الغاء عقوبة الإعدام يحفظ للإنسانية كرامتها المهدرة!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أثارت معارضة منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية لحكم الإعدام الذي تم تنفيذه بحق الدكتاتور أوضحت ردود الأفعال العنيفة والعدائية لمؤيدي إعدام صدام حسين حجم المآسي التي تسبب بها الدكتاتور السابق لشعبه والشعوب المجاورة بفعل تصرفاته وسلوكياته الإجرامية التي أهدرت حقوق الإنسان وأثرت بالسلب في حياة الملايين وهي المآسي التي سببت جراحاً ربما لا تندمل إلا بعد ذهاب أجيال كثيرة ومجيء أجيال أخرى عديدةالعراقي السابق صدام حسين ردود أفعال عدائية من قبل بعض الأقلام والأصوات والشخصيات في بعض الدول العربية وبخاصة في العراق والكويت وإيران. لم يفرق مؤيدو إعدام صدام بين معارضة منظمات حقوق الإنسان لعملية الإعدام باعتبارها عمل غير إنساني وبين معارضة أصحاب الحناجر الثورية الذين غالطوا قناعاتهم ومبادئهم حين اعتبروا باطلاً صدام حسين بطلاً شهيداً. غاب عن مؤيدي إعدام صدام حسين أن رفض منظمات حقوق الإنسان إعدام الدكتاتور السابق جاء في إطار السياسة الثابتة التي تتبناها هذه المنظمات في معارضة كل ما من شأنه انتهاك الحقوق الآدمية وعلى رأسها تنفيذ أحكام الإعدام، وهي السياسة التي كثيراً ما شملت اعتراضات بالجملة على انتهاكات نظام صدام حسين لحقوق الإنسان في العراق أبان توليه المسئولية.
بذل بعض من هللوا لإعدام دكتاتور العراق السابق محاولات حثيثة للإيقاع بمنظمات حقوق الإنسان في فخ التطرف العربي الذي لا يعرف التفاهم والوسطية والاعتدال. عرف العرب صدام حسين إما مجرماً يستحق أبشع العقوبات أو شهيداً يستحق عبارات الثناء والتقدير، فبعد أن انقسم العرب فيما بينهم إلى مؤيدي rsquo;الشهيد البطل المغوار وريث الجنةrsquo; صدام حسين من ناحية، ومؤيدي إعدام rsquo;الطاغية الشرير وريث جهنمrsquo; صدام حسين من ناحية أخرى، سارع الجانب المؤيد لإعدام صدام حسين بكيل الاتهامات لمنظمات حقوق الإنسان التي اعترضت على عملية الإعدام على أساس أن الإعدام يتناقض مع مباديء حقوق الإنسان. ويبدو أن منتقدي المنظمات الحقوقية نسوا أو تناسوا أنها - المنظمات -عارضت بشدة وانتقدت بحدة جرائم الحكم الدكتاتوري لصدام حسين، وأنها بجهودها الضخمة كانت السبب الرئيسي في منح مئات الألاف من العراقيين حق اللجوء السياسي في الدول الغربية للهروب من حكم الطاغية.
أوضحت ردود الأفعال العنيفة والعدائية لمؤيدي إعدام صدام حسين حجم المآسي التي تسبب بها الدكتاتور السابق لشعبه والشعوب المجاورة بفعل تصرفاته وسلوكياته الإجرامية التي أهدرت حقوق الإنسان وأثرت بالسلب في حياة الملايين وهي المآسي التي سببت جراحاً ربما لا تندمل إلا بعد ذهاب أجيال كثيرة ومجيء أجيال أخرى عديدة. غير أن ردود الأفعال الهيستيرية التي احتفلت بمناظر الإعدام التي تداولتها الهواتف الخلوية ومواقع شبكة الإنترنت أكدت أيضاً على التأثير المدمر للدكتاتورية وسياسات البطش التي يتبعها الطغاة على المشاعر الإنسانية للشعوب المقهورة والمضطهدة. كانت مظاهر الفرح الطاغية التي عبرت عنها الجماهير العراقية التي طحنتها سياسات صدام حسين الغبية برأيي مؤسفة، وإن كان البعض يبرر دوافعها وأسبابها بالبهجة لرحيل طاغية أذل شعبه لفترة تزيد عن الربع قرن من الزمان.
لا جدال مطلقاً في أن صدام حسين كان يستحق الإدانة بسبب جرائمه بحق الشعب العراقي وشعوب الجوار التي لم يرتكبها دكتاتور أخر منذ ادولف هتلر. ولا شك في أن أحداً كان لا يملك أن يتنازل عن حقوق الشعوب التي عانت من استبداد صدام حسين أو أن يتسامح مع الدكتاتور السابق ومع خطاياه التي شملت تشريد مئات الألوف من العراقيين، وإبادة عشرات الألاف من الأبرياء بدون رحمة عبر إعدامات بالجملة و عمليات قتل جامعي استخدمت فيها الغازات الكيماوية والاسلحة والمقاتلات والدبابات والمدافع. كانت كل هذه الجرائم وغيرها الدافع لرئيسي وراء تبرير الكثيرين للحكم بالإعدام الذي صدر بحق الدكتاتور، حتى أن أصوات عديدة، برز منها عدد من الأسماء الليبرالية، بررت وحاولت التغطية على الإجراءات السيئة و المواقف المخزية التي خلال إعدام صدام حسين والتي شملت شتائم، وإهانات، واستفزازات، وحرمان من إتمام جملتي الشهادة اللتين يتلفظ بهما المسلمون عادة في المناسبات الهامة والحاسمة، وربما امتدت الإهانات لتشمل اعتداءات جسدية، فقد أظهرت الصور التي نقلتها وكالات الانباء وجود كدمات على وجه صدام بعد تنفيذ الإعدام، والتي يحتمل أيضاً أن تكون نتيجة لاحتباس دموي بفعل ضغط حبل المشنقة على الرقبة.
ليس هناك ما يدفع للخجل في ما حدث مع صدام حسين وقت إعدامه أكثر من الاحتفالات الانتقامية التي قام بها الجلادون فوق جثتة، والتي شهدت التهليل لإعدامه. وإذا كنت أقر بأنه ليس هناك أجمل من أن يبتعد الطغاة وأنه ليس هناك أفضل من أن تنال الشعوب حرياتها، إلا أنني لا أقر مطلقاً بالانتقام كوسيلة للعلاج النفسي للشعوب المضطهدة كما يدعي البعض، فالانتقام ينم عن مشاعر كراهية وحقد، وهو لا يقود أبداً إلى طريق السلام الوطني والوئام الاجتماعي الذي نبتغيه لأنفسنا أو لشعوبنا، وإنما يقود باستمرار إلى طريق التفتت الوطني والانقسام الاجتماعي. ومن ثم فإن الأسف لمظاهر الفرح لم يكن برأيي بسبب رحيل الطاغية صدام حسين، ولكنه كان لأن مظاهر الفرح عكست مدى الحقد والكراهية التي سيطرت على المتظاهرين المبتهجين ولأنها شكلت اعتداءً على مبدأ أراه الأهم في عالمنا المعاصر وهو مبدأ الكرامة الإنسانية، فالإعدام من منظور مجرد يعد إمتهاناً للكرامة الآدمية و نكراناً لسيادة لا يملكها البشر على منح وأخذ الحياة.
منذ عشرات السنين وبتأثير مباشر من ثقافة وفلسفة عصر النهضة فطنت بعض الدول الاوروبية واللاتينية إلى عدم آدمية عقوبة الإعدام، فقامت بعضها بإلغائها تماماً من قوانينها ودساتيرها بينما اكتفت دول أخرى بالتوقف عن تنفيذ أحكام الإعدام. تقول موسوعة Britannica أن ولاية Michigan الأمريكية كانت أولى المناطق التي تحظر استخدام عقوبة الإعدام بشكل كامل في عام 1846، بينما كانت فينيزويلا هي الدولة الأولى التي تلغي تماماً عقوبة الإعدام في عام 1863. أما البرتغال فكانت الدولة الاوروبية الاولى في التوقف عن استخدم عقوبة الإعدام منذ عام 1849 وذلك رغم خضوعها لعقود طويلة من الحكم الدكتاتوري الذي لم تتحرر منه إلا في منتصف سبعينيات القرن الماضي. وقد ألغى عدد من الدول الاوروبية وبخاصة الاسكندنافية منها عقوبة الإعدام مع بدايات القرن العشرين. ويجدر بالذكر هنا أن السويد من المقرر أن تحتفل بعد نحو أربع سنوات بمرور مائة عام على آخر حالة إعدام في تاريخها.
تقول إحصاءات منظمة العفو الدولية أن 84 دولة ومنطقة ألغت عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم، وأن 12 دولة ألغت عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم باستثناء الجرائم غير العادية مثل جرائم الحرب، وانه يمكن اعتبار أن 24 دولة ألغت العقوبة عملياً لأنها رغم احتفاظها بعقوبة الإعدام في قوانينها إلا أنها لم تنفذ أية عمليات إعدام طوال ما يزيد عن عشر سنوات خلت وهو الأمر الذي يرفع مجموع الدول التي ألغت بعقوبة الإعدام قانوناً وممارسة إلى 120 دولة. وتشير منظمة العفو الدولية إلى أن 76 دولة أخرى لا تزال تحتفظ بقوانين تعاقب بالإعدام ولا تزال تقوم بتطبيقها، غير أن عدد الدول التي تُعدم السجناء بانتظام يعد أقل من هذا العدد بكثير.
تحتل الدول العربية مكانة متقدمة في قائمة الدول التي تنفذ أحكام الإعدام، حيث لم تلغ إية دولة عربية رسمياً الإعدام من دساتيرها وقوانينها، وإن كانت تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا والبحرين من الدول التي لم تنفذ الإعدام في خلال السنوات العشر الماضية كما تقول إحصائيات موسوعة الـ Wikipedia. إن نظرة موضوعية لأحوال العالم العربي وظروفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية تكشف بوضوح الحاجة الماسة لشعوب العالم العربي إلى الحظر القانوني لاستخدام عقوبة الإعدام. دعونا نتناول في النقاط التالية خمساً من أهم الأسباب التي تدعونا للمطالبة بوقف عقوبة الإعدام في الدول العربية:
أولاً: يعد الإعدام من العقوبات المهينة للكرامة الإنسانية، الإعدام لا يهين فقط المجرم المنفذ بحقة حكم الإعدام، ولكنه يهين الكرامة الجماعية للإنسانية. النظر إلى الإنسان هنا يجب أن يكون مجرداً فلا فرق بين إنسان وأخر بسبب العنصر واللون والجنس والدين. كما أن لا فرق هنا بين مجرم وبريء لأن كلاهما ينتمي إلى الجنس البشري، وقتل احدهما يعني توجيه إهانة للجنس البشري بأكمله.
ثانياً: تشير دراسات وإحصاءات إلى أن عدداً كبيراً من الأبرياء يعدمون أو تصدر ضدهم أحكام بالإعدام. تقول منظمة العفو الدولية على موقعها بشبكة الإنترنت " ما دامت عقوبة الإعدام قائمة، لا يمكن أبداً التخلص من خطر إعدام الأبرياء." وتضيف الإحصاءات إلى أنه منذ العام 1973، أُطلق سراح 117 سجيناً في الولايات المتحدة الأمريكية بعد ظهور أدلة على براءتهم من ارتكاب الجرائم التي حكم عليهم بسببها بالإعدام، بعدما أمضوا سنوات طويلة بالسجون. وتؤكد منظمة العفو الدولية على وجود سوء سلوك من النيابة أو الشرطة، واستخدام لشهادات أو أدلة مادية أو اعترافات غير جديرة بالثقة فضلاً عن تمثيل غير كاف للدفاع.
ثالثاً: شكل ولع الطغاة بالقوانن الاستثنائية حجر عثرة في طريق العدل والحرية والديمقراطية في البلاد العربية، وكان استخدام الطغاة لأحكام الإعدام عاملاً مساعداً أساسياً عبر السنين في التخلص من الألاف من معارضيهم السياسيين. صدام حسين يعتبر واحداً من هؤلاء الطغاة الذين أساءوا استخدام السلطة ونفذوا أحكاماً صورية بالإعدام ضد كل من لم يتفق معهم. ولا يزال العالم العربي يحفل بعدد لا بأس به من الطغاة الذين لا يقلون سوءاً عن صدام حسين، ومن ثم
فإن إلزام الدول بإلغاء أحكام الإعدام يعد امراً حتمياً لحماية الشعوب من استبداد الطغاة.
رابعاً: تشهد السجون بالدول العربية عمليات تعذيب منظمة ضد السجناء والمعتقلين في انتهاك غير مقبول وغير مبرر لمباديء حقوق الإنسان. ولعل تساؤل مهم يبرز هنا بشأن الكيفية التي تتعامل بها السلطات وهيئات الشرطة مع المجرمين الذين تصدر ضدهم أحكام بالإعدام، إذا كانت كرامة المساجين والمعتقلين تنتهك حتى قبل أن تصدر بحقهم أحكام بالإعدام. من يضمن أن المجرمين الذين تصدر ضدهم أحكام بالإعدام لا يلقون من المعاملة السيئة والتعذيب المعنوي والعيني ما لا يخطر ببال بشر؟
خامساً: يدعي البعض بأن الإعدام أسلوب رادع في قمع الجريمة والمجرمين، ولكن الأبحاث والدراسات الحديثة، كما تؤكد منظمة العفو الدولية، أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنه "لا حاجة للدول لأن تخشى من التغييرات المفاجئة والخطيرة في منحنى الجريمة إذا قللت من اعتمادها على عقوبة الإعدام" وتنقل منظمة العفو الدولية على موقعها بشبكة الانترنت عن دراسة رودجر هود عقوبة الإعدام: منظور عالمي، أن أرقام الجريمة المستقاة من دول ألغت عقوبة الإعدام لم تشر إلى وجود آثار سلبية ترتبت على إلغاء عقوبة الإعدام. يمضي هود في دراسته فيؤكد أن كندا شهدت انخفاض معدل القتل لكل 100000 نسمة من ذروة بلغت 3،09 في عام 1975، وهو العام الذي سبق إلغاء عقوبة الإعدام على جرائم القتل، إلى 2،41 في العام 1980، ثم إلى 1،73 لكل 100000 نسمة في عام 2003، بما يعني انخفاضاً بنسبة 44 بالمائة مما كان عليه في عام 1975.
من المهم في الختام التأكيد على أن استمرار استخدام عقوبة الإعدام يعد انتهاكاً فجاً للحقوق الإنسانية، ومن المهم أيضاً التأكيد على أن رفض منظمات حقوق الإنسان لتطبيق أحكام الإعدام لم يكن يوماً بغرض حماية الإجرام والمجرمين كما يزعم البعض، ولكن هذا الرفض ينبع من الرغبة الشديدة في الحفاظ على الكرامة والحقوق الإنسانية التي يهدرها الإعدام. لم يكن تنديد المنظمات الحقوقية بإعدام دكتاتور العراق السابق حباً في صدام حسين، ولكنه كان بغرض التنديد بما يعد بلغة حقوق الإنسان جريمة بحق الإنسانية، لان القتل بجميع أنواعه يعتبر تعدياً على حق الحياة الذي يولد الفرد به ولا ينبغي لأحد أن يأخذه مهما كانت الأسباب. وأخيراً فإنه إذا كانت للمجرمين دوافع وراء جرائم القتل كالسرقة والعقاب والانتقام، فإن الحكومات لا ينبغي مطلقاً أن تستخدم أساليب إجرامية مماثلة في عقاب الخارجين عن القانون. فلتنضم الدول العربية للعالم المتحضر في إلغاء عقوبة الإعدام من دساتيرها حتى تساهم بشكل فعال وعملي في إستعادة كرامة الإنسان وحقوقه المهدرة.
جوزيف بشارة
مصادر:
http://www.britannica.com/eb/article-224699/capital-punishment