أصداء

عقدة کرکوک.. مرض ترکيا المزمن

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

مرة أخرى تعود أنقرة للعبث بالشأن العراقي بحجة"الاصلاح" مبينة إنها"لمن الناصحين" وتجمع ثلة أخرى من العراقيين"المهمشين" تتقدمهم ورقتها الصفراء الذاوية"الجبهة الترکمانية"، من أجل عقد مؤتمر بشأن"کرکوک". والذي يلفت النظر، إن ظاهرة عقد المؤتمرات المتعلقة بالشأن العراقي قد بات أمرا محببا لترکيا و باتت ترمي کل ثقلها من أجل البحث عن"النتف"العراقية التي تتواجد في "الزوايا و الارکان"البعيدة عن الاضواء من الذين ليس لهم أي دور واضح و ملموس على ساحة الاحداث، بل وإن الجبهة الترکمانية التي ملأت الدنيا"صخبا"بخطاباتها"العنترية" وب"جماهيريتها"المزعومة داخل الوسط الترکماني، هي بنفسها عادت لتختلق الحجج و الاعذار المتباينة بعد أن توضح قصورها المفرط من هذه الناحية والتي کانت تجربة الانتخابات التي جرت في کافة أرجاء العراق دليلا على کذب و زيف إدعاءاتها على صعيدين:
الاول: لقد أثبتت الانتخابات ضئالة التأييد الترکماني لهذه الجبهة من خلال الاصوات الاقل من متواضعة التي حصلت عليها.


الثاني: بينت الانتخابات بوضوح إن نسبة(13%)من سکان العراق والتي يشکلها الترکمان بحسب إدعاء الجبهة کانت هي الاخرى ضحکة على الذقن الترکي و على ذقون بعض من دول المنطقة التي راهنت لفترة على هذه الجبهة وإن الرقم الحقيقي لايصل حتى الى3%!


وترکيا التي تدعي"علمانية"نظامها و کونها أقرب للنظام الدولي "المتحضر"في معالجته و تصديه للأمور، تکاد تکون دولة من أوائل القرون الوسطى عندما يتعلق الامر بالشأن الکوردي، وهي تحاول أن تستخدم کل الخيارات المتاحة لديها"بما فيها التلويح بإستخدام القوة"لحسم مشکلة "أتراک الجبال" الذين يبدو أن لهم تسمية أخرى خارج الإطار الترکي. لکنها و بسبب من النظام الدولي الجديد الذي لم يعد اللعب فيه متاحا بنفس الانماط"الکلاسيکية"السابقة، تحاول من خلال لعبة"المؤتمرات" أن تضرب عصفورين بحجارة واحدة، إذ هي تسعى من خلال هکذا مؤتمرات لإحراج التجربة الکوردية و التضييق عليها أولا، والتمهيد لسوق مبررات قد تفيدها مستقبلا لو إبتغت أن تقوم بمغامرة"عسکرية"أو حتى مناورة سياسية"مخطط"لها ضد أبجديات الواقع الکوردستاني الحالي الذي بات شغل أنقرة الشاغل.


وقد تکون تصريحات السيد وزير الخارجية المصري الاخيرة بشأن"عراقية کرکوک"و حرص مصر"الضمني" على عدم إقامة دولة کوردية من خلال الحديث عن وحدة التراب العراقي، بمثابة دعم المزاعم الترکية بخصوص العراق، رغم إن السيد أبو الغيط لم يبدو إنه قد إستوعب الواقع الحالي في العراق و مازال يتحدث بنبرة لم تعد مقبولة وليس بالامکان إيجاد آذان صاغية لها، والواقع إن وزير الخارجية المصري قد لايعلم شيئا عن الضغوطات الاوربية على ترکيا بخصوص إيجاد حل للمشکلة الکوردية فيها مثلما إنه قد لا يدري شيئا بالمرة عن"التجاهل"الامريکي للمطالب الترکية بشأن حل"بسمارکي"للقضية الکوردية ليس لديها فقط وإنما في عموم کوردستان المجزأة.


والحق، إن أنقرة التي تتوالى فيها المؤتمرات بخصوص"عراقية"کرکوک و ما إنبثق عنها من "تجمع العراقيين في الشمال"الذي ليس له حضور إلا في أنقرة نفسها، تعقد مؤتمرا (آخرا) على أراضيها بشأن"الازمة الکوردية"لديها و التي يفسرها المراقبون السياسيون بإنها مجرد مناورة سياسية تستخدمها ترکيا لأغراض إعلامية و إنتخابية بحتة إذ أنها وفي نهاية المطاف لا تعترف بوجود أية "مشکلة کوردية"على أراضيها، ورغم إنه قد يبدو في ظاهر الامر ان حکومة العدالة و التنمية باتت تهتم بالشأن الکوردي من خلال عقد أکثر من مؤتمر يسير بنفس السياق، لکن واقع الاهداف و النوايا السياسية المبيتة خلف هذه المؤتمرات إن سبب البکاء الرئيسي هو على"الهريسة" وليس على"الحسين"!


إن الحکومة الترکية تبدو وکأنها تتعامل مع واقع النظام الدولي الجديد الذي تتجلى أهم معالمه في"إستقلال الشعوب المظلومة"و"إنزال القصاص بالمستبدين"، تبتغي التحکم بالمنطق الحضاري الذي يسود العالم من خلال مجموعة أفکار عفا عليها الزمن، وإن تشبث حکومة"العدالة و التنمية" بسياسة الإصرار على إنکار حقوق الشعب الکوردي و سعيها لإحداث عرقلة أو إرباک لمادة أساسية من مواد الدستور العراقي، يؤکد بحق ان ترکيا عاقدة العزم على أن لايکون هناک إستقرار و أمن و سلام حقيقي و واقعي في عموم المنطقة وإنها تريد إبقاء کل أسباب الصراع و الإختلاف و الازمات في ترکيا بشکل خاص و في دول الجوار الاخرى بشکل عام.


وقد جاء الرد الذي أدلى به ناطق بإسم رئاسة إقليم کوردستان بشأن رفض تصريحات رئيس الوزراء الترکي بشأن کرکوک وعدها تدخلا في شؤون العراق الداخلية، بمثابة تنبيه للسيد رجب طيب أردوغان من إنه قد ولت والى الابد سياسة التهديد و الوعيد وإن الاوضاع في الشمال الکوردستاني قابلة للإنفجار في أية لحظة من جراء هذه السياسة السقيمة التي تصر على إستخدام مبدأ القوة في فرض الامور.
ترکيا التي تسعى اليوم للدخول الى الاتحاد الاوربي و تدعي بعلمانيتها و ديمقراطيتها، يجب أن تسير في سياق يتفق مع کل ذلک، وإن سياستها الحالية بالنسبة للکثير من الملفات الخاصة بها، تسير بنمط يعيد للأذهان صورة تلک الايام التي کانت فيها "الدولة العثمانية العلية"تقوم بشوي ظهر الانسان حيا وهو مقيد ثم تقوم بدفع الکلاب لنهش لحم ظهره المشوي، ومن يدري، لعل السيد أردوغان ينوي إعادة أمجاد الاستانة بهکذا صورة!

نزار جاف
nezarjaff@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف