العراق وسوريا في ضوء زيارة الطالباني الاخيرة

لست هنا بصدد اتهام الجانب العراقي بالسذاجة السياسية وعدم خبرته الجانب السوري، فمعظم اعضاء الوفد ولاسيما الرئيس الطالباني نفسه هم من الذين عاشوا وعايشوا وخبروا واختبروا السياسة السورية على مر السنين والعقود. لکن يبدو انه کان لاعضاء الوفد العراقي اهدافهم الخاصة بهم من الزيارة والتي لم تکن بحال من الاحوال اقل اهمية بالنسبة لهم من الاهداف العامة.

ما اقصده من الهدف الخاص من الزيارة هو ما کان يريده اعضاء الوفد ايصاله بشکل مباشر للجانب السوري هو ان رموز معارضة الامس العراقية التي کانت قد التجئت الى سوريا هم اليوم في قمة هرم السلطة في العراق وهم اليوم من يتحکم بمقاليد السلطة فيه. وقد علمت ذات مرة بعيد اختيار الطالباني رئيسا انتقاليا للعراق بان احد افراد السلطة في سوريا قد اتصل باحد مسؤولي مکتب دمشق لتنظيم الاتحاد الوطني الکوردستاني الذي يتزعمه الطالباني لاعلامه برغبة السوريين في لقائه، وعندما نقل ذلك المسؤول الرسالة تلك لزعيمه قال له اخبرهم بان الطالباني الذي کان بالامس في المعارضة هو اليوم رئيس لجمهورية العراق وهناك قنوات واصول متعارف عليها لاقامة مثل تلك الاتصالات واللقاءات. اذن تحقق الهدف الخاص من الزيارة وکان الرئيس الاسد وارکان حکمه في مقدمة المستقبلين للرئيس الطالباني والوفد المرافق في مطار دمشق الدولي. المطار الذي کان عليهم دائما حصول موافقات وترتيبات مسبقة من فروع المخابرات بتعقيداتها وحسب الضروف للدخول اليه والخروج منه بسلام او بدون متاعب.

الهدف العام من الزيارة کان على مايبدو المحاولة في اقناع السوريين بتغيير موقفهم من العملية السياسية والعمل على وقف الارهاب المنظم القادم عبر حدودها، واشراکهم بالتالي في عملية البناء والاعمار في العراق. لکن المعلوم عن السوريين هو ان من يحاورهم مرة لن يحلم بمعاودة الحوار معهم مرة اخرة، فهم هلاميون سفسطائيون مراوغون الى ابعد الحدود، ان حدثتهم عن ضبط الحدود ومنع تسلل الارهابيين عبر حدودهم فسيحدثونك عن ان الدولة الاعظم امريکا عاجزة عن ضبط حدودها مع الکسيك فكيف نحن..!! وعندما تسألهم عن مطلوبين عندهم يخططون للتخريب والدمار في العراق يقولون لا علم لدينا وسنعدکم بتسليمهم ان کان هناك احدا من هذا القبيل، وعندما تفاتحهم عن عن محاورة المعارضين العراقيين المحسوبين عليها فهم مع الحوار والمصالحة واقامة حکومة وحدة وطنية لکن بشرط توافق کل مکونات الشعب العراقي وهذا يعني القبول بشروطها عبر القبول بشروط تلك الجماعات المحسوبة عليها کما الحال في لبنان، وان کان هناك تطرقا لحوار امريکي سوري حول العراق فانهم وکما جاء على لسان سفيرهم في واشنطن الاسبوع الماضي فانهم لن يتخلوا عن الورقة العراقية بسعر رخيص، حيث انهم على غير استعداد للعب به بمعزل عن الجولان ولبنان وفلسطين.
لم يکن الوفد العراقي قد فك رحاله بعد اثر عودته من دمشق، ولم يکن لحبر البيان الختامي للزيارة قد جف بعد حتى وان بدأت الزيارات المتبادلة لکبار المسؤولين السوريين والايرانيين بين البلدين ليعقبها تصعيد غير مشهود للتوتير الطائفي عبر العمليات الارهابية الحاصدة لارواح العشرات والمئات من العراقيين الابرياء بهدف " ارکاع ودحر وافشال " العدو الامريکي.!

ومن الاستحقاقات الاخرى للزيارة " التاريخية " للوفد العراقي الى الشام بدعوة من سوريا هي القرارات المجحفة والقاسية وغير المسبوقة للنظام في دمشق بحق مئات الالوف من العراقيين اللاجئين فيها بتشديد ضروف اقامتهم بهدف اجبارهم على العودة الجماعية والفورية الى العراق وذلك دائما بغرض افشال " المشروع الامريکي الصهيوني " في العراق. وقد جاء استقبال القيادة السورية وبما فيهم الرئيس بشار نفسه لحارث الضاري امين عام ما يسمى " هيئة علماء المسلمين " الذي تتهمه الدولة العراقية بالوقوف وراء الکثير من اعمال العنف الطائفي والمطلوب من قبل السلطات الامنية العراقية خير دليل على حقيقة نوايا القيادة السورية تجاه العملية السياسية في العراق.

لقد کان على الجانب العراقي الا يعلق الامال الکبار على استجابة السوريين لمطالبهم وامالهم، لان السوريين على مايبدو قد احرقوا سفنهم وانخرطوا في مخطط جهنمي مع الحليفة الکبرى ايران يمکن تلخيصه في احراق العراق ولبنان وفلسطين تحت اقدام الامريکان بهدف اجبارها على القبول بهم وبشروطهم وشطب کل ما يترتب عليهم من فواتير لقاء کل ما اقدموا عليه في تلك الدول المبتلاة بهم.
وکان المکسب السوري من الزيارة هو في نطاق الاعلام والعلاقات العامة حيث، وکما هو معلوم، تعاني سوريا من عزلة دولية بسبب سياساتها في لبنان والشکوك حول تورطها في قضية اغتيال الحريري وکذلك تورطها في احداث العراق و فلسطين، فهي احوج ما تکون لزيارات زعامات تلك الدول الطالباني و محمود عباس و فؤاد السنيورة لتقول للعالم هاهم ياتون الي وان لا يمکن للحل ان ياتي الا من سوريا.
عندما کان حزب العمال الکردستاني يخوض حربه الاستنزافية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي ضد ترکيا انطلاقا من سوريا وسهل النقاع اللبناني و الذي کان انئذ تحت السيطرة السورية وحيث کان يقيم قائدها عبدالله اوجالان، کانت سوريا حافظ الاسد تنفي جملة وتفصيلا وجود اي نشاط لهذا الحزب ولقائده في سوريا. وباءت کل المحاولات الترکية المتکررة وعلى مر السنين لاقناع السوريين بالتخلي عن دعمهم لحزب العمال بالفشل، حيث کانت الوفود الترکية تعود في کل مرة تاتي لايجاد حل لتلك المشکلة بخفي حنين الى وفي صبيحة ذات يوم في عام 1998 وبعد ان بلغ السيل الزبى وجهت القيادة الترکية انذارا صريحا ومباشرا لا لبس فيه الى القيادة السورية بانهم سوف يضربون سوريا بکل قوتهم ان لم يضعوا حدا لنشاط حزب العمال الکوردستاني وزعيمه اوجالان خلال اربع وعشرين ساعة..!! والذي حصل هو ان ذلك الحزب وقائده قد تبخرا قبل انقضاء تلك السويعات من على الارض السورية ومن کل مناطق نفوذها، وليتبع ذلك فيما بعد قبول سوريا بمعاهدة امنية مع ترکيا لاتزال نافذة حتى اليوم. السؤال هو هل بمقدور العراق اليوم الاقدام على هکذا خطوة تجاه سوريا..؟ الجواب هو لا طبعا، نظرا للحالة التي يمر بها والامکانات المتاحة. هل ستقدم الولايات المتحدة على ذلك..؟ و تلك هي المسالة.