مات الغول
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
اليوم بزغت على سطح المستنقع الإعلامي مفردتان فقط سنة وشيعة ويبدو أن الآمال عريضة من أجل تقسيم المنطقة إلى سنة وشيعة وأكراد ثم تنسحب القوات الأمريكية إلى حيث الغنائم : منابع النفط.
المضحك فعلا في الموضوع أن من أهداني الكتاب وهو ابن عم لي د. " مازن" قد أسر لي آسفا أنه ما من أحد قد أهداه الكتاب إلا وغضب منه وأعرض عنه واعتبر الهدية إهانة شخصية له! وكانت النتيجة أنه خسر كل أصدقاءه العرب ممن أهداهم الكتاب!.أما الجنود الأمريكيون فسوف ينصرفون إلى "قرقشة " البوب كورن وشرب الكولا أثناء استمتاعهم بمراقبة مسلسل الرعب عندما ستشهر سيوف المسلمين في وجه بعضهم بعضا كما حصل في الماضي عندما ارتفع السيفان الإيراني - العراقي وكلاهما مسلم ووضعت أمريكا ثمن السيوف المباعة في جيبها....
هذه السطور كتبتها في مقالة تحت عنوان" النبأ"ونشرت في صحيفة" صدى المشرق " التي تصدر في مونتريال -كندا وذلك بعد الغزو الأمريكي للعراق بشهر واحد فقط! ويمكن قراءتها في موقعي الإلكتروني.
إبان كتابتي لهذه المقالة كان العالم لا يزال ثملا بالنصر لخلاصه من الغول ذي الذقن الزرقاء، وهكذا استمر العراقيون ولأيام متصلة يعيشون الأفراح والليالي الملاح، ويرفلون بحلل قشيبة من السعادة والهناء على أنقاض الغول المندحر.
اليوم وبعد انقضاء ثلاث سنوات على كتابتي هذه المقالة أجد نبوءتي قد تحققت ونجد العالم بأسره مصعوقا لمشاهد أنهار الدماء تجري في شوارع العراق..
والحقيقة أن نبوءتي آنذاك لم تكن نتيجة قراءة الفنجان أو ضرب المندل ، ولا لأنني خارقة الذكاء واستطيع سبر الغيب، ولا لأنني من المصطفين الأخيار الذين آثرهم ربهم بشيء من علمه! .... ولكن أستطيع أن أصف نفسي بأنني أملك شيئا من الحس بالوجع العربي وأحمل بعضا من هموم الإنسان العربي. ومن يحمل في قلبه هذا الإحساس لابد له من أن يتلمس منابع الخطر قبل وقوعه.
وقد نما عندي هذا الإحساس وترعرع منذ نعومة الأظفار ، فمنذ الطفولة وأنا أتجرع المآسي العربية ، تارة من الأخبار والمصادر الإعلامية وأخرى من المناهج الدراسية، فكتب التاريخ والجغرافيا والقومية واللغة العربية كلها تحكي قصة الغول الصهيوني. وهكذا عشش في خيالي حلم وردي بعيد المنال أنه إذا مات الغول فسوف يعيش العالم العربي فردوسا حقيقيا.
ليس الغول الصهيوني فحسب هو الكابوس الوحيد الذي يقض مضجع المواطن العربي ، حسب ما تعلمت في الماضي، الغول الأمريكي هو أيضا جزء من مأساة الأمة من محيطها إلى خليجها.
بعد هجرتي إلى كندا عام 1999 التقيت بالكثير من الإخوة العرب الذين فروا من ديارهم بسبب طغيان الحاكم والديكتاتور العربي"الغول الثالث"، وبين أنياب الوحوش الثلاث سقط الإنسان العربي ضحية مسكينة تنزف بالدماء .
لم يكن الحلم العربي في مصرع الوحوش الثلاث بعيدا بل كان في الحقيقة مستحيلا في أعين الجميع ، وعشت سنين طويلة أدعو الله عسى أن يتحقق الحلم على الأقل لأولادي فلم أعد آمل أن في العمر فسحة كي أنعم وأعلن بارتياح لقد " مات الغول" .
أثناء زيارتي للدانمارك التقيت صدفة ببعض الأخوة العرب ممن أسعفهم الحظ وفروا من براثن الغول ذي الرأسين ،بوش وصدام ، فأقاموا في ربوع العاصمة الجميلة كوبنهاغن وعاشوا حياة رغد وهناء ... حيث السلام يرفرف والوئام يهيمن ، والجميع ينعم بعيش هادئ وسعيد.
