أصداء

ثمة ضرورات أخرى للإصلاح القضائي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الحديث عن القضاء عندنا يتسم دائماً بشيء غير قليل من الحساسية. وإذا كان للقضاء في النظم الحديثة حرمة خاصة واحترام وتبجيل خاص؛ لما يتمتع به في ظل الدساتير الحديثة من استقلال ينأى به عن تأثير السلطتين: التنفيذية والتشريعية، فإن للقضاء في نظامنا الاستقلالي حرمة وتبجيلاً أكثر؛ لأنه الجهاز الذي تناط به مسؤولية تطبيق أحكام الشرع الإسلامي.


ومن هنا اكتسب مكانة خاصة في مجتمعاتنا؛ حيث كان عمل القاضي الشرعي في مجتمعاتنا يتجاوز مسألة الفصل في الخصومات والمنازعات بين أفراد المجتمع ليشمل كل ما يخص تفاصيل الحياة اليومية لأهل المنطقة، ليقضي فيها ويقرر وفقاً لأحكام الشرع.


ولعلَّ هذا الوضع المتوارث في تميزه هو الذي أحاط القضاء عندنا - جهازاً ورجالاً - بهذا القدر من الحساسية الذي يحول دون حق تفحص وتأمل حالتنا القضائية، والإحجام، أو التحرج على الأقل، عن الحديث عن أدائه، والتعرف على سلبياته ومناقشتها، ووضع الحلول للمشاكل التي تعترضه.


ورغم كل المحاذير فإن الكُتَّاب لم يكفوا عن تناول هذا الجهاز بين وقت وآخر في الصحف، خاصة عندما تورد وقائع قضائية محددة تجعل الناس يطرحون تساؤلاتهم حول هذا الجهاز، بعضهم يتناول نظمه وهياكله، وبعضهم يتناول بأسئلته القضاة وكيفية قيامهم بمسؤولياتهم الخطرة ومدى توفيقهم في تحقيق العدل وتطبيق الشرع فيما يوضع بين أيديهم من أقضية.


والذي لا شك فيه عندي أن القضاء جهاز مثل كل أجهزة الدولة، وأنه يقوم بالعمل الأخطر والأقوى تأثيراً بينها؛ وبالتالي فإنه يجب أن يخضع في أدائه للرقابة والمحاسبة الإدارية متى يثبت عليه القصور والتجاوز، وأن يرفع هذا الحظر غير المعلن لمناقشة أداء منسوبيه والتعرض له بالنقد في حال ثبوت ما يستدعي ذلك، بما يفيد في تلافي هذه السلبيات وتطوير الأداء فيه.


ثمة من كتب عن قضائنا، وعن بطئه الشديد في الفصل في قضايا مهمة لا تحتمل التأجيل والتأخير غير المبررين، وعن المطلقات اللاتي يعلقن سنوات، وعن مصائر الأطفال المجهولة بسبب التأخير والتأجيل، وعن الشركات والحقوق المالية القابلة للضياع.


وهناك ثمة قضايا فصلت بعض المحاكم وبعض القضاة فيها، وكانت مثار جدال ومحل اختلاف.
وقد تناولت هنا من قبل بعض هذه الأحكام التي كانت تتعلق بجرائم اختطاف واغتصاب ارتكبها جناة في حق صغار من الجنسين، ورأيت أن هذه الأحكام كانت مخفضة بدرجة لا ترقى ولا تتناسب وبشاعة الجرم، وكان رأيي أننا بأحكام مثل هذه سنشجع العديد من ضعاف النفوس والمجرمين على ارتكاب المزيد من مثل هذه الجرائم لضعفها.


وأنا على يقين بأن البعض لم يعجبهم هذا الرأي، وأنهم يذهبون إلى تنزيه القضاة، بينما هم بشر يصيبون ويخطئون ويعتريهم ما يعتري البشر من ضعف وسوء تقدير، مع التأكيد أنه لا يخالجني أدنى شك في نزاهتهم وعدلهم وإنصافهم.


وحسناً يفعل الشورى الآن بتفعيل دعوة أحد أعضائه باستدعاء وزيري العدل والمالية لمناقشة القضايا التي ستشهدها المحاكم والقضاء عموماً، وحيث انتقد أحد أعضاء المجلس مسألة غياب المنهجية في اختيار القضاة، وذلك في الجلسة الـ(62) التي عقدت يوم الاثنين (19 ذو الحجة - 8 يناير).


والرأي عندي أن الموضوع (موضوع القضاء) برمته ليس بتلك الحساسية التي يحاول أن يتصورها، أو يصورها البعض؛ فالقضاء جهاز من أجهزة الدولة - رغم مكانته الخاصة - يسري عليه ما يسري وينطبق على جميع أجهزتها ومؤسساتها. ويد الإصلاح التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين يجب أن تطول الجهاز القضائي مثلما طالت غيره من مؤسسات الدولة.


ومما يجعل الإصلاح القضائي أكثر أهمية وضرورة أنه واحد من المنافذ الحساسة التي ينفذ من خلالها كل من يريد القدح في نظامنا العدلي الذي يقوم على الشرع الحنيف؛ وبالتالي فإن السهام التي تطوله - إذا اختل ميزانه - إنما تطول هذا الدين الذي يقوم على العدل في كل شيء، وبالطبع فإن هذا بالضبط ما يستهدفه المتربصون بالإسلام وشرعه.

د. صالح بن سبعان

أكاديمي وكاتب سعودي
E-Mail:
dr_binsabaan@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف