أصداء

الليبرالية العربية تغيير المسميات في الزمن القحط

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تغيير المسميات في الزمن القحط
ـ1ـ
حطت الحرب رحالها، حيث لازالت متحركة ومتأهبة على ما يبدو لجولة جديدة لا نعرف بالضبط من سيحدد زمانها وربما تنتقل إلى مكان آخر، ولا يعني وصول طلائع القوات الفرنسية مشكورة لحماية 1700 كيلو متر، حمايتها من تواجد سلاح حزب الله، لا يعني أن المعركة انتهت لأن أسباب قيامها لازالت كما هي تقريبا، مع ذلك ليس بيدنا سوى انتظار اللاعبين الأساسيين في قرارهم، وهنا بلا مواربة فإن اللاعبين هؤلاء هم لا عبون من دول المنطقة نفسها !! ونحن لسنا في فترة استقرار بل في فترة انتظار لرؤية حجم الخراب الذي طال لبنان وشعب لبنان الذي أدى ضريبة مفروضة عليه شكلا ومضمونا، كانت ضريبة باهظة الثمن وكما قال أحد المراسلين : الشتاء قادم فلنر المأساة على حقيقتها، لا بيوت ولا مدارس ولا مرافق ولا تدفئة وأطفال بلا مأوى ! ولن يفيد التفكير بانتصارات وهمية ولا بانكسارات عدمية وعديمة الجدوى، ونشكر بالمناسبة السيد باقري معاون وزير الخارجية الإيراني الذي صرح من دمشق : أن إيران ستقدم المساعدات وتشارك في العمليات الإنسانية في لبنان. كما أشار إلى أن مباحثاته مع الرئيس السوري ووزير خارجيته ستتناول سبل تحقيق الاستقرار في المنطقة. إذن لازال الاستقرار بعيد المنال خصوصا أن الآلة العسكرية الإسرائيلية أصيبت بنكسة لأنها لم تحقق بفعل المجازر التي قامت بها مكتسبا حقيقيا لولا تدخل المجتمع الدولي وأنقذها عبر القرار 1701 وطالب بابتعاد سلاح حزب الله عن الجنوب ودفع بقواته الدولية إلى الجنوب أيضا. تذكرني هذه المقدمة البسيطة بالانتصار الذي حققه المغول والتتار على الحضارة الإسلامية التي كانت متقدمة على شعوب تلك المناطق الآسيوية النائية. فليس الانتصار العسكري شرطا لأن يحمل المنتصر نسقا ثقافيا وسياسيا وحضاريا أرقى من نسق المهزوم ! ونحن في الحقيقة أمام واقعة أن الطرفين المتحاربين / مشاريع غيتوية. تحتاج إلى ثقافة وسلوك سياسي تفكيكي لهذه الغيتوية القيمية والتي تكمن خطورتها في أنها غيتوية تعتمد الخطاب الديني مرجعا وهذا هو أخطر ما يواجهنا كشعوب في هذه المنطقة، التي ساهمت في تصدير الإرهاب للعالم وساهم فيها كل الفاعلين داخل هذه المنطقة في تحولينا إما إلى مشاريع أرهابية أو إلى مشاريع مستسلمة بلا حد أدنى من النقدية السياسية نتيجة للخوف المتأصل في عروقنا من المساس بالمقدسات التي زرعها فينا نظام أقليمي مرعب ! وصراع دموي متلون المعايير والقيم، الإعلام العربي نسي انتفاضة الشهيد أبو جهاد 1987 التي بدأها بالحجر وأجبرت العالم كله على تغيير موقفه من القضية الفلسطينة وأخذ هذا الإعلام التسويق لمقاومات مسلحة ولا تفيد قضايانا أمام الرأي العام العالمي ولا تؤسس لمشروع مقاوم حقيقي كما حاول الشهيد أبو جهاد ورفاقه التأسيس له عبر تلك التي سميت انتفاضة الحجارة، انتفاضة أطفال فلسطين ! هذا الوقت الذي يشبه أرضا مزروعة بالألغام يحتم علينا ان نقف أمام مواقفنا بين قوسين كمعارضة عربية ! ودون ذكر لأسماء ونماذج من كتابات كثيرة تناولت الحدث / المأساة، نستطيع أن نرى خيطا يربط الكثير من هذه الكتابات التي جاءت بغالبيتها فصامية ! وكمثال نجد أن ما يمكن تسميته بالليبرالية العربية : إما وقفت مع أنظمة أقليمية بعينها أو وقفت بالجهة المقابلة، فلم نرى تحليلا جديا لحالة الحرب عقلانيا إلا ما ندر ! وعاد الخلط ليكون سيد الموقف بين الليبرالي والليبرالي اليساري وبين اليساري في تهييج وتهييج معكوس للشارع العربي.
هنالك من دافع عن خط المقاومة الإيراني السوري من وراء حزب الله وهنالك من دان حزب الله ولم يذكر أمريكا والمشروع اليميني الإسرائيلي. وكأننا تعودنا رغم كل التسميات البراقة من : لبيرالية وعلمانية التي نضعها كنياشين على صدورنا ! تعودنا على ثنائيات غزتنا منذ نعومة أظفارنا. إنها المفارقة المحزنة أن يدافع علماني عن تجربة الملالي أو عن خطب السيد الرئيس بشار الأسد ! وكمعارض سوري عندما أنظر للوحتنا من خارجها نجد أن هذه المعارضات قد نهشت لحم بعضها أكثر مما نهشه الخصوم السياسيين من كتاب السلطة !
الليبراليون ضد القوميين والإسلاميين والعكس صحيح ! وليس الموضوع هنا في أن نغيب نقد بعضنا بعضا بل في أن يكون النقد حاضرا بلا هذا الردح الذي يعبر عن فقر في المعنى وعن فقر في توظيف العملية النقدية تجاه بعضنا من أجل الوصول إلى طاولة واحدة للمطالب الديمقراطية السورية، وكما قال أحد المعارضين : لو نظرنا إلى الوضع السوري من الأعلى وقرأنا كتابات المعارضة ضد بعضها سنجد أن الطرف السياسي الوحيد النظيف هو النظام السوري، النظيف في علاقته بالخارج الغربي والأمريكي خصوصا والنظيف من الفساد والارتزاق ونهب الأموال العامة وعلى عينك ياتاجر والنظيف أنه لا يساوم الخارج مهما كان ولا يريد صفقة مع الأمريكان وحدها هذه المعارضة هي التي تحمل كل هذه الأمراض !! النقد كي نعرف على ماذا نتفق ولكي نستطيع إدارة خلافاتنا بعيدا عن لغة الاتهام والتخوين. يقول المفكر نصر حامد أبو زيد في مقاله الأخير ـ العقلانية العوراء والليبرالية العرجاء ـ ما يلي [ ولأنني عقلاني ومن دُعاة العقلانية، ولأنني ليبرالي كذلك، أؤمن بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لأنني كذلك منذ نعومة أظفاري أجدني غير قادر علي الصمت إزاء هذا التزييف المتعمد لقيم العقلانية والليبرالية. إن أهم سمات المفكر العقلاني الليبرالي التمتع بحاسة نقدية مرهفة، تجعله قادراً علي نقد نفسه ومراجعة مقولاته. من هنا قد لا أعترض علي النقد الحقيقي لتاريخنا ولثقافتنا وأوضاعنا، بل إنني أجد هذا النقد ضرورياً وجوهرياً وحيوياً لتحقيق التقدم. لكن لا أستطيع أن أتقبل النقد "الأعور" الناظر بعين واحدة إلي الحقائق: الخطأ هنا دائماً والحق هناك دائماً. ليس هذا نقداً، بل هو التزييف، لأنه يتبني دون نقد أيديولوجية الآخر!]
وبالعودة لعنوان المقال : الليبرالية هي فضاء يستوعب نقديا كل التيارات السياسية وليست أجندة أيديولوجية واضحة ومحددة المعالم فالليبرالية ليست حزبا سياسيا أو جبهة للدخول على خط الغرب من باب دعائي ونيل الرضى ! الليبرالية بالدرجة الأولى أنواريا هي حالة نقدية من أجل النهوض بكلية المجتمع ودون أية تحريضات أيديولوجية باهتة تخلق القطيعة بين تيارات الفعل المعارض ! إن التيارات الليبرالية السورية تتكئ على قواعد ارتكاز ايديولوجية ووجدانية وشخصانية لا علاقة لها بالفكر الليبرالي لا من قريب ولا من بعيد وإن كانت تتمسح به. ولسنا هنا بصدد تفنيد هذه الركائز. لكننا نحاول أن نخوض الحوار بلغة راقية تدفع نحو المزيد من البحث عن تقاطعات التيارات المعارضة وليس عبر بقاء نغمة تخوين بعضها بعضا.
