حساب الربح والخسارة في الغزو التركي لكردستان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الكل يترقب الآن قرار مجلس النواب التركي السماح للحكومة والجيش بالتوغل في اراضي اقليم كردستان الجنوبية (كردستان العراق) لضرب قوات حماية الشعب( الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني) والبقاء هناك لعرقلة مشروع "الفيدرالية الكردية"، ومنع الحاق مدينة كركوك بالإقليم الكردستاني الجنوبي، كما هو مقرر نهاية هذا العام...
تركيا ومسؤولوها يستهدفون في المقام الأول التجربة السياسية الكردية في اقليم كردستان العراق. هم لايخفون ذلك. فمجلس الأمن القومي التركي (MGK)، وهو اكبر هيئة لإتخاذ القرار في البلاد، درج على اعتبار اقليم كردستان "الخطر الإستراتيجي الأكبر الذي يهدد تركيا". والجائزة الكبرى في اي غزو تركي قادم ستكون "كردستان الرسمية"، في المقام الأول...
الجيش التركي بعدته وعديده، وهو القوة الثانية في حلف شمالي الأطلسي، سيتمكن من التوغل في كردستان العراق. هذا امر متوقع. لكنه سيتكبد خسائراً كبيرة وفادحة. اذا كان هذا الجيش قد فقد 15 جندياً في الضربة الأخيرة التي سددها له مقاتلو حزب العمال الكردستاني، فجن جنونه بهذا الشكل، فليعلم اذن، بان اي غزو عسكري سيؤدي إلى ظهور جسر من نعوش الجنود القتلى، يمتد بين سلوبي واسطنبول...
قوات بيشمركة كردستان التي تقوم على عشرات الآلاف من المقاتلين المدربين سترد بكل قوة على اي توغل تركي. وفيما زاد التوغل عن 15 ـ 20 كيلومتراً سيٌترجم الرد الكردي الى عمليات مقاومة شعبية تطال كل جسم تركي يتحرك على الأرض الكردستانية. على تركيا ان تقبل واقع انها دولة محتلة وتتحمل الخسائر و"التجاوزات" التي ستقع نتيجة واقع الإحتلال هذا...
حزب العمال الكردستاني سيرد بعنف. سيرد بطريقتين، الأولى بتفعيل وحداته المقاتلة داخل ولايات كردستان الشمالية( كردستان تركيا)، ووفق اساليب الحرب الجديدة التي يتبعها منذ بضعة اعوام في زرع الألغام وتفجيرها عن بعد، وشن الهجمات الصاعقة الخاطفة على مراكز العسكر والدرك واوكار الإستخبارات التركية...
هذا فضلاً عن تنفيذ خلاياه النائمة في المدن الكردستانية والتركية لعمليات عسكرية خاصة تطال نقاطاً محددة مسبقاً. وقد شاهدنا قبل اسبوع الهجوم الذي طال مركزاً لقوات الأمن التركية في دياربكر واسفر عن مقتل شرطي وجرح 2 آخرين. وكنا قلنا مراراً بان حزب العمال الكردستاني لن يترك حزب العدالة والتنمية يتمدد على راحته في مناطق وولايات كردستان ليطبق اجندته ويسيطر على اصوات المواطنين الكرد بتجوبع هؤلاء ومن ثم شراء اصواتهم بالقروض الميسرة التي تمنحها (الجمعيات الخيرية النقشبندية) المنتشرة في المناطق الكردية كالطحالب الضارة.
وهناك حملة تضييق كبيرة تطال حزب المجتمع الديمقراطي( الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) ونوابه. اعتقالات وقمع وتضييق مستمر لمسؤولي وانصار هذا الحزب في تركيا وكردستان. وهذه السياسة لن تمر دون عقاب ورد موجع من العمال الكردستاني. فلايمكن ان يسمح العمال الكردستاني للعدالة والتنمية باضعاف حزب المجتمع الديمقراطي وتقوية انصاره وعملائه والتخطيط للسيطرة على دياربكر وغيرها من مراكز حركة التحرر الكردستانية.
دوران كالكان، المسؤول العسكري في حزب العمال الكردستاني قال بان تركيا وفي حال توغلها في داخل اراضي اقليم كردستان الجنوبية ستصطدم بقوات حماية الشعب وقوات بيشمركة كردستان. واضاف ان الجيش التركي وفي حال توغله عميقاً باتجاه كركوك سيسطدم بالقوات الأميركية وقوات الجيش العراقي. كالكان قال بان المقاتلين الكرد ينتظرون الجيش التركي بفارغ الصبر، وهم اعدوا له العدة وجهزوا سبل الرد الموجع في الداخل والخارج على السواء.
الرأي العام في اقليم كردستان متراص خلف حكومته في رفض اي توغل تركي وضرورة مواجهته. الشارع الكردستاني يغلي الآن غضباً على الأتراك وحكومتهم وجيشهم. وهناك حماس كبير لمواجهة اي غزو تركي والرد عليه بكل قوة. كما هناك تعاطف شعبي كبير مع قوات حزب العمال الكردستاني، والتفكير في كيفية دعم نضاله ضد الدولة التركية. على الرغم من بعض الدعايات المغرضة التي يبثها مجاميع الكتبة من"ثوار الإنترنت"، والتحريض الذي لايتوقف من بعض الرهط المتاجر والمستفيد من ديمومة الخلافات الكردية. واغلب هؤلاء ليسوا من ابناء الإقليم...
العراقيون العرب ايضاَ يرفضون اي توغل تركي في اراضي الإقليم الكردستاني.
رئيس عشائر الدليم في العراق، علي حاتم سليمان، حذر بدوره الأتراك من مغبة التوغل في كردستان وبشرهم بمقاومة كبيرة من العرب والكرد على السواء.
القوات التركية كانت قد شنت في الماضي 24 حملة كبيرة ضد قوات العمال الكردستاني في المعاقل الجبلية الحصينة في جبال قنديل الشاهقة. وكل هذه الحملات لم تنجح في القضاء على المقاتلين الكرد. بل زادت قوة العمال الكردستاني وتقاطر آلاف الشبان الكرد الجدد من شتى انحاء كردستان للإلتحاق بقواته ووحداته العسكرية والدعائية.
تركيا خائفة الآن. فإيران قد تصبح هدفاً قريباً لآلاف الصواريخ الأميركية في إطار الأزمة المشتعلة الآن فيما يخص ملفها النووي. وفي حال حدوث ذلك وسقوط النظام الشمولي في طهران، فإن ذلك يعني تحرير كردستان الشرقية( اكثر من 7 مليون كردي) من سطوة نظام الملالي. وتركيا تعلم جيداً بان القوة الكردية الأكثر تنظيماً وتأهيلاً لقيادة هذه الدولة( أو الكيان الفيدرالي الحر...) هو حزب الحياة الحرة الكردستاني. وهذا حزب شاب وجماهيري ولديه قواعد عسكرية وآلاف المقاتلين، لكن مشكلته انه "جناح حزب العمال الكردستاني في ايران" ويتخذ من العمال الكردستاني وقائده عبدالله اوجلان منهجاً وفكراً. تركيا تفكر اذن ان تمنع حدوث ذلك من الآن عن طريق تمركز مئات الالاف من جنودها في المنطقة، وبذلك تضمن التدخل السريع وعدم ظهور كيان كردي مستقل في ايران بعد الضربة، على شاكلة ظهور كيان كردي في العراق، بعد احتلال صدام للكويت ومن ثم ضربه اخيراً في 2003. وكنا قد اشرنا سابقاً، واستناداً إلى معلومات من بعض قياديي حزب الحياة الحرة الكردستاني، بان هذا الأخير يقيم علاقات عسكرية ودبلوماسية وثيقة مع الإدارة الأميركية، وان زعيمه حاجي احمدي كان في واشنطن والتقى هناك العديد من المسؤولين الأميركان الكبار...
هناك الملف الأرمني ايضاً. فالديمقراطيون في الكونغرس الأميركي مصرون على التصويت واعتبار المذابح التي اقترفتها السلطنة العثمانية بحق الشعب الأرمني ابادة جماعية. والأتراك، في حزب العدالة والتنمية والمعارضة والجيش على السواء، غاضبون من هذا الموقف. واردوغان سيطير قريباً إلى واشنطن لمنع هذا الأمر. والتهديد التركي بالتوغل في كردستان يأتي، في وجه آخر، كرد مباشر على الموقف الأميركي هذا.
الصحافة التركية وفي فعلة لااخلاقية ( وهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة..)، طالبت الجيش التركي باعتقال رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني وايداعه سجن جزيرة ايمرالي مع القائد الكردي الأسير عبدالله اوجلان. وحملة حزب الحركة القومية المتطرف كانت تقوم على شحن الغوغاء بمثل هذه التفاهات. لكن على الأتراك ان يعلموا ان دون تحقيق احلامهم المريضة العنصرية هذه، دمار هائل سيلحق ببلادهم وسيحصد ارواح الالاف المؤلفة من شبابهم. ناهيك عن الخراب الإقتصادي والإجتماعي و"الحرب الأهلية" التي حذر منها احمد ترك رئيس كتلة حزب المجتمع الديمقراطي في مجلس النواب التركي...
اللافت في الأمر ان حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي صامتة. فالمالكي الذي وقع اتفاقاً صدامي الهوى مع اردوغان يٌجيز فيه توغل الجيش التركي في أراضي كردستان وضرب المقاتلين الكرد، لايحرك ساكناً الآن. لماذا لايصدر تصريحا مندداً بتدخل تركيا السافر في الشأن العراقي وتلويحها بغزو "جزء" من العراق؟. لماذا لايعطي أوامره بارسال فرقة عسكرية عراقية الى الحدود لمجابهة اي توغل تركي محتمل؟. لنتذكر هنا بان المالكي انتقد "العداون الإسرائيلي" على "حزب الله" في لبنان في خطاب له امام الكونغرس الأميركي، مجازفاً بعلاقة بلاده مع واشنطن. لكن الآن الرجل صامت وكأن الأمر لايعنيه ابداً...
اين موقف الرئيس العراقي جلال الطالباني الذي كان يمتدح في اروغان وجماعته على الطالعة والنازلة، ويقول بان العدالة والتنمية ستبدأ في حل القضية الكردية قريباً، مهاجماً العمال الكردستاني لأنه "يفسد على اردوغان خططه الإصلاحية"؟. ماذا يقول مام جلال الآن لصاحبه الذي يحشد قواته لغزو اقليم كردستان وضرب " الخطر الإستراتيجي الأكبر على تركيا"، والذي هو هناك حكومة كردستان وليس حزب العمال الكردستاني؟. وللمعلومة: فإن اردوغان مايزال حتى اللحظة يرفض لقاء الطالباني بوصفه "رئيس عشيرة في شمالي العراق" رغم كل مدائح هذا الأخير المجانية بحقه وحق حزبه...
لماذا لايصدر موقف واضح من النواب الكرد المنضوين في صفوف حزب العدالة والتنمية وهم اكثر من 50 نائباً، فضلاًً عن الوزراء؟. اذما سلمنا بكره هؤلاء وعدائهم للعمال الكردستاني، فهل يكرهون حكومة كردستان والقوى الكردية في الجنوب ايضاً، كي يظلوا على صمتهم وتواطؤهم المخزي هذا؟. اوليسوا كرداً والهجوم العسكري التركي سيؤدي الى مقتل ابناء جلدتهم، ام انهم مجرد مرتزقة باعوا اصلهم وشعبهم لأردوغان وجماعته مقابل منصب هنا او عملية تجارية هناك؟.
الكرد سيردون بكل عنف على اي توغل تركي في اقليم كردستان الجنوبية. الرد سيطال كل مكان في داخل وخارج تركيا وفي كل مكان. واذا كانت تركيا لاتملك سوى ان تغزو كردستان وتشعلها على رؤوس الجميع حفاظاً على "امنها الإستراتيجي"، فعليها في هذه الحالة ان تتوقع الرد العنيف من كل القوى الكردية. وهذا الرد يمكن ان يضعف تركيا كثيراً، ويكون، اذما ضٌربت ايران وظهرت تطورات جديدة، مقدمة حقيقية لتقسيمها...
طارق حمو
tariqhemo@hotmail.com