أصداء

هل تفرض تركيا الأردوغانية منطقها على العالم؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

رجب طيب اردوغان، رئيس الوزراء التركي، يستميت في وصف حزب العمال الكردستاني بالإرهاب. همه جر كل من يقابلهم الى صف حكومته و"تحصيل" مواقف منهم، تعادي العمال الكردستاني او تصفه ب"الإرهابي" و"القاتل" و"الخارج على القانون". والرجل لايناور فقط من منطلق سياسي معلوم، لكنه وفي صلافة تعكس سمات اسلافه العثمانيين الأجلاف، يحاول فرض رأيه على الآخرين والتدخل في قوانينهم أو اتهامهم ب"التساهل مع الإرهاب للنيل من تركيا"، في حال رفض هؤلاء املاءاته الفارغة. فعلّ اردوغان ذلك بشكل كاريكاتوري حينما طلب من رئيس الوزراء الدنماركي اندريس فوغ راسموسن طرد مراسلة فضائية (Roj tv)، فكان من نظيره الدنماركي ان رد عليه بكل برود "ان الصحفيين احرار في الحضور والمشاركة وطرح الأسئلة" وانه "لايوجد قانون في الدنمارك يمنح رئيس الوزراء حق طرد الصحفيين من المؤتمرات الرسيمة"، فما كان من اردوغان سوى مغادرة المجلس، لحفظ ماء وجههَ!.

في الضغوط التركيةعلى العراق، في خضم الأزمة الحالية، تبدو الصورة مضحكة وبشكل خاص فيما يتعلق بالضغوط الممارسة على الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان بغية دفعهما لإعلان الحرب على قوات حزب العمال الكردستاني. تلك الحرب التي لم ينجح الجيش التركي، وهو ثاني اقوى واكبر جيش في حلف الناتو، من القضاء عليها منذ 15 آب 1984.

قوات اردوغان تتحشد على حدود العراق والجماعة في بغداد يرتعدون من الخوف رغم احتمائهم ب150 الف جندي اميركي وبأساطيل العم سام التي تجوب الخليح في انتظار ساعة الصفر القادمة وضرب النظام الإيراني. اردوغان "حصلّ" تنازلاً مضحكاً من العراقيين: هؤلاء اغلقوا مقرين لحزب الحل الديمقراطي الكردستاني في كل من اربيل والسليمانية. والحزب الضحية هذا، الذي قالت بغداد انه تابع للعمال الكردستاني، حزب عراقي مسجل في البلاد وشارك في العملية السياسية واعضاءه كلهم عراقيون. المفارقة الصارخة هنا، هو ان حكومة اردوغان ـ في الوقت الذي تتدخل فيه بشكل سافر في الشأن السيادي العراقي وترغم المالكي وقيادة اقليم كردستان على اغلاق مقريّ الحل الكردستاني ـ يجاور نوابها 23 نائباً من حزب المجتمع الديمقراطي المصنف من قبل العدالة والتنمية بانه "واجهة العمال الكردستاني السياسية في البلاد". وهذا الحزب يسٌيطر على 56 بلدية كبرى في كردستان الشمالية( من بينها دياربكر وباتمان وديرسم) وهو ذو شعبية طاغية في اوساط جماهير العمال الكردستاني ومؤيديه. الحل الديمقراطي الكردستاني العراقي تٌغلق مقاره خوفا من تهديدات اردوغان، والمجتمع الديمقراطي القريب من العمال الكردستاني ممثّل في البرلمان التركي ويجاهر بمدح العمال الكردستاني و"خطوات الحل التي يخطوها"، فيالها من مفارقة، وياله من "عراق جديد" هذا الذي نشاهده الآن..!!.

اردوغان يريد جني الثمار وتحقيق الأهداف المعلنة بالتهديد. هذا ماقاله مراد قره يلان المسؤول الأول في العمال الكردستاني. وهذا الذي يحصل الآن. المالكي الذي لايستطيع السيطرة على (المنطقة الخضراء) يهدد بضرب العمال الكردستاني والقاء القبض على قادته وتسليمهم لتركيا..بمعنى انه سينجز ماعجز عنه الجيش التركي الجبار طيلة 23 عاماً من الصراع مع مقاتلي العمال الكردستاني.

حزب العمال الكردستاني اطلق سراح الجنود الأتراك الثمانية الذين وقعوا في قبضة مقاتليه في اول محاولة للقوات التركية بالتوغل في اقليم كردستان. المحاولة الباهضة الثمن، التي كلفت الجيش 36 قتيلاً وعشرات الجرحى و8 اسرى، وفق حزب العمال الكردستاني. ورغم ان الجيش التركي وحكومة اردوغان كانا يكرران دائماً بان اسرائيل عمدت للهجوم على لبنان من اجل انقاذ مجنديهّا ايهود غولدفاسر وجلعاد ريغيف، فكيف بتركيا اذن، التي قتل العمال الكردستاني اكثر من 50 جندياً من جنودها في غضون بضعة اسابيع؟. لكن الأمر ظهر جلياً حينما اسرت القوات الكردية الجنود الأتراك الثمانية. رفض الجيش التركي الأمر في البداية وانكر الواقعة حتى اعلن العمال الكردستاني اسماء هؤلاء الجنود ونٌشرت صورهم في (Roj tv). وقال الجيش بعد ذلك ان 8 من جنوده فقدوا اثناء المعركة.

والطامة/الفضيحة جاءت بعد ذلك حينما اطلق المقاتون الكرد سراح اسرى الجيش التركي، فنشرت المؤسسة العسكرية على موقعها الإلكتروني بعد ساعات "ان جنودنا المفقودين قد تم الإتصال بهم مجدداَ"..!!. وتقول مصادر خاصة قريبة من عائلة بعض الجنود "ان هؤلاء يحاكمون الآن في انقرة بتهمة الخيانة العظمى، وقد يواجهون السجن المؤبد بتهمة الإستسلام للمقاتلين الكرد وانتقاد الحرب التركية في كردستان، في احاديثهم لRoj tv" !. فأي استهتار هذا بارواح الناس ياترى؟ وهل كانت اسرائيل( التي يحاول الجيش التركي الإقتداء بها) تفعل نفس الشيء، ام انها لاتتوانى عن استبدال ومقايضة المئات من الأسرى العرب بجثة مجند يهودي؟.

ولم نخلص من المالكي وتنازلاته المجانية و"زعبراته" الجوفاء حتى جاء الرئيس الأميركي جورج بوش الذي وصف العمال الكردستاني بانه "عدو للولايات المتحدة"!. ولايعرف المرء كيف اصبح العمال الكردستاني عدواً لواشنطن، وهذا الأخير لم يقم باي عمل يعادي اميركا على الإطلاق؟. ولعلم بوش الذي لم يكن يعرف الفرق بين السنّة والشيعة حتى بعد تدخل قواته لضرب نظام صدام حسين، فإن الكرد هم الوحيدون الذين يرفعون صوره واعلام بلاده، في الوقت الذي تٌحرق فيه صوره واعلام بلاده في معظم بلاد العالم وعلى رأسها تركيا. وتظهر استطلاعات الرأي ان الشعب التركي هو من اشد الشعوب كرهاً لأمبركا وعداءاً لسياساتها في المنطقة. ومراكز البحوث في اميركا تعرف هذه الحقيقة. ولم يقل بوش لماذا استقبل اردوغان خالد مشعل رئيس حركة حماس الفلسطينية في اسطنبول في 16 شباط 2006 مع ان واشنطن تعتبر حماس "منظمة ارهابية"؟.

والحال ان الولايات المتحدة ستخطئ خطئاً كبيراً فيما لو جارت النظام التركي وشاركت في ضرب قوات حزب العمال الكردستاني. وهي ان قررت ذلك ستخسر الشعب الكردي وستستعديه. فالعمال الكردستاني يٌسيطر على الساحة السياسية في تركيا وايران وسوريا. وهو(أي: حزب الحياة الحرة الكردستاني) رأس الحربة ضد النظام الإيراني الشمولي، اعدى اعداء بوش. بينما ترفض انقرة ضرب ايران مثلما رفضت ضرب النظام العراقي، وهي التي خذلت اميركا عندما منعت عبور القوات الأميركية لأراضيها لإسقاط نظام صدام.

السياسي الكردي المخضرم محمود عثمان حذر من "خطة اميركية ـ تركية تستهدف العمال الكردستاني وتتطلع لتوريط قوات البيشمركة الكردية في المواجهة". عثمان قال "ان هدف تركيا هو ضرب الكرد بالكرد والفتك بمنجزات اقليم كردستان".

وحقيقة الأمر، يجب على حكومة اقليم كردستان التمسك بموقفها الرافض الدخول في أي مواجهة مع العمال الكردستاني اوتقديم المعلومات لأعداءه او وسمه بالإرهاب. فالعرب الشيعة في العراق يرفضون وسم "حزب الله" اللبناني او "الحرس الثوري "الإيراني بالإرهاب، كما يرفض العرب السنّة وسم "حماس" و"الجهاد الإسلامي" الفلسطينيتين بالإرهاب.

من المهم والحيوي الإصرار على الموقف القومي المتقدم لرئيس الإقليم مسعود البارزاني في رفض الإقتتال الكردي ـ الكردي والإصرار على مقولة "ان العمال الكردستاني ليس ارهابياً"، لأن الكرد كلهم لايجدون في العمال الكردستاني او غيره "منظمة ارهابية". والكرد لن يسامحوا اي طرف كردي ينخرط في حملة مع اعداء الكرد ضد طرف كردي آخر.

والمصلحة الإستراتيجية للأمة الكردية تقول ان العمال الكردستاني هو قوة وظهر للمنجز الكردستاني في الإقليم، بقدر ماهو المنجز الكردستاني عمق للثورة الكردية الناهضة في كردستان الشمالية...

طارق حمو
tariqhemo@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف