مات صدام (عتريس العراق) فمتى يموت الإستبداد العربى؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مات صدام (عتريس العراق) فمتى يموت الإستبداد العربى؟1
هذا حديث ذو شجون،.. وأنين.
يقولون أن أحلك ساعات الليل هى تلك التى تسبق الفجر، غير أن العراق ومنذ زمن طويل يعيش أياما حالكة السواد،.. قبل الفجر وبعده، وليل بغداد الطويل يأبى أن ينجلى بعد أن تحول النهار إلى ليل والليل فى الواقع إن هذا المقال أو بالأحرى الحديث عن صدام حسين هو محاولة لإعادة قراءة هذه الصفحة من جديد، ووضع النقط على الحروف، ودعوة للتفكير فيما جرى، ولماذا؟، وهى محاولة جادة لا مجال فيها لتجميل صورة قبيحة أو تشويه جانب مشرق من جوانب الصورة عن عمد.. إلى نهار من جراء مشاهد حية بشعة من إنفجارات سيارات مفخخة وسحب من الدخان الأسود الكثيف،.. صور عبثية جنونية من القتل والدمار والخراب.. جثث وأشلاء متناثرة، وشلالات من الدماء تسيل على الأرض والنهرين، وألسنة نيران مشتعلة لا تريد أن تنطفىء يغذى من سعيرها ولهيبها وجود إحتلال أنجلو أمريكى بغيض وأحقاد طائفية دفينة قديمة وتعصب مذهبى وعرقى وخفافيش ظلام تكفيريين، وحرب أهلية طائفية غير معلنة خوفا من تداعياتها الإقليمية ومن فتح المزيد من أبواب الجحيم...
الساحة العراقية والحمدلله عامرة بكل الأعداء والأخوة الأعداء والخونة والعملاء وعملاء الموساد والسى آى إيه ومن كل حدب وصوب... قوميون وبعثيون وشيوعيون وتكفيريون وقلة من المناضلين الشرفاء يقاومون الإحتلال ضاعت بطولاتهم فى فوضى العنف المتبادل وبعد أن اختلط الحابل بالنابل بين كل الفرقاء.. الطامة الكبرى أن الجميع بما فيهم جورج بوش نفسه يرتكبون كل أعمال العنف والقتل والذبح والتدمير والخراب باسم الأديان والأديان منهم جميعا براء، ومعظم الضحايا للأسف من النساء والشيوخ والأطفال الأبرياء الذين لا حول ولا قوة لهم.
هم الذين يعانون وطأة كابوس الليل العراقى الحالك السواد.!
من مصادفات الأقدار وسخرياتها أن ينفذ حكم الإعدام شنقا فى حاكم العراق المخلوع صدام حسين قبيل فجر يوم السبت الموافق 30 ديسمبر 2006 فى أول أيام عيد الأضحى المبارك، وإذا كان تنفيذ حكم الإعدام فى هذا التوقيت بالذات من مصادفات الأقدار فهو لا يمكن أن يكون من مصادفات السياسة، كما أنه خرق فاضح لكل القوانين والأعراف الدولية المتعارف عليها والتى تحرم تنفيذ حكم الإعدام خلال أيام الأعياد والمناسبات الدينية التى من المفترض أن تسود فيها مشاعر البهجة والفرح وتسودها روح المحبة والتسامح مع النفس والآخرين، ولكن الذى حدث هو أن استيقظ المسلمون فى العالم الإسلامى صبيحة يوم 30 ديسمبر الماضى على نبأ تنفيذ حكم الإعدام شنقا فى صدام حسين وقبيل ذهابهم لتأدية صلاة العيد ونحر الذبائح وتقديم الأضحية للفقراء والمساكين، ووافق يوم الإعدام أيضا يوم السبت � اليوم المقدس عند اليهود والإسرائيليين � فهل كان ذلك أيضا محض مصادفة؟!!
لقد شاهدت مشهد تنفيذ حكم الإعدام فى صدام حسين والذى تم تصويره على مايبدو خلسة بكاميرا تليفون محمول وبثته بعض قنوات الفضائيات العربية، وروعنى ما سمعت من تعليقات لبعض الحاضرين لعملية الإعدام وهتافات بحياة زعماء شيعة مثل محمد باقر الصدر ومقتدى الصدر تنم عن تعصب طائفى ومذهبى بغيض وأحقاد دفينة، كما أننى غضبت أشد الغضب وأنا أرى الحكم ينفذ أثناء تلاوة صدام للشهادة للمرة الثانية ودون أن يكملها فقد إنقطع صوته تماما بعد تلاوته " وأن محمدا".... وكأنهم استكثروا عليه أن يكرر ترديد كلمتى " رسول الله"!!
إن لحظة تنفيذ حكم الإعدام لحظة رهيبة لها جلالها وقدسيتها حتى ولو كان الحكم ينفذ فى أعتى المجرمين إجراما، ودول كثيرة فى العالم ألغت عقوبة الإعدام مثل كندا وكل دول الإتحاد الأوروبى وعدد كبير من الولايات الأمريكية، غير أن الذى شاهدته فى فيديو تنفيذ حكم الإعدام شنقا فى صدام حسين ما هو إلا بربرية وهمجية وتعصب طائفى مقيت هو أبعد ما يكون عن أخلاق وتعاليم الإسلام الحقة، وإذا كان هؤلاء ومن على شاكلتهم هم من يتولون الآن زمام أمور الحكم فى العراق ومطلوب منهم إجراء مصالحات وطنية لكل الطوائف العراقية فقل على العراق كبلد السلام.!
لقد كشف فيديو إعدام صدام المهرب كذب إدعاءات وإفتراءات السيد موفق الربيعى مدير ما يسمى بـ " الأمن القومى العراقى " ( ولا أعرف أى أمن قومى هذا وأين هو فى العراق؟!!)، وصاحب الفضل الحقيقى فى عملية الكشف هذه ليس هو الشخص الذى صور وقائع ما جرى أثناء عملية الإعدام فهو مجرد سبب عارض أو عامل مساعد وإنما هى التكنولوجيا الحديثة المتمثلة فى تليفون محمول مزود بكاميرا فيديو، والتى أصبحت فى متناول يد الملايين من الأفراد العاديين فى العالم العربى، والتى لولاها لربما تعذر علينا معرفة حقيقة ما حدث فعلا وانتشرت رواية الربيعى المختلقة، وهذه نقطة جوهرية ينبغى أن نمعن النظر فيها جيدا ونفكر فى آثار إنتشار أدوات التكنولوجيا الحديثة على تغيير مجمل الأوضاع فى العالم العربى فى المستقبل، ولسوف أتناول هذا الموضوع الحيوى بالبحث والتعليق فى مقالات لاحقة بعد أن تكتمل بإذن الله، ولا أخفى على القارىء أن هذا الموضوع يشغل تفكيرى منذ وقت طويل، وقت بدأت موخرا فى مناقشة هذا الموضوع والذى هو فى الحقيقة مشروع متكامل مع عدد من كبار المفكرين الكنديين ومراكز البحث العلمى الكندية المتخصصة فى هذا المجال، ولا يزال الوقت مبكرا قبل الحديث التفصيلى عن هذا المشروع والذى أتمنى أن يحظى عند إكتماله بتأييد ودعم كافة وسائل الإعلام الجادة ومراكز وهيئات وجمعيات المجتمع المدنى المعنية بقضية الإصلاح والتغيير فى العالم العربى.
إذا كانت الصورة تساوى ألف كلمة فإن صورة الفيديو الرقمية تساوى مليون كلمة، وأية تبريرات واهية لما حدث فى مشهد إعدام صدام لا تعنى سوى مزيد من الإهانة والإستفزاز لمشاعر أكثر من مليار مسلم فى العالم.
هذه الزمرة الحاكمة التى أعماها التعصب الطائفى والمذهبى عليها أن تدرك وقبل فوات الآوان إنها إذا كانت تنوى أن تحكم العراق من منطلق طائفى بحت حتى وإن إدعت العكس فإنها حتما سوف تدفع بالصراع المحصور حاليا داخل العراق إلى خارجه، وإذا حدث لا قدر الله وتحول الصراع إلى صراع إقليمى دموى فإن الخاسر الأكبر فى الحساب الختامى ستكون الطائفة الشيعية ومعها باقى الطوائف والأقليات ليس فى العراق فحسب وإنما فى كل بلدان المنطقة، ولن تنفعهم مزايدات إيران ورئيسها أحمدى نجاد أو تأييد جورج دبليو بوش أو تونى بلير، إذ أن جورج دبليو بوش والغرب عامة لا تعنيهم كثيرا مسألة سنة أو شيعة أو أكراد بقدر ما تعنيهم فى المقام الأول والأخير المحافظة على مصالحهم الإستراتيجية المباشرة، وهذه المصالح أساسا أغلبها مع الدول ذات الأغلبية السنية فى الشرق الأوسط، فبالنسبة للولايات المتحدة والغرب لا توجد صداقات دائمة أو عداوات دائمة وإنما مصالح دائمة.
إن العراق اليوم يقف فى مفترق طرق ولحظة تاريخية تفرض نفسها على جميع الفرقاء والأخوة الأعداء، ورغم إدراكى للطبيعة الخاصة للعراق كمجتمع عشائرى قبلى طائفى مذهبى الولاء فيه قبل كل شىء هو للعشيرة والقبيلة والطائفة الدينية والمذهب السياسى، وأنه من الخطأ أن نضع كل الشيعة أو أى طائفة أخرى فى سلة واحدة.. رغم كل هذا أقولها مخلصا أن الزمرة الحاكمة فى العراق إذا كانت ستنتهز فرصة توليهم السلطة فى العراق _ حتى وإن تسنى لهم ذلك من على ظهور الدبابات الأمريكية وجنود المارينز بالنظر إلى الماضى القريب والبعيد لتصفية حسابات تاريخية قديمة وأحقاد طائفية دينية ومذهبية دفينة فإنهم حتما سيقوضون أى مستقبل- للعراق، وسيكونوا أخطر شرا وأكثر وبالا على العراق من صدام.
كان كل ما سبق مدخلا ومقدمة وجدتها ضرورية قبل أن أتحدث عن الموضوع الرئيسى : صدام حسين وتجربته الطويلة فى حكم العراق، موضوع لم يكن بوسعى أن أدعه يمر دون أن أتناوله بالكتابة والتعليق.، ولكن لماذا أريد أن أكتب عن صدام اليوم؟
هذا السؤال فى الحقيقة سألته لنفسى طوال الأيام القليلة الماضية ومنذ سماعى نبأ تنفيذ حكم الإعدام فيه شنقا. هل أريد أن أرثيه؟ هل أحاول أن أدافع عنه أم ألعنه كما فعل الكثير من الكتاب والمعلقين فى العالم العربى حتى بات العرب والمسلمون فى كل مكان منقسمين إزاء شخصية صدام حسين المثيرة للجدل سواء فى حياته الحافلة بالأحداث وحتى بعد إعدامه.
فى الواقع أن الإجابة ليست شيئا من ذلك كله حتى وإن بدا للقارىء أحيانا أنى أؤيده أو أعارضه ضمن سياق الحديث، ولذلك فإنى أتوقع مسبقا أن تثير كلماتى عن صدام غضب وحنق كلا الفريقين: الذين أيدوه وتعاطفوا معه، والذين عارضوه وصبوا عليه اللعنات، لكن لا بأس فليكن، إن الأمر فى رأيى أكبر من مجرد تسجيل مواقف بطولية زائفة وعنتريات جوفاء قد تشوبها دوافع مصالح شخصية لمن عاشوا واسترزقوا من كوبونات نفط صدام وعطاياه أو فتات موائده، وأهم من تسجيل مواقف هجومية قد تعتريها دوافع إنتماءات طائفية أو ثأرات عائلية شخصية،... كل هذه الأمور وإن كنت أتفهمها لكنها لا تعنينى فى شىء، فأنا أعيش فى كندا منذ أكثر من ربع قرن. هنا يعيش مهاجرون ينتمون لأكثر من 180 جنسية، وأكثر من 80 طائفة دينية من جميع أنحاء العالم،.. جميعهم يعيشون فى ظل تجربة إنسانية رائعة يسودها الوئام والوفاق فى ظل سيادة دستور، وميثاق حقوق، وقانون لا يفرق، يسرى ويطبق فعليا على الجميع دون فصل أو تمييز عنصرى أو دينى أو عرقى.
دعونى أطرح الأمر كالتالى:
صدام حسين قد تم إعدامه وأصبح الآن فى ذمة الله بعد أن صعدت روحه إلى السماء، والله الخالق الواحد الصمد القهار هو وحده الذى سيحاسبه على كل ما إقترف من جرائم وما أنجز من أعمال، ولن يفيد الشاة سلخها بعد ذبحها، وهو إن كان قد مات وفاضت روحه إلى بارئها إلا أن نتائج أعماله وسياساته لا زالت آثارها وعواقبها باقية معنا على الأرض، دفعت ثمنها ولا زالت تدفع بدرجات متفاوتة أمة بحالها وليس العراق وحده، ولا ينبغى أن نقول عفا الله عما سلف، بل يتعين علينا أن نفكر ونمعن النظر ونسأل أنفسنا: كيف ولماذا حدث ما حدث؟، عسى أن نتعلم شيئا يمنع تكرار المأساة فى المستقبل، ذلك لأن الأمم التى لا تتعلم من أخطاء الماضى وتجاربه، وتستخلص منها العبر والدروس محكوم عليها أن تكرر ذات الأخطاء، ولكن بنتائج كارثية أكبر بفعل التراكم.
بعد تنفيذ حكم الإعدام فى صدام حسين الرجل الذى حكم العراق لأكثر من 35 عاما تكون صفحة كبيرة سوداء مخضبة بالدماء قد طويت فى كتاب الإستبداد العربى الكبير والطويل.
فى الواقع إن هذا المقال أو بالأحرى الحديث عن صدام حسين هو محاولة لإعادة قراءة هذه الصفحة من جديد، ووضع النقط على الحروف، ودعوة للتفكير فيما جرى، ولماذا؟، وهى محاولة جادة لا مجال فيها لتجميل صورة قبيحة أو تشويه جانب مشرق من جوانب الصورة عن عمد..
هى أولا وأخيرا محاولة للبحث عن الحقيقة ودون أن يدعى أحد منا أنه يملكها على الإطلاق سواء بصك إلهى أو عقد إحتكار.
إن هدفى الحقيقى من الكتابة عن صدام حسين ليس هو نبش قبره بل التنقيب فى التربة والبيئة والثقافة العربية التى أنبتت لنا، ونمت فيها وترعرعت - عبر قرون طويلة - شخصيات دكتاتورية استبدادية مثل صدام حسين وغيره من الدكتاتوريين العرب، ويا ليت الأمر اقتصر على الحكام، ففى كل بلد عربى،.. كل مدينة.. كل قرية يمكن أن نجد طاغية ظالم مستبد و "عتريس" صغير لا تقف شراهته للسلطة والنفوذ والإثراء الحرام عند حد.
فى بيئة المجتمعات العربية الحكم وراثة والطغيان أيضا وراثة.
نحن نلعن الطغاة فى الصباح ونحلم بأن نكون مثلهم فى المساء، ذلك لأن الظلم والقهر والطغيان الواقع علينا جعلنا نظن أن أسهل طريقة لنحمى أنفسنا ونحصل على حقوقنا المسلوبة هى أن نلجأ إلى الظلم والقهر والطغيان أى " داونى بالتى كانت هى الداء، حتى باتت البيئة العربية وثقافتنا العربية معملا ضخما لتفريخ وتسمين الطغاة والمستبدين، وسرعان ما يتحول " عتريس الصغير " إلى " صدام كبير"...
دائرة جهنمية ندور فيها منذ قرون دون هوادة!، إن كان لها أول لا يبدو أن لها آخر، لكن لا بد أن يكون لها آخر.
إن الدكتاتور الطاغية المستبد غالبا ما يكون نصف متعلم، وأنصاف المتعلمين مع السلطة والمال والنفوذ يصبحون أكثر خطورة وأشد شرا من الجهلاء الأميين.
لقد تابعت بإهتمام شخصية حاكم العراق السابق صدام حسين لأكثر ما يزيد عن ثلاثين عاما، وتكونت لدى صورة واضحة جلية عن هذه الشخصية المركبة والتى لا يمكن فهمها إلا من خلال إستكشاف أهم مفاتيحها.
لقد ولد صدام حسين المجيد التكريتى فى يوم الأربعاء الموافق 28 أبريل عام 1937م، فى قرية العوجة � تكريت، أى أنه من مواليد برج " الثور"، ومن المعروف أن مواليد هذا البرج يتصفون بصفات ثلاث أساسية :
- حب السلطة والقوة والشهرة والأضواء
- العناد الشديد
- تكرار نفس الأخطاء
ولعل من المثير للتأمل أن كثيرا من المشاهير فى مجالات السياسة والفنون والعلوم من مواليد هذا البرج، ومن الشخصيات التاريخية الشهيرة فى عالم السياسة والحكم من مواليد برج الثور � على سبيل المثال لا الحصر � نجد أوليفر كرومويل وروبيسبيير والزعيم النازى السابق هتلر والملكة اليزابيث الثانية ملكة بريطانيا والإمبراطورة كاثرين العظيمة، والرئيس المصرى حسنى مبارك والرئيس الأمريكى هارى ترومان.
ومن مواليد برج الثور من مشاهير نجوم الفن والعلوم والفلسفة نجد: جارى كوبر وأورسون ويلز وفريد أستير وبنج كروسبى وهنرى فوندا وأودرى هيبورن وباربارا سترايسند وشيرلى تمبل وسلفادور دالى وبرتراند راسل وسيجموند فرويد.
وللحديث بقية
فى الحلقات القادمة:
- صدام و " الأب الروحى"
- طفولته ونشأته سبب قسوته وشخصيته السيكوباثية.
- صدام والدين
- صدام.. لاعب سياسى أم كرة فى ملعب السياسة؟
- صدام والعالم الخارجى
- مثل هتلر.. صدام بنى العراق الحديث ودمره!
- صدام والتاريخ.
- صدام حسين مجرم وضحية فى آن واحد لكن من هو المجرم الحقيقى؟
مسعد حجازى
كاتب وصحفى مصرى � كندى
Mossad_Hegazy@hotmail.com