حرية التعليق وبارومتر الذهنية العربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
منذ أن قررت إيلاف إعطاء مسافة اكبر للقراء ليعبروا عن آرائهم بحرية شبه كاملة حول ما يقرؤون في إيلاف، أخذت تصلنا اعتراضات أولا من الكتاب أنفسهم وثانيا من القراء. مع أن ما ينشر من تعليقات في "إيلاف" لا يعبر، بأي شكل أو آخر، عن رأي ناشر إيلاف أو إدارتها أو العاملين فيها... وإنما هو رأي مفتوح للمناقشة يكتبه قراء على مسؤوليتهم، وبالتالي ما خانة التعليقات هذه سوى مرآة الذهنية العربية السائدة. ومن هنا نجد أهمية إعطاء مساحة أوسع للتعليقات، لأن عبرها يمكن للقراء والكتاب معا فهم بعض أسباب تخلف الذهنية العربية وفي الوقت نفسه أسباب تطورها، وكيفية معالجة بعض القضايا الساخنة.
بين الكاتب والقارئ، بين المفكر والمتلقي ثمة خط أحمر صغير نحاول قدر الإمكان احترامه هو: الأسلوب. هناك من يحاول أن يعبر عن غضبه مما يقرأ، بعبارات جارحة وبذيئة مما نضطر الى عدم نشرها. وهناك أولئك الذين يتربصون بكتاب ليس من "حزبهم"، ما إن تظهر مقالة لأحد هؤلاء الكتاب، حتى تأتي تعليقات أولئك المتربصين جاهزة، وأحيانا حتى قبل ان يقرؤوا المقالة.... هنا أيضا نحاول قدر الإمكان عدم نشر هذه التعليقات الملفقة... وإن أحيانا يفوت على احد مسؤولي نشر التعليقات فينشرها ظنا منه بحسن نية كاتب التعليق... ولحسن الحظ استطعنا رصد عدد من كتاب تعليقات يكتبون بعدة أسماء فقط للإساءة، ونبهنا قسم التعليقات بعدم نشر تعليقاتهم. وعندما يصلنا اعتراض من كاتب مقال على تعليق يجده هو مسيئا له، نحذف التعليق فورا.
هناك من يطلب منا أن نعتذر على نشر تعليق يظنه مسيئا إلى سمعته ووضعه الاجتماعي، ويجعل من هذا التعليق الذي تم حذفه بأمر منه، خطرا يهدد حياته. لم أشعر بأية أذية عندما كتب قارئ تعليقا، على مقالي "دان باغيس: 10 قصائد نثر"، يتهمني فيه بالضلوع في المؤامرة الصهيونية على الثقافة العربية. لم اطلب حذفه، ذلك لأن من حق كل قارئ أن يطرح تأويله لما يقرأ.. وبفضل هذا التعليق الخاطئ جرت مناقشة مفيدة بين القراء.
ثمة من يطلب أن نغلق خانة التعليق عندما ننشر مقاله، ناسيا أنه يكتب بروح استفزازية ويريد منا أن نتواطأ معه بإعطائه مساحة يستفز فيها كل القراء، ونمنع القراء من إبداء آرائهم. أين هي حرية الرأي، إذا، في هذا المطلب؟
ومن الجهة الأخرى، هناك القارئ الذي يتهمنا بعدم نشر مقاله لأننا متعصبون لهذا الاتجاه أو ذاك... ناهيك أن المتناوبين على نشر التعليقات، وإن يختلف تحليل واحدهم عن تحليل الآخر، خاضعون لقواعد ثابتة في ما ينشر وما لا ينشر. ويؤدون واجبهم خارج أي اعتبار شخصي أو انتمائي.
يجب عدم الخلط بين مقال مكتوب وافقت إيلاف على نشره من باب حرية الرأي (تقع مسؤولية ما جاء فيه على عاتق الكاتب نفسه)، وبين تعليق يأتي من قارئ افتراضي. نحن نتحمل مسؤولية الاعتذار عن مقال نحن قمنا بنشره، وأي رد عليه أيضا ننشره من باب حق الرد، لكننا لا يمكن ان نعتذر عما يُنشر من تعليقات هي قبل كل شيء تعليقات عامة من جمهور القراء، تتراوح بين الحدة والمدح والذم، وهنا تكمن جماليتها المرّة. ليتصور كاتب أنه في اجتماع عام ويحضره عشرات المستمعين، هل يستطيع منع أحد الحاضرين من إبداء رأي حاد ضد كلمته؟
ليس هناك من كاتب لا يتمنى ان يكتشف أن مقاله أثار زوبعة وجاءت عليه تعليقات كثيرة. وليس هناك من قارئ لا يشعر بالسعادة أن تعليقه تم نشره. أتذكر أن كاتبا عندنا استغرب ذات مرة من عدم وجود تعليقات على مقال له. قلت له: هناك تعليقان كلاهما ذم, قال انشرهما لكي أعرف الخطأ في مقالي، أو السبب الذي دفعهما الى ذمي.
نحن فتحنا إمكانية التعليق على كل ما ينشر في إيلاف لكي يفهم قراؤنا بأن كل ما ينشر في إيلاف خاضع للمناقشة وللرفض والقبول، وأن "إيلاف" تؤمن بحرية الرأي شرط أن تكون ممارسة هذه الحرية ضمن الاتزان الأخلاقي واحترام الرأي الأخر... ونعتذر عن كل خطأ في حال ارتكابه، مع أننا سرعان مانصحيحه.