أصداء

العنف النفسي ضد المرأة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

من صور العنف النفسي ضد المرأة في العادات والتقاليد


" ابن العم بنزّل بنت عمه عن الفرس "

هذه العبارة التراثية ليست مجرد مثل عربي دارج، لكنها حكْم قَبَلي متوارث من العادات والتقاليد، يعني صراحة أنه: يحق لأبن عم الفتاة المقبلة على الزواج والتي تمت خطبتها، أن يَخطِبها على خِطبة غيره.

والحقيقة على الرغم من أن المنطقة العربية وصلت إلى حد كبير من الوعي والثقافة والتي كان لتطور وسائل الاتصال، وتطور الأدوات الحياتية والاقتصادية، إلا أن العقلية العربية لم تزل رهينة لنوع من العقيدة الشعبية، هذه العقيدة الشعبية لها تأثير أكبر حتى من تأثير الدين السماوي على العقلية العربية، بدليل أنها وإن تعارضت بأحد قواعدها العرفية مع الدين السماوية، نادراً ما يتم تغليب الدين عليها، ويتم تبرير هذا بأن مخالفة ما سار عليه السلف.

فالمنطقة العربية التي نعيش فيها والتي يدين الغالبية العظمى منها بالإسلام، لم تزل تمارس عادات وتقاليد تتعارض في كثير منها مع النصوص الدينية الإسلامية كنص الحديث الشريف القائل " لا يخطِب الرجل على خِطبة أخيه "، فهذا النص هو حديث صحيح ثابت بصحته، ويعتبر حكم شرعي بتحريم خطبة الإنسان على المرأة التي خطبها رجل أخر تحت أي ظرف كان.

من الجانب الأخر للموضوع، فإن مثل هذا العرف الشائع هو أحد أشكال العنف النفسي ضد المرأة العربية، فأحد أشكال العنف النفسي هو مصادرة رأي المرأة، ومنعها من التعبير عن حقها أو رأيها، أو تجاهل رأيها حتى في الأمور الخاصة في حياتها الشخصية، فكثيراً ما يتم إجبار المرأة على الزواج من رجل لا تعرفه، أو لم تعرفه، أو لا يؤخذ أصلاً رأيها فيه، وتكون أخر من يعلم بموافقة أهلها على خِطبتها.

على الرغم كذلك من أن النص الديني يوجب أخذ رأيها، ووجوب الأخذ برأيها حتى لو كان على شكل إيماء، وليس بالضرورة أن يكون رأيها صريحاً، وهذا كذلك ما جاء في النص الشرعي للحديث الشريف القائل: بأن علامة رضاها سكوتها. بالتالي فإن الأخذ برأيها هو أحد أركان زواجها والذي لا يتم حسب النص الديني إلا بموافقتها، لكن العرف والعادة والتي تعتبر أكثر وأشد أنواع العنف النفسي وخصوصاً في تقاليد الزواج ضد المرأة، فمصادرة رأيها والتعامل بمبدأ " الأقربون أولى بالمعروف " كأبن العم الذي يجوز له أن يتسبب بفسخ خطوبة ابنة عمه لمجرد وجود صلة قرابة بينهم يعني أن التعامل مع المرأة لم يصل إلى حد كونها كيان، بقدر ما كونه التعامل معها كونها سلعها يستفيد منها الأقرب، ودون أدنى التفات لرأيها في أن توافق أو ترفض الزواج من ابن عمها، مما يعني مصادرة صارخة لحقها في أن تقول ما تريد في شأن حياتها الخاص جداً، ولأكثر المسائل حساسية في حياتها وأكثرها مصيرية وهي قضية زواجها.

المرأة العربية لم تزل حتى اللحظة وخصوصاً في المناطق الريفية التي تحتوى الكم الأكبر من غالبية هذه الممارسات الاجتماعية التي تصادر حق المرأة في اختيار الزوج، أو حتى أن تُعامل ككيان إنساني مستقل له الحق في أن يبدي رأيه في المسائل العادية أو حتى الخاصة في حياتها الشخصية، وعلى الرغم من أن التقدم العلمي والتقني في العالم استطاع أن يجعل العالم كله عبارة عن قرية صغيرة، إلا أنه لم يستطع رغم الجهود الجبارة التي تبذلها المؤسسات النسوية ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها في سبيل التصدي لمثل هذه الممارسات من أن تحد من هذه الممارسات الاجتماعية المخالفة لكل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والديانات السماوية والتي أوصلت المرأة في بعضها المرأة حد القدسية.

والحقيقة أن جهود منظمات حقوق الإنسان والناشطين الحقوقيين والمؤسسات النسوية في هذا المضمار ستظل عبثية طالما أن البحث لم يزل في المشكلة ذاتها وسبل حلها، دون التطرق لأصل المشكلة ذاتها وهو العادة والتقليد، وربما يعود ذلك للعديد من الأسباب، والتي قد يكون أهمها أن العادات والتقاليد هي إن صح التعبير عنها " دين شعبي" وقد تحولت العادات والتقاليد إلى عقيدة مترسخة في العربي بشكل أكبر من المنظومات الفكرية أو الديانات السماوية.

إن من واجب المؤسسات النسوية والمنظمات الإنسانية والأفراد الالتفات لدور العادات والتقاليد في تكريس العنف ذاته ضد المرأة، وعدم الاكتفاء برصد مشاهد العنف الجسدي أو النفسي وإعداد التقارير والإحصائيات.

كما أن للمثقفين والكتاب والأدباء العرب دور لم يتم تفعيله بالشكل الصحيح في اتجاه تسليط الضوء على هذه الظواهر من خلال القصة والرواية والقصيدة، وكذلك الدراما التلفزيونية والأفلام السينمائية، فمثل هذه القضايا هي قضايا أساسية إنسانية أكثر حتى من القضايا السياسية والمشاكل العاطفية التي تأخذ الحيز الأكبر في القصة والرواية والمسرحية والقصيدة والدراما والأفلام العربية.

مهند صلاحات
كاتب وصحفي فلسطيني
salahatm@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف