أصداء

عراقيون يحتلون مدينة 6 إكتوبر المصرية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الطريق بين عمان والقاهرة ليس بالطويل، فلم اكمل تصفح جريدة الاهرام المصرية التي توزع في الطائرة.... حتى وصلنا مطار القاهرة ولم يكن مستغربا، ربما بالنسبة لي، ان يكون اغلبية المسافرين على متن تلك الرحلة من العراقيين الهاربين بأبنائهم وأنفسهم من فداحة الايام المفخخة ومحنة الوطن التي لا نهاية لها وليس غريبا أيضا ان يمر "الاشقاء" العرب "والاصدقاء" الاجانب عبر بوابة المطار الى حيث يشاؤون دون منغصات او اسئلة لا جدوى من معرفة اجوبتها وبينما يمضي الاشقاء والاصدقاء كل في طريقه، يصطف العراقيون كل يحمل جوازه "المنبوذ " في طابور طويل من النساء والاطفال، ينتقل الطابور من مكتب الامن الى مكتب المخابرات ثم مكتب مكافحة الإرهاب وكل الاقسام الامنية التي منّ الله بها على دولنا العربية، ولم اعرف سر هذا الطابور مادام الجميع يحمل تأشيرة رسمية للدخول اسوة باللذين دخلوا قبلهم الى قاعة المطار ورحلوا الى بيوتهم امنيين مطمئنين لم تؤلمهم نظرة ضابط لا يعرف من يقف امامه او اشارة شرطي في اتجاهات متكررة تعب الاطفال من العدو خلفها، لا بأس فقد آن للساعات الخمس ان تنقضي ويذهب الجميع الى مبتغاهم وقد وحدتهم الغربة في محنتها حيث فرقهم الوطن والساسة الاكثر وطنية حتى من الوطن نفسه !! تجمع العراقيون من المسلمين والمسيح وكان "عمر" يسأل عليا عن سر جوازه " المنبوذ " الذي لم يستطع (الرئيس العظيم) صدام حسين او الرئيس العظيم مام جلال الطالباني محو هذه الصفة عنه وجعله كأقرانه من الجوازات، ومعاملته كما يعامل الجواز الاخر في كل بقاع الارض.
انقضت الساعات الخمس وكان الطريق الى مدينة 6 إكتوبر التي تبعد اكثر من 40 كيلو متر عن مركز القاهرة غير متوقع، فمعظم المغادرين اليها من العراقيين وتنتهي الدهشة حين تصل المدينة فكل معالمها توحي بأنها معقل للقادمين وحين تتمشى في الشوارع لا يقترب من سمعك سوى"اللهجة العراقية" تقطعها بين الحين والحين كلمات مصرية سرعان ما تختفي ليعود النغم الى عراقيته بامتياز، وهذا ما شمل الاغاني التي تصدح في المحلات "هيثم يوسف، حاتم العراقي، حسام الرسام"، وحتى محلات البقالة والحلاقة لا تستغرب وجود هذا النغم العراقي، ولم تتوقف جامعة 6 إكتوبر والمصرية للعلوم والتكنولوجيا عن قبول عدد هائل من الطلبة العراقيين. التقيت بشخص يدعى مجدي عبد اللطيف وهو مصري الجنسية ويسكن مدينة 6 إكتوبر، لم يكن مستاء من وجود العراقيين الطاغي في المدينة، لكنه اخبرني ان ارتفاع الاراضي والمساكن في تلك المدينة يعود الى اقبالهم وشرائهم المفرط لها، مما جعل الاسعار غير معقولة لترتفع من ضعفيين الى اربعة اضعاف وهو امر ربما انعش المدينة وتجارها لكنه انتج عجزا لدى المواطن المصري الذي يبحث عن ملجأ في الارض ليسكنه.
العراقيون انفسهم لم يكونوا فرحين كثيرا بهذا الحال، فرغم هذا التكتل الكبير لهم والذي منحهم فرصة المحافظة على طقوسهم الخاصة وممارسة عاداتهم بسلاسة يشعرون بأن هذا المنفى مفروض عليهم ويسلبهم ارادتهم وكرامتهم، وهم لم يختاروه انما دفعهم خوفهم على ابنائهم وارواحهم للهروب من جحيم الوطن الذي لا ينتهي والذي تؤجج صراعاته القوى السياسية المتناحرة على اجندتها الخاصة رافعين شعار" اننا نحب العباد اكثر من الله".
اخفاق الوطن جعل هؤلاء يحتلون مدينة ليست لهم ويسكنون ارضا يزاحمون عليها ابناءها وعيونهم تترقب الاتي على خوف لعل السياسة التي هجّرتهم من اوطانهم تعيدهم مرة اخرى اليها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف