أصداء

صدام حسين..بين حضارتين!!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

المشهد کان قصيرا في عمر الزمن الطويل"کعمر الاموات"، لکن معانيه کانت عميقة جدا حين يقيم دکتاتور طرابلس الغرب نصبا تذکاريا لطاغية العراق بجانب شخصية تأريخية عظيمة مثل"عمر المختار"، فإنه کان يجب أن يدرک جيدا إنه لولا"العدالة" و"الحضارة"الامريکية الراسخة في بعدها الانساني، لما کان بمقدوره أبدا أن يشاهد رقبة صدام وهي تلتوي من جراء شنقهلأولي"الالباب" إن فهموا روح و کنه ذلک المشهد الذي کان عبارة عن إنتقال الرئيس العراقي صدام حسين من الايادي الامريکية الى القبضة العراقية، ذلک الإنتقال الذي فسرته کل القنوات الإعلامية في أرجاء المعمورة"وعلى رأسها الاعلام العربي بالطبع"بإنه کان بمثابة إنتقال من قمة الطمأنينة و الهدوء الى قمة الإظطراب و الفوضى، بل و بکلام أدق کان إنتقال من الحياة ذاتها الى الموت الزؤام.


المثير للسخرية، إن الرئيس"الشهيد"کما بات يحلو للکثير من الاوساط العربية و حتى الاسلامية أن تطلق عليه، قد دفع حياته ثمنا لمقارعته و منازلته الامريکان و کان يرفع عقيرته ليل نهار بزيف الاطروحات الامريکية و دجلها وإنها أبعد ماتکون عن روح القيم و المثل الانسانية السامية، قد عاد في النزع الاخير من حياته وهو يتشبث جاهدا للبقاء في أيديهم وعدم دفعه الى القبضة العراقية التي کانت تنتظر بفارغ الصبر رقبته"وقد أينعت" لتجهز عليه بکل قسوة.


صدام حسين، الذي إسترجع الکثير من رباطة جأشه حينما أدرک شکل و محتوى التعامل الانساني الامريکي معه، سعى کثيرا وأکثر من اللازم لکي يستعيد ثقة الامريکيين به و جرب کل الطرق بل و طرق کل الابواب ليسترضي"بوش الملعون" و"الامبريالية"الامريکية حتى تصفح عنه و تمنحه فرصة أخرى"للعب"على الساحة العراقية، وقد أکد الدکتاتور الراحل بإنه الوحيد القادر على الوقوف بوجه "القاعدة و الشيعة و إيران" وإنه قادر على إرجاع الإستقرار الى العراق، لکن لات حين مناص، فقد فات الاوان وإنتهى الدرس لرجل بدأ شيطانا ذکيا و إنتهى أحمقا غبيا دفع فاتورة حساب باهضة الثمن بحيث کلفت لا شخصه فقط وإنما حتى شعبه الکثير الکثير.


وحين يقيم دکتاتور طرابلس الغرب نصبا تذکاريا لطاغية العراق بجانب شخصية تأريخية عظيمة مثل"عمر المختار"، فإنه کان يجب أن يدرک جيدا إنه لولا"العدالة" و"الحضارة"الامريکية الراسخة في بعدها الانساني، لما کان بمقدوره أبدا أن يشاهد رقبة صدام وهي تلتوي من جراء شنقه، بل وإن الامر کان سيجري بصورة أبشع بکثير من الذي شاهده العالم، وهو لعمري ليس بغريب أبدا على نظم سياسية في المنطقة تحترف صناعة"التفنن في الموت"بعيدا عن أعين الکاميرات و ضوضاء و صخب الاعلام العالمي. الامريکيين دفعوا العراقيين لإقامة محکمة مکشوفة تحت الاضواء وليس خلف الکواليس أو نظير"محکمة الثورة"لعواد البندر أو محاکم الثورة الاسلامية في إيران أو المحاکم الصورية في سوريا، ومن خلال هذه المحکمة العراقية التي صال فيها الرئيس العراقي و جال، إنبهر العقل العربي بمشاهد"الشجاعة و الجرأة "لقعقاع الالفية الثالثة بعد الميلاد و صار مولها به الى أبعد حد. وکان الاولى بالاعلام العربي أن يتذکر جيدا أن السيناريو الخاص بمحاکمة و إعدام صدام حسين کان أمريکيا من ألفه الى قريب من يائه وأقول قريب من يائه لأن عملية الاعدام قد تمت بأيادي عراقية صرفة 100% ولم يکن هناک من أمريکي، وهنا لابد من أن أشير الى مسألة هامة، وهي لماذا لم يحضر الامريکان الى مکان الاعدام وهم في الوقت الحاضر سادة العراق الحقيقيين؟ إن الاجابة هنا تحتاج لأکثر من تمعن و أکثر من إعادة إستقراء للعملية و تداعياتها، إذ ان العالم کله تحدث عن الهمجية و الوحشية العراقية لکنه في نفس الوقت کان يتحدث عن تعامل إنساني أمريکي مع الرئيس الراحل والذي إستمر حتى"العشاء الاخير"له والذي کان عبارة عن رز و دجاج مسلوق مع عسل مخلوط بماء ساخن!!


لو دارت الدوائر بأي زعيم عربي و صار بين خيارين، هل يدفعوه الى أيادي خصومه من بني جلدته، أم يدفعونه الى أحضان دولة"غربية أي کانت"، وطبيعي أن يستقر الزعيم على الخيار الثاني، أما لماذا؟ فإن الاجابة تکمن في أن هناک حضارة و قيم و قانون و شرائع و شئ يدعى الضمير الانساني، أما في بلدانهم التي يشرفون بأنفسهم على زراعتها بکل أسباب الحقد و الکراهية و الموت، فليس هناک من شئ سوى الموت بأبشع الطرق.

نزار جاف
nezarjaff@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف