فن الاضمحلال عند العرب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
قبل أيام خرج على الناس شيخ سلفي يسمى محمد العريفي وقال في مسألة ضرب المرأة التي يروق لدعاة السلفية التحليق حولها كثيرا. وطار كلامه على جناح عفريت يخفق في ربوع الأرض حتى بلغني وأنا جالسة أرتشف قهوة الصباح في إحدى مقاهي فيينا.
كان الجو باردا والشمس تتجلى بين الحين والآخر من غمامها الحاجب، وتلفاز المقهى يذيع نشرة الأنباء، أصغيت السمع للأخبار المتلاحقة حتى بزغ على الشاشة رجل مشرقي الملامح يتوسط مجموعة من الشباب ويبتدرهم بالكلام وهم متحلقون حوله مهتمون لحديثه، فاعتدلت في جلستي ونظرت خلسة يمنة ويسرة فإذا الناس منشغلون عن التلفاز بأحاديثهم، وعدت أسترق السمع لما يقوله المذيع ترجمة عن هذا الداعية فما هي إلا هنيهة حتى احمر وجهي حتى لكأنه قرص الشمس عند المغيب ثم تتابع وقع الكلام على نفسي فاسود وجهي حتى كأنما أطفأت فيه أنوار الدنيا فهو كظيم.
لم يجد الداعية المصلح من هموم الشرق هما ينشره على الأسماع إلا هما طالما حمله وتفنن فيه بل وألف فيه أبناء هذا الشرق، ذاك هو فن ضرب الزوج لزوجه.
فوالله ما جار خصيم على الإسلام مثلما جار أبناء الإسلام عليه، وما كاد خصيم على الإسلام مثلما كاد عليه دعاته وأحبائه.
كيف لم تحدثه نفسه عن حب الرجل زوجه في الإسلام وكيف أن الديانة حثت عليه ودعت إليه وجعلته من آيات الوحدانية والفردانية " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" والمودة كما يقول الصحابي عبد الله بن عباس هي الحب.
الحب ينفي عن الإنسانية كل حيوانية في المعاملة وهمجية في المعايشة ويهذبها ويأدبها على استعمال اللسان الأنيق في منطقه بدل أذناب البقر وعصي الرعاة.
إن هذه القلوب العربية في جفافها وغلظتها لا تزال على طبيعتها الأولى منذ كان العرب، لم يتمدن منها ويتهذب إلا جماعة انقرضت، وفرد صنيع نفسه، أما الجماعة فقوم صرفوا دهرا في الأندلس وأما الفرد فرجل علم نفسه وأدبها بآداب النفس وتعهد فيها خلق الرفق في كل الشيء.
أيضرب الرجل زوجه ضرب الدابة ثم يواقعها آخر اليوم.
أيضرب الرجل زوجته ثم يبادلها اللقمة عند العشاء.
لقد عاش أهل الأندلس حياة إسلامية لا عهد لمسلمي هذا الزمان بها، كان زمن الأندلس زمنا ملآنا بالحب والجمال والإبداع من أي وجه ابتغيته، وكان الأندلسيون من أعجب خلق الله في التمتع بملاذ الحياة مسترشدين بالحكمة الإسلامية، وأنت لن ترى أحذق منهم في استعمال أدواة الجمال التي أتاحتها لهم الحضارة الإسلامية من لغة راقية وأشعار ندية و ديانة فسيحة المشارب وفقه ميسر متعدد المسارب والمذاهب، وألبسة جميلة مستوحاة من طبيعة البلاد الخلابة، وحب وعشق يفوح أريجه في المرابع والوديان.
وهذه البلاد العربية اليوم تفترش ذهبها الأسود لم تستطع أن تكتب من مداده كلمة مجد تعتز بها بين الأمم، وليس بينها وبين حياة الأندلسيين أدنى شبه.لماذا لماذا
العقول عقول أعراب والبزة إفرنجية، والبنيان في العلالي والعقلية رعوية، لماذا لماذا
يؤسفني ويؤلمني أن أرى مدنا عربية صارت في هيئتها المنمقة وصورتها المزوقة كبعض بلاد أوربا حتى إن الأجانب يحلمون بقضاء عطلهم فيها، ثم أعرف بعد أن العرب لم يبنوا منها شبرا ولم يرفعوا بنيانا بل رفعت وبنيت بأيدي الأعاجم من اليابان وأوربا وأمريكا وما للعربي في ذلك سوى دفع الثمن ثم المفاخرة بين الأقران بما صنع. ولذلك إذا تجولت في بعض المدن العربية الفاخرة رأيت عمرانها ينكر بيئته لأن العقل الذي صممها أجنبي عنها.
أين هم أولئك العرب الذين أبدعوا في فنون هندسة المدن الإسلامية حتى تميزت المدينة الإسلامية بخصائص تميزها عن غيرها. وهذي مدن إسبانيا التي أنشأها العرب تشهد بأن العقلية الهندسية عند العرب كانت جبارة ودقيقة، وانظر إلى حلب وبداعة عمرانها وفاس وافتنان أهلها في ترتيب دورها...
وأين جمال اللباس العربي وتجديده لماذا جمدنا على الألبسة نفسها التي كانت منذ قرون فلم ننهض بها تجديدا وابتكارا حتى جعلناها حبيسة المناسبات، ألم ينهض الأوربيون بالسروال الإفرنجي حتى لم يبق بيت ودر ولا وبر إلا دخله ولبسه البدوي والحضري...
رندة السنيدي