أصداء

مظاهر نوبل وباطنية أدونيس

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

1
كيلا يحيلُ عنوان المقالة، إعتباطاً، إلى المسألة المذهبيّة، وعنعناتها المألوفة في زمننا؛ أبادرُ للتأكيد، بأنّ " الباطنية " هنا، محالة تحديداً إلى الدواخل النفسيّة للإنسان كائناً من كان؛ إلى ما يَبطنَ فيها، وما لا يَظهر ! علاوة على نقطة اخرى، مهمة، في هذه المقدّمة المفترضة: أنّ توقيت كتابتي هذه، وإن " صادفَ " يوم الجائزة السويدّية، العتيدة؛ " نوبل الآداب "، إلا أنني غيرَ معنيّ بكون " أدونيس "، الشاعر السوريّ، مرشحها الدائم، المزمن، سوى لجهة وحيدة حسب: أنّ ترشحه لها، على رأيي المتواضع، إنما هوَ تتويجٌ لتاريخ مديد من " البروباغندا "، المساهم فيها، وبشكل رئيس، تلك المؤسسة السياسية ـ الفكرية، التي زعم شاعرنا، على الدوام، مناهضتها ومناقضتها ! وربما من حقي، للمناسبة أيضاً، أن أذكّر القاريء الكريم بمقالتيّ، الساخرتيْن ـ " غزوة نوبل، العربيّة "، و " شاعر الملايين " ـ المنشورتين تباعاً قبل حوالي العام، وفي هذا الموقع الكريم؛ وهما المقالتان، الوارد فيهما ذكر خلفيات المرشحين لهذه الجائزة الشعرية أو تلك، والإلتباسات الحاصلة عند القائمين عليها، على السواء.

2
حينما نفضَ أخيراً أعضاء الأكاديميّة السويديّة، العتيدة، الغبارَ عن الملفّ الأدبيّ لعالمنا المشرقيّ ـ الإسلاميّ الهويّة، وقرروا أنّ " مكرمة " جائزتهم، لعام 1988، ستكون من نصيب كاتبٍ عربيّ؛ حينها فقط، تذكّرَ المهتمّون بالأدب عندنا، في عالمنا المشرقيّ، إسمَ نجيب محفوظ؛ عميد الرواية العربية. فألاّ يكون هذا الكاتب المخضرم، المبدع، على قائمة المرشحين، أبداً، كان شيئاً نادراً فعلاً، خلال التاريخ المئويّ لجائزة " نوبل " الأدبيّة؛ خصوصاً، إذا عرفنا أنه نالها على روايته " بين القصرين "، الثلاثيّة، المنشورة منذ عام 1957. هذا الإهمال من لدن السويديين، الفادح، (كيلا نستخدم مفردة اخرى )،، لا يمكن مقاربة مغزاه، وخلفياته، إلا إذا تذكرنا أنّ الشاعر الروسيّ، بوريس باسترناك، كان قد حصلَ على هذه الجائزة، عام 1957، إحتفاءً بروايته " دكتور جيفاغو "، المنشورة أيضاً في العام نفسه ! ليسَ في وارد حديثنا، على كل حال، التركيز على إهمال إسم كاتبنا، المصريّ، خلال العقود الثلاثة، الفاصلة بين الحدثيْن؛ مع أننا لن نهمل شأنه تماماً. ما يهمنا هنا القولَ، بدرجة أساسية، أنّ أديبنا الكبير وعلى مدى تلك العقود، المتقادمة العهد على الأقل، ما حنى يوماً هامته المبدعة، العملاقة، لصغائر الأمور وملحقاتها، وما تهالكَ على أعتاب الصروح الأكاديمية هنا وهناك، طمعاً بجائزة ما؛ حتى لو كانت بحجم المظاهر الدعائيّة والقيمة الماليّة، التي توفرها للمرء جائزة ـ كـ " نوبل " هذه.

3
في العام النوبليّ ذاك، العربيّ، كنتُ حديث العهد بالتوطن في السويد. وإذاً، وقبيل أشهر قليلة من الإعلان عن الجائزة الأدبيّة، أسعدني بحق مرأى شاعرنا السوريّ، أدونيس، في برنامج خاص، تلفزيزنيّ، تضمّن قراءات بصوته لبعض القصائد من ديوانه " أغاني مهيار الدمشقي "؛ وهوَ الديوان، الأول، المترجم للسويديّة، والذي صدر في العام التالي، 1989؛ إذا كانت ذاكرتي على ما يرام بعد. في تلك الأثناء، كان إسم الشاعر السوريّ متردداً، " بقوّة "، في أروقة الأكاديمية السويدية؛ بحسب تشديد مريديه، من بعض مطبّلي ومزمّري الصفحات الثقافية، العربية. على أنّ جائزة ذاك العام، كما سلف، حطتْ تحت قدميّ " أبي هول " الأدب المصريّ ! وكان على العاصفة، العروبيّة، أن تهبّ غضباً وغيرة على إبداع لسان الضاد، بسبب إختيار " المجمع الصهيونيّ "، في ستوكهولم، لكاتب غير ملتزم بإجماع الأمّة على ثوابتها، القوميّة؛ لكاتب، سبق وأيّد إتفاقية السلام المصرية ـ الإسرائيلية: كانت وسائل إعلام البعث السوريّ، تحديداً، هيَ الكامنة وراء هذا الهبوب العروبيّ، الطاريء؛ بما أنّ شقيقتها، البعثية الصدّامية، كانت وقتذاك صامتة بتوجيه رسميّ، على الأرجح؛ بما انذ علاقات وثيقة كانت تربط القاهرة ببغداد. ولكي لا أعود، ثانية، للمقارنة بين الأديبيْن هذيْن، العربييْن، أنتهي هنا للقول في هذا الخصوص، أنّ نجيب محفوظ، وعلى العكس من أدونيس على طول الخط الفاصل بينهما، كان أميناً دوماً لفكره المنفتح، الليبراليّ، وما تلاعبَ مرّة بالشعارات، السياسية، أو إستخدمها سواءً خدمة ً لأجندة شخصيّة، أنانيّة، أم لعنعنات ضيّقة، مذهبيّة؛ هوَ الما شُغل يوماً إلا بالورقة والقلم، ومن قنع بوظيفة بيروقراطيّة، تافهة، كسباً لقوت يعين عائلته، كما وخياله وإلهامه وهاجسه، الإبداعيّ.

4
تأكيدي على دور الماكينة الإعلامية الرسمية، السورية، في التشنيع على صاحب " نوبل "، العربيّ؛ هذا التأكيد، برأيي البسيط، دائماً، يُحيل إلى دور الماكينة ذاتها، في تكوين " الصنم " الأدونيسيّ، المقابل، ورفده بالمريدين والأتباع. ما كان المحفل الطائفيّ في السلطة، ببعيد عن المسألة؛ المحفل الأعلى، المسيطر على كل شاردة وواردة في سوريّة، منذ مستهل السبعينات من القرن المنصرم. على أنّ نوعاً من الإخبات، المتماهي بتقيّةٍ، خفيّة، إستبطن دوماً تلك الجهود، الموصوفة. بكلمة اخرى، كان على البوق الإعلاميّ، الرسميّ، أن يستعير لسان غيره، حينما كانت الجهود تُبذل في هذا الإتجاه. ولعلنا نعثرُ في " إشكاليّة " العلاقة بين أدونيس وإتحاد الكتاب العرب، السوريّ، ما يُثبت وجهة نظرنا، المفترضة على كل حال: فكم من خدمةٍ جليلة، لا تقدّر بثمن، منحها هذا الإتحاد لمرشح " نوبل "، العربيّ، لمّا قرر فصله من العضويّة، الموقرة، وعلى خلفيّة ما قيل عن إجتماعه بكتّاب إسرائيليين في كوبنهاغن: فعاصفة الإحتجاجات، المثارة من لدن المريدين، المخلصين، فضلاً عن المخدوعين الأزليين بـ " الإسطورة الأدونيسيّة "؛ تلك العاصفة، كان من الطبيعي ان تصل بحجمها ـ ومضخمة قليلاً أو كثيراً ـ إلى الصحافة الأوروبيّة، وعبْرها بطبيعة الحال، إلى " بيت الثقافة " في ستوكهولم؛ إلى بيت القصيد !! وكم أتفكّه، الآن، من سذاجتي وسذاجة ذلك الشخص الكاتب ـ أو إدعه ما شئتَ ـ وما أخبرني به، عقب عودته من زيارة لأهله في سورية، عن إتصال هاتفيّ جرى بينه وبين صنمنا هذا، الذي سأله عن " الأوضاع الأمنيّة " هناك؛ وعما إذا كان بإستطاعته " هوَ " أن يقوم بزيارة مماثلة، مأمونة العواقب ـ كذا. ها هوَ الآن، كما في كل زمن، يقيم في سورية الأسد؛ هوَ الذي ما تواجه والسلطة البعثية مرة قط، ومن إحتفت به صحافة النظام، في أواسط السبعينات، مسؤولاً عن الملحق الثقافي لجريدة " الثورة "، الحكومية؛ من رفض وضع توقيعه، ولمرة واحدة حسب، على مجرّد بيان يطالب بالإفراج عن هذا الشاعر أو ذلك الكاتب، من معتقلي الرأي في موطنه..

5
في الفيلا الرحبة، الفارهة، المعتلية إحدى تلال قريته " قصّابين "، أين يقيم مستقراً منذ بضعة أعوام؛ ثمة، في المكان الذي يُبنى فيه " متحف " خلوده ـ على حدّ تصريحه للصحافة ـ يستعيدُ أدونيس أعوامَ تجربته، الطويلة، مع القصيد ولداته. من مسقط رأسه هذا، الريفيّ، إلى المدن الكبيرة؛ دمشق، بيروت، باريس..، طالت رحلة الشاعر بدورها، وحفلت بشدائد الأمور ورخائها، سواءً بسواء. و" أدونيس "، كما نعلمُ جميعاً، نعتٌ للشاعر علي أحمد إسبر، المولود في قريته تلك، عام 1930؛ نعتٌ، متقمّص إسم إله، إسطوريّ، إغريقيّ ـ فينيقيّ: وكان على صاحب النعت، إذاً، أن يكون له " إسطورته " الخاصّة به؛ عليه كان تأثرَ خطى فتىً " سوريّ "، ريفيّ ٍ؛ هوَ جبران خليل جبران، نابغة جبل لبنان، من وجدَ نفسه على حين غرّة من العمر، في عالم المدنيّة، الأكبرَ والأحدث؛ في نيويورك. الإسطورة الجبرانيّة، عن " البك "، عمدة القرية، الذي أنصتَ للصبيّ الصغير، الجريء، المطالب بحقه في فرصة للدراسة؛ هذه الإسطورة، وجدتْ هوى في نفس أدونيس، فإعتمدها سبيلاً لسيرته الآولى؛ وأنّ الرئيس السوريّ، فلاناً، قد أعجب بإنشاده، الجريء، وهوَ غلام بعد، لقصيدة في مديحه، وتمنى عليه الأماني، السعيدة، على طريقة " شبيك لبيك ".. الخ. المهم، أنّ فتانا الآن في " لاييك " مدينة طرطوس، الساحلية الصغيرة، تلميذاً على حساب الحكومة، يتحصل دروسه باللغة الفرنسيّة، والتي على ما يبدو مكنته، إجادتها، في ترجمات مبكرة، أدبيّة؛ ودائماً بحسب سيرته / إسطورته، المبثوثة للصحافة ووسائل الإعلام الاخرى. مدينة الدراسة هذه، تحتفي لاحقاً بحضور آخر؛ بزيارة انطون سعاده لها في نهاية الأربعينات، ولقائه بالشاب " علي "، الموهوب. لا يملك " الزعيم " من شدّة إعجابه به يومئذٍ إلا مناداته بإسم " أدونيس "؛ نعت الإله ذاك، الذي أضحى منذئذٍ منذوراً له وحده.

6
إلهاً وصنماً، جنباً لجنب، تمضي الإسطورة الأدونيسيّة، قدماً. بيْدَ أنّ سوءَ أحوال القوميين الإجتماعيين، السوريين، إثرَ الضربة الكبرى، القاصمة، التي حلت بهم بعيد إعدام زعيمهم ومن ثمّ مغامراتهم الإنقلابية المتتالية، الفاشلة، في سورية ولبنان؛ منقلب الأحوال هذا، جعل الشاب أدونيس يختار السلامة، مبتعداً عن الرفاق بعدما عانى من تجربة السجن ورفيقة عمره؛ ناقدة المستقبل، خالدة سعيد. الخطوة الواقعيّة تلك، الموصوفة، تخصّ الشاعر لوحده، بطبيعة الحال والأحوال. ولكنّ أدونيس، شاءَ فيما بعد التنكّر لتاريخه الحزبيّ، والفكريّ بالضرورة، حينما راحَ المرّة تلوَ الاخرى، يزعم " البراءة " من ذلك الإنتماء، أو أنه كان مجرّد حماسة الفتوّة؛ حدّ أنه أنكر على ملهمه، الروحيّ، انطون سعاده، أيّ أثر في تكوينه، الفكريّ. ووصل به الأمر، بشأن لقب " أدونيس " القولَ، بأنه هوَ من أطلقه على نفسه في الصحافة: " انطون سعاده لم يطلق عليّ هذا اللقب، هذه شائعة لا أكثر " (المجلة الانترنيتية، السورية " تحولات "، يوم 26 / 11 / 2005 ). الأدهى، ما إستطردَ به شاعرنا، بزعمه تبني الأفكار الماركسية، في الفترة السابقة لإنتسابه للحزب القومي السوري: " منذ دخولي " اللاييك " أخذ الشيوعيون يعملون على إجتذابي إلى الحركة الشيوعية، ولولا المصادفة لكنت دخلت الحزب الشيوعي ". من جهتي، أبادر للإعتذار مسبقاً من شاعرنا، المتأله، فيما لو تساءلتُ، عمّا إذا كان يُعاني، بشكل ما، من مرض " الديمنس "؛ الخرف الشديد: ومبعث التساؤل، ما يدركه أيّ مبتديء بالسياسة، عن الفروقات الإيديولوجيّة، الهائلة، بين العقيدة القوميّة السوريّة، شبه الفاشيّة، وبين العقيدة الماركسيّة الجدليّة، البروليتاريّة؛ اللهمّ إلا أن يكون " أدونيس " ما فتأ متبنياً " باطنيّته "، التي اتاحتْ له بحرباويتها، دوماً، التلاؤم وواقع الأحوال: وإذاً، ما دامت مزقة " الحزب الشيوعي "، منطوية تحت جنح النسر، البعثيّ، فلا تثريبَ عليكَ، شاعري، من إدعاء الماركسيّة ملبساً مناسباً للصنم، المتأله، الجدير بمتحف الخلود، القرويّ !! وهذه الحرباويّة، هيَ المتعيّن عليها، أيضاً، المواءمة بين خطابه، العلمانيّ الليبراليّ، الموجّه للغربيين، وبين نقيضه، الأصوليّ الرجعيّ، المنذور لمشرقه التعس، برعيّته ورعاته على حدّ سواء. وأدونيس، المتضلع على صفحة زاويته، اليوميّة، في " الحياة "، العربيّة، بالدفاع عن الأجندة النجاديّة ـ الأسديّة، وأدواتها اللبنانيين، من الحزب الإلهيّ وأضرابه؛ هوَ نفسه، بإسمه الوثنيّ، من يخرج على الصحافة الأوروبيّة، بإطروحات حداثويّة وتقليعات حضاريّة، عشوائيّة، خالطاً بين الظروف المأساوية للمهاجرين، المسلمين، في بلدان الغرب، وبين ما يشابهها في مواطنهم الأصليّة ـ كقوله في مشكلة " الحجاب الفرنسيّ ": " إنه خرقٌ للإنتماء الواحد أو الهوية الواحدة المشتركة، رمز إرادة الإنفصال. لرفض الإندماج. توكيد على الهويّة الخاصّة المغايرة، داخل الهويّة العامّة الموحّدة. وفي هذا ما يمثل تحدياً للشعور العام، وللذوق العام، وللثقافة العامة، وللأخلاق العامة " (نقلاً عن " الحياة "، يوم 26 / 6 / 2003 ). يقيناً، لو أنّ كاتباً ما، أوروبياً، قد أدلى بتصريح مشابه، لما عجبتَ من سوقه للمحكمة بتهمة "العنصريّة " !! على أنّ ما يجب أن نضعه في إعتبارنا، أنّ علي أحمد إسبر، " أدونيس "، ينتمي للطائفة العلويّة، الكريمة، " عضوياً " وحسب؛ حال أهل السلطة في سورية، البعثية، ممن يماهون هذا الإنتماء، الأصيل، بباطنيّة جبانة، خبيثة، تتمظهر ملبساً قومياً عروبياً، فجاً؛ أو متساهلاً في أحسن الأحوال. إنها الباطنية، المجسّدة قول شاعرنا، آنف الذكر، المنكر للتعدديّة الإثنية وإختلاف الثقافات، والمروّج لنظرية " الإندماج "، العنصريّة؛ ودائماً بالحجة نفسها، المتغنية بـ " الإنتماء الواحد، والهويّة الواحدة المشتركة ". وأخيراً، على مشارف المناسبة هذه، النوبليّة، أجدني أستحضرُ روحَ شاعر آخر؛ هوَ المكسيكي اوكتافيو باث؛ السورياليّ الحقّ: هذا المكسيكيّ، الأصيل، الذي إستوعبت ثقافته الخاصّة، الشخصيّة، ثقافات بلاده جميعاً من الأزتيكية القديمة إلى الإسبانية الكولونيالية، ومن عبّر نثره بشكل أكثرَ حدّة ووضوح وعمق عن الإنتماء هذا. لقد جاءت " نوبل " بقيمتها الحقة، القزمة، تسعى على أعتاب القامة العالية لشاعر الإسبانيّة العظيم، المكسيكيّ؛ هذا الذي حاول، دوماً، أدونيسُ تقليده شاعراً ومنظراً أدبياً، على السواء، لدرجة أنه إقتبسَ عنوان أحد كتبه "الشعر ونهايات القرن"، عنواناً لكتابه "فاتحة لنهايات القرن"..

Dilor7@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف