لماذا ندعوا لحكومة إنقاذ وطني؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أثار إنتباهي قبل أيام فلم أمريكي إجتماعي عرضته إحدى القنوات الفضائية العربية كان بعنوان "Lean on me " والذي قام بدور البطولة فيه الممثل الأمريكي الكبير " مورغن نيومان ".. ويحكي الفلم قصة مدرسة غالبية تلاميذها من مواطني الولايات المتحدة الأمريكية السود واللاتينيين تعُمّها الفوضى إذا كانت مدرسة صغيرة في مدينة صغيرة تابعة لإحدى ولايات أمريكا تستحق أن يُعزل مديرها ويُعيّن بدلاً منه مدير حازم ليُعلِّق الديموقراطية ويُعلن حالة طواريء في المدرسة.. أفلا يستحق العراق العظيم وشعبه الرائع حكومة إنقاذ وطني تعلن حالة الطواريء وتؤجل كذبة الديموقراطية؟والتسيّب وتحصل دوماً على أدنى الدرجات في إختبارات الولاية لذا تبادر البلدية الى إرسال أستاذ معروف بصلابته وإنضباطه وتعيينه مديراً للمدرسة وإعطائه مهلة سنة واحدة للسيطرة على المدرسة وإعادة ضبطها وضبط تلاميذها.. وقد أثار هذا الفلم إنتباهي من المشهد الأول الذي صوّرَ دخول هذا الأستاذ الى المدرسة بثقة ومن ثمّ إقتحامه لغرفة الأساتذة الذين كانوا جميعاً بإنتظاره.. وعندما حاول المدير السابق للمدرسة والذي أثبت فشله في إدارتها إلقاء كلمة خطابية للترحيب بالمدير الجديد وللحديث عن إنجازاته الشخصية الوهمية المزعومة في المدرسة أسكته وبادره بالقول " تفضل بالجلوس فلا وقت لدينا الآن للكلمات الخطابية " ثم قال لجميع الحاضرين وبالحرف الواحد " لا مجال الآن للديموقراطية فنحن الآن في حالة طواريء حتى نعيد المدرسة الى وضعها الطبيعي ".
حينها تبادر الى ذهني الشبه الكبير ولكن طبعاً مع الفارق بين الحال المزري لهذه المدرسة الصغيرة وبين الحال المزري الذي يعيشه العراق الآن.. والشبه بين حاجة هذه المدرسة الى مدير كفوء قوي وبصلاحيات إستثنائية يديرها ويعيد الأمور فيها الى نصابها وبين حاجة العراق اليوم الى حكومة كفوءة وقوية وبصلاحيات إستثنائية تقوده وشعبه الى بر الأمان وتعمل على توفير الأمن والخدمات وإعادة اللحمة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد.. والشبه بين وضع المدير السابق للمدرسة عندما حاول أن يستعمل العبرات الخطابية للترحيب بالمدير الجديد وللحديث عن إنجازاته الوهمية المزعومة في المدرسة وبين وضع أغلب ساسة العراق الحاليين عند ظهورهم في الفضائيات وحديثهم عن إنجازاتهم ونجاحاتهم الوهمية المزعومة التي حققوها في العراق وعن التطور والتقدم الكبير الذي تحقق فيه في جميع المجالات في الوقت الذي يكاد فيه العراق تحت حكمهم العتيد أن يشارف على الإنقراض والزوال من الوجود أرضاً وشعباً وبكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.. والشبه الكبير بين حالة الفوضى والتسيب التي كانت تعيشها المدرسة قبل مجيء هذا المدير وبين حالة التدهور والفوضى والتسيب التي يعيشها العراق اليوم والتي تُحَتِّم تشكيل حكومة إنقاذ وطني في الحال.. والشبه بين خطوة تجميد الديموقراطية التي قام بها هذا المدير الحريص على مستقبل تلامذته أكثر من حرصه على التشدّق بمُصطلح يُستغل بشكل سيء ولا يُطبّق بشكل صحيح وبين حاجة العراق اليوم الى مثل هذه الخطوة خصوصاً بعد أن أُفرغ مفهوم الديموقراطية في العراق من محتواه وأسيء إستعماله بشكل مخيف ليصبح رديفاً لمفهوم اللاإنضباط والفوضى العارمة والتجاوز على حقوق الآخرين وتحوله الى سلعة تجارية لاتظهَر سوى في إعلانات أصحاب دكاكين السياسة التي إبتُلينا بها في العراق الجديد.
ولكن وبعد مشاهدتي للفلم قفزت الى ذهني مجموعة من الأسئلة كانت ستقفز الى ذهن أي عراقي يعيش اليوم مأساة الوطن الجريح ألا وهي.....
- إذا كان هذا هو ما تقوم به الحكومة الأمريكية في مايخص موضوع صغير يتعلق بمدرسة ثانوية.. فلماذا تتلكأ في القيام بنفس الخطوة في بلد كبير ومهم كالعراق يعيش يومياً ومنذ سنتين على الأقل الإنعدام الكامل بالخدمات من أمن وكهرباء وماء وغذاء ووقود ومن بطالة متفشية وفساد إداري وحكومي بدأت رأئحته تُزكِم الأنوف والأهم من هذا وذاك يتعرض مواطنوه يومياً الى القتل الجماعي والتصفيات الجسدية والإختطاف والتهجير القسري على الهوية الطائفية من قبل عصابات الجريمة المنظمة وميليشات القتل التي أصبحت المتحكم الوحيد في مقدرات البلاد أمام غياب كامل وفشل مُريع للدولة وأجهزتها الأمنية المخترقة من قبل هذه العصابات والميليشيات؟
- إذا كانت مدرسة صغيرة في مدينة صغيرة تابعة لإحدى ولايات أمريكا تستحق أن يُعزل مديرها ويُعيّن بدلاً منه مدير حازم ليُعلِّق الديموقراطية ويُعلن حالة طواريء في المدرسة.. أفلا يستحق العراق العظيم وشعبه الرائع حكومة إنقاذ وطني تعلن حالة الطواريء وتؤجل كذبة الديموقراطية التي يدّعي البعض وجودها الآن في العراق لتنقذ البلد من الضياع والدمار وتمهد الطريق لديموقراطية حقيقية يعيشها العراقيون أسوة بباقي خلق الله؟
- إذا كانت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تقلق بهذا الشكل على ( إحتمالية ) ضياع مستقبل مجموعة من الشباب وهذا مانُقدِره ونحترمه فيها.. أوليس الأولى بها أن تكون أشد قلقاً وهي التي تدّعي كونها زعيمة العالم الحُر والحامية لحقوق الإنسان في العالم على ( حتمية ) ضياع بلد بأكمله شعباً وأرضاً ووجوداً إذا إستمر الحال على ما هو عليه من ترَدّي في العراق؟
- إذا كانت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية توافق على تجميد وتعليق إجرائات الديموقراطية في مدرسة صغيرة حرصاً على مستقبل تلاميذها.. فلماذا إذاً تتلكأ في القيام بنفس هذه الخطوة في العراق خصوصاً وإن الديموقراطية التي إدعت أمريكا بأنها قد جائت من أجلها الى العراق قد قُبرت قبل ولادتها من قبل أمريكا نفسها بدئاً بما قام به جنودها في أبو غريب وبما يقومون به يومياً في مدن العراق وصولاً الى سماحها وتركها للحبل على الغارب لقوى وأحزاب ( ديموقراطية جداً ) لاتفقه حتى معنى كلمة الديموقراطية بأن ( تِلعَب لِعِب بالساحة مأمّنة ومِرتاحة ) وبأن تسيطر على مقدرات العراق ومصير أبنائه ( ديموقراطياً وعبر صناديق الإقتراع ) وهاهي اليوم تعمل ومن خلال ميليشياتها ( الديموقراطية جداً ) على إعادته دولة ً وفكراً ومجتمعاً وبنى تحتية الى القرون الوسطى؟
- إذت كان طلاب مدرسة تقبع في إحدى زوايا مدينة أمريكية صغيرة يستحقون تعيين ( إدارة إنقاذ وطني ) لتنقذهم ومدرستهم من الضياع.. أفلا يستحق شعب بأكمله كشعب العراق العريق العظيم أن تُشَكّل له ( حكومة إنقاذ وطني ) تنقذه ووطنه من الإبادة والضياع والإنهيار؟
لقد جاء هذا الأستاذ ( غير العادي ) الى تلك المدرسة من أجل هدف أساسي ومهم كما ذكر هو نفسه في إحدى لقطات الفلم.. فقد قال مخاطباً الطلاب بأنهم إذا أرادوا أن لايُهَمّشوا في المجتمع وأن يكونوا جزئاً فَعالاً ومشاركاً في تحقيق ( الحلم الأمريكي ) فأن عليهم يرضوا بإدارته لمدرستهم وأن يستمعوا الى توجيهاته.. وفي إعتقادي بأننا إذا أردنا إنقاذ العراق وتحقيق ( الحلم العراقي ) وكنا جادين ومخلصين حقاً في رؤيته على أرض الواقع فليس لنا من خيار سوى بالدعوة الى تشكيل حكومة إنقاذ وطني (غير عادية ) قوية وكفوءة ولديها صلاحيات إستثنائية تعلن حالة الطواريء في البلاد وتضرُب بيد من حديد على كل من تسوِّل له نفسه الإعتداء على حرمات الآخرين والتجاوز على هيبة الدولة وتُوفِّر الخدمات للمواطنين وتُعيد اللّحمة بين أبناء العراق الحبيب وهو ماطرحتُه ودعوتُ له قبل أيام في مقالي السابق " رؤية لإنقاذ العراق " ولكن وكما يقول الشاعر :
لقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن لاحياة لمن تنادي
وهذا هو وللأسف حال أغلب ساستنا ومثقفينا اليوم إلا مارحِم ربي.
خاطـــرة
بعد نشري لمقالي السابق " رؤية لإنقاذ العراق " قلت لنفسي بأنه كان الأحرى بي أن أسمي المقال أو أن أُعنونه بعبارة " رؤية لإنقاذ مايمكن إنقاذه من أشلاء العراق ".
مصطفى القرة داغي
karadachi@hotmail.com