من الغنى أن يتم في تجربتنا المعارضة هذا الدمج بين الفكر اليساري والفكر الليبرالي في عملية من المفترض أن تشكل غنى لعمل المعارضة السورية وليس من أجل أن تشكل حالة من التجنيد السياسي الذي يعتمد مرة أخرى على ثنائية إما معي أو ضدي وما يترتب عليها من شبكة ملفوظات تخوينية نجيد نحن السوريون في التفنن بها وإيداع الخصم في خانة محرجة قليلا ! فإن رد بنفس المستوى يصبح الهدف التغييري خارج المجال الذي من أجله نعمل وإن لم يرد فأيضا يشعر المهاجمون أنهم أقوياء وبالنهاية هي عبارة عن فقاعات لفظية سرعان ما ينساها القارئ رغم أنها تمتعه إذا كان قارئا يحب الصحافة الصفراء. وسأضرب مثالا على الخلط الحاصل عندنا :
هل الحزب الجمهوري في أمريكا ليبرالي والحزب الديمقراطي ليس حزبا ليبراليا ؟ إنها بئس القراءة الليبرالية العربية التي من المفترض ونتيجة لوضعنا العربي المعقد أن تؤسس لمفهوم التعايش بين مختلف التيارات التي تتعايش سلميا داخل نفس الفضاء الديمقراطي المنشود، وسيكون خلافنا مع من يدعو إلى العنف من المعارضين ليس خلافا أيديولوجيا أو سياسيا أو قيميا....الخ بل التعامل معه بوصفه خارج عن القانون بدون اللعب على الألفاظ في هذه النقطة. التأسيس لمفهوم التعايش بين التيارات بدلا من التأسيس لعداءات ترتبط بقبليات أيديولوجية وخلافه.
مثال بسيط :
ليست مهمتي في تحويل الذي يشعر أن دينه أو طائفته هي الحق إلى أن يصبح يؤمن بحق الاخرين بذلك، بل مهمتي في البحث معه عن آليات التعايش ونترك لتطور المجتمع الحر المحمي من الدولة الديمقراطية أن يفسح المجال للحوار الثقافي والفكري بين كافة الأيديولوجيات والأنساق العقيدية. في الحرية وتداول السلطة وجعل الحكم صندوق الاقتراع يشعر المواطن أنه يخوض حوارا مع مواطن آخر مثله ـ رغم الاختلاف في انتمائهما الديني أو الطائفي أو السياسي ـ له نفس الحقوق والواجبات ويعيش معه في وطن واحد لكلاهما مصلحة في رقيه وتقدمه..الخ وليس مع عدو ينتظره في الخندق الليبرالي !!وسلاحه جاهز.
ولماذا التركيز على نقد التجربة الليبرالية لأننا بقدر حاجتنا لتنمية هذا الفكر نجد أنه فكر بلا حوامل حقيقية.
ـ2ـ
بالعودة إلى مقال د.نصر حامد أبو زيد لأنه مقال رغم قصره فهو على غاية من الأهمية ويعتبر مفتاحا للدخول على هذا اللغط السائد في الساحة العربية، والذي يصيب المرء بالبارانويا كما قال الصديق الكاتب ياسين الحاج صالح في معرض حديثه عن المواقف السياسية من الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان. فإن مقال أبو زيد يحفل أيضا بتشنج واحد تجاه ما يدور وكأننا أمام ردة فعل على همجية الإسرائيلي وتخلف النظم العربية واستبدادها المرعب لدرجة أن الباحث يختم مقاله بالقول [ عقلانية الخطاب أيها السادة لا تعني اجتثاثه من جذوره الوطنية، ولا تعني تنكره للقيم الإيجابية في تُراثه الثقافي، بل ولا تعني استبعاد "العواطف" من أفق العقلانية. عقلانيتكم وضعية تجريدية تتصور الحسابات العقلية حسابات رياضية. في هذه الحسابات الرياضية تصبح المصالح الضيقة - الشخصية - هي معيار صواب "الأفكار". إنكم خائفون من فقدان مواقع هشة، ومن فقدان مُتَعٍ شخصية، أما مستقبل الأوطان فلا معني له عندكم. ألا ساءت عقلانياتكم،وسحقاً لليبراليتكم، والنصر للمقاومة. ] وللتأكيد أنه ردة فعلا فيها من الصواب الكثير فإنه لايجانب الموضوعية أو يحاول كعادته ألا يجانب الموضوعية فهو في سياق هذا المقال يؤكد التالي [
في مصر كما في غيرها من بلاد العرب، هل كان اختيار مرشحي الإخوان إلا محاولة للخروج من فساد النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟ ماذا تبقي للمصريين من خيار؟ هذا ما يجب أن نتفهمه بالتحليل دون أن نصاب بالذُعر والعصاب. الإخوان فصيل سياسي مصري يجب التحاور معه، ويجب مساعدة قياداته الفكرية - أعني الفكرية لا السياسية فقط - بالحوار البناء على تطوير فكرهم. معنى الإسلام ليس حكراً علي أحد، لكن الليبراليين العقلانيين سلموا ضمناً بأن معنى الإسلام مِلْكٌ للإخوان وحدهم، وأنهم في سبيل محاربة هذا المعنى يسعون للقضاء علي الإخوان وعلي الإسلام ذاته إن أمكن. ] رغم أن الدكتور يحاول أن يهتف في نهاية الفقرة تلك إلا أنه مبرر له أمام هذا الهول من الجرم الإسرائيلي الذي لم يجد في هذه الحضارة اللعينة من يدينه على أقل تقدير احتراما لدماء الأطفال في لبنان هذا من جهة ومن جهة أخرى جاءت ردة الفعل هذه على تلك التيارات التي تسابقت لتصطف بلا حد أدنى من قراءة أدواتهم المعرفية والسياسية وآليات أنتاج خطابهم، ففي سوريا لم يعد هنالك هما للتيارات الليبرالية سوى مهاجمة التيارات الدينية والقومية ومحاولة إلغائها تماما والأنكى هنالك تيارات تتصدر هذا الخطاب على أرضية النظام السوري نفسه وبمعادلة بسيطة جدا : النظام أفضل من هذه التيارات الإسلامية !!وهم الذين يدركون أكثر من غيرهم أن التيارات الإسلامية في سوريا ليست قادرة مهما قويت أن تصل إلى السلطة بحكم التنوع في المجتمع السوري. وهذا يشير إلى أن ما يقترحه الدكتور أبو زيد في الحوار طريقا حقيقيا وليس بالإلغاء والتخوين، ومن أجل دفعهم نحو تفهم أن تديين الدولة أو أسلمتها أو تطييفها كما يفعل النظام السوري بالممارسة العملية ليس من مصلحة الوطن السوري. علينا أن نكون الحاضن الليبرالي لكل التيارات وليس حزبا سياسيا بمواقف مسبقة إما أن تتواطئ مع الغرب في كل شيئ أو تتواطئ مع السلطة ـ هنالك تيارات لم يعد لديها ما تكتبه نتيجة لإفلاس على كافة الصعد سوى التهجم على إعلان دمشق وجبهة الخلاص...
لو أننا ألغينا هذين التجمعين ماذا يتبقى من المعارضة السورية ـ وهذا ليس انتقاصا من التيارات السياسية الموجودة خارج هذين الإطارين مطلقا ؟! بالطبع ليس هذان التجمعان بمنأى عن النقد مطلقا بالعكس تماما ففي الممارسة السياسية والفكرية لهذين التجمعين وبعضا من المساهمين فيهما الكثير مما يمكننا أن نتناوله بالنقد والتحليل، فلا أحد خارج النقد مطلقا.
فالتيارات الإسلامية كما يرى الباحث هي التي رآها المواطن العربي كردة فعل على واقعه البائس، ووجودها في الشارع السوري لا تلغيه تفانين شتامة هنا وهناك..وألعاب بهلوانية اللفظ،
مستعارة من شطارة الكنايات العربية والاستعارت اللفظية الخالية من المعنى الحقيقي لمقولات الفكر الليبرالي كما أنتجته تجربة الأنوار الأوروبية. أن تخطأ وتجدد أدواتك النقدية والمعرفية هذا أمر مطلوب دوما ولكن أن تبقى مصرا تحت أي مسمى من المسميات على المحاولة لإلغاء تيارات موجودة في الشارع شئنا أم أبينا هي القضية التي تعتبر مثار استغراب في الحقيقة وتعبر عن ضحالة معرفية وسياسية إن لم يكن شيئا آخر.
مع أنني اختلف مع الدكتور أبو زيد في هتافه الأخير للمقاومة ! لأنه تكريس لنهج مقاوم بعينه من جهتي أرفض الكثير من مقولاته وأساليبه وسياساته. التي استعدت كل العالم على شعوبنا وزادت من عزلتها وتركتها بين براثن سلطات لا ترحم في فسادها ونهبها وقمعها. و كأن لسان حال الباحث يقول [ لا يجبرك على قبول المر سوى الأكثر مرارة وهو هنا السلطة العربية !!]
وبالمقابل علينا تعزيز مقولة التعايش الحر والخاص بين مختلف التيارات السياسية في كل واقع سياسي عربي على حده.
التعايش أداة من أدوات التغيير السلمي الديمقراطي ومستقبله :
في التجربة الإنكليزية للانتقال للبرجوازية الديمقراطية والتي تمت بلاعنف كما حدث في الثورة الفرنسية، استطاعت الملكية والكنسية التعايش مع خصومها الأساسين وانتقلت بريطانيا هذه النقلة الأولى في تاريخ انتصار البرجوازية على مخلفات الأقطاع والنظام الكنسي الملكي، وهي من تحولت إلى نبراسا لبقية الدول الأوروبية وملاذا آمنا للاجئين السياسيين من ألمانيا وفرنسا وروسيا..الخ قبل أن تقوم ثوراتهم البرجوازية !
لهذا كنا ولازلنا نؤكد على أن إرادة السلطة في المجتمعات الحديثة لها الدور الفصل في انتقال المجتمع من مرحلة إلى أخرى، وحاولنا دوما أن نجد معبرا لهذه السلطة من أجل أن تساهم في نقل مجتمعنا السوري تلك النقلة التي كلما تأخرت كلما أصبحت النتائج أكثر خطرا على هذا المجتمع، لكن السلطة مصرة على أدخالنا نفقا أسودا. فإذا كنا طرحنا على السلطة بكل رموزها هذه النقلة فمن باب أولى أن نمتلك القدرة على التعايش كقوى وتيارات معارضة في فضاء رحب يستوعب كل من له مصلحة في عملية التغيير الديمقراطي في سوريا.
الليبرالية تعني الحرية ولكن لا تعني مطلقا الحرية لطرف سياسي دون الآخر. مهما كانت توجهاته الفكرية والسياسية مادام هنالك حد فيه الدم ممنوع في حل الخلافات السياسية. والدليل أنك تجد ليبراليين على قلتهم في كل التيارات السياسية السورية حتى المتدينة منها تؤمن بحرية الكلمة والمعتقد.
التعايش مفهوم قيمي قبل أن يكون مفهوما دستوريا قانونيا في المستقبل الديمقراطي.وهذا ما كرسته الفولتيرية في عصر الأنوار وفلسفة العقد الاجتماعي عند غالبية مفكري وفلاسفة عصر الأنوار. فأين تياراتنا الليبرالية في رؤيتها للشكل التاريخي السوري لهذا العقد الاجتماعي ؟
الإرهاب مدان، والعنف في حل الخلافات السياسية مرفوض، والليبراليون يقولون أنهم يمثلون المستقبل والحياة وتلك التيارات الدينية لامستقبل لها لأنها كما يقولون أيضا ليست بنت الحياة والمستقبل !! حسنا مما تخافون إذن من الحوار المثابر معهم والتواصل الذي من شأنه ردم هوة الخلاف كحد أدنى لأنه ليس مطلوبا أن تجعل المتدين يؤمن بحق الزنا مثلا !! بل أن تجعله يقبل
بحقك أنت في هذا الموضوع إذا كنت مقتنعا به. ليس مثالا أقل فجاجة من أي مثال آخر ولكنه يجعلنا نقف على أرضية حدية واضحة من مفهوم التعايش والحسنى في التعايش كما يقول بعضا من الإسلاميين، والحكم هو صندوق الاقتراع في إقرار الدستور والقانون والوصول بالتالي إلى السلطة.
التعايش هو استيعاب كل السياسي في فضاء المجتمع الليبرالي.
وهل لدينا كمعارضة غير الحوار ثم الحوار كي نسهل التغيير على مجتمعنا ؟

غسان المفلح

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف