ميراث مصطفى البارزاني..من يجسده؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ستة عقود تمضي على تأسيس الحزب الديمقراطي الکوردستاني، خلالها تحققت العديد من الاخفاقات و البعض من الانجازات، کانت هناک إنتصارات مثلما کانت هنالک إنکسارات و نکسات محبطة للآمال، وواجه هذا الحزب الکثير من التحديات الصعبة وصلت الى حد تهديد وجوده و إقصاءه من الساحة نهائيا، لکن على الرغم من ذلک بقى الحزب وواصل مسيرته عبر مسارات تخللتها منعطفات حادة جدا کلفته الکثير وعلى أصعدة متباينة.
الحزب الديمقراطي الکوردستاني الذي حاز على جماهيرية إستثنائية بين أوساط الامة الکوردية في أصعب ظروف مرت بها کوردستان المجزأة، لم يکن بمقدوه أبدا أن يحوز على مثل تلک الجماهيرية لولا القيادة التأريخية الفريدة لأبرز زعيم کوردستاني في العصر الحديث، مصطفى البارزاني الذي لم يکن قائدا تقليديا و لا رئيسا لحزب سياسي محدد على الرغم من إنه کان رئيسا للحزب الديمقراطي الکوردستاني، فقد کان بشهادة معاصريه"حتى من الذين کانوا يناوئونه"يتسم بکاريزما غير تقليدية و مع إن کوردستان المجزأة شهدت ثورات تحررية عديدة و أنجبت قادة عظام قادوا الشعب الکوردي في أکثر الفترات التأريخية إسودادا بالبنسبة للکورد، إلا أنه لم يحز أي منهم على ماحازه البارزاني من شعبية واسعة بين أوساط الامة الکوردية في کافة أجزاء کوردستان المجزأة. کما إن البارزاني قد حاز على شهرة عالمية في أصعب ظروف شد الحصار و الخناق على الامة الکوردية، وحتى إن إسمه صار مرادفا للقضية الکوردية و صار رمزا أساسيا لها. بل و إن إسمه صار عقدة للعديد من القادة السياسيين الاخرين في کافة أرجاء کوردستان الکبرى ذلک إن إجتياز حالة مصطفى البارزاني تعني فيما تعني تجاوز أهم حالة تأريخية في مبدأ الزعامة الکوردية و بدأ مرحلة جديدة في هذا المضمار وهو أمر لم يحدث لحد الان.
البارزاني مصطفى الذي قاد واحدة من أقوى الثورات الکوردية و أهمها في تحديد معالم مستقبل الامة الکوردية، ذلک إنها بتداعياتها المرحلية زعزعت خارطة المنطقة، لم يکن زعيما متکلفا و لا من أولئک الذين يلدون وفي أفواههم ملعقة من ذهب، بل کان زعيما عصاميا بمعنى الکلمة، صنع تأريخه بنضال مرير خاضه عبر کفاح إستثنائي و بنى مجده بسعي دؤوب من أجل مستقبل أکثر إشراقا لأمته.
ويعلم کل الذين عاصروا هذا الزعيم الخالد، إنه لم يکن يتباهى أبدا بکونه رئيسا للحزب الديمقراطي الکوردستاني بل کان الحزب نفسه يتباهى"ولايزال" بکون البارزاني رئيسا له، لکن هذا الرجل القائد الاسطوري کان يتفاخر بإنه"خادم"للشعب الکوردي وکان يدعو أتباعه لذلک، لقد کان و بشهادة أعدائه حتى، إنه لم يکن يتصرف مطلقا وفق أعراف الرئاسة الحزبية وإنما وفق طقوس خاصة جسدتها تعلق الشعب الکوردستاني به، ومن المفيد أن نذکر هنا أن أناس مدنيون من کهول و شباب و حتى نساء قد فقدوا حياتهم إبان ثورة أيلول في المدن الکوردية لأنهم رفضوا أن ينالوا منه وهم مکرهين تحت ضغط و إرهاب السلاح.
الحزب الديمقراطي الکوردستاني الذي عاصر مختلف الظروف السياسية التي مرت بالعراق منذ نشوئه، يجد صعوبة جمة في التعاطي مع تراث هذا الزعيم الخالد و يجد صعوبة أکبر في تجسيد ذلک التراث العظيم و ترجمته لعامة الشعب الکوردي، على الرغم من أن الشعب الکوردي برمته مازال مؤمنا بأن مصطفى البارزاني کان حالة إستثنائية من النادر أن ينجب التأريخ الکوردي مثيلا لها.
إن الحزب الديمقراطي الکوردستاني وهو يعيش عيد ميلاده الستين، مطالب أکثر من السابق بالعودة الى تراث هذا الرجل و الاخذ بتلک الخصال الحميدة التي جسدها عبر زعامته للأمة الکوردية، وإن التمسک بإنه کان رئيسا للحزب هو أمر مرفوض و غير مقبول و مسئ لذکرى هذا الرجل الاسطوري خصوصا إذا لم يقترن بما يجسد ماکان يدعو إليه و ضحى من إجله طيلة حياته، وإنه مطالب أکثر من أي حزب کوردستاني آخر بحملة جادة لإجتثاث الفساد المالي و الاداري في صفوف الادارة الکوردية للإقليم على الرغم من أنه مطالب قبل ذلک بإجتثاث الفساد من بين صفوفه وضخ دماء جديدة في شرايين الحزب التي باتت تعاني ترهلا ملفتا للنظر قد يسبب لها إنسدادا طارئا ذات يوم!
نزار جاف
nezarjaff@gmail.com