هكذا تطورت اوروبا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بالرغم من ان الغالبية من البشر مؤمنون بوجود الخالق رب العالمين وبعظمة ملكوته، صابرين وخاشعين منتظرين لقاءه في اليوم الموعود، فان البعض من هذه الغالبية ومع الأسف يفسر معتقده بانه الوحيد الفائز بالجنة الموعودة، ومن خالفه في ذلك فانهم يعتبرونه كافر ويجب عداءه وبث الكراهية ضده، بل ومقاتلته وان مصيره جهنم كما يتمنون.
لكن الحكم في هذا الأمر لا يُترك حكمهُ لله عز وجل، وانما فهناك البعض يخول نفسه ويعطيها الحق لتكفير هذا وذاك او ذبح هذا وتهجير ذاك ! كل هذا يحدث دون خجل، والأكثر من ذلك فانهم يعلنون ان اجراءاتهم تلك هي الطريق الشرعي لرسالتهم لإتمام هذا الواجب، بل ويبررونه عبر مفهوم الجهاد في سبيل الله كما هو الحال ما يحدث في العراق. وتجدر الإشارة الى ان التكفير لا يحصل بين بعض قليل من السنة والشيعة فقط انما يتعدى ذلك احيانا الى معاقبة كل من يتخذ غير الإسلام دينا فيعتبرونه من الكافرين ! معتقدين ان اعدامه من الحياة يؤمن لهم دخول الجنة والتمتع باجواءها.
وساعود بكم قليلا الى الوراء، لأشير الى بعض ما أثارته المسارات الدينية في العالم وخاصة اوروبا من الناحية السياسية والتي ادت في نتائجها الى قيام الحروب وتراجع المجتمعات وتخلفها.
فاوروبا المسيحية حتى القرن الخامس عشر كانت ترضخ تحت سلطة الكنيسة وان رجال الكنيسة كانوا يمارسون شتى انواع الدكتاتورية والسيطرة على موارد الدولة حيث كانوا مهيمنون على كل فعاليات الدولة الإقتصادية والإجتماعية وهي المسؤولة عن توزيع الرواتب والغذاء على عموم الشعب، وتحت هذا الظرف المقيد للحريات تأخرت شعوب اوروبا ودخلت في صراعات مذهبية، فعمت الأمية واصبح العنف والإقصاء هو السائد.. كل ذلك حدث بسبب نفوذ رجال الكنيسة وتدخلهم في شؤون الدولة.
لكن الوضع فيما بعد قد تغير حيث ظهر في اوروبا نفسها رجال بعقول متحظرة ومتعلمة فوضعوا نصب اعينهم سلامة شعوبهم فسنوا القوانين والأنظمة التي نظمت العلاقة بين الدولة والشعب وبين الشعب والدين، ووضعت تطبيق القوانين التي تنظم حقوق الإنسان فوق اي اعتبار وطلبت من رجال الكنيسة التوقف والإبتعاد عن التدخل في شؤون الدولة مما وفر جوا من الديمقراطية فاستقرت الشعوب، وهكذا ووفق هذا النهج فقد تم حصر السلطة الدينية بدولة الفاتيكان وبهذا استقلت اوروبا من سيطرة الكنيسة ودخلت مرحلة الدولة العلمانية حيث نهضت وتطورت وتقدمت وازدهرت الى ما نراه اليوم فعم الأمن والسلام في ربوعها بل اصبحت اوروبا ملجأ آمنا لكل من يرغب الحياة فيها على اختلاف انتماءاتهم، فعزل الكنيسة وجعلها تهتم بشؤونها الدينية فقط كان من اهم الأمور التي اهتم بها الساسة الغربيون، وهنا نشير الى ان الخلل في منطقتنا العربية ومع الأسف الشديد يعود في احد اسبابه لتدخل رجال الدين في شؤون الدولة ولذلك بات من الضروري ان اردنا النهضة والتقدم ان نقول لرجال الدين انصرفوا الى شؤونكم الدينية واتركوا السياسة لرجالها، فلا مكان لكم في التدخل في شؤون الدولة وتوجيه مسارها الإجتماعي وفق توجهاتكم الأحادية، بمعنى ان السبب الذي يعيق تقدم شعوبنا هو تدخل رجال الدين في الأمور السياسية التي لها قواعدها والاعيبها والتي يصعب على رجل الدين التعامل معها ولذلك فان الواجب هو دعم المطالبين بعزل الدين عن السياسة وعدم توظيف الدين لتحقيق مآرب سياسية.
كما ان المبدأ هو ان الإعتقاد حق مشروع لكل انسان باعتباره قضية شخصية جدا ولا يجوز لي او لأي احد التدخل في خصوصيات البشر في انتماءاتهم، وان افترضنا بوجود من يخول لنفسه ارهاب الأخرين او يعيق البشر في انتماءاتهم الشخصية فهذا ما لا يجب تأييده او تشجيعه، انما تثقيفه بان المبدأ هو حماية حقوق البشر جميعا واحترام تطورهم الإنساني ومعتقداتهم بعيدا عن ثقافة الإنفراد بنهج معين، ولذلك فان ما جرى في السنوات الأخيرة في بعض من مناطق العالم وفي العراق بشكل خاص من كراهية وعداء بين البشر كان في اهم اسبابه هو عدم الفهم العميق لمفهوم الدين والعلاقة مع الخالق الى جانب التخلف والجهل في تفسير النصوص والتعصب الغير مبرر والأحادي المنشأ والذي في غالبيته يستغل سياسيا من قبل { بعض } من رجال الدين المتخلفين لتحقيق مكاسب شخصية ضيقة.
واضح اليوم ان هناك بوادر كره بين المسيحية والإسلام سببه الرئيسي هو اقحام الدين في السياسة تقوده مجموعة من البشر لا يهمها سلامة الإنسانية جمعاء، علما ان هذا التوجه لتسييس الأديان سيخلق حالة من عدم الإستقرار والذي لا يخدم البشرية اطلاقا انما سيزيد من تخلفها والعودة بها الى عصر الجهل والحيونة مما سيفقدها انسانيتها ليحل محلها القتال من اجل البقاء، كما ان اجبار البشر وارهابهم على الإلتحاق بمعتقد معين فان ذلك يلغي تماما تعاليم الكتب السماوية جميعها والتي تدعوا فيها البشر الى التعاون والمحبة واحترام حقوق الإنسان.
فلو اخذنا نموذجين من الديانات السماوية لرأينا مقدار التشابه في اغلب نصوصها، فعلينا تفعيل هذه النصوص والعمل على عدم ترويج النصوص التي تشيع البغضاء والكراهية بين البشر عن طريق الحوار واللقاءات والمناهج الدراسية.
ان الديانتين تؤكد وتعترف وتقبل حقيقة وجود الله كخالق للسماوات والأرض وتعترف بقيامة الأموات وان كل منهما يؤمن بيوم الدينونة الذي يعرفه الله وحده حيث ان مجيء هذا اليوم سيكون حدثاً يشمل الجميع، كما ان المسيحية و الإسلام يتفقان في بعض من أوصاف الله مثل الرحمن والخالق والغافر والمنقذ حيث ان الله يلبي دعوات من دعاه ومن يلجأ اليه، في كلا الديانتين يلجأ كل من الإسلام والمسيحية للأنبياء والقديسين للحصول عن طريقهم لمغفرة الله كما انهما يدعوان الى وجوب الصلاة والصوم... واخيرا فان المسيحية والإسلام يؤمنان بوجود الملائكة كما هو الحال بالنسبة لوجود الأرواح الشريرة والشياطين.
ان ردة الفعل التي ابداها { البعض } من اساتذتي الكتاب في مقالاتهم والخطابات والفتاوى من قبل بعض من رجال الدين او من رجال السياسة على الفضائيات، ضد محاضرة بابا الفاتيكان ليست هي القضية المهمة والأساسية لتغيير المفاهيم، انما القضية المهمة هي في كيفية التقريب بين الأديان والمذاهب... هي في كيفية بناء الجسور بين البشر ومنع التطاول اوالإنفراد... هي في كيفية تغيير العقول المتعصبة والطائفية.... هي في كيفية حماية البشر دون استثناء. ثم هل غاب عنهم الصراع بين السنة والشيعة والذي مر عليه اكثر من الف سنة، وهل غاب عنهم الصراع بين المذاهب المسيحية لنفس المدة، اليس المهم النظر اليهما لإيجاد حلول لها؟ ثم.. اليس العراق وما يحدث فيه من اقتتال وفوضى وحرب مذهبية وطائفية وقومية عنصرية صورة واضحة تتسع لأعيننا جميعا ودرسا لأسباب تخلفنا عن ركب المدنية والتحظر !
ان مسؤوليتنا كبيرة في تنوير البشر بمخاطر المذهبية والتعصب الديني والقومي، وعلينا التنبه دائما لخطورة الكلمة، اما تضخيم الأمور وتأجيجها قد تكون نتائجها اكثر قساوة من نار جهنم.. فالأولى بنا الإهتمام بديمومة حياتنا على اسس سليمة وعلى قاعدة كلنا بشر متساوون امام الله والقانون، كما علينا التوجه لإلتقاط النصوص المحفوظة في كتبنا السماوية والتي تشيع المحبة والسلام والإبتعاد عن النصوص التي تشيع الكراهية والبغضاء، ان اعداء الحياة وهم قلة من رجال الدين الشياطين والدجالين والمشعوذين الى جانب تؤامهم من السياسيين الكذابين يتربصون لنا للتلاعب بشؤوننا وبعقولنا وزرع الفتنة بيننا فعلينا التصدي لهم والله ناصر المؤمنين وحافظ العراقيين.
ادورد ميرزا