أصداء

ضرب النساء

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عندما قررت ان اكتب حول هذا الموضوع، اخذت ابحث عن مصادر وثيقة ادعم بها ما اريد قوله، ولعجبي وجدت ان المقالات والبحوث المنشورة معظمها إذا لم تكن جميعها، تتكلم عن الاسلام وضرب المرأة، وهناك من يحلل ومن يحرم ومن يتهم الدين الاسلامي بأنه دين يشجع على ضرب النساء، والقصص التي نُشرت عن نساء معاقات بسبب ضرب ازواجهن لهن. قررت حينها اللجوء لما صُور عن حالات ضرب النساء والتقارير التي وضعت من خلال الكاميرا. وجدت حالات مرعبة حصلت وما زالت تحصل في الباكستان وافغانستان من حرق وتشويه للمراة وضرب يحيلها الى الاعاقة المستديمة. كنت اتمنى ان اجد ما هو مكتوب عن ضرب النساء في العالم الغربي، لكنني لم افلح بالحصول على مواد كافية استطيع فيها المقارنة بين ما يحصل في عالمنا والعالم الغربي.
افتتحت مقالتي بالتقليد الذي يتمتع به احدى شعوب الارض بالتسلي بضرب النساء، لكننا في عالمنا العربي نضرب النساء ليس للتسلية، بل يستعمل الضرب كوسيلة انتقامية لاسباب عديدة، منها قضية شرعية كما يدعي علماء الدين بان الاسلام قد حلل ضرب النساء، واسباب اجتماعية منها قوة شخصية المرأة في العائلة وهذه حسب اعتقادي هو السبب الرئيسي للخلافات الحاصلة بين الزوجين، بالإضافة الى القضايا المالية والتمايز الثقافي والانتماء الطبقي، كلها عوامل تأخذ بالخلافات بين الزوجين الى طريق مسدود، حينها يعلن الزوج عن مركزه الذكوري الذي خدشته الزوجة ويبدا بقصاصها وبالطبع هو الضرب المبرح الذي يترك بصمات على انحاء جسدها لتحذيرها وتذكيرها من هو الرجل هنا.
ولكن هناك خلافات حادة بين قضية ضرب النساء، فهناك من يستعذبن الضرب ويعتبرهن بند من بنود الحياة الزوجية الناجحة. ففي تركيا تعتبر اكثر من ثلث النساء بانهن يستحقن الضرب اذا تجرأت وبدأت بالجدال مع زوجها، او عدم أداء واجباتها الزوجية بشكل كامل كما ذكرت اخر الاستبيانات التي جرت هناك على 8075 زوجة من قبل جامعة انقرة، والذي بين بأن 39% من الفئة التي خضعت للعملية الاستبيان تؤمن بان الخلافات العائلية امر مشروع في معظم الحالات. ولقد بين الاستبيان بان 57% يؤيدن ضرب الازواج لهن. ورغم ذلك، فلقد وافق البرلمان التركي على تعديلات قانونية خاصة بانزال عقوبات شديدة بالازواج الذين يسببون اعاقات بدنية عند ضربهم لزوجاتهم، ومنع القتل غسلا للعار. ولكن يا ترى هل يمكن تغير قضايا اجتماعية لها جذور عميقة متوارثة باصدار قانون حكومي؟

ولكن ما أثار انتباهي اليوم ما نشرته ايلاف " المرأة غائبة في قائمة المعارضة" وكان الخبر يدور حول ترشيحات جمعيات المعارضة في البحرين وامتناع جهات اسلامية من ترشيح أي امرأة في قائمة المترشحين للمجلس النيابي،.
إن المشكلة الكبرى التي نعيشها في عالمنا الاسلامي هو قضية المرأة وموقعها في المجتمع، لقد نسى رجال الدين القضايا الاخرى التي اخذت بعالمنا نحو هاوية كبرى، نسوا ان العالم الاسلامي مُحارب، نسوا ان العالم الاسلامي يواجه هجمات شرسة غادرة كل يوم، نسوا كل شيء وتمسكوا بالمرأة يلعبون بها وبحياتها ككرة السلة.
فالحديث لديهم ما زال طويلا عريضا حول المرأة، وكيفية التعامل معها، وكيفية حجرها ومنعها وتقيدها كأنها مخلوق غريب نزل من احد الاجرام السماوية على ارضهم. اطلقوا الحلول الجافة التي لا تنفك عن التعامل معها بشكل لا يعطي اي بصيص نور من جعل المرأة المسلمة بشكل عام والعربية بشكل خاص انساناً لا يختلف عن الرجل في هذه المجتمعات بحجة الخوف عليها من الزلل او ارتكاب المعصية.
لقد كتبنا الكثير وما زلنا نجادل ونناقش ونكتب محاولين ولو هو اضعف الا يمان( لكن لا بد من الاستمرار) مطالبين بتفعيل دور المرأة ودخولها كشريك في تسيير العملية اليومية الحياتية الطبيعية، والكف عن كل المضايقات التي يتعمد رجال الدين التمسك بها لسبب لا يعلمه إلا الغارقين في بطون المعرفة المشوشة، واصحاب العمائم الذين تركوا امور الدنيا والدين وتمسكوا بقضية المرأة يجادلون بها كأنها هي المعضلة الكبرى في الحياة لديهم، تركوا ما يجب عليهم عملهم من ضمن اختصاصهم الوظيفي والوجودي واخيرا الشرعي.
إن تفسيراتهم وتحليلاتهم لموقع المراة في الحياة جعلهم يلغون ما جاء في الكتب المقدسة من تكريم لدورها، وإعطاء جميع حقوقها كشريك بالمناصفة مع الرجل، وليس جعلها عدو تمارس عليه حقوق تمنعها حتى من اطلاق صرخة المعارضة.
والذي هو امراً شائعا في عالمنا الاسلامي والعربي ناسين إنها انسانة لها كرامتها. لقد حرموا ضرب الحيوانات في العالم المتقدم، لكننا ما زلنا نضرب المرأة لاتفه الاسباب، وإذا لم ينفع الضرب لشفاء الغليلة، فالزواج عليها يكون وسيلة تأديبية حللها وتمسك بها اصحاب التحليلات الشرعية.

لو نظرنا الى مشكلة او مسألة ضرب المرأة من قبل الرجل لوجدنا إنها قضية كبيرة اعييت الجهات الدولية المتخصصة في قضايا الدفاع عن حقوق المرأة في دول العالمين النامي والمتقدم، ومنظمة حقوق الانسان والحكومات ذاتها التي لا يمكن بعضها مناقشة الموضوع لاعتبارات قبلية ودينية كما يدعي بعض الجهلاء، وقضية اجتماعية متوارثة، وليست قضية يتناولها من وضع المرأة في شبكة عنكبوت متعفنة وحددها بيمكن ولا يمكن ممارسته. إنها قضية تمَّ تدوينها من قبل البحوث الكثيرة التي ناقشت هذه القضية المتسعصية على إنها مشكلة صحية، ومسببة لأضرار اجتماعية واقتصادية
كنتيجة حتمية لهذا العنف.
وتتوفر الادلة الكثيرة التي تثير القلق في مشكلة ضرب الزوجه والقبول الاجتماعي والثقافي في الكثير من دول العالم كمصر والبرازيل وشيلي وغانا وغيرهم، والذين يشاركون نفس المبدأ في تأديب زوجاتهم بالقوة، واعتبارها وسيله ماديه في منح الحق للزوج في "تصحيح" الخطا.
وبشكل عام، إي أنتهاك من قبل المرأة للاعراف السائده بين الجنسين والتي اصبحت من الاعراف الاجتماعية السائدة حول الادوار ومسؤليات الرجال والنساء يعتبر سببا ودافعاً لضربها. فإذا كان ضرب المرأة يُعتبر من الوقائع المقبولة حضارياً، إذن ليس هناك مجالاً للتدخل من قبل العائلة والمجتمع ومنظمات تنفيذ القوانين كالمحاكم والشرطة، ومقدمي الخدمات الصحية كالمستشفيات الى غيره من المنظمات الاخرى التي تعتبر قضية الدفاع عن المراة والمطالبة بحقوقها قضيتها الرئيسية، لانها في الواقع تعتبر هذه الممارسات حتى في معظم الحالات القصوى، بأنها قانونا معترف بها كما في كينيا حيث اباح قانون الدولة للزوج معاقبة زوجته بضربها تحت عنوان " معاقبة الزوجة".


لقد وضحت كل الدراسات بان ضرب النساء مقبولاً بشكل متزايد في مجتمعات العالم الثالث او النامي كما يُسمى، ذلك ما أكدته الادله الملموسة على مدي قبول ضرب النساء، والظروف التي تسمح بضرب النساء من خلال معظم الدراسات التي تمت( ما بين 19 - 20 دراسة مسجلة معظمها على اشرطة فيديو بمقابلات مع الضحايا ) في هذه البلدان المنتشرة فعلاً كما يحصل في الباكستان والهند وبانجلاديش وافغانستان بشكل عنيف مما يخلف ضحايا واعاقات مزمنة لايمكن اصلاحها، كما يحصل في بعض البلدان الاسيوية الاخرى والتي ركزت
حالات الضرب قبولاً لربطها بالمعالم المتوارثة التقليدية والعشائرية والعوامل الاقتصادية والدينية. والغريب في كل هذه الدارسات التي كانت موجه للرجل والمراة، لكن معظم الاجابات جاءت من المرأة، اما الرجال فقد اهملوا الاستبيانات بمجملها لانها اعتبرت امتهاناً لكرامتهم وتحدياً لموروثة دينية ( افغانستان وباكستان) وتقليد متوارث ( الهند ).
إن معرفة مدي واسباب تبرير ضرب النساء في وضع بعينه يُعتبر مهماً لاسباب مختلفه. أولها، لا يمكن تبرير هذه التصرفات البشعة اتجاه المرأة لقلة أو انعدام الثقافة،والفقر والرجعية الدينية، لانها سوف تُعتبر معوقات كبيرة تقف في طريق معالجة المشكلة من جذورها لو ارجعنا اصل المشكلة لهذه الاسباب. لذلك، يجب القيام بحملات توعية مكثفة من قبل الدولة والمنظمات المسئؤلة من اجل تغيير النظرة الخاطئة اتجاه شرعية ضرب النساء، والقيام بتصميم برامج فعالة لمناقشة الموضوع بشكل متواصل.
ثانيا، يمكن ان يكون ضرب النساء مؤشرا واضحاً حول وضع المرأة في اماكن اجتماعية وثقافية معينة، والتحديات المختلفه في ضمان المساواه بين الجنسين. لذا يمكن ان تزودنا مستويات قبول ضرب النساء المختلفة من مجتمع الى مجتمع اخر بافكارٍ مرحلة ثقافية واجتماعية وسلوكية معينة لمجتمع معين في مرحلة تغيره نحو المزيد من تحقيق المساواة بين الجنسين.
هناك مؤشرات كثيرة حول زيادة نسبة الاعتداء على المراة في مناطق معينة من افريقيا، ولقد اطلعت على بعض الدراسات التي اختبرت مستوى ومدى قبول الضرب الحاصل للمرأة من قبل الرجل. ولقد بينت البيانات التي جاءت نتيجة التوزيع السكاني لسبع دول في شمال افريقيا هي : اثيوبيا وبنين وملاوي ومالي ورواندا ويوغندا واخيرا زمبابوي، بانها تسجل اعلى نسبة لقبول ضرب النساء واعتباره تقليدا متعارف عليه عند الرجل في هذه البلدان. ولقد اعتمدت هذه الدراسات على موقع المراة الاجتماعي ومدى فعاليتها ومشاركتها كعضو اجتماعي واقتصادي مساهم، وركزت على مستوى الامية المتفشية بين النساء، ومساهمتها في ميدان العمل، وموقعها من اتخاذ القرار في داخل عائلتها، كذلك لاحظت الدراسات موقف الرجل من هذه القضية المهمة والعوامل الدينية المختلفة من بلد الى اخر. ولقد حاولت هذه الدراسات توفير خطة عمل مشتركة بين هذه البلدان لمعالجة هذه المشكلة الاجتماعية الكبيرة

الدكتورة خولة الزبيدي

الدكتورة خولة الزبيدي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف