أين هو المشروع الوطني اليوم ؟! (1)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ليس غريباً أبداً أن يندهش عامة القرّاء من أن أحدهم ما زال يجتر أوهام النصف الأول من القرن المنصرم ويبدو رومانسياً حالماً بالثورة الإشتراكية فكما لو أن المعسكر الإشتراكي لم ينهر بأجمعه، وكما لو أن التغيرات والتبدلات لم تجر بعمق في العالم خلال الربع الأخير من القرن العشرين!! مرد مثل هذه الدهشة هو الإحباط الشديد الذي استولى على البشرية نتيجة لأن كل الأحلام الوردية التي حلمت بها والمتعلقة بالتغيير والتطوير والتحرر تحطمت على صخرة الواقع، واقع سيء تشكله قوى سوداء لم يتوقعها إنسان، قوى الإرهاب والتسلط، قوى المافيا والمخدرات والنخاسة. يماثلون بين هذا الذي ما زال يعتبر الماركسية مرجعية لا تنال منها كل الإنحرافات ومختلف أشكال الردّة وبين دعاة المشروع القومي المفتقد لأية مرجعية ذات شأن أو الداعية الإسلاموي الذي يرجع إلى القرآن والسنة والنظام الإمبراطوري الأموي أو العباسي.
ليس غريباً كل ذلك فالناس وقد رأوا التغيرات النوعية في العوالم الثلاث لكنهم لم يتعرّفوا على القوى الغريبة وراء هذه التغيّرات، لم يكتشفوا بعد القوانين الجديدة التي تصوغ العلاقات الدولية وعلاقات الإنتاج الوطنية، إذ ما زالوا يعتقدون أن القوانين لم تتغير وأن ما كان يشكّل العالم الثالث أو العالم الأول هو نفسه ما يشكل عالم اليوم. ظنوا خطأً أن ما دال فقط هو القوانين التي كانت تشكل العالم الثاني عا لم الإشتراكية. دالت قوانين الماركسية منذ الخمسينيات عندما ألغاها خروشتشوف وحلت محلها قوانين بورجوازية من مثل (دولة الشعب كله) ثم قوانين بناء النظام الرأسمالي في نهاية الثمانينيات وما بعدها ـ الرأسمالية التي لن تقوم في كل الأحوال ـ خاصة وأن الإنهيارات التي ألمت بالعالمين الأول، عالم الرأسمالية الإمبريالية، والثالث، عالم التنمية الوطنية، لم تأتِ هادرة ومزلزلة. يعتقدون بثبات القوانين في العالمين الأول والثالث، ويعتقدون لذلك أن من ظل ماركسياً ما زال يرى أن القوانين التي سادت في مرحلة بناء الإتحاد السوفياتي ما زالت قائمة ونافذة حتى اليوم، مفترضين أن مثل هذا الماركسي هو مجرد إيديولوجي لم يتحول عما كان يعتقد. ولذلك يستعجبون منه بالقول وراء (أم كلثوم).. " إنت فين والشيوعية فين ". ومنهم من يقول ساخراً.. لا يضحكني شيء بمقدار ما يضحكني الحديث عن الشيوعية أو عن الماركسية.
الحق أنني أشعر بالشفقة على هؤلاء الناس الذين يعتقدون أن التطور الإجتماعي إنما هو دراما يمثلها أصحاب إيديولوجيات متناقضة ومتنافسة والنهاية السعيدة ستتحقق للممثل الأبرع. هكذا تعلمنا ثقافتنا العربية وهي ثقافة مثيولوجية تقول بأن العالم تصممه الأفكار. إنهم لا يدركون أن التطور الإجتماعي إنما يتقدم وفق محصلة التناقض بين المنتجين وأدوات الإنتاج، يتحقق وفق قوانين موضوعية علينا إدراكها ونفاذ فاعليتها قبل أن نتمكن من أن نؤثر في مسار تطور وسائل عيشنا. الإيديولوجيات في حقيقتها لا تقدم ولا تؤخر في صناعة الحياة مثلها مثل الدين، فالدين لا يترك أدنى أثر في حياة الناس اليومية حتى الكهنة والشيوخ منهم. فالإسلام مثلاً، وهو الدين الذي يظنه العامة أنه ترك أثراً كبيراً في المجتمعات العربية، لم يؤثر عميقاً فيها حقيقةً. قام محمد بن عبدالله يقود فقراء مكة ضد تجارها المرابين الأغنياء مما تطلّب منه أن ينكر القبلية من جهة ويبشر أنصاره بالجنة ويتوعد أعداءه بالنار. رغم كل هذا لم ينتصر محمد بدعوته إلا عبر القبلية؛ وتوزيع الثروة العادل الذي أقامه في حياته الدعوية القصيرة لم يستمر بعد رحيله لبضع سنين أصبح خلالها أصحابه الفقراء المعدمين أغنى من أثرياء القسطنطينية وليس من تجار مكة فقط. الثقافة العربية معيبة أولاً وأخيراً في أن الممسكين بمفاتيح الثقافة العربية لا يفتحون إلا أبواب المثالية التي تقول أن الأفكار هي ما يؤسس للواقع وليس العكس.
الذين يغنون للماركسي " إنت فين والشيوعية فين " هم في حقيقة الأمر ليسوا مثاليين في الأساس بل هم واقعيون يأخذون بالفلسفة الماركسية دون وعي منهم فيعيبون على " الماركسي " إغترابه عن الواقع كما يرون بالطبع. لم يدرك هؤلاء بعد، وبسبب محدودية معارفهم، أن كل القوانين التي شكلت العوالم الثلاث التي ورثناها من الحرب العالمية الثانية قد زالت نهائياً وحلّ محلها قوانين أخرى مختلفة أكسبتها الشرعية وقدرة النفاذ أنماط الإنتاج السائدة في العالم وفي مختلف المجتمعات. لعله سوء حظ تاريخي للبشرية جمعاء أن ترافقت الأزمة القاتلة التي أمسكت بخناق النظام الرأسمالي العالمي في العام 1971، ترافقت مع صدوع عميقة مؤذنة بانهيار المشروع اللينيني، الثورة الإشتراكية العالمية، بسبب صعود خروشتشوف، ممثلاً للطبقة الوسطى العريضة في المجتمع، قمة السلطة في الإتحاد السوفياتي. نتيجة لتعميم الإنهيار في العوالم الثلاث ومواجهة الطبقتين الرئيسيتين في عملية الإنتاج السلعي بالجملة(Mass Production)، البروليتاريا والرأسماليين، الفشل والإحباط الكلي، نتيجة لذلك، تنامت الطبقة الوسطى بإنتاجها الخدمي الكثيف لتحل محل الطبقتين المتراجعتين وتشغل الفراغ الناجم عن إنكماشهما. علاقات الإنتاج الفاعلة اليوم بين العمال والرأسماليين من جهة والطبقة الوسطى من جهة أخرى (الإقتصاد المعرفي) هي ما يحدد مسار التاريخ الحالي ـ أو الأحرى انحراف التاريخ ـ وآفاق التطور لمختلف المجتمعات في مختلف البلدان، وهو المسار الذي لن يستمر طويلاً بسبب الطبيعة الخدمية لإنتاج الطبقة الوسطى عكس إنتاجها في عصور الإقطاع والمانيفاكتورة.
هؤلاء الذين يصمون الماركسي بالإيديولوجي لم يدرسوا أنماط الإنتاج السائدة وما تفرزه من قوانين لا يقوى على تعطيلها كل الأفكار حتى وإن كانت أفكاراً جميلة ومثالية بل وشعبية أيضاً. القانون هو القانون. يستطيعون أن يصموا القومي والمتأسلم بالإيديولوجي لكن ليس الماركسي، الماركسي الحقيقي، طالما أن المنهج الماركسي يعين مراميه في الإستراتيجية والتاكتيك عبر نمط الإنتاج السائد والمتجدد على الدوام. لعل صدور أعداء الشيوعية تختلج سروراً عندما نؤكد أن الإشتراكية الماركسية ليست في أفق العالم اليوم ولا في المستقبل المنظور. لكن سرعان ما تنقلب مثل هذه المسرة إلى غمّ وهمّ عندما نؤكد من جهة أخرى أن المنهج الماركسي حصراً هو المنهج القادر على تأهيل الباحث على تشخيص القوانين المتحكمة بعلاقات الإنتاج الراهنة والمجتمعات القائمة عليها.
يصمون الماركسي بالإيديولوجي، من جهة، ويستهجنون باستغراب شديد كل ما يقوله عن التغيرات النوعية في العوالم الثلاث وعن القوانين الجديدة تماماً والتي لم تكن معروفة في سابق الأيام من جهة أخرى. يستهجنون الأفكار التي يأتي بها مخالفة لمعتقداتهم القديمة التي جرى عليها التقادم وأضحت فاسدة وغير فاعلة سواء في العلاقات الدولية أم في علاقات الإنتاج المحلية. يقع هؤلاء الناس في تناقض فاضح فالإيديولوجيا تتمسك دائماً بالقديم وبالثابت ولا تتساوق بحال من الأحوال مع الأفكار الجديدة وغير المعروفة في السابق.
في مثل هذا المأزق الصعب ليس لنا إلا أن ندعو " العقائديين "، وهم دائماً علة العلل وهم، هم أنفسهم، الذين يصمون الماركسي الحقيقي بالإيديولوجي، ندعوهم إلى قراءة علاقات الإنتاج السائدة في عالم اليوم والتي تشكل الدعامة الرئيسية الوحيدة للنظام الدولي القائم حالياً، هذه العلاقات التي استجدت في الربع الأخير من القرن العشرين والتي تسببت بانهيار العوالم الثلاث التي ورثناها من الحرب العالمية الثانية. بدون استكناه هذه العلاقات الجديدة وإدراك مفاعيلها في حياة المجتمعات لا يمكن بناء تواصل فكري يؤدي إلى التقدم على طريق التطور الإجتماعي.
نؤكد مرة أخرى أن التساؤل الاستهجاني الذي يثيره الكثيرون فيما يتعلق بما يكتب الماركسيون ويقول.. ألا يعيش هؤلاء الكتاب وقائع العصر وما يزالون يدعون للشيوعية؟!! ينبثق مثل هذا التساؤل من الجهل التام بالقوانين الجديدة التي لم تألفها العامة رغم أنها القوى النافذة التي تحكم العلاقات الدولية القائمة كما تحكم علاقات الإنتاج الوطنية. ونشير فيما يلي إلى أثر بعض هذه القوانين في الحياة العامة..
بدأ نمط الإنتاج الرأسمالي في التفكك والتلاشي منذ العام 1971 حين نشبت أزمة كبرى قاتلة في الدورة الإقتصادية في الدول الرأسمالية بدءاً بقلعة الرأسمالية الكبرى، الولايات المتحدة الأميركية. تفكك النظام الرأسمالي العالمي في عقد السبعينيات 1971 ـ 1982. وأشّرت لذلك نتائج قمة الدول الصناعية الخمس الكبرى(G5) في رامبوييه، نوفمبر 1975، مثلما وردت في إعلانها "إعلان رامبوييه" (Declaration Of Rambouillet). على امتداد ذلك العقد السبعيني أخذت قوى الإنتاج الرأسمالي في الدول الصناعية الكبرى قبل غيرها ـ باستثناء اليابان إلى حد معين ـ في التحول من الإنتاج الصناعي الرأسمالي السلعي إلى إنتاج الخدمات غير الرأسمالي بكل الموازين. وهكذا فقد جاء إعلان الأمم المتحدة عن نهاية الإستعمار في العالم كله في العام 1972 تعبيراً عن حقائق اقتصادية أكثر منها سياسية، حقائق قائمة على الأرض تتجسد بنجاح حركات التحرر الوطني في عشرات البلدان في إعلان الإستقلال وفك الروابط مع مختلف مراكز الرأسمالية الإمبريالية فلم تعد تمتص فوائض الإنتاج في هذه المراكز.
اندثرت الإمبريالية نتيجة لتفكك النظام الرأسمالي وترتب على ذلك حقيقتان في غاية الأهمية يجري تجاهلهما من قبل جميع الذين امتهنوا السياسة من مختلف الفصائل والاتجاهات الإسلامية والقومية والشيوعية، تجاهلوهما لغرض في نفس يعقوب !! تجاهلوهما كيلا يفقدوا كل رصيدهم الذي ابتنوه خلال تاريخهم النضالي الطويل وهو أعز ما يملكون.
الحقيقة الأولى وهي أن مراكز الإنتاج الرأسمالي الكلاسيكية لم تعد بحاجة إلى أسواق جديدة تمتص فائض الإنتاج المتراكم في أسواقها الوطنية بعد أن تحولت قوى الإنتاج فيها إلى إنتاج الخدمات وجفت أسواقها الوطنية من مختلف السلع الصناعية الرأسمالية وأخذت هي نفسها تكون سوقاً لمنتجات الدول الطرفية سابقاً. وبذلك انتفت ضرورة الحروب الاستعمارية التي عانت منها البشرية لأكثر من قرنين.
والحقيقة الثانية هي أن الحركات الوطنية التي ظهرت بقوة فيما بعد الحرب العالمية الثانية واستمرت كلاعب رئيسي على المسرح الدولي منذ العام 1946 إلى العام 1972، هذه الحركات لم يعد لها قضية تحركها. فبغياب المستعمر لم يعد للنضال من أجل الاستقلال، أو حماية الإستقلال طالما أنها كانت في السابق قد أنجزت استقلالها، لم يعد له أي معنى. كما أمسى المشروع البورجوازي في بناء إقتصاد وطني مستقل يحقق مصالح البورجوازية الكبيرة بلا حجارة وبلا طين؛ لقد بات إرتباط الإقتصاد "الوطني" بالإقتصاد العالمي أمراً حيوياً لا غنى عنه كما تؤكد شروط منظمة التجارة العالمية (WTO).
ما يثير الشفقة اليوم هو أن قدماء السياسيين، وقد استمرأوا العمل في السياسة، ارتدوا درع دونكيشوت وما فتئوا يتحدثون عن الإمبريالية الأميركية تحتل العراق مستهدفة نهب خيراته(!) وعن المشروع الاستعماري الأميركي الصهيوني في الشرق الأوسط الجديد أو الكبير. تسألهم عما سينهبه الأميركان من العراق الذي جبله صدام حسين بحمأة الفقر والتخلف فيجيبونك كيلا يفتضح إفلاسهم، إنه النفط! مؤكدين أن العراق عائم على بحر من النفط. لكن متى ستنهب أمريكا من العراق ما يوازي 400 ملياراً من الدولارات أنفقتها حتى اليوم على الحرب في العراق هذا عداك عن آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى من الجنود الأميركيين؟ عندها يلوذون بالصمت وتخونهم الكلمات. ـ لأمريكا أسباب أخرى لحربها في العراق، أسباب لا تخص العراق وليس من بينها ما له أدنى علاقة باستعمار العراق؛ فالاستعمار لم يعد عملية مفيدة وذلك ليس لأن أمريكا لم تعد دولة رأسمالية فقط بل لأن ثمة طرائق مبتدعة لنهب الشعوب بغير حساب ولا تتعلق بطبيعة الإنتاج وليس هنا مكان شرحها.
وهناك ممتهنو السياسة وخاصة القومجيون ومثلهم بعض البلداء من الشيوعيين سابقاً وقد تزيّوا بالقومجية حالياً يتحججون بالممانعة في وجه ما يسمونه بالمشروع الأميركي الصهيوني الإمبريالي، مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، يصفونه بالصهيوني والإمبريالي كيلا تسألهم الشعوب العربية عن ماهية هذا المشروع وما وجه الإمبريالية فيه وما وجه الصهيونية. وحين يضطر هؤلاء الكذبة المخادعون للشرح والتفسير يقولون أن الشرق الأوسط الذي تسعى أمريكا لإقامته هو جيوسياسة مختلفة ترسمها الفوضى الخلاقة وأن إسرائيل ستحتل جغرافيا سياسية طبيعية فيه وتكون هي المركز، تتحكم بسائر الأطراف الأخرى وفي مثل هذا الشرق تتلاشى القومية العربية. تلك هي كل النقاط السوداء التي يزعمونها فيه. ويسكتون بالطبع عن النظام الديموقراطي التعددي في سائر أقطاره وعن الحريات العامة وحقوق الإنسان الواردة في شرعة الأمم المتحدة.
لنناقش هنا ما هو سلبي فقط ونترك الإيجابي لحكم القارئ.
الجيوسياسة الحالية في العالم العربي ورثها العرب من نتائج الحرب العالمية الأولى وهي من ترسيم الإمبراطوريتين الإمبرياليتين، بريطانيا وفرنسا، تبعاً لاتفاقية سايكس ـ بيكو 1916، ثم معاهدة سان ريمو 1920. فما الذي يدعو القومجيين والمتأسلمين وبلداء الشيوعيين للدفاع عن الجيوسياسة الاستعمارية وتكريس الحدود الحالية طالما أنشد شعراء العروبة قصائدهم الملحمية ضد اتفاقية سايكس ـ بيكو؟ اليمينيون الجالسون على يمين جورج دبليو بوش يقولون أن الاستعماريين هم من رسم حدود الدول في الشرق الأوسط وهذا أمر لا يمكن أن يكون مقبولا على شعوب المنطقة قبل غيرها؛ فلماذا لا تترك الشعوب تقوض هذه الحدود الزائفة (وهي الفوضى) لتقيم حدوداً بدلاً عنها تتواءم وخصائص الأقوام التي تسكن هذه المنطقة الحيوية وقوى الإنتاج خاصتها ( وهذا ما تخلقه الفوضى). " الفوضى الخلاّقة " تتجاوز أقصى الأفكار اليسارية ثورية بالرغم من أن المحافظين الجدد هم الذين أعادوها إلى الحياة بعد قرن طويل.
أما الإدعاء بأن الجيوسياسة المقترحة ستمحو القومية العربية فهو إدعاء لا يقوم أمام عدة حقائق أولها هي أن الحدود الحالية ظلت محل شكوى مجلجلة من قبل القوميين والوحدويين العرب فلماذا تكون الحدود المقترحة أكثر عداء من الحدود الحالية للقومية العربية؟ ثم إن الدعاوى القومية وبكل قواها الإجتماعية والسياسية المتعددة لم تحقق خطوة واحدة على الطريق القومية مع كل المناخات الملائمة التي وفرتها حركة التحرر الوطني العالمية، فما الذي ستحققه تلك الدعاوى اليوم؟ ومن جهة أخرى لم يعد لدى القومجيين العرب أي مشروع نهضوي كما يقرّون، ولن يكون لديهم في المستقبل مثل هذا المشروع بمنطق التاريخ.
أما بخصوص مركزية إسرائيل فليس هناك ما يشير لحقيقة هذه المركزية المزعومة. كيف لدولة عمقها الجغرافي عشرة كيلومترات فقط، يسكنها خمسة ملايين يهودي مستجلبين من عشرات الأمصار والقوميات ويتكلمون عشرات اللغات، دولة مدينة بضعف إنتاجها القومي (180 ملياراً من الدولارات) ولا تستطيع أن تحارب أكثر من عشرة أيام متواصلة، ولا أن تخسر أكثر من عشرة آلاف جندياً، دولة بهذه القدرات كيف تستطيع أن تسيطر على شعوب عربية تعدادها ثلاثمائة مليوناً تعيش في عالم مساحته نحو 10 ملايين كيلومتراً مربعاً، تنتج عشرة أضعاف ما تنتجه إسرائيل وتستطيع أن تحارب على مر الأيام وتتحمل عشرة أضعاف أو عشرين ضعفاً مما تتحمله إسرائيل من خسائر في الحرب؟ الذين يقولون بمركزية إسرائيل ينطلقون من حقيقة أن الشعوب العربية لا تملك قرارها ويقودها جماعات مغلقة لا تنتمي لأي من الطبقات الإجتماعية؛ ويستندون بأقوالهم إلى أن إسرائيل استطاعت أن تهزم العرب مجتمعين في كافة حروبها ضدهم. نعم، هذا صحيح؛ لكن مشروع الشرق الأوسط الكبير موضوع ممانعة أدعياء الوطنية الكاذبة يقضي بإعادة القرار الوطني إلى الشعب وبالحرية وتداول السلطة. دولاً عربية تطبق هذه الشروط ولو جزئياً لن تشكل إسرائيل على طريقها عقبة تذكر. وبذلك فإن الجيوسياسة المقترحة في " الفوضى الخلاقة " هي أكثر قبولاً لدعوى القومية كما يقدمها أدعياء القومية.
فـؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01