أصداء

لماذا الديمقراطية تأتي باليسارفي أمريكا اللاتينية؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لماذا الديمقراطية تأتي باليسارفي أمريكا اللاتينية وفي بلادنا تأتي بالإسلاميين؟

منذ أن نجاح اليسار بشخصية إيفو موراليس في بوليفيا وأنا أحاول التريث والبحث عن إجابة لسؤال إعتقدت من المبكر الخوض فيه ولكن تتابع نجاحات اليسار الديمقراطي في أمريكا اللاتينية وآخر هذه النجاحات هو عودة دانييل أورتيغا رئيسا لنيكارغوا بانتخابات حرة ونزيهة بعد غياب سبعة عشر عاما ومن المعروف أنه هو من تزعم حركة الساندنيست في الثمانينيات وحررت نيكارغوا من الديكتاتورية هناك. وأصبح في أمريكا اللاتينية أكثر من ستة زعماء من المحسوبين تاريخيا على اليسار الديمقراطي. هي ظاهرة جديدة بدأت مع شافيز الذي نجح أيضا قبل أكثر من شهرين في الانتخابات الفنزويلية واعدا أنصاره بإشتراكية جديدة ـ مع العلم أن شافيز يستحق ملاحظة هامة لكونه بات يطرح نفسه كزعيم عالمي في مناهضة العولمة والإمبريالية الأمريكية كما يسميها هو، هذه الملاحظة تتجسد بأن لا يكرر تجربة السوفييت في تحالفاته الخارجية ودون أن يعطي شرعية لنظم تقمع شعوبها لكونه هو جاء عبر الانتخابات الديمقراطية. كما وعد أورتيغا بمكافحة الفقر والجوع في نيكارغواـ تحت شعار السلام والمحبة والمصالح ـ باعتبارها من أفقر بلدان أمريكا اللاتينية مع جمهورية هاييتي. كل هذا يجعل سؤالنا هذا مشروعا تماما في ظل أزمة الانتقال الديمقراطي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. وكل رئيس لدينا على اختلاف النوايا والبرامج أو حاكم يهدد الغرب ومجتمعاتنا بأن الديمقراطية ستأتي بالإسلاميين إلى الحكم، وفي هذا الوقت بالذات في إيران مثلا ذهب خاتمي الإصلاحي وجاء نجاد المتشدد! بآخر انتخابات جرت في إيران. وفي خضم صعود اليسار في أمريكا اللاتينية، ليس صعوده على سدة السلطة بل باتت عودته قوية منذ سنوات في الفضاء السياسي لتلك القارة التي تنشط فيها الكاثوليكية بطريقة ملفتة للنظر أيضا! سواء منها الذي يطلق عليه لاهوت التحرير أو اللاهوت المحافظ، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن هذه المجتمعات تتمتع بدرجة عالية من العلمانية ومن حيادية دولتها تجاه المستوى السياسي أو المذهبي. وإن سؤالنا هو ليس مخصصا لأحد بل هو سؤال للجميع بمافيهم الإسلاميين وخصوصا الذين يصرون على تديين الدولة بما هي مشروع اجتماعي لكل السكان على اختلاف انتماءاتهم المذهبية. والأخص من كل هذا هو أن نتوجه بالسؤال للتيار اليساري والليبرالي في هذه المنطقة التي تعج بالتيارات؟ هذه التجربة بالفعل تؤكد لنا أن:
أن الفقر لادين له وهو مهمة الدولة والسلطات الحاكمة وألا ينظر للدولة بوصفها رأسمال رمزي يجب أن تحوز عليه مذاهب دينية أو سياسية محددة، بل يجب النظر إليها كونها مشروع اجتماعي لجميع السكان فهم المستثمرون فيه على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وعليه فإن رأسمالها يجب أن تعود ربحيته على الجميع لا أن يخص فئة دون أخرى حتى ولو كانت أكثرية دينية ساحقة.

بالعودة لسؤالنا لا بد لنا من المرور على ما يسميه بعضهم الحاجة إلى إصلاح ديني في النسق الإسلامي الذي يهدد مجتمعاتنا بدولة دينية فئوية بشكل أو بآخر. المشكلة لدينا أن الغرب هو من أخرج الإسلام من تراجعه نحو أن يكون ثقافة شفهية لا سياسية بعد مرحلة الاستقلال إلى جعله قوة سياسية تندرج في برامج الغرب في سياق الحرب الباردة. والدليل أن الإسلام السياسي لم يكن يخاف من الغرب في تلك العقود بل جل همه هو دحر الفكر اليساري من المنطقة، ونجح مع الغرب في ذلك ولكنه هو نفسه لم ينجح حتى هذه اللحظة في تقديم مشروع اجتماعي للدولة عندنا، وهذا الاشتقاق الذي مرره الغرب في لحظة ما : اشتقاق الدولة الإسلامية لتصبح زاوية ارتكاز في معارك التيار الإسلامي السياسية. وهذا الاشتقاق الجوهري تواطؤ الغرب عليه في نفس السياق ولم نعد قادرين على التخلص منه في حواراتنا مع الإسلاميين مهما تشعبت هذه الحوارات! الخلاصة في النهاية اشتقاق ( الدولة الإسلامية ) خط أحمر بحيث لا تجد في بعض الأحيان طريقة سوى أن تقول لهم : كرمى لأقلياتكم والتسامح ـ ليس رجاء بل هو واقع عليهم أن يتجاوزا أنفسهم فيه لأن الحقيقة تقتضي أن لا أحد يمتلك الحق في مسامحة أحد في الحيز الدستوري ـ الذي يجب أن يتحلى به أي دين ولا يخاف على نفسه من أقلية عليه أن يعطيها كامل حقوقها وأهم هذه الحقوق ألا يشعر مواطننا المسيحي أنه يعيش في دولة إسلامية بل يجب أن يشعر أنه يعيش في دولته ككل مواطن سواء كان مسلما أو حتى لا دينيا.


العلمانية في الديمقراطية يمكن لها أن تأتي باليسار كما يمكن أن تأتي الديمقراطية بالإصلاح الديني والاجتماعي.من الصعب على الذين يحاولون الاصلاح الديني أن يتم هذا الأمر وفي هذا الزمن العولمي المعلوماتي الحقوق إنساني بدون حرية رأي بلا سقف وديمقراطية دولة عصرية. لأن البساطة تقول بأن السلطات لدينا لا تمتلك خيارا في الإصلاح الديني والثقافي.


فإذا كان مفهوما أن يأتي اليسار في أمريكا اللاتينية أو في أية دولة طبيعية إلى السلطة بالانتخابات ونتيجة لجشع الرأسمال وما يتركه من كوارث اجتماعية على المدى البعيد ونتيجة لحرية الرأي، ولأن اليسار ارتبط مفهومه بالعدل فإنها كلها عوامل تساعد في قيام يسار دوما. بينما عندنا الآن وبعد أن قضى التحالف السلطوي /الإسلامي وسقوط السوفييت على أحلام اليسار في الوصول إلى السلطة من أجل برنامجه الاجتماعي.يحاول الآن أن يجد طريقه عبر انفكاك الحلف بين السلطة العربية وبين الإسلام السياسي من جهة وبين الإسلام السياسي والغرب من جهة أخرى. بالمؤدى الأخير من يعود لقراءة تاريخية ظاهرة الإسلام السياسي يجد أنها في النهاية كانت منتج سلطوي في سياق دولي محدد بامتياز. وعليه أن يكون صريحا هذا الإسلام السياسي مع نفسه ويعترف بهذه الحمولة التي فقدها الآن ويعود ليتحول إلى قوى أرضية وليست سماوية.فلم تعد روح العصر تحتمل قيام دولة دينية لأنها تخالف هذه الروحية والتي تعني فيما تعنيه : الديمقراطية وحقوق الإنسان. حاولنا إضاءة جانب من هذا السؤال الذي لازال مطروحا علينا:
لماذا عندهم ينجح اليسار وعندنا ينجح الإسلاميين؟

غسان المفلح

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف