أصداء

العرب في عيون الفرس: (2 /2)

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يختلف المفكرون و المؤرخون الايرانيون في تقييمهم للفتوحات الاسلامية لايران وذلك تبعا لاتجاهاتهم الفكرية و السياسية وانتمائهم القومي و الاسلامي و الشيوعي.
وفيما يعد المؤرخين من القومين الفرس و مثقفيهم، الفتح الاسلامي بالهجوم الذي دمر اسس الحضارة الايرانية التي كانت سائدة قبل الاسلام، و ينعتون العرب الفاتحون باقبح النعوت و يتهمونهم بالقيام بأسوأ الافعال منه القتل و التدمير و النهب و السلب والسبي..الخ، هناك اسلاميون اكثر اعتدالا في حكمهم على الوقائع التاريخية التي حدثت في هذا المجال. وأما الشيوعيون يدرسون هذه الاحداث وفقا للجدلية التاريخية لكنهم في النهاية لايبتعدون كثيرا عن القوميين الفرس في تقييمهم لتلك الاحداث العظيمة التي غيرت وجه التاريخ.
الف عام من التفاعل الايجابي
في الحقيقة انني ارى 3 مراحل تاريخية مرت بها الحركة القومية الفارسية المتشددة : اولا الفترة الواقعة بين القرن الثالث (ه ق) و القرن الرابع (ه ق) حيث شهدت انبثاق الحركة الشعوبية المعادية للعرب
و تطورها. وخير ما كان يمثلها ثقافيا الشاعران دقيقي و الفردوسي وكذلك ابن النديم صاحب كتاب الفهرس المشكوك في صحته. ومما يثير الدهشة و العجب أن مثقفين بارزين كطه حسين في كتابه " حديث الاربعاء" قد اشاد بالملحمة التي نظمها الفردوسي المعروفة بالشاهنامة او رسالة الملوك دون ان يشير الى عنصريته تجاه العرب (والترك) وهذا ينم عن بعد طه حسين عما يعانيه العرب هنا في الداخل او في الجوارمن الخطاب الذي دشنه الفردوسي قبل الف ومئة عام.
ثانيا الفترة الواقعة ما بين القرن الرابع (ه ق) حتى القرن الثالث عشر(ه ق) حيث ساد جوا من التفاعل الايجابي بين الثقافتين الفارسية و العربية لمدة الف عام، أدى الى تطور اللغة الفارسية (التي استخدمت منذ الفتح الاسلامي الخط العربي)؛ كما ظهر شعراء ومؤرخين عظام ذاع صيتهم في العالم كناصر خسرو البلخي و جلال الدين الرومي و البيهقي و سعدي و حافظ الشيرازيين.
و ثالثا من القرن الثاني عشر ه ق ( اوائل القرن التاسع عشر الميلادي) الى الان. حيث ظهرت في النصف الاول من القرن التاسع عشر اولى بوادر الحركة القومية الفارسية المعادية للعرب والاسلام
و الحالمة بعصور ماقبل الاسلام التي كانت تصورها بالفردوس المفقود.
يقول الكاتب و المستشرق و السفير الفرنسي في بلاط الشاه فتحعلي القاجاري كنت دوجوبينو في كتابه "الاحرار و الارتباط بالافكار الاوروبية": "كان شخصا يدعى حسينقلي آغا درس في باريس، بل وشارك في ثورة 1948 الفرنسية و اخذ العبر من الثورة الفرنسية الكبرى و تطوراتها السياسية و الاجتماعية. فقد كان يعتبر العرب اعداء لايران والايرانيين و يمجد دين الزرادشت؛ حيث كان يعتقد بانه و من اجل احياء اللغة الوطنية يجب حذف جميع المفردات العربية من اللغة الفارسية".
وقد سار على نهجه جلال الدين ميرزا نجل الشاه فتحعلي شاه القاجاري و مفكرون قوميون معادون للعرب و الاسلام ك فتحعلي آخوند زادة و ميرزا آقاخان الكرماني واخرون.
تدشين الخطاب القومي الجديد
وقد وُصفت ثورة الدستور(1905 - 1908) بانها ثورة قومية - ديمقراطية، غيران طابعها" القومي الفارسي" كان يغلب على طابعها
" الوطني الايراني". وهذا ما أدى وبعد 12 عاما الى ظهور الشاه رضا البهلوي (20 - 1941) وهو دكتاتورذات نزعة آرية استعلائية. وقد دشن البهلوي الاول خطابا عنصريا معاديا ليس للعرب فحسب بل و لكافة القوميات الايرانية غير الفارسية كالاتراك و الاكراد و البلوش والتركمان.
وقد ساعده في ذلك سياسيون و مفكرون شوفينيون كمحمود افشار ومحمد علي فروغي (الذي اصبح رئيسا للوزراء في عهده و عهد ابنه) و احمد الكسروي وذبيح الله بهروز و صادق كيا وبورداود وامثالهم. كما ان بعض الوجوه الادبية المعارضة لحكم السلالة البهلوية كانت هي الاخرى تشاطرهم في عنصريتهم. منهم المؤرخ عبدالحسين زرين كوب وسعيد نفيسي و مرتضى راوندي والروائي صادق هدايت
و الشاعر مهدي اخوان ثالث و نادربور واخرين. فيما كان الكاتب جلال آل احمد و المفكر الديني اية الله مطهري على نقيض من هؤلاء. اي يمكنني القول ان نحو 80 في المئة من الكتاب و المؤرخين
و المفكرين الفرس تأثروا بهذا الخطاب المتشدد حيث لم يتم تعديله بشكل اساسي حتى عقب قيام الثورة الاسلامية في ايران. لكن في عهد خاتمي بدأت بعض الدراسات تنتقد الاتجاهات القومية الفارسية التي تتغنى بالتاريخ القديم الخاص بما قبل الاسلام (باستانكرائي) او تقوم بمراجعة الخطاب القومي المعادي للعرب.
وقد ظهرت خلال ما يصفونها هنا بالفترة الذهبية للحريات السياسية
(41- 1953) و في عهد رئيس وزراء ايران الراحل محمد مصدق بالتحديد، ظهرت احزاب قومية متشددة كحزب بان ايرانيست و حزب "سومكا"، حيث قام كوادر هذا الحزب الفاشي الاخير في تلك الآونة بحرق المصحف و اطلاق اسم " تازي نامه" اي كتاب العرب عليه. وهذا ما يستخدمه حاليا الاعلام الملكي و القومي المتشدد في الخارج. ومن الكوادر الباقية حتى الان من ذلك الحزب هو وزير الثقافة في عهد الشاه البائد، داريوش همايون الذي يتزعم حاليا حزبا ملكيا في الخارج.
وقد طالبت دوما زملائي الكتاب الايرانيين بنقد الخطاب الشوفيني المذكور آنفا و بكافة ابعاده الادبية و الثقافية و السياسية، خدمة للوحدة الوطنية و من اجل تدشين علاقات متينة مع الشعوب العربية المجاورة.
وفي قراءتنا للمناهل الثلاث التي تنهل منها شخصية الفرد الايراني اي: الثقافة الفارسية قبل الاسلام، و الثقافة العربية - الاسلامية،
و الثقافية الغربية نرى رواج الثانية و تجذرها بين الفئات التقليدية للمجتمع الايراني. وفيما كانت الفئات التحديثية (بثقافتها الغربية + قبل الاسلامية) تحكم ايران في العهد البهلوي، اصبحت اليد العليا للفئات التقليدية منذ 1979 اي بعد قيام الثورة الاسلامية. فالمنافسة والتفاعل على اشدهما بين هذه الثقافات الثلاث على مستوى الفرد و المجتمع في ايران.
القواسم المشتركة بين العرب و الفرس
تشهد ايران حاليا تصاعدا في الاحاسيس القومية على مستويين معاكسين: بين الفرس من جهة و بين القوميات غير الفارسية من جهة اخرى. وقد حدث ذلك بعد ان فقدت الايديولوجية الاسلامية بريقها
و استنفدت طاقاتها الفاعلة بين فئات من الشعوب الايرانية.
وكي نكون منصفين يجب ان نقول بان الايديولوجية القومية العربية التي انبثقت في اوائل القرن العشرين أخذ قسم منها ينحو منحا شوفينيا ضد الفرس و هذا ما شاهدناه في الايديولوجية البعثية العراقية في عهد صدام حسين.
فالجوار الجغرافي بين الفرس و العرب اوجد بعض القواسم المشتركة اهمها الدين الاسلامي و المذهب الشيعي (مع العرب العراقيين)
و لاننسى بان نحو 60 في المئة من مفردات اللغة الفارسية هي عربية الارومة. وفي الادب الفارسي الكلاسيكي - خلافا للادب الحديث - هناك اشارات عديدة الى العرب و بلدانهم و حياتهم و عاداتهم. بل
كتب العديد من الفلاسفة و الشعراء و الكتاب الايرانيين في القرون الوسطى كتبهم باللغة العربية التي كانت لغة العصر العلمية.
كما ان كتاب الف ليلة و ليلة و هو نص ادبي عالمي بارز يعكس الاشتراك التاريخي في الابداع بين الشعبين الجارين.
فرغم ذلك يبدو ان الفجوة بين الفرس و العرب اصبحت تتسع منذ اكثر من قرن، اي بعد رواج الايديولوجية القومية وخاصة المتشددة منها. وقد ساعدت الحرب التي شنها صدام حسين على ايران في توسيع هذه الفجوة.
وفي الحقيقة ان الحواجز الاساسية و التاريخية بين الفرس و العرب تتمثل باختلاف اللغة و الثقافة و بعض القضايا النفسية.
وفيما تسمع قرقعة طبول الحرب في منطقتنا من كل صوب و حدب، هل يمكن لنا ان نتحدث عن حلول لتوطيد العلاقات بين العرب
و الايرانيين؟ هذا ما سنتطرق له في مقال اخر.

يوسف عزيزي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف