أصداء

كيف استطاع صدام حسين تجاوز قدرات اليساريين؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

كيف استطاع صدام حسين تجاوز واحتواء قدرات اليساريين في التنظيم النقابي ولماذا؟


ان من خطل الرأى ان نعتقد بأن صدام حسين هو ذلك العبقري السياسي الذي استطاع ان يسيطر على السلطة والحكم لاكثر من ثلاثة عقود، صدام حسين كان منفذاً جيداً لمجموعة خبراء مثقفين في كل مناحي المجتمع السياسية بكوادر متقدمة مهيئة اختيروا من المتفوقين في دراستهم ضمتهم دائرة كبيرة لها ميزانية ضخمة يطلق عليها (( دوائر المخابرات العامة)). استمرت في تطوير هذا الكادر وتحسين ادائه بادخاله دورات تثقيفية وحضور مؤتمرات عالمية والاشتراك في الدول الاشتراكية او الرأسمالية، وهذه الحالة هي استمرار لتهيئة جو سياسي يحل محل نظام عبد الكريم قاسم الوطني.

ركز حزب البعث في انقلاب 1963 على تصفية النقابيين الذين وصلوا الى الكوادر المتقدمة وهم بالعشرات ومات منهم الكثير تحت تعذيب او القتل العمد اثناء التعذيب خاصة وان حزب البعث بعد ان شكل مع احزاب اليسار من الديمقراطيين والشيوعيين جبهة وطنية عام 1956 واستطاع خلال هذا التلاحم السياسي والاشتراك في جبهة وطنية واحدة ان يتعرف على الكثير من الكوادر السرية التي كشفها اثناء التعامل اليومي السياسي، فسهل عليه هذا الامر القضاء على كل من يستطيع ان يقدم مشواراً جديداً لنضاله النقابي.

وجاء البعث الى السلطة وجاء صدام رئيساً على العراق وهو كان رئيس المدرسة التي تنادي ان التعاون السياسي هو المخرج الوحيد لتغيير النظام الملكي. بدأ صدام بتنفيذ مخططه المدروس بعناية في القضاء على الحالة النقابية العمالية التي وصلت اليها النقابات في عهد عبد الكريم قاسم وهي الحالة التي لم تاتي من فراغ فنقابة العمال بدأت في الثلاثينات وكان ايام نوري السعيد ان بدأت هذه المجموعات بالمطالبة بحقوق تاليها غيرهم من العمال في نقابات العالم، اذ كان العامل لا يتقاضى اجور العطلة اي يعمل ستة ايام والسابع عطلة بدون اجر ولم يكن هناك حدوداً لعدد ساعات العمل وغيرها من الحقوق التي بدأت شعارات المطالبة بها فتتخذ شكلاً واضحاً في بداية عام 1931 في معامل الشالجية وكهرباء بغداد ولما صار الى اتفاق لصياغة نظام مكتب العمل الدولي والذي جاء بمبادئ تفضيلية منصفة للعمال منها تحديد ساعات العمل بثمانية فقط يومياً، ثم جاء بتحديد الحد الادنى للاجور ثم حدد وجوب دفع ايام العطل والاعياد. وهكذا بدأ نضال طبقة العمال في العراق في ذلك التاريخ حتى انتهى بقانون العمل المرقم 72 لسنة 1936 والذي جاء في اهم موارده:-
تحديد ساعات العمل بثمانية ساعات فقط يومياً، بعد ان كانت من شروق الشمس الى غروبها.
نص على وجوب دفع اجور العطلة الاسبوعية والاعياد والعطل الرسمية.
نص على حقوق العمال في تعويضهم عن الخدمة الطويلة.

ان قانون العمل المرقم 72 لسنة 1936 كان نقله منصفة تقدمية لمصالح العمال وجرى اصداره في عهد الملكية.

استمرت منظمات العمال المهنية الخجولة ايام نوري السعيد لما كان يلقاه اليساريون والحزب الشيوعي بالذات من ملاحقات امنية وقضائية وبدأت الحياة النقابية في تطوير واضح في تموز عام 1958 وبزغ فجر وطنية لم يشهدها العراق في عهد هذا الزعيم الذي فجر الثورة بأيمانه على قدرة العراق في مطاولة الاستعمار وتحصيل حقوله النفطية وبسط ديمقراطية كان محتاج اليها قبل مجئ قاسم. ودخل هذا الزعيم الى المعترك السياسي نظيفاً وخرج نظيفاً.

في زمانه بدأت النقابات في تنظيم انفسها وتاسيس نقابات الحرفية ثم نقابة عمال السكاير ونقابة عمال السكك وعمال المطاعم وغيرها من نقابات تلك تخدم منتسبيها بالشكل الذي يرفع مستويات معيشتهم وبالشكل المعقول وجدير بالذكر لم يكن هناك نقابة لعمال النفط رغم انهم يكونون نسبة كبيرة.

وكم كان مفيداً لنا ونحن نتابع مفاوضات العمال الممثلين بنقابتهم التي شكلت ايام عبدالكريم قاسم مع شركات النفط العاملة في العراق حينها وقد واكبت كمستشار قانوني هذه المفاوضات التي حصل العمال على اثرها على مكاسب كبيرة منها ساعات العمل، الرعاية الصحية، النقل المجاني من والى العمل، وتفير السكن وغيرها الكثير من المكاسب العمالية. وكان رئيس النقابة السيد آرا خاجه دور وهو اول رئيس نقابة فقط.
وصل عدد نقابات العمال في عهد قاسم الى (53) نقابة ضمت ابتداء ثلاثمائة وثمانية الاف ثم زاد انتساب العمال اليها الى اكثر من نصف مليون منتسب. وتشكل من هذه النقابات اتحاد نقابات العمال تتكون من رئيس وسكرتاريه ونظام داخلي يحدد الصلاحيات وعلاقات الاتحاد مع النقابات والزاميه قراراته لهم وقد اصبح رئيس الاتحاد علي شكر وسكرتير الاتحاد آرا خاجه دور.

هذا الكم الهائل من العمل النقابي في تاريخ العراق المعاصر وكان يمثل اقوى واوسع نشاطاً نقابياً في الدول العربية. كيف استطاع البعث احتوائه ثم القضاء عليه ؟ نحن لا نريد الدخول بصحة او خطأ بتشكل الجبهة الوطنية في الخمسينات ولا نريد ايضاً ان ندخل في صحة قرار قبول الحزب الشيوعي في المساهمة في سلطة يقودها حزب البعث، وبلكن علينا ان ندرس هذه الحالات ونصل الى صيرورة فكرية لنجاح حزب البعث في تقويض هذا الهرم الكبير من نضال الاحزاب التقدمية ومسيرة نقابية تمتد في جذور وعمق الحياة العمالية، ولاجل تحقيق الهدف فأن حزب البعث اخذ يداهم في علاقاته مع افراد الجزب الشيوعي ويدفعهم الى تقديم مشروع قانون العمل، وفعلاً هيأ الحزب الشيوعي مشروع قانون عمل كان يغطي مطالب ممثلي البعث في اعطاء حقوق الى المعال اكثر مما يستطيع استيعابها في تلك المرحلة.

وهذا الاتجاه جعل العقلاء يفكرون هل ان من المنطق ان حزب البعث يطالب بحقوق عماليه اوسع واشمل من طموحات الحزب الشيوعي. ولكن الواقع ان هذا الاتجاه كان فخاً محكماً لوأد الحركة النقابية العراقية ولكل اليسار العراقي. فقد توسع البعث في تمثيل العمال في مجالس الادارة وتوسع بعضهم في الاضزاب والاعتصام وحتى تخريب الآلآت الانتاج في بعض الاحيان.

وكان في ذهن المخابرات العراقية وفي خطتهم ان ينتهزوا فرصة اي مطالبة نقابية عن طريق العمال وخاصة في نطاق النفوذ اليساري يقضي عليها بالعنف وهكذا وجدنا سلطة البعث تقوم بضرب عمال الزيوت بالرصاص الحي وسقوط الكثير من القتلى واعتقال المئات من العمال اليساريين الذين اكتشفهم حزب البعث عن طريق العمال السياسي المشترك وبهذه الطريقة والعنف واستمرار الاضطهاد والارهابوالتوفيق والتصفيات الجسدية وجدت الحركة النقابية العراقية وهي تقف على اطلال عمل تاريخي منظم لعشرات السنسن وهي تبكي ايام ثقتها وتعاونها مع نظام صدام بالذات.

كانت المعادلة لدى صدام حسين هي كالآتي:-
قانون عمل فيه كامل الحقوق للطبقة العاملة يشرع بشكل طبيعي وتكون في ابواب هذا القانون مايخض التنظيم النقابي الواسع الذي في ابواب يحرصه على حقوق العامل على اي قانون تقدمي في العالم، ثم تأتي مرحلة الارهاب والبطش وبعدها تاتي مرحلة انتخابات مزورة لا ارادة للناخب فيها باي شكل كان واتيان بنقابات بعثية هي جزء من السلطة ومخابراتها.


اطبقت هذه الكماشات التكتيكية على انقاس النقابات وطبقة العمال فانستهم الحياة النقابية وتشبتوا في التعايش اليومي في نظام ارهابي يملك حق بطاقات التموين ويملك حق حجز الحريات ويملك حق القتل الجماعي والدفن الجماعي.

علينا في هذه الايام ان تدعوا سلطة الاحتلال بعد ان قررت الغاء التنظيم النقابي دعوتها الى البدء في تأسيس النقابات المهنية والحرفية اذ ان تنظيم النقابات هو جزء من المؤسسات الدستورية وهو اهم عوامل الاستقرار السياسي ومن اقواها تأثراً على انمو الاقتصادي، وعلينا الاتعاض مما حصل سابقاً ولا نشجع فئة اخرى او طائفة تدعي تمثيل العامل اوسع من غيرها بل تدعم كل فكرة سياسية تخدم مصلحة العمال الطبيقية وترفعهم الى مستوى العيش الكريم ورفاه يتسم بالديمقراطية والاستقرار.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف