الحب في زمن تركيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبد الله غل الرئيس التركي، وفي كلمة عبر فيها عن الهدف الحقيق وراء سعيه للجمع بين كل من الرئيسين الإسرائيلي شمعون بيريز والفلسطيني محمود عباس في انقرة، قال "ان تركيا تريد التوفيق بين الجانبين وتقريب وجهات النظر بينهما بغية تحقيق تقدم في مفاوضات السلام والوصول لحل القضايا العالقة ونشر السلام والمحبة في المنطقة". وتبدو هذه الكلمات نشازاً حين تٌقارن الآن باصوات قعقعة السلاح في ارض وريثة ملك بني عثمان، وكم مايصدر عن تركيا من تهديدات بالغزو العسكري والتوغل في اراضي اقليم كردستان العراق. ماهو نشاز ايضاً هو هذا الموقف التركي الرسمي في تلميع صورة البلد وابراز مواهب دبلوماسيتها امام الأميركيين والغرب و"الدق" على وتر واشنطن الحساس هذه الأيام: السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي والجهود الرامية لإنجاحه!.
ويبدو ان تركيا الأليفة/الدبلوماسية قد اوكلت مهمة تسويق سياسة "الإعتدال" و"التدخل السريع في الأزمات" لعبد الله غل رئيسها المنتخب، والذي ينأى بنفسه عن بعض الشأن العسكري/ التهديدي تاركاً المهمة لرئيس الوزراء، زميله رجب طيب اردوغان، الذي يتكلم في الشأن العسكري ويهدد اكثر من جنرال الحرب يشار بويوكانيت نفسه.
التقارب الإسرائيلي ـ الفلسطيني اذن هو عنوان "طلة" انقرة على المنطقة. وهذا العنوان يتيح تحقيق عدة اهداف: اولها التودد لإسرائيل ورئيسها "المعتدل" شمعون بيريز و"افهام" تل ابيب بان حبل المودة القديم لم ينقطع بعد، وانه من المهم بمكان التدخل لدى اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة هذه الأيام للضغط على الساسة واصحاب القرار في الكونغرس لثنيهم عن الإعتراف بمجازر الأرمن واتهام العثمانيين بإبادة الأرمن. والثاني، هو ايصال رسالة الى ادارة بوش بان انقرة مازالت قريبة من تل ابيب وتعمل معها يداً بيد لإنجاح مؤتمر السلام العتيد، بعيداً هذه المرة عن كل من دمشق وطهران..
ثمة كذلك تودد الى الجانب العربي، او العربي المؤثر: مصر والمملكة العربية السعودية حصرياً. فتركيا تحاول تحقيق "شيء" للفلسطينيين و تقديم خدمة لمشروع "عرب الموالاة" في وجه خطط "محور الممانعة" الذي تتعامل معه انقرة فقط من الواجهة العسكرية: اي حينما يظهر اردوغان وبويوكانيت ويختفي غل عن المشهد تماماً. وزيارة العاهل السعودي الملك عبدالله لأنقرة وتلقف المسؤولين الأتراك لها دلالة على "الدور التركي المرن" القادم لتعزيز موقف وسياسة "الدول العربية المعتدلة" في الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي حصراً، وبشكل خاص.
بعض الإعلام العربي رحب بالموقف التركي الجديد و"المساعي المبذولة" لحلحلة الأوضاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. البعض من المنابر الإعلامية القومية والإخوانية الهوى، اعتبر هذه الخطوة التركية "بشائر عودة تركيا الى العرب والعالم الإسلامي"، واسهب في وصف سياسة أوروبا الصادّة لطموحات تركيا وآمالها في الإنضمام ل"النادي المسيحي". لكن الأمر لم يكن كذلك. والتوصيف لم يكن موفقاً حقاً اذما علمنا ان للزيارة وجهاً آخراً وهو الجانب العسكري. ففي الحين الذي كان بيريز ينسل فيه الى قصر الرئاسة في انقرة وهو يبتسم امام الكاميرات، كان الضباط الأتراك والإسرائيليون منهمكون بالتفاوض حول امكانية استفادة تركيا عسكرياً (وتجسسياً) من خدمات القمر الصناعي الإسرائيلي (أفق) وشراء صواريخ (آرو) الحديثة.
في الوقت الذي تحاول فيه تركيا فتح جبهة حوار مع الفلسطينيين (ومن ورائهم العرب) والإسرائيليين (ومن ورائهم الأميركيين)، تمضي في اعلان حربها الشاملة على الشعب الكردي والإصرار على ضرب حزب العمال الكردستاني وقواته والتمركز في اقليم كردستان بشكل دائم. ورغم انها تستقبل وفوداً من حركتي "حماس" و"فتح" الفلسطينيتين وتمارس نفوذها في خلق تهدئة مع اسرائيل، لكنها ترفض دعوات العمال الكردستاني في التفاوض والحوار من اجل ايجاد مخرج للأزمة الحالية والبحث عن حل مرض للقضية الكردية، وذلك بحجة انها لاتتحاور مع "منظمة ارهابية". وحققت انقرة نجاحا في ممارسة الضغوط على العراق بان دفعت بغداد لإغلاق مقار حزب عراقي (بحجة انه قريب من العمال الكردستاني)، بينما يمٌثل حزب المجتمع الديمقراطي( الواجهة السياسية للعمال الكردستاني، كما تعلم انقرة) في البرلمان التركي بثلاثة وعشرين نائباً!. فالديمقراطية التركية والخوف من الإتحاد الأوروبي لايسمحان بطرد البرلمانيين الكرد واغلاق حزبهم، لكن البأس والتمادي من جهة انقرة، والخنوع والإذعان من جهة بغداد ينجحان في اصدار قرار اغلاق حزب الحل الديمقراطي الكردستاني العراقي...
تركيا تتحدث بلسانين. الأول ينطق بالمودة والمحبة و"ضرورة حل الأزمات سلمياً"، والثاني يهدد ويتوعد الكرد بالغزو والحصار وقطع السلع والكهرباء عملاً بمسلمات وأسس الجمهورية الرافضة لأي حق او هوية كردية. والأرجح ان المواجهة باتت قريبة، رغم قدوم فصل الشتاء المحبب لدى المقاتلين الكرد، وان تركيا ستعامل الأكراد، كالعادة، بمزيد من القصف وقنابل النابالم والضربات الجوية والمدفعية. وهذا الإجراء هو نوع آخر من "الرغبة في السلام" و"الحب" التركي الذي تحدث عنه عبدالله غل في كلامه الموجه للعالم الغربي "المتحضر" جداً....
طارق حمو
tariqhemo@hotmail.com