال في دولة كالأردن -الذي لا يملك من الموارد الطبيعية ما يملكه السودان- إلى 5 في الألف فقط، (الحرب في جنوب السودان.. حصاد الهشيم - محمد عبدالعاطي، الجزيرة.نت).
أي بلد هذا الذي يشهد انهيارا فظيعا في كل مناحي الحياة فيه، بسبب "الحكم الإسلاموي"؟
تخيلوا أن بلدا تجري فيه ما لا تقل عن تسعة أنهار، لا تتوفر المياه الصالحة للشرب إلا لـ 25% من مواطنيه (الحرب في جنوب السودان.. حصاد الهشيم - محمد عبدالعاطي، الجزيرة.نت).
هذا يعني أن 75% من السودانيين، (ليس في الجنوب وحده، بل في السودان كله) يستهلكون مياها غير صالحة للشرب!!.
لم لا، طالما الميزانية يوجه معظمها على البندين العسكري والأمني. الأول لمحاربة مواطني الدولة في الجنوب ودارفور وشرق السودان، في حين تقتطع ثلاث من دول الجوار أراض سودانية (مصر،إثيوبيا، كينيا) والجيش لا يحرك ساكنا. والثاني للتجسس على البقية، وتوفير وسائل التعذيب، وتدريب العاملين في أجهزة الأمن على أحدث "فنون" التعذيب. إنها الحكومة ذاتها التي تعادي الفنون، وتهجّر كبار الفنانين السودانيين سنوات طويلة في المنافي !!


(8) سقوط الشعارات.. والمشروع الإسلاموي !!
لأن السودان بعد 17 عاما فقط من حكم الإسلام السياسي، أضحى دولة "فاشلة" ولم يكن كذلك، ودولة "فاسدة" بل الأكثر فسادا بين الدول العربية، ولم يكن كذلك، وأضحى يعاني حروبا في جبهات عدة، ولم يكن كذلك، وخيّم شبح الانفصال في الجنوب ودارفور، وارتد المجتمع للقبيلة والجهة، ولم يكن المجتمع كذلك.
ولأن معاناة مواطنيه بلغت حدا لم يحدث في تاريخه، ولأن المواطن السودان "لم يطعم من جوع ولم يأمن من خوف"، بل أصبح الشيخ المسن يموت في الشارع لعجزه عن ابتياع دواء بمبلغ زهيد، يبقى الوصف الصحيح لمثل هذا الحكم، هو أنه الأفشل في تاريخ البلاد، والأكثر دموية وارهابا، والأكثر فسادا، وانتهازية، والأقل شفافية، والأكثر ديكتاتورية وتهورا، والأهم من ذلك.. الأبعد وبشقة واسعة جدا عن روح الإسلام !!
لنقرأ بتمعن ما ذكره مثقف إسلاموي بارز هو الدكتور غازي صلاح الدين العتباني (مستشار رئيس الجمهورية حاليا) في ورقة بعنوان (دعوة لاحياء العمل الاسلامي الوطني) قدمها أمام ندوة لهيئة الاعمال الفكرية في الخرطوم قبل عامين تقريبا:
"أشد الادواء التي اصابت الحركة الاسلامية هو الاحساس الذي انتاب كثيرا من اعضائها بتآكل المشروعية وفقدان المصداقية الذاتية الذي اضعف الايمان بالنفس وبأحقية المطلب الذي اجتمعوا عليه وتواثقوا على نصرته، مشيرا الى ان ذلك قاد الى ضمور العمل الاسلامي وسط التيارات الحية والمتجددة في المجتمع، والتي كانت للحركة الاسلامية الصدارة فيها على من سواها" !!
ولنقرأ مرة أخرى للدكتور حسن مكي (أحد المثقفين الإسلامويين البارزين) في صحيفة الخليج الاماراتية (6/9/1996):
"ما جدوى هذا المشروع الحضاري إذا كان الاتجاه العام للحياة في السودان يمضى لانكماش وانقباض وتأزم، وأنها ماضية إلى المزيد من الأزمات نتيجة للانخفاض المستمر في قيمة الجنيه، ونتيجة للتضخم، ونتيجة للخلل في السياسات الاقتصادية".
ويمضي لما هو أهم، بل هو جوهر المسألة:
"إن الإسلام يقوم على النموذج والقدوة وما زالت الأوضاع في السودان بعيدة عن حضارة النموذج." ورصد ما طرأ من تغيرات على حياة الإسلامويين: " إن هذه الفئة الجديدة تستفز المواطنين بمسكنها وملبسها ومأكلها ومركبها".
ولنذكر هنا أن البند الثاني من بنود "أهداف" حزب المؤتمر الوطني (الإسلامويين) عبر مرسومه الأساسي، يؤكد "حاكمية الله" !!
والحقيقة طبعا أن الإسلام عبر شخوصه لا يحقق عدلا ولا دولة كفاية ولا يكفل حقوقا انسانية - من خلال الحكم - لأنه ما من وسيلة لمراقبة "خائنة الأعين وما تخفي الصدور". ولا سبيل لمحاسبة الحاكم "الفاسد" الذي يرفع المصحف بيمينه. ولا يمكن لأي مواطن أن يعترض على أي أمر، لأن الحاكم أشبه بـ"ظل الله على الأرض"، ومعارضة الدولة، هي معارضة الله !!
لكن، وبعد كل هذه السنوات، هل تسمى هذه دولة "الله"، أم دولة "الشيطان"؟
وما هي حقيقة المشروع الإسلاموي في الحكم؟
وما هي حقيقة الشعارات؟
والحقيقة أن الإسلام (لصلاحيته لكل زمان ومكان) لم يشرع شكلا محددا للدولة، ولم يدع لدولة دينية. والإسلام في مقاصده النهائية، وروحه، وجوهره، أقرب لمفاهيم العدل منه للظلم، ولمفاهيم المساواة منه لعدم المساواة، ولمفاهيم حقوق الانسان، منه لمفاهيم القطع والضرب والجلد و"التعذيب".
والحقيقة، أنهم يدركون ذلك جيدا. لكنهم - دعاة الإسلام السياسي - يتاجرون بالشعارات، وهي وسيلتهم الوحيدة لخداع الناس، وارهابهم والتسلط عليهم باسم الدين. و"مطية" الإسلام، والمزايدة بشعاراته، هي أسهل طريقة يمكن اتباعها للوصول للحكم، عبر الاحتجاج الإسلاموي، وتشغيل آلة الإرهاب الفكري بحق "المخالفين".
وأخيرا قد يعن لسائل أن يطرح سؤالا عن حصار دولة الإسلامويين بواسطة الغرب، ومعاداة الغرب لها.
وهو سؤال جدير بالانتباه، فإسلامويو السودان كانوا مستشارين لجعفر نميري، حين كان الأخير "عميلا" أمريكيا لا يشق له غبار. وكانوا مستشاريه حين قام نظامه بترحيل الفلاشا. وكانوا مقربين منه حين كان لوكالة المخابرات الأمريكية وجود كبير جدا في الخرطوم مطلع الثمانينات.
وفي ظل حكمهم "الكامل دون شراكة مع أحد"، أصبح مدير جهاز الأمن والمخابرات السودانية يطير إلى مقر المخابرات الأمريكية في الولايات المتحدة بطائرة خاصة، وتكشف الصحف الأمريكية ذلك (لوس أنجلوس تايمز). ولم تكشف ذلك صحافة الخرطوم (لماذا ترى؟).
صحيح أن الخرطوم ظلت على عداء واضح لواشنطن إلى بداية الألفية، واستضافت بن لادن والظواهري وغيرهما من غلاة المتشددين. لكن أين (المباديء) حين يتحول كل هذا العداء لتعاون وثيق، تم من خلاله تسليم كل ملفات (أصدقاء الأمس: إخوتهم الإسلاميين في القاعدة وغيرها) للمخابرات الغربية؟
و قدمت الاستخبارات السودانية للولايات المتحدة بحسب تقارير صحافية معلومات مهمة عن تحركات بعض الأشخاص المشتبه في علاقتهم بالإرهاب في بعض الدول المجاورة كالصومال.
وأبعدت متطرفين وسلمتهم إلي استخبارات دول عربية (يعتقد أنها مصر) لها تعاون وثيق مع وكالة المخابرات الأمريكية. وقامت بإحباط هجمات ضد أهداف أمريكية، وذلك باعتقال متطرفين أجانب كانوا يعبرون السودان للانضمام إلى المسلحين في العراق.
وعرض السودان في منتصف 2000 تسليم اثنين من المشتبه في تورطهما في أحداث تفجير سفارتي الولايات المتحدة في شرق إفريقيا عام 1998.
وكانت الخرطوم قد عرضت على السعوديين تسليم بن لادن منتصف التسعينات !!
إن اليسار (الشيوعي، الملحد) - في هذه الحالة - ممثلا في فيدل كاسترو، وبدرجة أقل، هوغو شافيز يبقى مؤهلا أخلاقيا أكثر من الإسلامويين. فلم يقرأ واحد منا عن مثل هذا التعاون الذي يبلغ درجة "الانبطاح" للدوائر الاستخباراتية الغربية. وما هو الثمن؟
الثمن هو محاولة الإبقاء على مقاعد السلطة !!
ويا له من هدف نبيل يكشف عن سمو روحي، ونزعة أخلاقية. لكن، أين الشعارات التي أطلقتها الإنقاذ طيلة عشر سنوات: (أمريكا روسيا قد دنا عذابها، علي إن لاقيتها ضرابها)، و(الأمريكان لكم تسلحنا، بقول الله وقول الرسول لكم تسلحنا)؟
ولماذا ترفض الخرطوم إذن مجيء قوات دولية لدارفور؟
هل دولة الإسلام متناقضة؟
هل تعاني من خلل أخلاقي عميق؟
ولن تحصل على إجابة مقنعة من قبلهم سوى أن "هذه هي السياسة".
ونسأل بدورنا: أهي "السياسة" أم "السياسة الشرعية"؟
وما هو المقصود بـ"دولة إسلامية" على وجه الدقة؟
أهي الدولة الأقرب للعدل وكفالة حقوق الانسان والمساواة والقانون، أم التي يرأسها إسلامويون، أم التي يغلب فيها المسلمون؟
وما المقصود بـ"شريعة إسلامية"؟
أهي قيم العدل والإنصاف و"الرقابة" على المسؤولين وتطبيق القانون حتى لو كان على رئيس الجمهورية أو "وزير الدفاع"، أم هي قطع أيدي الجياع الذين لا يحصلون في اليوم سوى على دولار واحد؟
أهي توفير مأوى ومأكل ومشرب لكل مواطن، أم جلد صانعات الخمور البلدية، ومطاردتهن في الأسواق حين يلجأن لصنع الشاي تحت الأشجار من أجل توفير كسرة خبز لأطفالهن؟
سيقول الإسلامويون كلاما كثيرا "مبهما" وفي أطر عريضة عن مردود "إيمان أهل القرى وتقواهم"، وعن "الحاكمية لله"، لكنهم لن يتحدثوا قط عن الفروق البائنة بين المظهر والجوهر، أو بين القشور والمقاصد.
وهذا هو السقوط بعينه، فكرامة الإنسان، وحقه في الحياة، وفي التعليم، والعلاج، والمساواة مع الآخرين، والعدل، والقانون، تبقى هي الجوهر النقي لأية دولة أخلاقية، أو تدعي القسط الأقل من الأخلاق. وبدون ذلك، وهو الحادث بالفعل، تبقى دولة الإسلامويين في السودان، عبر تجربتها الطويلة في الحكم، نموذجا يدلل بوضوح إلى سقوط المشروع الإسلاموي حين يحكم، وحين يدير شؤون دولة ما بخبرات سياسية كسيحة، ونزعة عنفية تعكس مزاجا احتجاجيا، وميلا واضحا لمعاداة كل مظاهر الحداثة.
لم يسقط المشروع الإ

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف