الصراع بين بينظير ومشرف حقيقي أم زائف؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كان الرئيس مشرف ينوي على حد قوله تحسين وضع البلاد وضبط الانفلات الأمني بفرض حالة الطوارئ إلا أن ذلك القرار زاد من مشاكله بدلا من مساعدته في السيطرة على الأوضاع.
والآن وبعد مضي أقل من أسبوعين من تلك الحالة بدأ يحس بأن الخناق بدأ يضيق عليه من كل جانب: من القوى الغربية التي تسانده من أجل دوره في الحرب على الإرهاب ومن جانب حلفائه في البلاد حيث إنهم تمكنوا من دفعه إلى تغيير موقفه من الانتخابات المقبلة إذ اضطر إلى إعلان الانتخابات في 9 يناير من العام الجديد. وقد أكد قبل ذلك أنها ستجرى إلى 15 فبراير القادم. وهذه الأمور إذا تدل على شيء فهو إن الأوضاع ليست بتلك التي كان ينويها.
وقد تعرض لمعارضة شديدة من جانب التحالف الحاكم ولاسيما حزب الرابطة (القائد الأعظم) الذي يقدمها كالقوة السياسية الوحيدة في البلاد والذي بدوره لا يعرف سوى المصادقة على قرارات الرئيس التي يتخذها أولا ثم يكسب ثقته. هذا ما جرى منذ السنوات الخمسة الماضية؛ بيد أن فكرة تعاون ذلك الحزب مع مشرف بدأت تتغير عندما بدأ غرامه السياسي مع حزب الشعب على الرغم من معارضة حزب الرابطة. وذلك ما أشعر حزب الرابطة بأن الجنرال الذي أيدوه على صواب وخطأ لا يمكن الوثوق به إذ سياساته سوف تقود الحزب إلى انتحار سياسي بنهوض حزب الشعب الباكستاني مرة أخرى كحزب شعبي بمساعدته.
وكان انزعاج الحزب واضحا بعد هبوط بينظير بمطار كراتشي في 18 أكتوبر الماضي حيث لم يدع رئيس حكومة بنجاب شودري برويز إلهي أي فرصة للتنديد بحزب الشعب وسياسات بينظير حتى اتهمها بالخيانة واختلاس أموال الدولة وخداع الشعب؛ إلا لم يكن أحد ليسأله عمن فسح لها طريق العودة إلى البلاد وعلى من ينبغي أن يُلقى اللؤم.
وردا على تلك الاتهامات والتصريحات العنيفة اتهمت بينظير برويز إلهي إلى جانب البعض الآخر من حزب الرابطة بالتآمر لاغتيالها عن طريق التفجيرات التي أودت بحياة أكثر من 140 ناشطا لحزبها في أثناء توجهها إلى ضريح محمد علي جناح مؤسس باكستان بعد خروجها من المطار.
ومن المثير أن الجنرال مشرف بقي يتفرج على تبادل الاتهامات بين أصدقائه القدامى والجدد ولم يوص أحدا بالتوقف عن ذلك سوى أنه أقنع الحرس القديم بأن تحالفه مع بينظير لن يضر بحزبهم. وأمر آخر أكثر غرابة من ذلك هو أن الحزبين أعلنا أنهما سيخوضان الانتخابات ضد بعضهما البعض مع إمكانية تقاسم السلطة بعد الانتخابات. كل هذا كان قبل فرض الطوارئ في 3 من الشهر الجاري لكن السيناريو الحالي يبدو كأنه بدأ في التغير.
تحظى بينظير بوتو بحماية تامة من قبل الحكومة إلى جانب منحها احتراما مثل رئيس وزراء حالي رغم أنف غضب الحزب الحاكم عليها. أضف إلى ذلك أنها الزعيمة الوحيدة في المعارضة وخارج البرلمان التي تسنت لها فرصة لقاء مع الدبلوماسيين الأجانب في قاعة مجلس الشيوخ.
ومن جهة أخرى فإنها نفسها وقياديي حزبها لا زالوا خارج السجون. وإذا ما فرضت عليها الإقامة الجبرية فإنها أيضا من المتوقع أن ترفع بسرعة. وفي حين يعيش نوازشريف في المنفى مع رغبته الشديدة في العودة إلى البلاد نشرت كلمة بينظير التي ألقتها عبر الهاتف من مقر إقامتها الجبرية بمدينة راولبندي على القناة الرسمية. وهذا أيضا يدل على أن أمر الصفقة بينها وبين مشرف لا يزال قائما.
والتطور الجديد هو رفض بينظير اللقاء وإجراء المحادثات مع مشرف مبررة بعدم نزوله عند وعوده التي أخذها على نفسه أثناء المفاوضات المتعددة القنوات والتي أدت إلى جمعهما تحت لواء واحد ومهدت الطريق لعودة بينظير إلى البلاد؛ لكن لا يتفق المحللون على أن يكون ذلك الأمر دليلا على نشوء خصومة بينهما. وذلك لعدة أسباب:
أولا: أن بينظير تعرف جيدا أن الجنرال مشرف هو الذي أنقذها من جميع قضايا الفساد عن طريق إصداره مرسوم المصالحة الوطنية الذي قد علقت المحكمة العمل به.
ثانيا: أن إبداء الخصومة للجنرال سيزيد من شعبيتها، إذ كادت تواجه فشلا سياسيا لو لم تكن تفجيرات كراتشي التي حولتها إلى بطلة.
ثالثا: أن القوى الدولية وعلى سبيل الخصوص الولايات المتحدة وبريطانية تقنعان على أن التقارب الفكري بين مشرف وبينظير حقيقي ؛ ومن أجل ذلك يجب جمعهما في بوتقة تحالف لتقاسم السلطة للحفاظ على المصالح الغربية ولاسيما الحرب على الإرهاب.كما أن الولايات المتحدة تبذل كل جهودها لتكون لبينظير حصة الأسد في التشكيلة التالية للحكومة في باكستان.
وفي هذا الصدد لا يخفى على أحد التصريحات الأمريكية من أوساط مختلفة تطالب مشرف برفع الطوارئ ومنح " المعتدلين " فرصة للوصول إلى الحكم عن طريق انتخابات نزيهة حرة. وكمحاولة قوية أخرى يتوقع أن نائب وزيرة الخارجية الأمريكي جون نيغرو بونتي سيصل إلى العاصمة الباكستانية نهاية الأسبوع الجاري لنقل القلق الأمريكي إلى المسؤولين الباكستانيين على الطوارئ والوضع السياسي المكبوت في البلاد.
ويرى المراقبون أن مشرف لم يقدم موعد الانتخابات العامة إلا بسبب عدم قدرته على الصمود أمام الضغوط الخارجية والداخلية عليه من شأنها دفع البلاد إلى الجادة الديموقراطية. وقد لوحظ ذلك الأمر خلال مؤتمره الصحفي الأخير حيث اضطر إلى تجفيف العرق من على جبينه مرات مع أن الجو في العاصمة الباكستانية ليس حارا.
ولا تفوتنا الإشارة إلى تصريحات لشيخ رشيد أحمد وزير القطارات الباكستاني وأحد المقربين من الرئيس مشرف وقد أدلى بها في أثناء مقابلة مع إذاعة الـ بي بي سي ردا على سؤال حول المفاوضات بين مشرف وبينظير. فقد قال:" إن بينظير متعودة على تغيير تصريحاتها.مساء تقول لا تفاوض مع مشرف وفي الصباح الباكر تتصل به. إذا تسألون عن تفاهم بين شخصيتين فأقول نعم هناك تفاهم. وإذا تسألون عن التفاوض بين حزبين فأقول:لا. ليس هناك أي تفاوض من هذا النوع".
وقد نقلت الصحافة المحلية تقارير مفادها أن التفاهم بين مشرف وبينظير سيبقى إلى ما بعد الانتخابات والدليل على ذلك أن قصر الرئاسة قد وجه إلى مكتب المحاسبة الوطني المسؤول عن قضايا الفساد المالي بعدم تنشيط ملف قضايا بينظير وعدم المثول أمام المحاكم لمتابعتها إذا ما أرادت عقد جلسات استماع لها. والجدير بالذكر أن بينظير متهمة باختلاس أكثر من 90 بليون روبية - 1.5 بليون دولار-. وقد ألغيت تلك القضايا تحت مرسوم المصالحة الوطنية بيد أن المحكمة علقت تطبيقه إلى حين البت في وضعه القانوني والدستوري إذ يرى القانونيون أن ذلك المرسوم يعارض الدستور.
والآن وعندما تطلق بينظير تصريحات نارية ضد مشرف وقد طالبته لأول مرة يوم أمس من مقر إقامتها الجبرية بمدينة لاهور أن يتنحى عن الحكم كليا وقد كانت كل تركيزها على بذلته العسكرية قبل ذلك. وتلك التصريحات قد أكسبتها شعبية ومقبولية لدى المعارضة. وقد استهلت جهات مختلفة جهودا لتوحيد كلمة المعارضة؛ لكن الصعوبة في التأييد الأمريكي لمشرف وبينظير في آن واحد.
وقد أشارت تقارير واردة في الصحافة الباكستانية نقلا عن المصادر الأمريكية أن معظمها تريد دورا أساسيا لبينظير في الحكومة القادمة؛ لأنها الوحيدة في صفوف المعارضة - إذا صح تصنيفها فيها - التي يمكن لها أن تواصل خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة خليفة لمشرف على نمطه. والقرار في هذا الصدد سيكون بيد الناخب الباكستاني خلال الانتخابات القادمة إذا أجريت حرة ونزيهة ودون تدخل من قبل " الملائكة والجن" فيها حسب تعبير الباكستانيين؛ لأن صناديق الاقتراع تكشف عن الآلاف من الأصوات حتى في مناطق لا يكون فيه مراكز اقتراع كما حدث غضون الاستفتاء الأخير.
عبد الخالق همدرد
كاتب و محلل باكستاني