أصداء

المعضلة المقدسة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

المعضلة المقدسة: صراع الطوائف في العراق وصور للتدخل الإيراني

يمثل الدين في العراق، معضلة اجتماعية مزمنة ترتقي إلى مقام الإشكالية. إذ ينعدم إيجاد حلول واقعية لها إلا في نطاق التخيّل النظري. ولعلّ معضلة الدين هذه، هي من يقف خلف معظم الصراعات السياسية والاجتماعية، التي كانت تتغذى دائماً من انقسام طائفي، ورغبة لدى جميع الطوائف للدفاع عن هويتها الثقافية.


ومع أن هذا الانقسام ليس وليد هذا العهد، إنما نشأ منذ الفتح الإسلامي للعراق في السنة الحادية عشرة للهجرة، لكنه الآن ينشط مجدداً لتدمير مفاهيم الثقافة الحديثة، التي ظلت محافظة على الطابع اللاديني، طوال تاريخ الدولة العراقية المتشكلة في الربع الأول من القرن العشرين.
وهكذا، فإن محاولة الاقتراب من المؤسسة التي تغذي باستمرار جذوة الصراع، هو معضلة في حدّ ذاته. فالمؤسسة الدينية في العراق، تتعامل بشراسة مع كل محاولة لنقد العقل الذي قام بتزوير مفاهيم الإسلام. لأن من عادة الحراس المزعومين لهذا الدين، أن يطلقوا النار على كل محاولة واقعية وعقلانية للكشف عن تهافت المنطق الذي يتأسس عليه. ولكي لا نقع في لبس مفهومي، أقول بأنني لا أتحدث هنا عن: الإسلام/ القرآن، بل عن الإسلام/ التفسير. وقد ذهبتُ في دراسة سابقة، إلى أن متن التفسير قد أزاح شيئاً فشيئاً متن القرآن. وهذه هي الخطوة الأولى، في تأسيس مقتربات العنف في الإسلام، الذي يستند - في ظني- إلى عقل تأويلي في الغالب.

ذ
لا شك في أن كلامي هذا، يبيّن وجود مشكلة في آليات الفهم والمنهج ووسائل المعرفة، ومن جهة أخرى يكشف عن إسلام آخر، تأسس في المخيال الاجتماعي المتدين، الذي حول مادة هذا الدين إلى مادة لينة وصلدة في آن؛ ليتمكن من تمرير رسالة غير إسلامية مطلقاً، إذ يُتَّخَذ الإسلام هنا قناعاً لتحقيق غاية دنيوية ونزعة سيكولوجية مريضة في تقمص دور الإله. وصلدة، لكي يتمكن من الاختباء خلف سور حصين لا يرقى إليه الشك مطلقاً، ولا يطاله عبث العقلانية، بل يمضي ممعناً في سياسة تكثير العبيد/التابعين، الذين يستطيع تحريكهم بكلمة واحدة إن علا صوت النقد والعقلانية.
لعلّ بداية تحوّل الأفكار الإسلامية/الشيعية في العراق، إلى قوة مادية يعتنقها عموم الجماهير كانت بمدينة النجف في السبعينيات، على يد كبير مفكري الشيعة المعاصرين محمد باقر الصدر ( 1935-1980) مؤسس حزب الدعوة (1957)، الذي وضع بذكاء مجموعة من المؤلفات الهادفة إلى تأسيس القواعد الاقتصادية والفكرية والاجتماعية للدولة الإسلامية الحديثة.


برز اسم محمد باقر الصدر في ظل نظام سياسي شمولي بالعراق، وكان ذلك النظام القومي العلماني يتوجس من أفكاره الداعية إلى تأسيس دولة إسلامية على وفق مجموعة من المعايير الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك إصداره فتوى بتحريم الانتماء إلى حزب البعث حتى لو كان انتماء صورياً. ونتيجة لمواقفه المتصلبة من النظام القومي العلماني، اعتقل مرتين: الأولى بعد ثلاث سنوات من قيام نظام الحكم البعثي أي في 1971 والثانية بعد ثلاث سنوات من الاعتقال الأول، أي في 1974. وفي العام 1975، منعت الحكومة العراقية الشيعة من التوجه إلى كربلاء مشياً على الأقدام، مما دفع حزب الدعوة إلى خرق هذا المنع في 1977، إذ كنا نشاهد في مدينة النجف طائرات الميغ21 الروسية الصنع، وهي تقوم بقمع الناس الذين كانوا يقومون بما يسمى: البيادة/ المشي على الأقدام، في أثناء أربعينية الإمام الحسين التي يحييها الشيعة عادة بجملة من الطقوس، وطُلِبَ من الصدر إصدار فتوى بإدانة المتظاهرين، وعندما امتنع عن ذلك تم اعتقاله وتعذيبه، وعندما قامت الثورة الإيرانية في العام 1979 ووقف منها الصدر موقف المؤيد المناصر، فقامت الحكومة العراقية في 31 مارس 1980 بإصدار قرار ينص علـى إعدام كل من ينتمي إلى حزب الدعوة. وعندما وجدت الحكومة إصراره على عدم التنصل من تأييد الثورة الإيرانية أو حزب الدعوة اعتقلته مع أخته بنت الهدى، ونفذ فيهما حكم الإعدام في 8 أبريل 1980. وقامت مديرية أمن النجف بإحراق مكتبته خارج النجف في منطقة زراعية تقطنها عشيرة الغزالات، إذ شاهدتُ عدداً من هذه الكتب المحترقة، من بينها على ما أتذكر موسوعة القرن العشرين، وأحد المصاحف.


وجد الشيعة، في فكر محمد باقر الصدر، إمكانية قوية لتحقيق الحلم الشيعي في تأسيس دولة إسلامية على غرار الجمهورية الإسلامية في إيران التي كان العلامة محمد باقر يدعمها بقوة، وبينه وبين الخميني رسائل مودة واستشارات لوضع الدستور الإسلامي. كان صدام، يواجه ظروفاً عصيبة بعد نجاح خصيمه الخميني، وخوفه من يقظة خصمه الداخلي وهم شيعة العراق الذين يشكلون غالبية السكان. وفي لحظات الهلع تلك، كان ثمة صوت لا يدعه يستمتع بالمُلْك والسيادة المطلقة، إنه العلامة والمفكر والسياسي الذي كشف في رسالة متبادلة له مع صدام عن صلابة موقف نادرة، مسخ فيها صورته وجبروته مسخاً مقذعاً، مما ضاعف نقمته عليه.


الخلاصة، أنّ الأسس الفكرية التي تشيّد عليها فكر الصدر، كانت على خلاف جوهري مع الأفكار القومية ( حزب البعث)، والشيوعية، والعلمانية. وكان ينادي بحركة إصلاحية للثقافة الإسلامية، وتغيير مناهج الحوزة. بمعنى تحويلها من ثقافة ذات طابع أكاديمي أو طقوسيّ، إلى ثقافة تحقق الهوية الإسلامية على صعيد الواقع، ومن هنا جاء إيمانه العميق بنظرية: ولاية الفقيه، فلسفة إسلامية لنظام الحكم السياسي.
وهكذا يتبيّن، أن الخطورة في صراع الطوائف بالعراق، تكمن في تداخله مع نمط من المشاريع السياسية؛ الداخلية والخارجية معاً. هناك قطبان يتناحران على نحو مباشر في العراق، وهما الشيعة والسنة، ولكن حقيقة الأمر تكشف عن أن التناحر الذي يجري على نحو غير مباشر، إنما هو تناحر بين الدول الإقليمية السنية، وشيعة العراق الذين ظلوا مقموعين طوال تكوين الدولة العراقية. ويشيع الآن، أن إيران تدعمهم بقوة، بيد أن الحقيقة هي أن الدعم الإيراني ليس لصالح تحقيق انتصار للشيعة على السنة، إنما لإفشال المشروع الأمريكي في المقام الأول. ومن هنا، يمكن تكوين مقاربة صحيحة لتحالفها مع النظام العلماني في سورية، وتحالفها السري مع بعض عناصر القاعدة العاملة في العراق، إذ نشر تقرير في صحيفة الشرق الأوسط في العام 2005 حول التسهيلات الممنوحة للزرقاوي الذي يكفّر الشيعة ويقتلهم بالدخول والخروج من وإلى الأراضي الإيرانية، وفعلاً كان المكان الذي قتل فيه قريباً من الحدود الإيرانية. إن خطورة المشروع الإيراني، تتمثل في أنه مشروع إسلامي راديكالي من جهة، ومشروع براغماتي من جهة أخرى، ولعل هذه الفكرة تفسّر تحالفاته مع قوى سنية متطرفة كحركة حماس.


نريد أن نخلص من هذا، إلى أن صراع الطوائف ليس صراعاً نقياً، بل الطائفية اتخذت فيه وسيلة ناجحة لتأجيج الفتنة وخلط الأوراق بغية إفشال المشروع الأمريكي في المنطقة، الذي اتخذ من العراق مكاناً لتمريره وفتح كل ملفاته في آن واحد. ويوجد في العراق الآن ثلاثة أنواع من التدخل الإيراني:
- سياسي، يحاول أن يضمن وجود سلطة سياسية تملك القرار، وتكون موالية لها، حتى يكون بوسعها قراءة الإستراتيجية الأمريكية حيال إيران وحلفائها.
- مخابراتي، يصب في المصلحة ذاتها، وهو خلق احتقان شيعي أمريكي، وتمويل وتدريب جماعات لضرب الوجود الأمريكي من جهة، وتأجيج صراع طائفي بين السنة والشيعة تضمن من خلاله استمرار الفوضى الأمنية، الورقة الضاغطة في الصراع الأمريكي الإيراني. ولذلك، فإن القوة المالية والعسكرية والاستخباراتية التي يرتكز عليها جيش المهدي، إنما الهدف الأساسي منها ليس خلق التوازن السياسي في العراق، إنما خلق فوضى مستمرة، وإيجاد نوع من الاختراق الأمني.


- ثقافي، وهو مدّ قوي وخطير، ويثير حساسية الدول الإقليمية السنية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، ومصر، والأردن، وتركيا. لقد تحولت المناطق الشيعية، أو المختلطة، إلى ورشة هائلة للاحتفاء بالطقوس والشعائر الشيعية، التي تقادم عليها الزمن، لكنها الآن تُبعث من جديد لأنها الوقود الذي يديم هيمنة رجال الدين على عموم الجمهور الشيعي. وأقيمت مراكز ثقافية شيعية، تحصل على تمويلها من إيران مباشرة، وبعضها متورط في عمليات تجسسية، هذا بحسب رواية أحد الأشخاص الذين أعرفهم، وكان يعمل ضمن عدد من هذه المراكز أو المؤسسات. ولا شك في أن العنف الطائفي، تزايد طردياً مع تصاعد موجة التعبير عن الهوية الثقافية، ففي بداية سقوط النظام كانت المواكب الشيعية تخترق الأحياء السنية دون أية أعمال عنف، لكن هلوسة التعبير عن هذه الهوية التي أخذت بالطغيان في محاولة للقضاء على هوية الطرف الآخر السني، هو الذي أحدث نمطاً من الشحن الطائفي المضاد.
إن تدخل الدول الإقليمية في الشأن العراقي، والذي يزيد المشكلة تعقيداً، هو بسبب التهميش الذي تمارسه هذه الدول لأقلياتها ولاسيما الشيعة، إذ تسعى هذه الدول إلى إفساد الوجه الشيعي للحكم. ومن هنا فإنّ مقاومة ما يسميه بيان قمة مجلس التعاون الخليجي بالرياض: النفوذ الثقافي، هي يقظة متأخرة نسبياً إلى التغلغل الثقافي الإيراني في هذه البلدان. ويبدو أن منع الكتب الإيرانية والشيعية، في معرض الخرطوم للكتاب 2007، يصبّ في خانة المخاوف من هذا التغلغل. بالإضافة إلى عوامل أخرى، إذا أردنا أن نتحدث بعين الإنصاف، وهي تخوّف هذه البلدان من زحف الديمقراطية إلى بلدانهم التي أسست أصلاً على نظام حكم شمولي؛ سواء أكان ملكياً أو جمهورياً. وهكذا، فإن تعدد الأحزاب، ووسائل الإعلام، وحق التصويت، ومشاركة المرأة، إنما هي مسائل لاشك في أنها تغيض هذه الأنظمة التقليدية. وعلى الرغم من الإصلاحات الطفيفة التي أجرتها، لكنها كانت تنظر بعين الريبة إلى الوضع في العراق. وهكذا فإن سكوتها المقصود أو لا مبالاتها للصراع الدامي، يكشف عن رغبتها في عدم نجاح مشروع الديمقراطية في العراق، وتصديرها إلى هذه الدول.
ولعل غياب رؤية عربية لإيجاد حلّ للمشكلة العراقية، هو نوع من التكاسل المقصود، لبقاء الفوضى مستمرة حتى لو كانت صراعاً طائفياً، وهذا ليس أمراً مستغرباً من دول لها مصلحة في إفشال المشروع الأمريكي، فقد نقل لي أحد الصحفيين، عبارة مسؤول كبير في الدولة الإيرانية بأنهم مستعدون للتحالف مع الشيطان لإفشال ذلك المشروع حتى لو تسبب في قتل الشيعة العراقيين. وهذا الأمر ينطبق كذلك، على دول الجوار التي تغضّ الطرف عن المتسللين من تنظيم القاعدة أو من تنظيمات إسلامية راديكالية، التي استطاعت أن تستثمر الخطأ الأمريكي في كيفية إدارة الوضع في العراق، وتمكنت من تجييش عدد واسع من المتطرفين الذين يقومون بعمل مزدوج، هو: وضع الأمريكان والشيعة والأكراد في خانة واحدة، ومن ثم القيام بضربهم تحت ذرائع شتى، بعضها تاريخية، وبعضها واقعية.


من المؤسف، أن الصراع السياسي الطائفي، امتدّ إلى المجتمع وثقافته، وطال حتى النخب الثقافية. ففي إحدى السهرات التي أقيمت على هامش مهرجان كلاويز في مدينة السليمانية/ كردستان 2005، تحوّل خلاف ثقافي بسيط إلى انقسام الموجودين إلى كتّاب شيعة وكرد في جهة، وكتّاب سنة في جهة أخرى. الطرف الأول يدين أعمال العنف بحقّ المدنيين، والطرف الثاني يرى أن مقاومة المحتلّ تتطلب ضحايا أبرياء. الطرف الأول، ينظر إلى الزرقاوي على أنه قاتل مجرم، والطرف الآخر ينظر إليه على أنه مجاهد بطل. الطرف الأول، يدين الشيخ حارث الضاري، والطرف الآخر يدين مقتدى الصدر والحكيم والسيستاني. ومن الطريف، أن هذه المجادلات الطائفية كانت تجري في ظل تناول الكؤوس الأخيرة للخمرة التي يحرمها الإسلام، ويعاقب من يتناولها.
إن الخريطة الثقافية للوضع القائم الآن، تنذر بتحويل طاقة الاختلاف الإثني والديني، إلى طاقة معطلة، منطوية على ذاتها، منـزوعة عنها روح التفاعل، ومنشغلة بإنتاج فكر تعبوي وسجالي أكثر من انشغالها بإنتاج فكر خلاق وذي رؤية إنسانية منفتحة وخالية من العقد الراديكالية.
إنّ الصراع على مركزية الثقافة في العراق، يوازي تماماً الصراع على مركزية القرار السياسي، ولذلك فإنّ العملية النوعية التي قامت بها مليشيات شيعية ضد دائرة البعثات الثقافية في نهاية 200، تدخل في إستراتيجية الصراع على المركزية الثقافية. والعمليات التي قامت بها جماعات سنية متطرفة، ضد الجامعة المستنصرية وبعض الكليات التابعة لها، يندرج في خانة النزاع حول النفوذ الثقافي: الشيعي أو السني.


إن المركزية الثقافية الجديدة، تسعى لابتلاع الطوائف الصغيرة، إما بالقضاء عليها، أو انتزاع تحالف معها، ومن يقف حيادياً، أو معترضاً على هيمنة تلك المركزية الجديدة، سوف يكون مصيره التدمير الكامل، وهو ما دفع الصابئة، والمسيحيين، والشبك، الذين كانوا سابقاً مندمجين في نسيج اجتماعي متعدد الأديان، إلى الهجرات الجماعية، سواء أكانت داخل العراق باتجاه الشمال، أو خارجه باتجاه البلدان المجاورة أو الدول الغربية. وحتى بعض الجماعات الدينية السنية، تعرضت إلى الاضطهاد من قبل متطرفي السنة أنفسهم، كالاعتداءات المستمرة على الجماعات المتصوفة ( الدراويش).
لعلّ هذا الصراع الذي ذكرناه، تبدو عليه المسحة السياسية الطائفية، لكن يوجد صراع من نمط آخر، أكثر عمقاً وجذرية، فالشيعة يُقصون كل تراث السنة، والسنة كذلك يُقصون كل تراث الشيعة. ذلك أن الحرب بينهما، طالت الرموز المقدسة لكلا الطرفين. هناك سخرية دائمة، تأخذ طابعاً شعائرياً أحياناً، فخلال شهر محرّم من السنة الإسلامية، يتمّ في الطرف الشيعي تمثيل بعض الوقائع المعينة، ففي السبعينيات عندما كنتُ صبياً كنتُ أشاهد امرأة عجوز تفتقر إلى الجمال وذات ملابس قذرة ترتقي جملاً متعباً، والأطفال والكبار يرجمونها بالحجارة، وينادى عليها: عيشة أم الذبان. وعيشة هذه، هي عائشة زوجة النبي، الملقبة بأم المؤمنين، لكن خروجها على إمام زمانها: الإمام علي، ولّد لها عداء لدى الشيعة. وكنتُ أسمع عنها عدة حكايات كحكاية ( الإفك) تتداول في المخيال الشعبي الشيعي، تجعلني في حالة صراع فكري، ولاسيما بعد أن قرأت عدداً من الآيات القرآنية التي تنـزّه السيدة عائشة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى، الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، الذي تمثّل شخصيته، وشخصية الخليفة الأول أبي بكر، بما لا يليق بهما.


وفي الطرف السني، ثمة تراث من الاعتداء على مزارات الشيعة وأماكنهم المقدسة التي تضمّ قبور الإمام علي وذريته من الذين تعرضوا إلى أبشع أنواع القتل صغاراً وكباراً. وهناك من السنة، من يجد مقتل الإمام الحسين وعائلته وأصحابه، إنما كان جزاء خروجه على إمام زمانه، وهو ما يثير غضب الشيعة. هذا بالإضافة إلى، السخرية الدائمة من عبادتهم وطقوسهم، والتطرف في تكفيرهم، واتهامهم في عروبتهم وتبعيتهم إلى إيران.
لذلك، يرى الداخل إلى شارع المتنبي- الذي أحرق بسيارة مفخخة في بداية شهر آذار- ثقافتين تتصارعان على الرصيف؛ الأولى ثقافة الشيعة ولاسيما الكتب التي مُنعت في عهد النظام السابق، والثانية ثقافة أهل السنة في كتبهم الأساسية، بالإضافة إلى المطبوعات الجديدة التي تعارض الاحتلال وتمجد المقاومة، وتقف موقفاً أصولياً يجد في الديمقراطية كفراً يتعارض مع مبادئ الشريعة، وغالباً ما كانت توزّع الكراسات السلفية والأصولية مجاناً على رواد هذا الشارع من الكتّاب والمثقفين. وقد أقيم بعد الاحتلال، عدد من معارض الكتب في جامعة بغداد، والجامعة المستنصرية، والجامعة التكنولوجية، وفي عدد من المحافظات، وكانت هذه المعارض عبارة عن مهرجان للدعاية لرموز الثورة الإسلامية في إيران من أمثال الخميني والخامنئي وآخرين، هذا بالإضافة إلى صور بعض رجال الدين الذين اغتالهم نظام صدام من أمثال محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر، وكذلك صور تجسد واقعة كربلاء. وعادة ما تُعرض في هذه المعارض، المنتوجات الإيرانية من الحرف والمصنوعات السياحية. وفي مقابل ذلك، كان هناك تدفق كبير في المصادر الأصولية السنية، وتدفق في الكتب التي تعارض الوجود الأمريكي في العراق، ولاسيما إصدارات مركز دراسات الوحدة العربية، ذات التوجه القومي، التي يديره الدكتور خير الدين حسيب، الأمين العام السابق والمؤسس للمؤتمر القومي العربي.

ناظم عودة

nazem1965@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
المعضلة في الجوهر !!
المحايد -

ولايقتصر غلى التفسير والتأويل المجازي والغوغائية اللغوية التي تدافع عن الحقيقة المطلقة بحقائقها المختلفة !!!00يا سيدي عليك بتجاوز الخطوط الحمراء لحلها ؟؟؟؟00عدا ذلك فهو كالحرث في البحر000وألى يوم القيامة