نساء لبنانيات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
غالباً ما عمدت وسائل الاعلام العربية إلى تكريس صورة نمطية للمرأة العربية بشكل عام، ونجحت في اختزال صورتها تحديدا بجسدها، وهذه الصورة أخذت بعدا أكبر في حال النساء اللبنانيات اللواتي اعتبرن المحرض الأول لنساء العالم العربي مع التركيز على ما يرونه في جمالهن الصارخ وجرأتهن الكبيرة في التعامل مع أجسادهن بتوافق حسدن عليه.
فكانت هيفاء وإليسا ونانسي وغيرهن ظواهر جديدة تعبر عن هذه الحالة، وكأن مثيلات هؤلاء النسوة لا يتواجدن في أي من الدول العربية، كروبي في مصر على سبيل المثال لا الحصر. وتناسى دعاة المحافظة على الأخلاق أن عالم "العوالم" كان دائما موجودا وسيبقى، والفارق هو الزمن الذي يفصل بين منيرة المهدية وعايدة الشاعر والآن هيفاء وصديقاتها، أي بين أغان كـ"الطشت أللي" و "ما شربش الشاي" والواوا". أنا لا أرى في هذه الظاهرة إلا واحدة من ظواهر عادية يعقبها دائما فرز حقيقي للجيد عن الطالح.
وأعود إلى الصورة التي تحدثت عنها وبالتحديد الصورة الخاصة بالمرأة اللبنانية، فقد فوجئت المجتمعات العربية بالعموم بمراسلات لبنان الصحافيات على خط النار في لبنان وفي العالم العربي، هؤلاء السيدات اللواتي تحدين المخاطر واندفعن بكل ما لديهن من قوة غير آبهات للموت لينقلن صورة حقيقية لواقع الحرب المدمرة، وعلى مدى 33 يوما وفي أكثر المواقع خطورة، وجميعهن انطلقن بدافع المسؤولية لتغطية ما حدث في بلادهن. وقد تمكنت المراسلات من نقل ما يجري على الساحة اللبنانية دون المساس بطبيعة التركيبة الطائفية لهذا المجتمع، على عكس المراسلين الأجانب، ونجحن في نقل وقائع هذه الحرب إلى درجة أن العدو الإسرائيلي قد عبر عن انزعاجه من نجاح الإعلام العربي من خلال مراسلاته ومراسليه في نقل الصورة الحقيقية للمجازر التي ارتكبها إسرائيل. وفوجئ العالم الغربي والأمريكي كذلك بمستوى المراسلات اللبنانيات ومهنيتهن. وذهب بعض الكتّاب الخليجيين في مديحه لإحدى المراسلات، التي كانت تنقل الأحداث من بيروت، ليقول إنها "تفوقت على كيت إيدي وكريستيان أمانبور" الصحافيتين الغربيتين المخضرمتين في تغطية الحروب.
وتعددت الأسماء: ريما مكتبي مراسلة "العربية"، نانسي السبع مراسلة "التلفزيون الجديد"، بشرى عبد الصمد وكاتيا ناصر مراسلاتا "الجزيرة"، نجوى قاسم ، منى صليبا مراسلة "ال بي سي"، والمصورة ليال نجيب ذات 23 ربيعا والتي قتلت على خط النار. وصارت هؤلاء السيدات محطّ اعجاب وتقدير العالم بأسره. وقد فاق عدد المراسلات عدد المراسلين، واصبحن ظاهرة لا بد من تقييمها والثناء عليها، ونافسن الرجال بتحولهن إلى مراسلات حربيات، واتخذن من واقي الرصاص والخوذة بديلا للزينة المعتادة.
وقد اجمعت غالبية المراسلات على احترام قدسية الانسان، واعتذرن عن تقديم صور لجثث الشهداء ولم يستعملنها أداة لاستدرار العطف، وإنما عملن على ابراز الوجه الانساني للحدث، وذلك رغم همجية العدو وآلته العسكرية التي لم تطل الانسان فقط بل طالت النبات والحيوان والابنية والجسور والطرقات أيضاً، ولم ترحم حتى المصابين الذين نقلوا في سيارات الاسعاف، هذا إضافة إلى العاملين في ميدان الإعلام.
ولم يقتصر تواجد المرأة اللبنانية على المجال الإعلامي، وإنما على الأرض. فقد بقيت النساء متمسكات بأرضهن بعد ذهاب رجالهن إلى الدفاع عنها. لذا كانت حصيلة الضحايا بينهن أكثر من المتوقع، فقد صمدن إلى اللحظات الأخيرة، ومنهن من فضلن الموت في منازلهن على النزوح. وقد أورد أحد المراسلين قصة العجوز الجنوبية التي تم العثور عليها مقيمة بين الأنقاض بعد سبعة أيام، وأول ما فاهت به لدى إنقاذها كان هذا السؤال: هل انتصرت المقاومة؟ وذلك بعكس ما توقع المراسلون من أنها ستطلب الشراب أو الطعام. ووردت قصة لعجوز أخرى، وجدها المراسلون وحدها في القرية بعد أن نزح أهلها، وهي التي أجابت على أسئلة الصحافيين بقوة قائلة: "أنا لن أهرب من هنا، ناطرة الاسرائيليين، وحيشوفوا مني اللي ما شافوه في حياتهم".