أصداء

الانتقال الى مجتمع ديمقراطي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ليس ما يعيشيه المجتمع العراقي اليوم تحولا فعليا واصيلا نحو الديمقراطية بقدر ماهو تفجر ازمة نظام الاستبداد والديكتاتورية وحكم الاقلية الذي دام لاكثر من ثمانين عاما، وتنامى في مفاصل المجتمع الى الحد الذي صار بحد ذاته ازمة يجب الخلاص منها، فعلى المستوى الاقتصادي اصبح نظام الاقلية المتمثل بحزب البعث السني عاجزا عن مواكبة التطورات الاقتصادية في السوق العالمية لموروثاته القبلية والتي وزع الثروة العراقية على اساسها، فمن المعروف ان حزب البعث تبنى سياسية اقتصادية تعتمد على النظام الاشتراكي في بدايتها ولما فشل هذا المشروع( فشل المشروع الا شتراكي في العراق سببه ان البعث لم يكن راغبا جديا في اقامة الاشتراكية ) اصبحت متبنيات النظام البعثي واضحة فهو ساهم في اقصاء رؤوس الاموال الاجنبية وفي مرحلة لاحقة تم مصادرة كل رؤوس الاموال العراقية ( الغير سنية ) هنا لابد ان تتفجر الازمة فكيف يمكن لطائفة تشكل اقل من 20% من السكان ان تساهم في خلق حركة اقتصادية تتناسب وريع النفط الكبير وبعد ثلاثين عاما من التجربة الفاشلة دخلت فيها
ثلاث حروب خارجية وحروب داخلية لاقصاء بقية المكونات عن الحكم وبالتالي لعزلها عن المشاركة في القرار الاقتصادي. كان لهذا النظام ان يغادر الساحة غير ماسوف عليه
ومن الطبيعي ان تفتح هذه لازمة المتفجرة الباب امام تنامي جميع الامال باستبدال هذا النظام الاقلوي بنظام ديمقراطي حقيقي.
وبعد الاجماع حول شعار الديمقراطية الذي تبنته قوى المعارضة العراقية بكافة مكوناتها، بدات المعركة الحقيقية تتبلور بين التيارات والقوى الاجتماعية لفرض نمط الخروج من هذه الازمة، ومنذ بداية تشكيل مجلس الحكم ادركنا حجم المشكلة المتولدة كما ادركها الحاكم المدني في العراق بول بريمر والذي صب جام غضبه في مذكراته على القيادات السياسية التي عرفها ناسيا او متجاهلا انها طبيعة اي مجتمع يمر بفترة خروج من نظام تسلطي الى نظام ديمقراطي، وفي هذا المجال لابد ان نشير الى ان التناقضات الحادة بين هذه المكونات كانت واضحة للعيان وكان ابرزها تلك المظاهرات التي خرجت عقب قرار لمجلس الحكم بالغاء قانون الاحوال الشخصية، فمن المعروف ان القرار تمت الموافقة عليه من قبل كافة الاعضاء الا انه صدر بفترة رئاسة رجل دين متشدد( عبد العزيز الحكيم ) قامت قوى المعارضة العراقية بكل فصائلها الى تعبئة الشارع العراقي الشيوعيون والعلممانيون والمتدينون السنة كل هذه القوى خرجت بمظاهرات احرجت مجلس الحكم وبالتالي احرجت السيد عبد العزيز الامر الذي الغي معه القرار، ولم يتسئل احد من هولاء المتظاهرين الشيوعيين او العلمانيين كيف استطاع عبد العزيز من تمرير هذا المشروع بدون علمكم؟
اذن هي طبيعة الحراك الاجتماعي الذي يبحث عن متنفس بعد سقوط الديكتاتورية.
اصبحت الازمة اكثر اشتعالا حين بدء الطرح التالي ماهو نمط الحكم الذي نرغب به او الذي سيحل محل نظام البعث السني،
في هذه اللحظة اصدر الحاكم المدني بول بريمر قراران مهمان
1-حل الجيش العراقي
2- اجتثاث البعث وعدم السماح لاعضائه بالترشح للانتخابات او ممارسة اي عمل سياسي،
وقبل الاجابة عن سؤال ماهو نظام الحكم الذي نرغب به، ساحاول تتبع اثر هذان القراران
فحل الجيش العراقي اثار لغطا كبيرا فاكثر المتضررين منه هم الشيعة والذين يشكلون اكثر 80% من تركيبة هذا الجيش من الجنود والرتب الصغيرة اما القيادات السنية والضباط السنة فاغلبهم كان قد هرب باموال كبيرة جدا خارج العراق ومازال يمارس انشطة مسلحة من هناك
القرار الثاني هو عدم السماح للبعثيين من بلغوا درجات عليا في حزب البعث السني من ممارسة الانشطة السياسية وهذه الدرجات حددها بعضو شعبة فمافوق ( جميع هذه القيادات سنية اذ ان مثل هذه المراكز كانت محجوبة على بقية الطوائف والاثنيات باستثاء حالات صغيرة لغرض شكلي وهي ليس لها اي دور في الحياة البعثية ) استخدم الحاكم المدني بريمر مصطلح زراعي وهو الاجتثاث ( والذي يعني قلع الشيء من الجذور)
هذه التسمية اثارت حفيضة السنة العرب الذين استطاعوا من خلال منظوماتهم الاعلامية من التخفيف من حدة هذا المصطلح وصولا الى الغائه كما نشاهد اليوم.
اذن وهذا ما كان يرغب به الحاكم بريمر ومن خلفه طبعا الادارة الامريكية هي منح السنة مظلومية وجعل جميع السنة العراقيين يتبنون حزب البعث حتى اطلقنا عليه حزب البعث السني لمواجهة القوى السياىسية الكبيرة التي تواجه امريكا من الشيعة والاكراد في عملية البحث عن الحقوق والمكتسبات وجدولة الانسحاب الامريكي من العراق بعد نجاحها في اصطفاف السنة الى حزب البعث اصبح شكل النظام المطلوب مختلف عما طرح، ليس من الصعب ادراك ان المعركة الاساسية قد انتهت الى خيارين اساسين
الاول خيار اسلامي والذي يتميز بطابع شعبوي كبير لكنه يفتقر الى ادواته من الوضوح والرؤية
اماالخيار الثاني فهو في الواقع ليس خيارا او نظاما بقدر ماهو مجموعة من الافكار المشوشة والطروحات غير الناضجة تركز على الاجراءات الامنية والسياسية الاقتصادية وبالتالي تريد السيطرة على الحكم من دون امتلاكها لاي نظرية او ايدولوجية واضحة ( العلمانيين والشيوعيين او مايسمى جبهة مرام انموذجا لهذا الطرح) والتي تريد الاصطدام مع التيار الاسلامي الشعبوي طبعا وكمقدمة تاريخية فان مثل هذه الافكار تهزم وتفشل وهذا بالضبط ماحدث لمرام التي لاقت مصيرها البرجوازي المحتوم، انها بالضبط اعادة احياء الفاشية لمواجهة التيارات الشعبوية لاكبيرة ومن خلال التركيز على الامن المفقود وتقديم الخدمات المسلوبة انها اعادة انتاج لنموذج الانظمة الفاشية التقليدية لكن على اسس اجتماعية جديدة فهو نظام يجمع بين الانفتاح الاقتصادي ودعم اصحاب المصالح الكبرى من جهة وبين خلق قاعدة اجتماعية مواجهة للطبقات الاجتماعية الاساسية من بقايا النخب والقوى الهامشية او المعزولة الملتفة حول الدولة والمستفيدة منها، وهكذا ادى تبلور الصراع وما رافقه من استقطاب ووعي انضج بالمصالح الى تراجع الخطاب الديمقراطي وتحوله الى خيار ثانوي واصبح الطرف الاضعف في المعركة السياسيةالقائمة اليوم
وهذا يعني ان ماشهدناه في السنوات الثلاث من امال الديمقراطية لم يكن اكثر من حلم وما نشهده من تفجر للعنف والاقتتال والفوضى والضياع لهو البرهان الساطع على ذلك.
لكن ليس هناك شك في ان تفجر العنف واستمرار المعركة الطاحنة بين القوى السياسيةالكبرى هما بعض النتائج لاخفاق الموجة الاولى من معارك تفكيك نظام الاستبداد والديكتاتورية. واذا كانت الاسباب العميقة لهذا الاخفاق كامنة في حدة التناقضات والتوترات التي انتجها النظام السابق فليس من المبالغة القول ان ضعف الوعي بالديمقراطية وبمشاكل التحول الديمقراطي ومضمونه وبالصعوبات المتعددة الموضوعية والذاتية كان من العوامل الرئيسية ايضا في زيادة حدة التوترات، ولم يكن الهلع الذي اصاب الطبقات الاجتماعية الوسطى امام احتمال فقدان السيطرة على الموقف وانتقال السلطة الى القوى السياسية والاجتماعية الاكثر شعبية وهامشية وفقرا الا احد ثمرات هذه الهشاشة في المجتمع العراقي بحيث بادرت هذه الطبقات الوسطى الى تمويل العمليات الارهابية التي تحدث يوميا سواء من داخل العراق او من خارجه حيث هربت ومعها ثروة طائلة، كما استطاعت هذه القوى ( الطبقة الوسطى ) من استغلال مشاعر الخوف والهلع والعمل على تضخيمها والنفخ فيها لدى الجماهير الفقيرة والبائسة واليائسة من عملية التغير باتجاه الاقتتال الطائفي وبالتالي من اجل النفخ في الحرب الاهلية وهذا بالضبط ما اشار اليه المفكر الكبير تروتسكي في تحليله للحرب الاهلية ودور هذه الطبقات في الحث عليها حيث ذكر في دراساته عن الفاشية
( ان الطبقة البرجوازية في صراعها مع القوى الاخرى تعمل على دفع الطبقات الفقيرة الى اتون حرب اهلية ) انظر ارنست ماندل العناصر التكوينية للنظرية الفاشية عند تروتسكي ).
اذن التقت مصالح القوى البرجوازية مع مصالح القوى المتطرفة بعد اقصاء وتهميش القوى الاخرى ( من الجانب الشيعي والجانب السني ) القوى التي تضررت كثيرا من النظام الاجتماعي والسياسي السابق، اتفقت هذه القوى على تحريك العمل السياسي ولكن باتجاه اخر هو ضد الديمقراطية او تاجيلها لحين تحقييق جملة من الانتصارات الوهمية، وما عملية الاقتتال الا جزء من هذا البرنامج، طبعا لااود ان انكر ان القاعدة لها اهتمام كبير في دعم الارهاب على اساس طائفي لكنها كانت العامل المساعد لنشر هذه الافكار وهذا ما كانت بحاجة اليه القوى الشيعية الرافضة اصلا لمفهوم الديمقراطية، وتم تحجيم قوى الداخل ولكن ليس لفترة طويلة
من خلال هذا التناغم بين القوى المتطرفة السنية والشيعية استطاعت الدول المحتلة للعراق امريكا وبريطانيا من التناغم مع هذه القوى فالدور البريطاني في البصرة بات معروفا فهو الى جانب ضرب قوى الداخل وتقوية القوى المتطرفة بل تم تزويدهم بالسلاح بفضيحة المسدسات التي وصلت الى القوى الارهابية، استطاعت بريطانيا من بناء شبكة واسعة من القوى المعادية للديمقراطية وتحت شعار تاجبل المشرو ع الديمقراطي كتب السفير البريطاني في العراق وليم بتي ان جيش المهدي هو من يشكل الخطر في العراق وانه دولة داخل دولة. اشارة الى ماقاله جورج كيس وهو اكبر جنرال في العراق المحتل ان جيش المهدي يشكل الخطر الاول على الديمقراطية في العراق،
لم تكن هذه الميليشيا الشيعية على مستوى من التطور العسكري قبل ثلاث سنوات حتى في حربها الاولى مع امريكا، لكنها الان تمتلك سلاح فعال جدا تقول انها لتحمي جماعتها المتمذهبة معها ضد الميليشيا السنية التي تخندقت مع امريكا،
هذه الرؤويا والوضوح والقوة، امر غير مرغوب فيه ضمن هذا الحراك السياسي، حتى على مستوى القوى الشيعية الاخرى التي ستساند ضرب هذه الجماعة، تماما كما حدث حينما قررت القوى السياسية من توجيه ضربة قاصمة للتنظيم القاعدة فقد كانت القوى السنية موافقة على هذا العمل ورايناها كيف ساهمت في تعجيل القضاء على زعيم الارهاب ابو مصعب الزرقاوي. لكن هذه القوى السياسية والاجتماعية اليوم تواجه ازمة حقيقية مالم تعالج اوضاعها وتسير بجدية نحو واقع ديمقراطي بعيدا عن حسابات الربح والخسارة في السياسية وهذا هو المفهوم الديمقراطي
اعني الحوار البناء من اجل الاستمرار في طريق الديمقراطية. والانتقال الى التعددية السياسية.لبناء عراق بعيدا عن حسابات ومصالح امريكا.

سعد البغدادي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف