أصداء

العلمانية والأخلاق: رفض تدخل الدين

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

من أبرز ما يميز العصر الحديث، انه يستند إلى أساسين هما: العقلانية، والإنسانية. لذا يسمى عصر العقل، وعصر احترام حقوق الإنسان. وكذلك يسمى عصر الحداثة، الذي من أهم أسسه أنه يستند إلى مرجعية العقل، وإلى أصالة الفردانية.


كذلك ما يميز عصرنا هو أن ميادين العلم والسياسة والأخلاق "تحررت" من أسر رجال الدين، ليس ذلك فحسب بل سار تفسير الدين على نفس المنوال، إضافة إلى "استقلال" هذه الميادين عن الدين أيضا. وهذه التطورات لم تكن لتتحقق من دون بروز أمرين هما: العقلانية، والإنسانية. فمفكرو الحداثة اعتمدوا على أسس غير دينية في تفسير الأخلاق، والتي على أساسها أصبحت الأخلاق علمانية. وتلك الأسس هي: الطبيعة، والعقل.


كذلك صار العصر الحديث يعبر عن فكر يدّعي أن علاقة الإنسان بالباري وبالإنسان الآخر أصبحت متساوية، وأنه لا ولاية أو وصاية لأي إنسان على الآخر. وفي حين اعتبر الإنسان في الخطاب الديني خليفة الله في الأرض، استطاع في الخطاب الحداثي أن يحل محل الباري ومحل الدين في شأن التعاطي مع الموضوعات المتعلقة بمشكلات الدنيا وقضاياها. بمعنى أن كل فرد بات يتحكم بنفسه وبمصيره ومصير مجتمعه، وأن حظوظ كل فرد في إدارة المجتمع الذي يعيش فيه أصبحت متساوية، وأن الثقافة المهيمنة باتت ترفض السماح بوجود مواطن من الدرجة الأولى وآخر من الدرجة الثانية، كذلك ترفض إعطاء فرد ما أو جماعة ما أو فكر ما حق نقض الرؤى والأفكار الأخرى أو حق الوصاية على الحياة.


وفي الوقت الذي كانت "التقوى" هي معيار العلاقة بين الإنسان وبين الباري، فإن المعيار الذي أصبح يتحكم بمسؤوليات الحياة وحقوقها وحرياتها ومشكلاتها وقضاياها هو "العدالة" وليس التقوى. إن هذا الفصل بين الدين وخالقه من جهة، وبين الإنسان وأمور الحياة وقضاياها ومشكلاتها من جهة أخرى، تعلّق في العصر الراهن بالأخلاق أيضا، التي بات قانونها ينطلق من إرادة الإنسان وعلمه وليس من إرادة الدين. وعقل الإنسان والطبيعة أصبحا المرجع في إصدار القوانين الأخلاقية، فلم تعد هناك حاجة للوحي أو النص الديني في ذلك. كما أن التزام الإنسان بالقوانين الأخلاقية بات ينطلق من مسؤولياته الشخصية وتوجهاته العقلانية وإرادته الطبيعية الحرة، وليس من الأوامر الدينية الصادرة إليه. بعبارة أخرى فإن الأخلاق العلمانية وعلمها وقوانينها باتت لا تستند إلى الدين.


من جانب آخر، نجد ان الأخلاق العلمانية أصبحت تعبر عن الأخلاق الاجتماعية، أي الهدف منها هو تحقيق الرفاه والسعادة الاجتماعية الدنيوية ولا علاقة لها بالدنيا الآخرة، في حين تهدف الأخلاق الدينية الإسلامية إلى تحقيق السعادة الفردية والأخروية. لذلك لم يملك الخطاب الديني الإسلامي تصوّرا واضحا حول دور الأخلاق في تنظيم العلاقات الاجتماعية، وهو ما جعله وأخلاقه الدينية غير مباليين بقضايا حقوق الإنسان وانتهاكات الإنسان وظلمه وتعذيبه وقتله لأخيه الإنسان، رغم ان آلية طرد الرذائل زُرعت فيه. فالخطاب الديني الإسلامي حرك الضمير الأخلاقي لمسلمي السودان ضد المدرّسة البريطانية جيليان جيبونز بسبب اسم دمية اعتبر "إهانة" لرمز المسلمين، فيما لم تتحرك ضمائر هؤلاء مع استمرار قتل مئات ألوف المسلمين في دارفور.


ففي حين أن الفردية في الأخلاق لا تتمثل إلا في تهذيب النفس وإصلاح الروح وبث الفضائل في الإنسان وإبعاده عن الرذائل التي من شأنها أن تنقذه من النار في الدنيا الآخرة لا أن تساعده في تنظيم علاقاته الاجتماعية مع الآخرين في الحياة الدنيا وتحقيق رؤى اجتماعية إنسانية، نجد أن الأخلاق الاجتماعية العلمانية لا تركّز في الأصل على إصلاح الروح رغم انها ترى أن الفضائل والرذائل الاخلاقية الفردية لابد أن تخدم في النهاية العلاقات الاجتماعية والسعادة الاجتماعية ورفاه الجماعة. فالأخلاق العلمانية الاجتماعية تركّز "في ذاتها" على تحقيق علاقات أخلاقية إنسانية بين فرد وآخر، أي بين أفراد المجتمع، كما لا يقتصر الأمر بالنسبة إليها على العلاقات الاجتماعية فحسب بل يتعلق أيضا بالمؤسسات الاجتماعية، التي تتعرض للمراقبة والنقد إن هي لم تلتزم بالمعايير الأخلاقية للمجتمع. لذلك فالمؤسسات السياسية والاقتصادية والقانونية في المجتمعات العلمانية لابد أن تبقى تحت مجهر المراقبة والنقد لكي تلتزم بالمعايير الأخلاقية العلمانية.

فاخر السلطان

ssultann@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ضد التدين الغاش
د. رأفت جندي -

لست ضد الدين ولكني ضد الاخلاق الغير انسانية النابعة من تدين البعض والذي يحضهم علي اضطهاد الاخرين المخالفين لهم وقتلهم. وعندما يدعوهم هذا التدين لأن يطلب لهم ان يرمل نسائهم وييتم اطفالهم او حتي الي غير المبالة بمشاعر الآخرين الانسانية فأن هذا التدين يجب الوقوف له ومحاربته. ولكن ان كان تدين البعض يدفعهم الي الاخلاق الحسنة والي العدل مع المخالفين لهم وعدم الغش والتسامح حتي مع الاعداء فمرحبا بهذا التدين.

العلمانية والاخلاق
May -

الدين هدفه الدعوة الى المحبة والسلام والاخلاق السامية والتقارب في المجتمعات, وهو لا يدعو كما يـُقال الى الارهاب وقتل النفس بغير حق وغيرها من الاشياء السلبية والتي يمثلها اعداء الدين. فالدين اذا يمثل الناحية الايجابية في المجتمع ويشجع على التعايش وغيره من كل ما هو اخلاقي ، ولكن المشكلة تكمن في كيفية ترجمة هذا الدين او تفسيره بما يخدم مصلحة الارهابيين في العالم, مع العلم انهم لا يمتـّون الى الدين بصلة سوى التسميه التي يطلقوها على انفسهم.

الترديد
خوليو -

كثير من المسلمين والمسلمات وللدفاع عن التسامح الديني، يرددون ويرددن، آيات لدعم حججهم بالتسامح ، فمثلاً تقرأ في تعليق (ماي) لدعم حجتها ترديدها لآية ومن قتل نفساً بغير نفس (حق) فقد قتل الناس جميعاً، وهنا نسأل (ماي) ماهو هذا الحق الذي يستوجب قتل النفس من أجله؟هل إذا خرجت شابة مع شاب كما حصل مع دعاء العراقية يستوجب الشرع رجمها وقتلها، أم إذا ارتد إنسان ما عن دينه؟ الشرع(الحق ) يبيح قتله فأين التسامح يا ماي؟

بدون زعل ولا حذف !!
المعتصم -

والله لا أقول ذلك من بابا الأهانة أو السخرية ولكن بالفعل هذا المقال ومقالات كثيرة أصبحت أكثر أضحاكا من اجدع نكتة .انا شايف أن زمن النكتة خلاص راحت عليه وأصبح زمن المقالات .أى عصر حديث ده اللى بتتكلم عليه. اللى فيه أحترام لحقوق الانسان والتحرر والبطيخ والكلام الكبير ده.فين الكلام ده لامؤاخذة يابنى العتب على النظر أنا مش شايفه لا برا ولا جوه ولا فوق ولا تحت يعنى ما بنشوف أساميكم ولا مقالاتكم الا لما واحد من الاسياد أصحاب البشرة البيضاء تظنون تظنون أنه ظلم نبدأ نسمع الكلام المرتب والمتفزلك والمتفزلن طيب ما فى ملايين من البشر بتظلم كل يوم وحياتهم سوداء بالأيدى البيضاء لا بنشوف حد يتكلم عن حقوق الانسان ولا يحزنون يا جماعة ما يصحش كدا بطلوا نفاق بئا .مش عينى عينك كدا حاولوا تداروا النفاق شوية يعنى على رأى مسيو عدوية حبه فوق وحبه تحت لكن كله تحت تحت كدا ما يصحش والله بجد أخصى عليكوا أخص.وعجـــــــــــــــــــبى.

العيب في الانسان
jakob -

عزيزي الكاتبليس العيب في الاديان فكلها بشكل او اخر تقود الانسان لصقل غرائزه الحيوانيهلكن العيب عندما يستخدم الانسان عقله \الجزء الانساني فيه/ليتدخل بين الرب والانسان لصالح عرائزه الحيوانيه

صبية الكراهية
برسيم الايلافي -

لقد بدا صبية الكراهية هجومهم على الدين الاسلامي الحنيف سؤالي لهم ماذا فعلت المسيحية في القرون الوسطى من دمار وكم من الابرياء قتلوا على ايديهم

العقلانية استبداد
رشاد القبطي -

الوحي وليس العقل مرجعية المسلم في كل اموره الحياتية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلاقات الدولية الخ ، والعقلاني مرجعيته عقله فما رآه عقله حسنا فهو حسن وما رآه قبيحا فهو قبيح فانه يرى لا باس من الدعارة كاستثمار يجلب الرخاء الاقتصادي وقس على ذلك الخمور والمخدرات الخ وهو لايرى بأسا مثلا في ابادة مليون انسان من اجل الخلاص من شخص واحد ويسمي ذلك آثار جانبية ؟!!! ليست هنا المشكلة ان العقلاني اذا وصل الى السلطة وصار صاحب شوكة وقوه فانه سيصدر ما شاء من فرمانات ومراسيم بما يستحسن وما يستقبح ويلزم الامة بها بالعسف والقهر والقمع ولن يسمح بالرأي الاخر على خلاف الدين الاسلامي الذي يقرر قاعدة من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .

بلا اخلاق وانسانية
اوس العربي -

العلمانية المسيحية مسؤولة عن ابادة مائتين وخمسين انسان على هذا الكوكب اضافة الى نهب الثروات واستعباد الشعوب في مصانعها باجور زهيدة وظروف عمل مقيته باختصار شديد العلمانية عديمة الاخلاق والانسانية .

نسبية الاخلاق
ابو خالد -

الاخلاق العلمانيةهي اخلاق نسبية, و متغيرةحسب الزمان والمكان. والذي يحدد طبيعة هذه الاخلاق هو ارادة الاغلبية من خلال سن القوانين.وهي في الحقيقة ليست الا نظام سلوكيات. اما الاخلاق التي ترتكز على قاعدة دينية فهي ثابتة.يلاحظ في المجتمعات الغربية خاصة امريكانزعة الرجوع الى الاخلاق على اساس ديني بشكل واسع.

الي اوس العربي
د. رأفت جندي -

ماالذي كان في كلام السيد المسيح يشجع او يبيح لبعض المسيحين ان يقتلوا وينهبوا بأسمه؟

إلي رافت جندي
سفروت العجيب ! -

أنت تسال اوس العربي (ماالذي كان في كلام السيد المسيح يشجع او يبيح لبعض المسيحين ان يقتلوا وينهبوا بأسمه؟)والإجابة علي سؤالك تحتاج قراءة العهد الجديد الذي يروي اقوال منسوبة للمسيح عليه السلام ففي انجيل متي 1 الاصحاح العاشر الآية23 نجد هذا النص : (لاتظنوا اني جئت لالقي سلاما علي الارض بل سيفا )ونقرأ في انجيل لوقا 3 الاصحاح الثاني عشر الآية 49:( جئت لالقي نار علي الارض فماذا اريد لو اضطرمت ؟ )وفي انجيل لوقا 3 الاصحاح التاسع عشر الآية 27 نجد هذا النص (اما اعدائي اولئك ، الذين لم يريدوا أن املك عليهم ، فأتوا بهم إلي هناواذبحوهم قدامي ) فما رأيك في تلك العبارات المنسوية للسيد المسيح ؟؟ وهل تنكر أن الحملات الاستعمارية ومنها الحروب الصليبية التي تم خلالها قتل مئات الالوف من المسلمين واليهود كان يقوم بها المتطرفون من مسيحيي الغرب آخرها إقدام الإدارة الامريكية التي يسيطر عليها المحافظون الجدد دعاة المسيحية الصهيونية علي غزو العراق وتدمير مدنه وقراه وقتل وتهجير أكثر من خمسة ملايين عراقي فهل يرضيك هذا وهل هذه السلوكيات تجسد التسامح والمحبة التي تحض عليها المسيحية ؟؟

الخيانة وجهة نظر
رشاد القبطي -

العلمانية تجعل الدين والاخلاق وجهات نظر ؟!! مثل ما فعل اللبراليون الجدد العرب عندما جعلوا الخيانة وجهة نظر والاحتلال وجهة نظر العمالة وجهة نظر ؟؟؟!!!!! وعليه فان الاخلاق وجهة نظر الصدق وجهة نظر الكذب وجهة نظر ؟!! المسلم مرجعيته والوحي والعلماني مرجعيته عقله ؟!!