على هامش معرض الكتاب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كل عام.. يتكرر الحديث عن سلبيات تنظيم معرض القاهرة الدولي للكتاب، للناشرين شكواهم، وللرواد كذلك.. أشهر السلبيات دائما ما تكون عن اختلاط نداءات الباعة الجائلين بالأناشيد الإسلامية المذاعة على مكبرات الصوت الصاخبة، أو عن ركن سور الأزبكية الأشبه بسوق عكاظ الجاهلية، كذلك لابد من أن يتحذلق بعضهم كل عام ويتحدث عن رواج
اقرأ ايضا:
القارئ بين عبق الادب... ورائحة المأكولات
مبيعات كتب الفقه، جنبا إلى جنب كتب الشعوذة والأبراج.. كلها أحاديث مكررة عن سلبيات معرض القاهرة للكتاب. قد يكون للمعرض إيجابياته... أسعار ارخص إلى حد ما، وندوات متنوعة طوال اليوم، ومئات الناشرين، ومازال أمامنا بعض الوقت حتى الرابع من فبراير القادم لتقييم دورة هذا العام.. لكن خلال هذا الأسبوع كانت هناك ملاحظتان خارج الأجواء التقليدية للمعرض.. الأولى عن اعتقالات جرت من داخل معرض الكتاب لعاملين بدور نشر ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، والأخرى عن موقع معرض القاهرة الدولي على شبكة الانترنت.الأولى تعطي ملمحا عن حالة التحفز المتواجدة لدى الدولة تجاه جماعة الإخوان المسلمين (المحظورة)، وكيف أن أجهزة الأمن لم تفوت مناسبة معرض القاهرة الدولي للكتاب دون أن تسجل نقطة في رصيدها خلال هذه المناسبة، وتأتي الاعتقالات في نطاق إجراءات ضد أنشطة أفراد الجماعة بوجه عام..
ربما ليست المرة الأولى التي يعتقل فيها أحدهم داخل معرض الكتاب، حيث استغل بعض النشطاء السياسيين في دورات سابقة فرصة ازدحام المعرض برواده لإقامة احتجاجات وتوزيع منشورات ضد الرئيس ونجله، وجرى اعتقال ثلاث نشطاء في العام 2005، غير انه من المؤكد أن اعتقال ناشرين من أعضاء جماعة الإخوان هذا العام له حساباته الأمنية، غير أن المفارقة أن يتم ذلك داخل أجواء معرض الكتاب التي تحفل كل عام بالتواجد الديني الملحوظ، في مبيعات الكتب أو في سياسات دور النشر.. هل لتلك المفارقة من مغزى؟!، هل المد الديني أبعد من مسالة تنظيم جماعة إسلامية يرى البعض أنها تشكل خطرا على البلاد؟؟
مبيعات الكتيبات الدينية سواء داخل المعارض الجامعية، أو أمام المساجد، أو حتى في وسائل المواصلات العامة، ربما ليست بالأمر الصادم، غير أن ابتعاد ثقافة المواطن عن معارف أخرى، وتكاسل دور النشر والكتاب عن تقديم الكليات والنظريات والأفكار الحديثة في أعمال مبسطة لتعويض تردي حالة التعليم.. كل هذا يخلق مناخا يرتع فيه الدراويش، وفي رأيي أنهم أخطر على أي دولة.
عندما تطوف بين دور النشر في معرض القاهرة الدولي للكتاب.. تفاجأ بأن بعض العلوم الإنسانية قد أضفى المؤلف عليها طابعا دينيا غير مبرر، وهذا ما نلمسه في علوم الإدارة والإنسانيات على وجه الخصوص، وتحديدا قد يلاحظ دارس التاريخ ذلك الانتشار الواسع للكتابات غير المتخصصة التي تتناول التاريخ الإسلامي، منذ البعثة النبوية حتى سقوط الأندلس، على طريقة تقديم التاريخ على أنه إما معجزات أو تاريخ أبطال، ناهيك عن طريقة التناول القريبة من خطب الجمعة وحلقات الدروس البعيدة عن منهج البحث التاريخي، وهو الأمر الملحوظ أيضا في تناول الحقبة المسيحية، في دور النشر المسيحية، والمشكلة ليست في وجود هذه المطبوعات بقدر ما المشكلة في سيادتها.
وسط تلك الأجواء.. لن تنحصر المشكلة في أفراد جماعة الإخوان المسلمين فقط، بقدر ما تنحصر في مناخ عام.. يرى الماضي - والحاضر في الماضي - بصورة دينية سواء على الجانب المسيحي أو الإسلامي، وقد تنسحب تلك الرؤية على فروع أخرى نلاحظها في معرض الكتاب، سواء في مجال برمجيات الكمبيوتر، أو في فروع علم الإدارة وتنمية الذات وغيرها.
تبقى ملاحظة أخرى أجدها لا تبتعد كثيرا عن تلك الأجواء، بقدر ما تعطي ملمحا وتفسيرا لما يحدث، فحتى كتابة تلك السطور ومنذ عدة أيام، فوجئ زوار موقع معرض القاهرة الدولي للكتاب على الانترنت (http://www.cibf.org) بهذه الرسالة المقبضة أمامهم على شاشة الكمبيوتر" هذا الموقع موقوف للتأخير في سداد المستحقات المالية.. برجاء سداد كامل المستحقات ليعود إلي العمل..."!!
هل في ذلك دلالة أخرى؟؟ هل أفلست الخزانات.. وغـًُـلـِّقت الأبواب في وجه المسئولين لدفع قيمة تأجير هذه المساحة على الانترنت؟ نحن الآن في الموسم الأكثر رواجا للكتاب في مصر، وكان من الأفضل أن يتابع الصحفيين والشباب من مرتادي الانترنت أنشطة المعرض من خلال موقع محترم كما هو الحال في أي مكان بالعالم.. كان بالإمكان يكون لهذا الموقع دور هام عن طريق إحصائيات يقدمها، أو في عروض يقدمها للكتب طوال العام، ليكون أقرب إلى موقع تثقيفي.. فتكفي زيارة إلى مواقع معارض الكتاب العالمية التي تحول بعضها إلى بوابة الكترونية (Web portal)، متجاوزين فكرة المواقع التقليدية، لنشعر بشيء من الحسرة.
ربما نحن نسير في طريق يبتعد عن إصلاح الأمور، كل يعمل حسب وجهة نظره، و"يا صابت يا خابت"، وربما يكون هناك شيء من الأمل في أولئك الذين ما زالوا مستمسكين بالقواعد السليمة لأداء واجبهم تجاه أنفسهم وتجاه مجتمعهم.. حتى وان كانوا بعيدين عن أن يذكروا داخل المقالات أو أن تحفل بهم وسائل الإعلام، لكن ربما عليهم أن يقتربوا أكثر من تسيير أمور هذا المجتمع، كي يتغير شيء ما.
عبدالرحمن مصطفى
القاهرة - مصر