والسيد "ف" أحد هؤلاء الأخوة الكرام كان يقطن شقة مريحة أنيقة ويملك سيارة وعملا ودخلا مناسبا، كان سعيد الحظ أيضا بوجود صالة للعب البينغ بونغ في أسفل المبنى ، وكان أصدقاءه يأتون كل سبت لزيارته وللعب في الصالة بغية الترويح عن النفس بعد عناء الأسبوع الفائت. ولكن عملية الترفيه هذه كانت تتحول في كل مرة حربا ضروسا ، فيعلو الصراخ ويشتد الشجار وتنقلب الصالة إلى حلبة صراع دموي... حتى كان يوما نزل فيه السيد "ف" إلى الطابق الأسفل كي يستقبل أصدقاءه كعادته كل سبت فكانت المفاجأة ، الصالة مؤصدة بسلسال عريض وقفل ثقيل الوزن، فقد تقدم سكان المبنى إلى الجهة المسؤولة التي قامت بإقفال الصالة.
في كتاب مقدمات لدراسة المجتمع العربي للكاتب هشام شرابي، وهو كتاب أتمنى أن يقرأه كل مواطن عربي من المحيط إلى الخليج.
يشرح الكاتب في هذا المؤلف سيكولوجية الإنسان العربي ويضع يده ببراعة فائقة على مواطن العطب ويقول في مقدمة الكتاب:
" إن هذه الدراسة هي في الأساس محاولة لتحقيق المعرفة الذاتية ،وإذا كان الوعي الصحيح أساسا للنقد البناء فهو أيضا أساس السلوك العقلاني ،وكما أننا نرى أن أي تغيير فعلي في مجتمع ما لا يمكنه أن ينبثق إلا من صميم ذلك المجتمع أي بتغيير الذات ، فالتحرر الصحيح لا يمكن أن يحصل إلا من خلال عملية تنبثق من قلب المجتمع أي " التحرر الذاتي".
المضحك فعلا في الموضوع أن من أهداني الكتاب وهو ابن عم لي د. " مازن" قد أسر لي آسفا أنه ما من أحد قد أهداه الكتاب إلا وغضب منه وأعرض عنه واعتبر الهدية إهانة شخصية له! وكانت النتيجة أنه خسر كل أصدقاءه العرب ممن أهداهم الكتاب!.
وهكذا فإن الحرب على الغول ليست بالبساطة فالغول يقبع في ذاتنا ويعشش في إرادتنا ، إننا نملك أسلحة تلقائية تنبري دوما للدفاع عن أنفسنا "المظلومة"وعن ذاتنا الضحية.
ويشرح هشام شرابي الموضوع فيقول " كثيرا ما نجد المتهم في مركز الشرطة يعلن وإن كان بريئا "أنه مظلوم" بدلا من قوله "أنا بريء" إن كونه بريئا وكونه مظلوما هو في نظره شيء واحد وذلك لأن الذات هي الموضوع لا الفاعل، وبالتالي فلايمكن أن تكون" مسؤولة" وفي القرآن كان الدرس الأول في قصة آدم عندما اعترف هو وزوجه "إننا ظلمنا أنفسنا" فلم يوجها إصبع الاتهام إلى إبليس ولم يعرضا نفسيهما ضحية مظلومة بل فردان مسؤولان يتحملان تبعة عملهما، وهكذا حلت الأزمة من جذورها.
وفي صبيحة عيد الأضحى وعندما أعلنت محطات التلفزة في أنحاء العالم تنفيذ حكم الإعدام ب صدام كان هنالك فرح وأهازيج في بعض الشوارع العربية وحداد وعزاء في بعضها الآخر ، لقد نحر صدام وقدم قربانا على المذبح الأمريكي ولو أن العدل قد أخذ مجراه بأيدي عراقية لكان الأمر أدعى للفخر على الأقل
وفي طب العيون قد يصاب المرء بخلل في الرؤية وفي عمى الألوان ،وتختلط عنده الرؤية بين الأحمر والأخضر. أما عندما تختلط الرؤية بين الأبيض والأسود في الشارع العربي فهذا إنذار بعمى حقيقي في معرفة الغول، أين هو ؟ ومن هو؟ ويبقى السؤال حين نجابهه:
هل سنملك من الشجاعة والجرأة والعدل لمجابهة ذاتنا بصدق ونعلن أن " مات الغول".
نادية سلطان