أصداء

الحقائق التي نسكت عنها تغدو سامة (الفيلسوف نيتشة)

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

(لا معقب لحكمه)
الحقائق التي نسكت عنها تغدو سامة (الفيلسوف نيتشة)
ولا شك هناك أناس عديدون بهذا العالم يفضلون السكون عن الحقائق حتى تصير سماً زعافاً يقتل خلايا العقل. السيد خضير طاهر، شخص من هؤلاء الناس الذين يفضلون الصمت عن الحقائق، فقد كتب مقالاً في صحيفة إيلاف الإلكترونية بتاريخ اليوم (18 أكتوبر 2007) يهاجمني فيه. قال (كامل النجار أسم مستعار لكاتب مجهول الديانة والعرق والأسم الحقيقي، يحاول ان يتذاكى ويقدم نفسه بصفته ناقداً للفكر الديني) انتهى.
ولعمري هذا حكم لا يملك أي شخص أن يُعقّب عليه لأنه صادر من خضير طاهر شخصياً، ولا معقب لحكمه، كما تقول الآية القرآنية من سورة الرعد. ولكن أرجو أن يسمح لي بإبداء بعض الرأي. أولاً: ليس مهماً أن يعرف القاريء حسب ونسب الكاتب، ومن أين أتى ولون عيونه ومعتقده الديني لكي يفهم ما قدمه له الكاتب من أفكار
ثانياً: كامل النجار لا يحاول أن يتذاكى أو يتبالد ليطرح آراءه للقاريء الكريم ويسمع أو يقرأ الانطباع الذي تركه المقال في عقل القاريء، على عكس السيد خضير طاهر الذي لم اسمع به إلا من قبل يومين فقط، وتحديداً يوم 16 أكتوبر 2007 عندما قرأت له، بالصدفة، مقالاً في إيلاف يطلب فيه من المحرر حجب كل التعليقات على مقالاته بإيلاف لأنه لا يود أن يعرف الأثر الذي تتركه كتاباته على القايء، فقد قال (بالنسبة لي شخصياً انا أطلب من ايلاف غلق زاوية تعليقات القراء على كتاباتي بصورة نهائية، وذلك لعدم ايماني بوجود حوار حضاري ديمقراطي يحترم حق الاختلاف في المجتمعات العربية) انتهى.
ثالثاً: من حق أي كاتب أن يكون ناقداً للفكر الديني دون أن يحاول أن يتذاكى، فما كل من انتقد الفكر الديني يُعد من أذكياء المجتمع.
وعلم المنطق يخبرنا أنه لا يمكن أن نستنتج حكماً أو قاعدة من فراغ، أي من لا شيء، ولكن يبدو أن السيد خضير استطاع ذلك، فهو قد قال في مقاله (ولكن لعبته هذه مكشوفه جدا، فمنذ السطر الأول لأي مقالة له تكتشف النوايا المسبقة والقوالب الجاهزة لقولبة العقيدة الألهية والدين الاسلام وفق مقولات مستهلكة يرددها رهط الشيوعيين وغيرهم والتي تنطلق من منطلق قصدية الإلحاد ونفي الدين والنبوة والقرآن!). إلى هنا والأمر مفهوم، ولكن السيد خضير طلع علينا باستنتاج لا يعلم إلا هو مصدره، فقال (وبما ان النجار لم يحتج ويصدر عنه اي نفي، فأن وضع أسمه ضمن قائمة الكتاب ((المحلدين العرب)) ومشاركته مباشرة لهم في أنشطتهم.. يعد اقراراً شخصيا منه بتبني خيار الألحاد، وهذا شأنه وهو حر في خياراته، ولكن عليه ان يكون صادقاً وشجاعاً ويعلن عن هويته الفكرية، ويقدم نفسه كخصم صريح للاسلام) انتهى.
ولم يهتم السيد خضير بأن يبيّن لنا المناسبة التي أتاحها للنجار لكي يحتج أو ينفي تلك المزاعم. هل كان السيد خضير يتوقع من كامل النجار أن يعلم ما يدور في خلده فيكتب مقالاً استباقياً ينكر فيه ويحتج. ربما تأثر السيد خضير بالضربات الاستباقية التي شنتها أمريكا أو إسرائيل على العالم الإسلامي. وأحب أن أؤكد للسيد خضير أني لا أعلم الغيب ولذلك لا أعلم إذا كان السيد خضير يستوعب ما يقرأ أم لا. فقد كتبت كتاباً اسمه (قراءة نقدية للإسلام) ونشرت مقالاً بإيلاف بعنوان (الاعتقاد ليس ضرورياً لإنسان اليوم) ومقالات أخرى عديدة، منها (عقيدة التوحيد أضرت بالبشر) وكذلك (الأديان ليست سماوية). فهل بعد كل هذا أحتاج لأن أقول إني ملحد. وأنا يشرفني أن أكون عضواً في موقع (الملحدون العرب)، ولكني لم أنشر مقال (الناسخ والمنسوخ) في ذلك الموقع الذي تكرم السيد خضير وأعطانا الرابط له. كان يجب على السيد خضي أن يقرأ اسم من أرسل المقال للموقع قبل أن يقفز إلى استنتاجه غير الضروري. قد يقول السيد خضير إنه لا يقرأ مقالاتي ولذلك لم يعلم موقفي من الإلحاد، ولكن إذا كان لا يقرأ مقالاتي فليس من حقه أن أن يكذب على القاريء ويقول (فمنذ السطر الأول لأي مقالة له تكتشف النوايا المسبقة والقوالب الجاهزة لقولبة العقيدة الألهية والدين الاسلام وفق مقولات مستهلكة).
ثم يتحفنا السيد خضير بحمة الدهر فيقول (طبعاً شخص مثل النجار يسمح لنفسه بمناقشة البديهيات لايمكن فتح اي حوار معه، فحقيقة الدين عموماً والاسلام خصوصا.. تعد بديهية مسلم بها ليست بحاجة الى مناقشة أصلها وهل يوجد اسلام وقرآن ونبوة أم لا) انتهى.
هذه الفقرة تحمل من الافتراضات ما يحتاج كتابا كاملاً للرد عليها. فمثلاً، قوله (يسمح لنفسه بمناقشة البديهيات) يحتاج منه إلى شرح. ما هي البديهيات، ومن جعلها بديهيات، وإذا لم يسمح كامل النجار لنفسه بمناقشتها، ممن يطلب الأذن أو السماح؟ ولماذا لا يمكن فتح حوار مع من ينكر البديهيات؟ فقد فتح العلماء الحقيقيون حواراً مع رجال الدين الذين قالوا إن الأرض مسطجة والشمس تدور حولها بينما كانت كروية الأرض ودورانها حول الشمس، وما زالت من البديهيات. وقوله (فحقيقة الدين عموماً والاسلام خصوصا.. تعد بديهية) قول لا يقنع كثيرين. أنا شخصياً لستُ مقتنعاً أن الدين عموماً والإسلام خصوصاً حقيقة، ناهيك عن كونها مسلم بها. ويذكرني قوله هذا بمقولة الفيلسوف نيتسة عندما سُئل عن التنوير، فقال (التنوير هو خروج الإنسان من قصور فكره الذي تسبب فيه بنفسه. هذا القصور الذي يعني عدم قدرته على استعمال عقله دون وصاية أحد آخر. ويرجع هذا القصور إللى الإنسان نفسه إذا كان سببه لا يكمن في عيبٍ أصاب العقل، بل في الافتقار إلى العزم والشجاعة على استعمال هذا العقل دون وصاية الآخرين. تجرأ على استعمال عقلك، هذا هو التنوير). وكلمة "الآخرين" تضم حتى الآلهة الذين قالوا إن الدين من البديهيات. فكلمة "بديهيات" تعني اليقين وعدم الشك، وهذا هو ما حذر منه نيتشة عندما قال (ليس الشك وإنما اليقين هو الذي يقتل).
ويستمر السيد خضير فيقول (فمثل هذا النوع من النقاش هو محاولة لإستئصال الدين من أساسه وهذا ضد المنطق والعقل وحاجات الفطرة الانسانية للدين!). ونستشف من هذه الجملة أن الفلاسفة مثل فولتير، وروسو، وكانط، وسارتر، وماركس، وهيجل وبرتراند رسل، الذين أسسوا المنطق الحديث، كانوا ضد المنطق لأنهم انتقدوا الدين وحاولوا نسفه من أساسه.
وقال السيد خضير (مؤكد يوجد اختلاف نوعي بين العقيدة الألهية النازلة من الله تعالى، وبين الفكر الديني الذي أنتجه البشر المكون من الفقه والاصول والعقائد وتفسير القرآن وهو لاشك بحاجة ماسة جدا للنقاش والنقد وفق رؤية عقلانية انسانية تنسجم مع صورة الله وما ترمز اليه من معاني الجمال والحب والانفتاح وفق مبدأ الاخوة الانسانية بين البشر) انتهى
وما كنت لأضيع وقتي ووقت القاريء الكريم لأرد على السيد خضير لولا هذه الفقرة الأخيرة. فصورة الله التي يتحدث عنها السيد خضير كأنها من المُسلّم به، تأتي إلينا في عدة أشكال وألوان. فصورة "يهوه" في العهد القديم غير صورة يسوع الذي يصوره الغربيون رجلاً ذا اشعر أشقر طويل وعيونه زرقاء، بينما يصوره مسيحيو الصين بعيون ضيقة ومائلة إلى أعلى. وفي مرة كنت أتفرج على فيديو من العراق ورأيت في أحد المنازل صورة الإمام علي بن أبي طالب على حائط الغرفة وبدا ذا شعر طويل مسدل على كتفيه وفاتح اللون، بينما تقول مصادر السيرة إنه كان أصلعاً وقصيراً وآدماً، أي يميل إلى السمرة. وصورة الله في القرآن تتخذ عدة أشكال، منها الإله الغاضب المنتقم سريع الحساب. ولا أعلم منأين أتى لسيد خضير بالصورة التي قال عنها (صورة الله وما ترمز اليه من معاني الجمال والحب والانفتاح وفق مبدأ الاخوة الانسانية بين البشر). فأرجو من السيد خضير أن يشرح لنا الأخوة الإنسانية بين البشر في هذه الآيات:
قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم (التوبة 14)
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر (التوبة 28)
يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال (الأنفال 65)
الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً (الأنفال 66)
كتب عليكم القتال وهو كره لكم (البقرة 216)
وقاتلوا في سبيل الله (البقرة 244)
واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم (البقرة 191)
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله (البقرة 193)
ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله (النساء 75)
فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك (النساء 84)
فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب (محمد 4)

وختاماً، لا يسعني إلا أن أقول للسيد خضير (أنا لا اتفق معك في كلمة واحدة مما قلتَ ولكني مستعد أن أضحي بحياتي من أجل أن تقول كلمتك) (فولتير لجان جاك روسو).

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف