The French connection
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
"الاتصال الفرنسي"، (The French connection ) اسم فيلم شهير اكتسح شاشات السينما عام 1971، مبني على رواية حقيقية تتحدث عن تحقيق اميركي - فرنسي في جرائم كبرى، وعن صراعات وصفقات بين نيويورك وباريس وعواصم اخرى انكشفت اسبابها في النهاية... لكن الجريمة استمرت.
و"الاتصال الفرنسي" الاخير الذي تم بين موفدين شخصيين للرئيس نيكولا ساركوزي وبين الرئيس السوري بشار الاسد، مبني ايضا على رواية حقيقية ومخاوف حقيقية وتحذيرات حقيقية. هو اتصال قائم على وضع شهد جرائم كبرى، وعلى مخاوف من انفجارات اقليمية ودولية، وعلى الدعوة الى اغتنام فرصة التعاون الآن كي لا يكون التعاون مستحيلا في ما بعد.
"النتائج كانت مفيدة للبنان"... قالها الموفدان الفرنسيان لمن تحدث معهما، فهما وضعا خريطة طريق بالآلية وافق عليها الاسد الذي لم يتخل لحظة عن كلمة "التوافق" وهو يحدد مواصفات الرئيس.
فرنسا ستراقب، سترصد، ستتصرف. تصريحات قوية، بل ذهب كثيرون الى اعتبار اللهجة الفرنسية التحذيرية العالية ضد دولة مثل سورية "غطاء لتمرير صفقة" ترتكز على تأجيل المحكمة الدولية في مقابل تمرير الاستحقاق الرئاسي اللبناني. اي بمعنى اصح ان تعطي سورية من كيس غيرها وتأخذ لكيسها.
لم يتوقف الموفدان كثيرا ربما عند كلمة "توافق" التي وردت على لسان الاسد، ووردت ايضا في النقاط التي قيل ان وزيري خارجية فرنسا وسورية "توافقا" عليها في لقائهما في اسطنبول. ففي المعنى الحرفي للكلمة الجميع مع التوافق والاتفاق، لكن في المعنى السياسي يصبح "التوافق" قضية اخرى تماما تتعلق بعدم قدرة الحكومة اللبنانية على اتخاذ اي قرار من دون موافقة حلفاء سورية في لبنان، سواء تعلق الامر بتعيين موظف او بشن حرب، مرورا طبعا بانتخاب رئيس بشروط ومواصفات معينة لضمان البعد المعطل في كل المؤسسات.
وبعيدا من تقنية "التوافق" وتكتيكاته، لنتوقف قليلا عند حديث الصفقات الذي تنفيه في العادة كل الاطراف بعدما تجهد لتسريبه. فالسقف الذي تم رفعه (عبر التسريبات لا التصريحات) يقضي بان تعمل فرنسا جاهدة لتأخير المحكمة الدولية او في افضل الاحوال لاعتماد النموذج الليبي في مقابل تسهيل سورية انتخاب رئيس للبنان.
هنا لا بد من القول ان المحكمة لم تنشأ بطلب فرنسي كي تتأخر بطلب فرنسي، ثم انها - وهو الاهم - لم تنشأ بطلب دولي ضد جهة معينة بل بطلب لبناني لكشف جريمة طالت شخصية بحجم الشهيد رفيق الحريري. فاللبنانيون هنا لا يمكن اعتبارهم مثل رابطة اهالي ضحايا طائرة "بان اميركان" فوق لوكربي او رابطة اهالي ضحايا طائرة "يو تي اي" فوق النيجر... هم شعب وليسوا رابطة، وهم عبر حكومتهم حملوا قضية المحكمة الدولية الى كل العالم من اجل وضع حد لمسلسل الاغتيالات والارهاب، وربما لذلك كان مطلوبا شل الحكومة وتعطيلها وبالتالي نزع صفة تمثيل اللبنانيين عنها لسحب البعد اللبناني من موضوع المحكمة وحصره في البعد الدولي القادر جسمه على "لبس" الصفقات والتسويات من اجل قضايا اخرى مثل بيع السلاح والطائرات وشراء النفط وخلافه، وهي القضايا التي حصرت جريمة لوكربي بمتهم واحد يجري العمل على تبرئته ايضا.
الموضوع الثاني هو "بيع" سورية لفرنسا تسهيل انتخاب رئيس. الواقعية هنا مطلوبة من فرنسا وليس من سورية هذه المرة، اذ ان الرئيس اللبناني لن يقدر على الحكم اذا استمرت التركيبة السياسية اللبنانية بالشكل الحالي حتى لو كان عضوا في 14 آذار. ولنتخيل ماذا يمكن ان يفعل الرئيس المقبل (الذي سهلت سورية وحلفاؤها في لبنان انتخابه) اذا قرر "حزب الله" ضبط قرارات الحرب على ساعته الاقليمية، او كيف يمكن ان يحكم اذا قرر الحزب مع التيار الوطني الحر وحركة امل الاعتصام في قلب بيروت وشل قلب العاصمة وتخصيب مناخات عصبية، مذهبية وسياسية، ربما ادت الى حروب صغيرة او كبيرة.
ثم الم تتعلم فرنسا - وتحديدا فرنسا - ان الصفقة التي تبدأ خارج نطاق القيم التي تنادي بها، تجعلها كدولة رهينة هذه الصفقة. فما قد يحدث في لبنان لاحقا سببه "اللبنانيون" لا سورية، وستضطر فرنسا الى تكثيف اتصالاتها بدمشق لتطوير شروط الصفقة ببنود جديدة من اجل لجم التطورات المتسارعة وصيانة "الاولويات" خصوصا ان آلاف الجنود الدوليين يتمترسون في الجنوب وان التطورات في المنطقة تقتضي فصل المسارين السوري والايراني.
وستقابل فرنسا "حرص" سورية على تكثيف اتصالاتها مع حلفائها في لبنان بتكثيف اتصالاتها مع دول العالم لاقناعها بضرورة تغيير سياساتها مع سورية وصولا، ربما، الى تلزيمها الملف اللبناني بالباطن ولو من دون وجود عسكري مباشر طالما ان حلفاء سورية في لبنان يقومون بهذا الدور بشكل افضل.
موضوع الرئيس اللبناني الجديد عمليا وواقعيا هو تفصيل في مسيرة اكبر بكثير، فالمشكلة ليست في الوجوه والاشخاص والبرامج بل في استمرار التركيبة السياسية على ما هي عليه من قدرة على التعطيل الداخلي بدعم سوري. وتصوير معركة الرئاسة بالمعركة الفاصلة او المصيرية هو الذي اعطى حديث الصفقات الدولية صدقية معينة رغم النفي الفرنسي الحاد والمباشر لها، فالانتخابات معركة لكن لبنان يحتاج الى تحرير فعلي للارادة السياسية.
"الاتصال الفرنسي" الحالي قد يختلف عن "الاتصال الفرنسي" السابق، ومع ذلك فالنتيجة قد تكون واحدة. صراعات وصفقات بين الدول والعواصم انكشفت اسبابها في النهاية... لكن الجريمة استمرت.
علي الرز