حرية الإعلام تقوم علي الموضوعية والنزاهة والحيدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
دور الصحافة في صناعة الإعلام - خصوصاً في الوقت الراهن - يختلف كثيراً عن أدوار تلفيق الأخبار وترويج الإشاعات والبحث عن الفضائح، ذلك لأنه إذا كان في مقدور البعض ممن يتقنون التعامل مع ثورة المعلومات أن يقوم بجانب من ادوار المؤسسات الإخبارية ووكالات الأنباء دون إتقان أو روية أو عن قصد تخريبي.. فإن الإعلامي المحترف عليه أن يفرز ما يقع تحت يده من معلومات ثم يختار ما يرى أن له قيمة وما يمكن الوثوق به لكي يقدمه إلى جمهوره..
القاعدة العامة أن ما يرد للمنابر الإعلامية من حكايات سواء كانت أخبار جادة أو خفيفة أو حتى ترويحية، يجب أن يكون " دقيقاً وصادقاً " في المقام الأول، فالإعلامي الحرفي لا يكتفي بجمع ما يحتاج إلية من معلومات لكي يمسك بناصية الموضوع الذي هو بصدده، لكن عليه أن يتحقق من صحة المعلومات التي وقعت بين يديه سواء عن قصد أو بالصدفة قبل استخدامها، وذلك عن طريق تقصي واستشارة عدد اكبر من المصادر للتيقن من توافر شروط المصداقية!!..
وإذا كانت الدعاية تستخدم نشر المعلومات الصحيحة بهدف التأثير المباشر علي رأى الجمهور المتلقي لأساليبها.. وإذا كان أخصائيي العلاقات العامة يستخدمون الحقائق لعرض وجهة نظر أحادية، فان ضمير الإعلامي الحرفي وتمكنه من أدواته المهنية يحتمان عليه أن يقدم الحدث كاملاً ونزيهاً.. وتتسع مساحة التنافس حين يحرص المتمكنون منهم علي توافر عناصر الدقة والحقيقة التي تبتعد عن تأطير وجهة نظرهم هم علي وجه التحديد..
أضف إلي ذلك أن الإعلامي الحرفي يجب أن يبذل قصارى جهده لكي كون مستقلاً عن الأشخاص والجهات التي يغطي أخبارها، علي عكس خبراء العلاقات العامة الذين يهمهم في المقام الأول المنظمة أو الهيئة أو المؤسسة التي يعملون في خدمتها..
لذلك يأتي علي رأس مهام صناعة الإعلام أن كتيبتها التي تحمل لواء السلطة الرابعة جوازاً ليست مجرد ناقلة لوجهات النظر أو ناشرة للمعلومات التي تتلقاها من المصادر المتنوعة، إنهم مسئولون عن الحقيقة ويجب عليهم أن يتحروها بعيداً عن الشائعات أو ما يسمي " دقة الحكم علي ما يتوافر من معلومات " من منطلق ولائهم للمتلقي.. لأن أعظم ما تملكه الوسيلة الإعلام وخصوصاً الصحيفة هو أمانتها واحترام العاملين فيها لتلك الأمانة المحفوفة دائما بالمصاعب..
وأشد مصاعب تحمل الأمانة هو " الموضوعية " التي هي ابعد ما تكون عن الإثارة والخضوع لرأى محدد.. والموضوعية هي أسلوب أو كيفية تناول الإعلامي الحرفي للمادة التي تحت يده دون تحيز لشخصية أو جهة بعينها.. ونزيد علي ذلك أن الموضوعية تَتحول مع مرور الأيام إلي تصرفات وسلوك تحكم حركة الإعلامي الحرفي داخل مجتمعه بمستوييه: الضيق المحصور في مجال عمله والواسع الممتد علي اتساع معاملاته الخاصة والعامة..
نعرف أن الموضوعية الكاملة ليست متوافرة لا هنا ولا في أي مكان لأن الإعلاميون الحرفيون بشر قبل كل شئ، لكن المطلب الأساسي عند هذا المنحني هو أن يكونوا علي وعي تام بآرائهم الخاصة حتى يمكنهم مراقبة انعكاساتها علي ما يقدمونه من منتج إعلامي للمتلقي وهو الجمهور.. فمن أساسيات الموضوعية أن لا يَستشف المتلقي رأى الإعلامي الذي اعد له هذا المنتج، ولن يتحقق ذلك إلا عن طريق التحقق من المعلومات والابتعاد عن عرض وجهات النظر الشخصية هذا بالإضافة أيضا إلي أن الموضوع في حد ذاته يتصف بالنزاهة..
والنزاهة تقتضي الحرص علي توسيع دائرة التناول: تناول كافة الجوانب عند الكتابة بالإضافة إلى الحرص علي عرض أكبر عدد من وجهات النظر خصوصاً المتعارضة دون التحيز لأي منها، هذا مع حتمية التحقق - كما سبق واشرنا - من صحة وصدق الحقائق، خاصة إذا كانت المعلومة " موضع نزاع "..
وأخيراً يهمنا أن نقول إن النزاهة ليست مرادفة للتوازن الذي يَرتكز علي عرض وجهتي نظر لا ثالث لهما يجب عرضهما بشكل متساوي تقريباً.. هذا التوازن المصتنع غالباً ما ينتهي في معظم الأحيان بتغطية مهنية تفتقد الدقة، لذلك أصبح التحدي الذي يواجه محترفي العمل الإعلامي هو تغطية كافة وجهات النظر المهمة بطريقة تتسم بالموضوعية والعدل والنزاهة بالنسبة لكل من له صلة بالقضية أو الملف لأجل تقديم صورة كاملة وأمنية بين يدي المتلقي..
النزاهة كما هو متعارف عليها في ظل تداعيات ثورة المعلومات تعني - من بين أشياء أخري - الإصغاء لوجهات نظر مختلفة ومتنوعة.. وتعني العمل علي تجسيدها عبر المنتج الإعلامي بعيداً عن الكذب والتشويه..
بهذه الكيفية - ضمن الحراك العام - تشارك المنابر الإعلامية في عملية التنوير وتمارس دورها في العملية الديموقراطية وفق المفاهيم الصحيحة لموقعها في المجتمع وقدرتها علي صياغة المواقف المستنيرة ضمن المضامين التى تحكم حركة هذا المجتمع الآنية والمستقبلية..
الدكتور حسن عبد ربه المصري
* استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا