ماتريده واشنطن و ما لايلائم بغداد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تتصاعد حدة الاحداث في العراق بإتجاهات مختلفة تتقاطع فيها الکثير من المصالح و الرؤى بين الاطراف الرئيسية التي تتقاسم الملف العراقي، ولکن يبدو أن الامريکان و العراقيين بوجه خاص، هم من أکثر المعنيين على الصعيدين القريب و البعيد المدى، رغم إن ذلک لايسقط من الإعتبار دول الجوار و بشکل خاص جدا سوريا و إيران وترکيا، ذلک إن للدول الثلاث حساباتها للعديد من مجريات المشهد العراقي سيما بتوظيفها وفق سياقات تسير في خدمة الأهداف و البرامج السياسية لهذه الدول.
وقد يکون للتسرع الامريکي فيما يخص حسم مسألتي الاستقرار و الامن في العراق وإنهاء التطاحن الداخلي، ما يبرره أکثر من عامل خصوصا الوضع السياسي الصعب للرئيس بوش أمام خصومه الديمقراطيين و الموقف الاصعب للرئيس أمام الرأي العام الامريکي الذي باتت حدة إعتراضاته تزداد يوما بعد آخر. وفي نفس الوقت هناک أيضا أکثر من مبرر و تفسير للإبطاء العراقي بخصوص حسم مسألة الاستقرار و الامن داخليا خصوصا وإن تعاظم الدور"الحزبي"و"الفئوي"و"الطائفي"مازال يعصف بالساحة العراقية و يقلص الکثير من إحتمالات حدوث إنفراج نسبي واضح للوضع في العراق.
ولعل الضجة القوية التي أحدثتها عملية إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين و مارافقتها من ردود فعل عربية و إسلامية و دولية متباينة، کانت لها أيضا نصيب في الداخل العراقي وتحديدا من قبل القوى العربية السنية التي حاولت إستخدامه کمخلب قط للجم النفوذ و الهيمنة الشيعية على البلاد، هذه القوى التي قد لاتحظى بقوة و حظور جماهيري قوي بين أوساط الجماهير السنية مثلما هو الامر بالنسبة للجماعات المسلحة السنية، تسعى من خلال الإستفادة من الغطاء العربي و الاسلامي الى حدما، أن تسحب البساط قليلا من تحت أقدام تلک الجماعات و أن تجعلها تدور في أفلاکها لا کما هو الحال الان والذي هو بالعکس تماما.
وعلى الجبهة المعاکسة للعرب السنة، هناک القوى الشيعية العراقية التي إکتوت طويلا تحت نير تسلط "طائفي"طوال الحقب التأريخية المختلفة في العراق وکان آخرها الفترة الدموية لحکم الدکتاتور الراحل صدام حسين والذي شهد تصاعدا إستثنائيا غير مسبوقا من نوعه ضد الشيعة، ترى إن من حقها المشروع أن تعمل کل مافي وسعها من أجل ضمان عدم عودة"دواليب الدم"في العراق وهضم حقوق الشيعة، لکنها في نفس الوقت تسعى جاهدة لکي تعطي إنطباعا إيجابيا عن دورها الذي تحاول أن تلعبه على الصعيد الداخلي وتريد عکس صورة مغايرة للذي تشدد قنوات إعلامية عربية متباينة على التأکيد عليه"سلبا"بخصوص الشيعة ودورهم في العملية السياسية في العراق.
وفي الوقت الذي يبدو فيه الطرف الکوردستاني ساکنا بعض الشئ، بيد إنه مع ذلک يراقب الاوضاع عن کثب و هو لا يشعر بالارتياح لما يدور خلف الکواليس"إقليميا"و"دوليا"، کما إنه يدرک تماما إن تداعيات الوضع العراقي"سلبا"مالم يتم تدارکها، فإن إحتمالات زحفها التدريجي نحو کوردستان قد لا يکون أمرا مستحيلا أو غير واردا مثلما يؤکد عليه البعض من الکورد ممن يفرطون في تفائلهم أکثر من اللازم، وقد يکون تقرير"بيکر ـ هاملتون"بمثابة سيف ديموقليس الذي قد تحاول الادارة الامريکية أن تستغلها لأغراض"تکتيکية ـ مرحلية" ضد الکورد لکي تدفعهم في السبل التي تبتغيها"مصالحها"، ولذلک إن الصمت الکوردي و ترقبه بقلق للتطورات قد يکون له أکثر من دافع و سبب. غير أن الکورد يرون في نهاية المطاف أهمية تحالفهم"الاستراتيجي"مع حلفائهم الشيعة سيما وإن هذا التحالف يمنحهم حالة من الطمأنينة و الاستقرار النفسي قد لا يجدونها أبدا في أي تحالف سياسي آخر قد يقيمونه مع أطراف سياسية أخرى، ولذلک يجد الکورد أنفسهم معنيين بالسعي الحثيث لحکومة السيد نوري المالکي لتنفيذ الخطة الامنية الجديدة والتي قد نجد في التصريحات الاخيرة لرئيس الجمهورية جلال الطالباني بخصوص "دوره" في الخطة الامنية الجديدة و التأکيد على"إختلافها"عن الخطط السابقة، دليل قطعي على هذا الامر.
لکن التفاؤل المشوب بالحذر للعديد من الاوساط السياسية و الاعلامية بخصوص الخطة الامنية الجديدة والذي قد يکون أساسه مبني على"الدعم الکوردي"القوي لا لتطبيقها فقط وإنما أيضا لضمان نجاحها، هناک تشاؤم يقابله مرده الاساسي الى ضعف الدور الامريکي و خضوعه للإبتزازات السياسية لا على الاصعدة العراقية و الاقليمية والدولية وإنما حتى على الصعيد الامريکي ذاته، في حين قد يکون للإندفاع القوي للرئيس جورج بوش وهو في العامين الاخيرين من رئاسته و إستخدامه لأهم و أقوى الاوراق التي في جعبته تأثير ما في إحداث تغيير غير متوقع على الارض، إلا أن الشيعة في بغداد تجد نفسها"وهي تتعرض لأقوى حالات الضغط الامريکي"، إن هناک نوع من الالتفاف يسعى الطرف الآخر للقيام به في هذا الظرف الحساس و المصيري لکي ينال "حظوة"و"موقعا"أفضل من الذي ناله بعد سقط صدام حسين، وهذا الالتفاف قد يکون أيضا موجها ضد الکورد، لذلک فقد لا تکون لدعوة الرئيس الامريکي بهذا السياق أهمية تذکر من قبل الطرفين الآنفين.
ومع ان الوضع يسير بوتائر تصاعدية تتسم بطابع مأساوي، فإنه ليس هناک في الافق مايشجع للإحساس بالتفاؤل بتحقيق تقدم سياسي من دون تحقيق"تقدم عسکري"و"أمني"على الساحة إن تقليم أظافر الميليشيات و المجموعات المسلحة قد يکون أساس ذلک الامر، وهذا هو بالضبط ماتسعى الى تحقيقه الخطة الامنية الجديدة التي لن يجد الامريکان أنفسهم إلا وقد تنفسوا الصعداء لو حققت نتائجها المرجوة.
نزار جاف
nezarjaff@gmail.com