أصداء

في الإنتقام الإلهي من برزان التكريتي!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

"شر البليّة ما يضحك" مثل عرفه وربما اختبره جميع البني آدمين وهو يعني بالضحك الذي يشبه البكاء في آلامه وأتراحه، ومسبباته ونتائجه. تجربتي الأخيرة مع هذا المثل كانت بالأمس حين قرأت خبراً حمل تصريحات لأحد المسئولين العراقيين الذين تابعوا أو شاهدوا أو شاركوا في عملية إعدام برزان التكريتي العامل الأول هو عدم تقدير الجلادين لوزن التكريتي وعدم تقديرهم للمسافة التي كان ينبغي أن يسقطها جسده عند تنفيذ الإعدام. لم يكن انفصال رأس التكريتي الحدث الأول في تاريخ عمليات الإعدام كما حاولت الحكومة العراقية ورجالها التأكيد، ولكن تاريخ الإعدام بالشنق يحوي العديد من القصص المماثلة، حيث غالباً ما يتسبب طول المسافة التي يقطعها الجسد بعد السقوط من منصة الإعدام في انفصال الرأسالتي تمت فجر الأثنين الخامس عشر من كانون الثاني الجاري. قال المسئول العراقي بسام الحسيني في تصريحاته ما معناه أن انفصال رأس برزان التكريتي عند تنفيذ الإعدام كان عملاً إلهياً! ربما كان المسئول العراقي يقصد أن انفصال رأس التكريتي لم يكن فعلاً بشرياً ناجماً عن أخطاء في التنفيذ، ولكن من الواضح أيضاً بل ومن المؤكد أن يكون المسئول العراقي قد قصد أن انفصال الرأس كان انتقاماً إلهياً من التكريتي الذي ارتكب المئات والمئات من الجرائم ضد الشعب العراقي حين تولى مناصب عدة يأتي وفي مقدمتها مسئولية المخابرات العراقية أبان تولي أخيه صدام حسين منصب الرئاسة في العراق.

لست أدري على أي أساس ربط المسئول بين الله وانفصال رأس التكريتي. فلا يوجد دليل على الإطلاق بأن الله قد أراد "الانتقام" من التكريتي "الشرير" بفصل رقبته بهذه الطريقة. وإذا كان هذا غرض الله فلماذا لم يقم بقطع رأس كبير عصابة زعيم مجرمي حزب البعث العراقي صدام حسين حين تم إعدامه قبل نحو أسبوعين. تصريح المسول العراقي ليس فقط ينطوي عن جهل وتخلف وإنما يسعى لتبرئة الحكومة العراقية من خطأ جسيم ارتكبه رجالها عند تنفيذ عملية الإعدام. لم يكن هناك بالطبع أفضل من إلصاق مسألة انفصال رأس التكريتي بالله الذي لا يمكن لأحد من المؤمنين أو حتى غير المؤمنين الاعتراض على مشيئته أو على أعماله.

لقد انفصلت رأس برزان التكريتي يا سادة بسبب أحد العاملين التاليين أو لكليهما:

العامل الأول هو عدم تقدير الجلادين لوزن التكريتي وعدم تقديرهم للمسافة التي كان ينبغي أن يسقطها جسده عند تنفيذ الإعدام. لم يكن انفصال رأس التكريتي الحدث الأول في تاريخ عمليات الإعدام كما حاولت الحكومة عملية إعدام برزان التكريتي تفتح من جديد ملف عمليات الإعدام التي تتعارض مع مباديء حقوق الإنسان التي يجب احترامها من قبل الحكومات المعنية والمجتمعات المختلفة. لا ينبغي فهم موقفنا الرافض للإعدام على أنه دفاع مبطن عن الجريمة أو المجرمين، أو على أنه بغرض طي الصفحات المؤلمة السوداء لصدام حسين وعصابتهالعراقية ورجالها التأكيد، ولكن تاريخ الإعدام بالشنق يحوي العديد من القصص المماثلة، حيث غالباً ما يتسبب طول المسافة التي يقطعها الجسد بعد السقوط من منصة الإعدام في انفصال الرأس. ولقد وضعت الدول والحكومات قبل قرنين من الزمان قواعد لتنفيذ الإعدام بالشنق تمت فيها مراعاة وزن الشخص المنفذ بحقه الإعدام، وقد جرت عبر السنين تعديلات عديدة لهذه القواعد ولكنها انتهت إلى ما أقرته بريطانيا عام 1913 من أن قوة السقوط لا ينبغي بحال من الأحوال أن تزيد عن ألف رطل، وهي القوة التي تتسبب في إحداث كسر بالرقبة ولكن من دون أن تؤدي إلى حدوث انفصال في الرأس.

العامل الثاني هو الإصابه المحتملة لبرزان التكريتي بمرض السرطان في العمود الفقري، وهو ما ربما يكون قد تسبب في ضعف شديد بالرقبة التي لم تعد تحتمل وزن جسد التكريتي والجاذبية الأرضية وقوة السقوط. لقد اشتكى التكريتي من إصابته بالسرطان، ومن غير المعروف مدى مصداقية شكواه.

عملية إعدام برزان التكريتي تفتح من جديد ملف عمليات الإعدام التي تتعارض مع مباديء حقوق الإنسان التي يجب احترامها من قبل الحكومات المعنية والمجتمعات المختلفة. لا ينبغي فهم موقفنا الرافض للإعدام على أنه دفاع مبطن عن الجريمة أو المجرمين، أو على أنه بغرض طي الصفحات المؤلمة السوداء لصدام حسين وعصابته، ولكن الإعدام في حد ذاته هو عمل مأساوي بشع ومقزز، وخطأ بربري ووحشي ترتكبه الحكومات والسلطات ضد الإنسانية، وهو نادراً ما أثبت كفاءة تذكر في مواحهة الجريمة. فضلاً عن هذا، فعمليات الإعدام، وبخاصة في دول العالم الثالث، غالباً ما تشهد أحداث تمتهن الكرامة الإنسانية، وما حدث مع برزان التكريتي، وبالطبع مع صدام حسين من قبله، خير دليل على ذلك. فالحكومة العراقية لم تراع القواعد والضوابط المحددة التي تحكم عمليات الإعدام. لقد انفصلت رأس برزان التكريتي إما بسبب خطأ في تنفيذ الإعدام أو بسبب مرض السرطان. ربما كان هناك خطأ مهني من منفذي عملية الإعدام، ولكن إذا ما كانت إصابة التكريتي بسرطان العمود الفقري فإن الحكومة العراقية تكون قد ارتكبت خطأً أكثر فداحة بشنقه حين لم يقدر عنقه على حمل جسده.

من العبث الشديد تحميل الأخطاء البشرية معان إلهية بغرض تبرئة مرتكبي الأخطاء، ولقد كان من الحماقة الشديدة الإيحاء بأن الله كان وراء انفصال رأس برزان التكريتي لدى إعدامه، فإذا كان المقصود بهذا الإيحاء هو التأثير على البسطاء والمشعوذين، ما أكثرهم عبر إظهار عدل الله، فإن أحداً من العقلاء والعقلانيين لن يصدق يسقط بسذاجة في فخ مسئولي الحكومة العراقية. من المؤكد أن انفصال رأس التكريتي لم يكن عملاً إلهياً على الإطلاق، ولكنه كان عملاً بشرياً نجم عن خطأ ما لم تعمل له الحكومة العراقية حساباً. لذا فإن الحكومة العراقية مطالبة بالتحقيق فوراً في ما آلت إليه عملية إعدام التكريتي. وليس معنى كون المتهم مجرماً أن يتم التغاضي عن أخطاء ربما نتجت عن قصد أو إهمال أو عدم دراية. لقد أضحكتني تصريحات المسئول العراقي، ولكن ضحكي كان كالبكاء المر على البليّة التي ابتليت بها بلادنا وعلى نوعية العقول التي تسيطر على مقدراتنا.

للمزيد حول تاريخ وقواعد وضوابط الإعدام يمكن مراجعة:

http://www.richard.clark32.btinternet.co.uk/

http://en.wikipedia.org/wiki/Capital_punishment

جوزيف بشارة

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف