الغرب يرفع الغطاء أم يسدله؟ المشكلة عندنا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عند كل انعطافة سواء كانت صغيرة أو قليلة حادة الزاوية أو منفرجة! نجد الأصوات تتعالى من كل حدب وصوب ضد الغرب في أنه: لم يرفع الغطاء بعد عن النظام السوري! وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية، ويتحفنا بعض أصحاب وجهات النظر هذه بلازمة أخرى لاتقل تضليلا عن اللازمة الأولى: لم يرفع الغطاء لأنه لايوجد بديل!ونتسائل بسذاجة وبنوايا حسنة سؤالا:
كيف سيسقط النظام في حال رفع الغرب الغطاء عنه؟ ماهو هذا الغطاء هل هو من إسمنت أم من رؤوس أموال تتدفق على هذا النظام؟ أم أنه يجب أن تغطي الطائرات الحربية سماء دمشق حتى نعرف أن الغرب قد رفع الغطاء السياسي عن النظام وأرخى فوقه الغطاء العسكري كي تتقدم المعارضة التي تتهم الغرب بعدم رفع الغطاء وتتسلم السلطة في سورية؟ في الحقيقة أننا أمام جملة من المفاهيم والتعابير التي بات حتى المواطن العادي يستخدمها وهي من التضليل بمكان لا نجد فيه سوى ارتكاز على نظرية المؤامرة التي يتمتع فيها بعضا من كتاب السياسة العرب. والأنكى من كل ذلك أن الذين يتنطحون للتحليل بعدم وجود بديل لهذا النظام هم في الغالب من يتصدون لعدم قيام بديل ديمقراطي لهذا النظام! أولنقل جل اهتمامهم ينصب على عدم قيام بديل ديمقراطي! ولهذا وفق هذه الرؤية هم مضطرون دوما للقول أن عدم وجود بديل هو يعود فيما يعود إليه من أسباب إلى عدم رفع الغرب الغطاء عن النظام السوري!
ويستشهدون بتصريحات لمسؤولي الإدارة الأمريكية أو غيرها من إدارات الغرب: بأنهم لايريدون إسقاط النظام بل تغيير سلوكه! وإذا قال الغرب أنه يريد إسقاط النظام يصبح الأمر بالنسبة لهؤلاء: تدخل واستعمار..الخ
وكي نناقش هذا المنطق من أساسه نقول ببساطة:
الغرب عادة إما أن يكون لديه بديلا جاهزا في الجيش لقيادة انقلاب عسكري وهذا كان يحدث سابقا بشكل ليس قليل ولازال أحيانا قليلة ـ لأن في العالم لم يبقى سوى قلة قليلة من النظم الاستبدادية وهي غالبا متركزة في منطقتنا الشرق أوسطية! وهذا أمر لا يمكن توفره داخل تركيبة الجيش السوري:
حيث بناه الرئيس الراحل حافظ الأسد قلعة على مقاسه ورمى مفاتيحها في البحر فلا أحد يستطيع الدخول إلى هذه القلعة ولا حتى من باب الرشوة! وهذا الخيار المستحيل في سورية.
والخيار الثاني: قيام نظام ديمقراطي والذي يكون هو البديل والشخوص ليسوا بديلا أبدا في مثل هذه الحالة! ولايهم بعدها من يجلبه النظام الديمقراطي إلى سدة الحكم من شخوص! لهذا نجد أن الخيار الثاني هو الخيار الذي لم تتفق بعد المعارضة السورية على كنهه وعلى مضامينه، فمنهم من يراه معبرا لتحقيق الخطوة الأولى من رسالة الأمة العربية أو الإسلامية! ومنهم من يراه الخطوة الأولى نحو نظام قومي عربي أو اشتراكي عربي أممي لاحقا! ومن باب الطرفة فعلا لاقولا: أن نقول أن شعبا تعداده أكثر من عشرين مليون نسمة لا يستطيع انتاج بدائل لهذا النظام هو قولا يدعو للضحك من زاويته المأساوية!
إن هاجم الغرب النظام يخرج علينا بعضهم ويتحدث عن مخططات استعمارية أو لتفتيت المنطقة طائفيا وقومجيا، وإن حاور الغرب النظام يخرج علينا هؤلاء الناس أنفسهم بالقول:
أرأيتم الغرب لا يريد إسقاط النظام، ويخرج آخرون خائفون من تقارب بين الغرب وبين النظام! ما الذي يردونه من الغرب! الباحث السوري الصديق برهان غليون يقول: لا نريد ضغوطا نريد حلولا! الجملة إنشائية كثيفة المعنى وفخ شديد الخطورة!
كيف يمكن تقديم حلولا بدون ضغوط! هذه مابحثنا عنه في مقالة الصديق غليون فلم نجده في الحقيقة! قال له الغرب على لسان الرئيس الأمريكي جورج بوش: من حق الشعب السوري أن يكون لديه نظاما ديمقراطيا كبقية شعوب الأرض وطالب في نفس الخطاب بإطلاق سراح المعتقلين وسمى بعضهم بالاسم! هذا الكلام ألا يعتبر حلا؟ ولكن كيف يمكن تحقيقه؟ إذا أراد الغرب ذلك؟!
والحجة بالطبع عند أصحاب وجهة النظر هذه أنهم لايريدون ضغوطا لكي لا يتأثر الشعب السوري بهذه الضغوط! نعتقد أن مثل هذا الكلام في مغزاه النهائي هو دعوة الغرب للحوار مباشرة مع النظام دون مواربة! وأن يستجدي الغرب منه أن يبدل جلده! فهل هذا ممكن؟
وكل دعاة التغيير عندنا والذين يصرون على مقولة التغيير السلمي الديمقراطي لم تجد ثقافة أن البديل هو الدولة الديمقراطية وليس هذا الحزب أو ذاك أو هذا الشخص أو ذاك بل البديل هو الدولة الديمقراطية التي لم تجد طريقها إلى ثقافته، وهذه في ظل نظام كنظامنا السوري لا يمكن أن تأتي بدون ضغوط أو ميزان قوى وبدون أن يتأثر الشعب السوري بقيامها! إلا إذا قدم الغرب حلا سحريا لهذه المعضلة، والحلول السحرية ليست في تفكير الغرب مطلقا!لهذا كنا نكتب قبل فترة على ما أسميناه: هواجس التغيير السلمي الديمقراطي في سورية، ومن هذه الهواجس التي تصم أذاننا ليل نهار هي الخوف على المجتمع السوري من حرب أهلية! لهذا يفضل أن يبقى الوضع كما هو عليه أو أن يمارس الغرب سحريته من أجل حوارا مباشرا مع النظام لكي يغير طبيعته الديكتاتورية ويلغي بالتدريج احتكار السلطة! إنها مأساتنا نحن وليس غيرنا، شعبنا قادرا على انتاج الدولة الديمقراطية بديل لهذا النظام في حال وجدت هذه الدولة الديمقراطية من يمثلها أمام الشعب السوري والمجتمع الدولي والغرب! فهل أنتجت المعارضة السورية هذا البديل؟! وهؤلاء لا يمثلون وعدا بالسلطة القائمة بل هم وسطاء فقط من أجل إقناع العالم والشعب السوري أن البديل هو قيام دولة ديمقراطية وانتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها كل الساسة والأحزاب ممن يؤمنون بها وينبذون العنف! ألا يوجد في سورية مثل هؤلاء الناس الوسطاء بين حلم الشعب السوري في الدولة الديمقراطية وبين المجتمع الدولي؟
نحن نعتقد أن سورية تمتلئ بمثل هؤلاء.. ولكن أين هم الآن؟
لذا سواء الغرب رفع الغطاء أم أسدله قدم ضغوطا أم حلولا المشكلة هي في غياب الوسطاء من أجل الدولة الديمقراطية دولة القانون وحقوق الإنسان وكثرة الذين ينظرون إلى أنفسهم كبديل شخصي أو حزبي لهذه السلطة. وهنا يكمن وجها من وجوه مأساتنا نحن السوريون.
غسان المفلح