محاكمة جلادي صدام ربما تعيد الثقة في حكومة المالكي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فوجيء العالم بتسرب مشاهد إعدام الدكتاتور العراقي السابق صدام حسين في العراق عبر الهاتف إن الحكومة العراقية، إذا أرادت حقاً إغلاق صفحة الماضي التي شهدت أسوأ الجرائم وأبشع الانتهاكات التي عرفتها البشرية، مطالبة بالتوقف عن كل الأعمال التي تنتهك الحقوق الإنسانية، والتعامل بشدة وصرامة مع كل من يثبت ضلوعه في انتهاك حقوق الإنسان العراقيالجوال ومن ثم حول العالم عبر شبكة الإنترنت. أظهرت وقائع الإعدام محاولات قام بها جلادو الدكتاتور لإهانته واستفزازه وهو على منصة المقصلة قبيل لحظات قليلة من تنفيذ الإعدام. تلفظ الجلادون بعبارات جارحة بحق صدام على غرار "إلى جهنم وبئس المصير" و"أفقرتنا يا دكتاتور" إضافة إلى التفوه بأسماء معارضي صدام السياسيين مثل "مقتدى" و"محمد باقر الصدر" وغير ذلك من الأعمال الإستفزازية كالتهليل والتكبير التي لم تظهرها النسخة الرسمية من وقائع الإعدام التي بثتها الشبكات الحكومية. الإهانات التي تعرض لها صدام حسين دفعته إلى استنكار أسلوب الجلادين عبر تساؤله "هل هذا سلوك الرجال؟" كما استدعت العمليات الاستفزازية تدخل أحد الموجودين من ذوي الحس الإنساني المرهف بموقع الإعدام لتهدئة الجلادين داعياً إياهم للتوقف على أساس أن صدام حسين كان مقبلاً على عملية إعدام.
إذا كانت أحكام الإعدام في حد ذاتها بربرية تتعارض مع المباديء الأساسية لحقوق الإنسان وفإن عملية تنفيذ حجم الإعدام بحق صدام حسين كانت اكثر وحشية حيث زاد عليها عملية التعذيب المعنوي الذي تعرض لها صدام حسين قبيل تنفيذ الحكم. ليس معنى كون صدام مجرماً دموياً بشعاً فظاً وقاسياً في خلال فترة حكمه أن يقوم أولئك الجلادين عديمي الإنسانية وغيرهم بتقليد ممارساته الغير آدمية أو يتبعوا نفس الأساليب الوحشية التي استخدمها هو مع ضحاياه. كان ينتظر أن تتحلى الضحية الذي اكتوت بنار الظلم، حين كانت ضعيفةً، بالرحمة بعدما أصبحت قويةً، حتى مع الطاغية الذي امتنع طوال حياته عن أن يكون رحيماً معها. ولكن الوقائع المقززة لإعدام صدام حسين أظهرت عكس ذلك وأكدت أن لا فارق حقيقاً بين هذا أو ذاك في العراق، أو بين الجلاد والضحية. فالقوي يسحق الضعيف، ومن بيده السلطة والقدرة يستعبد من لا حول له ولا قوة دون مراعاة لمباديء إنسانية أو أخلاقية. نعم لقد سفك صدام دماء عشرات الألاف من الأبرياء، ولكن أستفزازات الجلادين لصدام كانت غير مبررة على الإطلاق من الجانب الإنساني.
محاولات استفزاز المحكوم عليه بالإعدام ساعة تنفيذ الحكم العصيبة عمل غير إنساني بالمرة. لن أقول أنه كان من المفترض أن يقوم الجلادون المتدينون الذين أعدموا صدام حسين، الذين أظهرت وقائع الإعدام صراخهم بعبارات تظهر مدى تدينهم، بالدعاء للرجل بالهداية والرحمة والمغفرة قبيل إعدامه كما تدعو الأديان، ولكني كنت أتمنى لو انهم ما كانوا ليتحدثوا مطلقاً مع صدام بشأن أي من القضايا التي أدين بشأنها، وما كانوا ليستثيروه في لحظات تعد الأصعب والأقسى في حياة أية آدمي. فالجلادون مهمتهم الأساسية هي تنفيذ الأحكام بالمتهمين لا إدانتهم ولا تقريعهم. العمل اللاإنساني الذي قام به الجلادون أن دل على شيء فإنما يدل على مدى عمق الهوة الحضارية في العالم العربي إذا ما علمنا أن عمليات الإعدام تقابل برفض عالمي متزايد لتعارضها مع مباديء حقوق الإنسان، وأن الدول المتحضرة التي لا تزال تنفذ عقوبات الإعدام تفرض إجراءات مشددة على ممارسة حتى لا يعاني المنفذة بحقهم أحكام الإعدام بأية آلام. ولقد علقت ولاية فلوريدا الأمريكية مؤخراً تنفيذ عقوبات الإعدام بسبب شكوك حول التسبب في بعض الآلام لأحد المعدومين أثناء إعدامه بالحقن.
ليس من شك في أن الانتهاكات التي حدثت وقت تنفيذ حكم الإعدام بصدام حسين سيؤثر بشكل أو بأخر على الحياة الطائفية الملتهبة والأوضاع الأمنية المحتقنة في العراق. فالعراق يمر بمرحلة عصيبة من تاريخه بسبب الصراعات والتمزقات الطائفية التي لم يستطع العراقيون للأسف الشديد أن يسمو فوقها بعد انفراط عقد الحكم الدكتاتوري، لذا كان ينبغي على قادة الحكومة العراقية التي يسيطر عليها الشيعة التحلي بالحكمة في التعاطي مع عملية إعدام صدام حسين الذي يعتبره بعض السنة رمزاً لهم. فقد كان ينبغي اختيار موعد مختلف، كما ينبغي على حكومة المالكي ان تعيّن جلادين قادرين على التحكم بانفعالاتهم ومشاعرهم عند تنفيذ حكم الإعدام. كان تنفيذ عملية إعدام صدام حسين السني على أيدي رجال الحكومة الشيعية أمراً غاية في الحساسية، لذا فقد كان الأمر يتطلب الحكمة. ولكن حكومة المالكي هنا فقدت الحكمة مرتين على الى الأقل؛ المرة الأولى حين نفذت حكم الإعدام صبيحة عيد الأضحي في تحد واضح لمشاعر الأقلية السنية في العراق، والمرة الثانية حين اختارت متطرفيين عديمي الإنسانية لتنفيذ حكم الإعدام أهانوا صدام حسين وقت إعدامه.
أما وقد سقطت الحكومة العراقية في الاختبار الأهم لها في التعاطي مع أمور غاية في الحساسية من شأنها ان تزيد الأمور الطائفية تعقيداً في العراق، وفشلت في احترام مباديء حقوق الإنسان، فقد أصبح رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي مطالب بشدة بإعادة الاعتبار لحقوق الإنسان في العراق الجديد. إعادة الاعتبار لحقوق الإنسان تبدأ من إجراء تحقيق في الأحداث التي شهدتها عملية إعدام صدام حسين، ومحاكمة جميع المسئولين عن تنفيذ الإعدام والجلادين الذين أهانوا الإنسانية حين استفزوا الشخصية المنفذ بحقها حكم الإعدام، وسمحوا بتصويره بالهاتف النقال وروجوا وقائع الإعدام بتهمة عدم احترام مباديء حقوق الإنسان والإساءة إلى عراق ما بعد الدكتاتورية. يجدر بالذكر أن العراقيين السنة كانوا انتقدوا سيناريو محاكمة وإعدام صدام حسين واعتبروه مؤامرة شيعية أمريكية لإهانتهم وإذلالهم. وعلى الرغم من عدم اتفاق معظم المحللين والمراقبين السياسيين الدوليين والعرب مع الرأي السني الذي يصنع من صدام حسين بطلاً مغواراً وشهيداً مجاهداً، إلا أن انتقادات واسعة وجهها هؤلاء للانتهاكات التي طالت صدام حسين على منصة الإعدام.
لقد أصبح تأكيد الحكومة العراقية إحترامها الكامل لمباديء حقوق الإنسان مطلباً عاجلاً وملحاً. هذاالاحترام لن يتأتى في هذه المرحلة إلا عبر الإسراع في تشكيل لجنة محايد من السنة والشيعة للتحقيق مع المسئولين عن الانتهاكات، وللكشف عن أسرار ومغزى تعيين جلادين ملثمين موالين لمقتدى الصدر. ذلك التحقيق من شأنه أن يعيد جزءاً من ثقة الأقلية السنية والمجتمع الدولي في حكومة المالكي، وأن يساعد في عملية رأب الصدع في العلاقة الشيعية-السنية في المرحلة الحالية، وأن يؤكد على احترام الحكومة العراقية التام لمباديء حقوق الإنسان في المستقبل وعلى أن الانتهاكات التي شهدتها عملية إعدام صدام حسين لن تتكرر مطلقاً في المستقبل.
إن الحكومة العراقية، إذا أرادت حقاً إغلاق صفحة الماضي التي شهدت أسوأ الجرائم وأبشع الانتهاكات التي عرفتها البشرية، مطالبة بالتوقف عن كل الأعمال التي تنتهك الحقوق الإنسانية، والتعامل بشدة وصرامة مع كل من يثبت ضلوعه في انتهاك حقوق الإنسان العراقي. فلا يُعقل أن يتم توجيه اللوم إلى صدام حسين على الأعمال الإجرامية التي ارتكبت في عهده، بينما تشجع الحكومة الحالية نفس الانتهاكات أو تتسامح مع مرتكبيها. تحرك الحكومة يجب أن يكون فورياً لأن التأجيل والتمادي في ارتكاب الأخطاء لن يدفع ثمنهما إلا المواطن العراقي البسيط الذي تستغله القيادات الطائفية كوقود في الحرب الاهلية الدائرة بالعراق. فلتغرس الحكومة العراقية مباديء التسامح وحقوق الإنسان في نفس كل عراقي حتى يتوقف القتل والانتقام، وحتى يتفرغ الجميع لمحاربة الإرهاب الأجنبي الذي تمارسه جماعات غريبة عن العراق بتمويل ومساعدة من دول لها مصالح في انهيار العراق.
جوزيف بشارة