القواسم العراقية الكوردستانية التركية المشتركة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بطبيعة الحال تلعب علاقة الجيرة بين الدول والشعوب والمجتمعات دورا مهما في تقريب الرؤى ووجهات النظر للحكومات والشعوب مع بعضها البعض وتوفر أرضية مناسبة لعوامل ومقومات وصفات مشتركة مما تؤهلها أن تلعب هذه العلاقة دورا في رسم علاقة متبادلة على صعيد المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها، ولا شك إن بناء وتأسيس مثل هذه العلاقة تلزم إقامتها في أجواء ايجابية بعيدة عن التوتر والتشنج والصراع مع توفر النيات الحقيقة المبنية على المصلحة والمنفعة المشتركة المتبادلة للأطراف المعنية التي تشترك فيما بينها برابطة الجيرة.
واعتمادا على هذه الرؤية الواقعية، لو نظرنا الى الفضاء الموجود بين اقليم كوردستان والعراق وتركيا التي تحوي مقومات عديدة ومتنوعة مرتبطة بمصالح العراقيين والكوردستانيين والترك، فإننا نجد أن قواسم مشتركة عديدة تتحكم بهذه الفضائية لها جذور تاريخية وجغرافية واجتماعية واقتصادية ممتدة على مدار العصور والعهود من التاريخ القديم والحديث، بعضها كان سلبية و كارثية على الشعبين وبعضها كان ايجابية ونافعة لصالح الكل.
ولكن استنادا الى الواقع الراهن الذي ننطلق منه لرسم رؤية ايجابية عن القواسم المشتركة بين تركيا كدولة مجاورة والعراق الاتحادي وإقليم كوردستان -الفيدرالية الدستورية الأولى لبلاد وادي الرافدين- نجد أن العديد من هذه القواسم لو استغل بروحية بناءة وبهاجس الانتفاع المشترك لكل طرف لخرجنا بمساحات واسعة من نقاط التلاقي والتبادل المشترك للمصالح والأهداف، تساعد في التفكير الجدي لإقامة علاقة استراتيجية بين تركيا والعراق والإقليم مبنية على المصلحة المشتركة لخدمة شعب كل طرف والمنطقة ولتقديم نموذج متقدم من العلاقة الإقليمية متسم بكل المقومات الإيجابية الى المجتمع الدولي وبالأخص الى مجتمعات دول الاتحاد الأوربي لمساعدة تركيا للدخول الى هذه الكتلة الاقتصادية والسياسية الدولية الكبيرة المتميزة بتوفير الرفاه والرخاء لشعوبها وأفراد مجتمعاتها بكرامة وقيم إنسانية عالية.
والقواسم المشتركة بين الإقليم والعراق وتركيا والتي نحاول تسليط الضوء عليها، تحمل في بنيتها الأساسية مقومات إيجابية وعوامل محفزة للنظر اليها بأهمية واهتمام من قبل المعنيين في كل طرف من منظور سياسي واقتصادي وإقليمي ودولي، لأنها تساعد بكل حقيقة ومرونة وسهولة في تهيئة أرضية أساسية لإقامة علاقة طموحة بين الثلاثة في حالة توفر النية الصادقة المبنية على احترام المصالح المتبادلة لكل طرف، والقواسم المشتركة هي مايلي:
أولا: النظام العلماني
وهو القاسم المشترك الرئيسي الأول بين الاقليم وتركيا، وهو نظام سياسي عملي يملك مقومات النجاح والإدامة والصيرورة لقيادة المجتمعات والشعوب والأمم بمرونة ويسر كبير في مناطق عديدة من العالم خاصة الديمقراطية منها، ومن محاسن الأمور أن هذا النظام هو في عين الوقت نفس المنهج السياسي العام الذي يحكم بأمور الدولة والإدارة في الطرفين، ولكن في تركيا وضع له أسس وضوابط ومفاهيم دستورية وقانونية وتشريعية مما ساعده أن يلعب دورا في تحديد اتجاهات الدولة على مسار السياسة العامة، ولكن في الإقليم فهذا النهج موجود لدى الأحزاب الرئيسية ولكنه غير مشرع وهو لا يزال في بداية تشريعها بأسس قانونية في دستور الإقليم ضمن الإطار العام للمفاهيم التشريعية للدستور العراقي الدائم.
ثانيا: النظام الديمقراطي
يسير كل طرف على نهج نظام ديمقراطي دستوري ففي تركيا مستند الى أساس دستوري منذ إنشاء الدولة وفي العراق بدء بعد سقوط صنم الاستبداد وفي الإقليم بدء من بعد الانتفاضة ولكنه الآن مستند إلى الشرعية المكتسبة من الدستور العراقي الدائم، وهو نظام مكن من رسم إطار شرعي لتقسيم السلطات الى تشريعية الممثلة بالبرلمان وتنفيذية الممثلة بالحكومة وقضائية الممثلة بالسلطة القضائية، ويتسم كل نظام بمرونة للتعبير عن رأي الشعب لاختيار ممثلي الشعب في البرلمان وهو مخول باختيار الرئاسة والحكومة.
ثالثا: النظام البرلماني والتعددية الحزبية
وهو الأرضية الحقيقية التي تلزم توفيرها لتطبيق النهج الديمقراطي في الحكم، ومن محاسن الأمور أن هذه المقومات متوفرة في العراق وتركيا وإقليم كوردستان ففي كل طرف برلمان وتعددية حزبية تشارك في انتخابات عامة للتصويت واختيار الممثلين وفق قوائم فردية أو حزبية.
رابعا: النظام الاقتصادي السوق الحر
من باب التأقلم مع الاتجاه العالمي لمسار الاقتصاديات الملائمة فإن كل طرف العراقي والتركي والكوردستاني يسير على نفس المسار الأساسي لنظام السوق الحر الذي يسيطر على المسار العام لأغلب المجتمعات الديمقراطية في العالم، ولا شك أن هذا المنهج الاقتصادي قد رسم وحدد له أنظمة قانونية وتشريعية عامة بأسسس دستورية في النظام السياسي والاقتصادي والمالي والتجاري في تركيا للسيطرة على الاحتكار والاستغلال والفساد، ولكن من المؤسف أن هذا النظام في العراق والإقليم لا يزال لا يحمل أي إطار قانوني وتنظيمي ودستوري في الواقع العملي والميداني لأنه يتحكم به فئة جشعة من أرباب السلطة تتحكم بكافة المقدرات والمال العام للشعب مع فرض كامل للاحتكار وللاستغلال المبني على امتصاص ونهب قوت المواطنين، وواقع الحال والأزمات الخانقة المفروضة على الأغلبية الساحقة الفقيرة من العراقيين والكوردستانيين دليل على ما هذا.
خامسا: الجغرافية المشتركة
وهي قاسم مهم لا قدرة لأي قوة أزاحتها من الواقع المفروض، وتتسم هذه الأرضية بين الأطراف الثلاثة بمكوناتها القيمة لأن الحدود المشتركة بين العراق وتركيا تتسم بطبيعة تضاريسية متشابهة يمكن للطرفين التركي والعراقي ومن ضمنه الكوردستاني الاستفادة منها من خلال إقامة مشاريع مشتركة تقتضيها البنية التحتية للمنطقة الحدودية تعود بالنفع المتبادل والمشترك الى كل الأطراف المعنية.
سادسا: الثقافة المشتركة
ويحمل هذا القاسم مقومات عديدة ومتنوعة مرتبطة بمفردات حياتية اجتماعية وثقافية للقوميات المتنوعة التي تشكل النسيج المجتمعي لكل طرف، وبطيعة الحال فأن هذه السمة تعتبر من أكثر السمات البارزة لأنها تحمل العديد من التشابهات خاصة في مجال الشؤون الاجتماعية والدينية والعادات والتقاليد الملابس والغناء والطقوس والمظاهر الحياتية والمناسبات وغيرها، وفي مجالات حياتية ثقافية أخرى عديدة حيث لعبت الجغرافية والتاريخ دورهما في إرساء هذه الثقافات المشتركة بين شعوب المنطقة.
سابعا: مدينة كركوك
تمتاز هذه المدينة العراقية بتنوع قومي وديني ومذهبي، ويسكنها نسيج متنوع من قوميات مشتركة من الكورد والتركمان والعرب والمسيحيين، وتؤكد الشواهد التاريخية أن هويتها كوردية ولكنها تعرضت في العهود الأخيرة الى سياسة قمعية من قبل الأنظمة العراقية السابقة للتعريب وترحيل العوائل الكوردية والتركمانية والمسيحية منها، وهي تحظى باهتمام مصيري من قبل العراق وإقليم كوردستان ومشترك من قبل تركيا، ولكن هذا الاهتمام من قبل الأخيرة يتسم بالسلبية، ولهذا فقد حان الوقت لتحويله إلى نقطة تلاقي إيجابية تعبر عنها بآلية معينة لعدم التدخل في شؤون المدينة والعمل على إخراجها من واقعها المأساوي وتحويلها الى نموذج ورمز للسلام والبناء من خلال احترام آراء مواطنيها التي من المؤمل التعبير عنها قريبا باستفتاء دستوري تحت رعاية الحكومة العراقية.
ثامنا: التجارة المشتركة
هذا القاسم لعب دورا كبيرا في ربط الأطراف الثلاثة بمقومات تجارية مشتركة مهدت الأرضية المناسبة لمشاركة الشركات ورؤوس الأموال التركية بمساهمة فعالة في الأسواق العراقية والكوردستانية من خلال تصدير العديد من السلع والبضائع والمنتجات التركية، وهذا القاسم أيضا يشترك به الجانب الإيراني حيث أصبح له باع طويل في أسواق العراق والإقليم، ومن المؤسف أن هذا القاسم سجل دورا سلبيا في اختلال الميزان التجاري في هذا الشأن وميله بنسبة كبيرة جدا الى الجانب التركي والإيراني بسبب السياسة الاقتصادية المتسمة بالفوضى وعدم النظامية لدى أرباب السلطة في العراق والإقليم لاستغلال هذا المنفذ لمصالح ذاتية بحتة من قبل طبقة وأقلية حاكمة من مسؤولين حكوميين وحزبين تتحكم بأبواب ومداخل أمور الحكم والتجارة والاقتصاد في العراق وفي كوردستان.
بعد سرد موجز لأهم القواسم المشتركة بين العراق وتركيا وإقليم كوردستان، وبيان مفرداتها، نود أن نبين أن هذه الاهتمامات المشتركة بين الأطراف الثلاثة هي راسخة ومثبتة كواقع حال وكأمر واقع بحكم الأرض والجغرافية والتاريخ، والتعايش المشترك المبني على الجيرة الإيجابية المباشرة لهذه المقومات والوقائع المثبتة في أرض الواقع تحتم على المعنيين لدى كل طرف على مستوى الحكومة ومكونات المجتمع المدني استغلال هذه الفرصة التاريخية المتاحة في الواقع الراهن بحكم وجود طرف ثالث يلعب دور الصديق المباشر لكل طرف وهو الولايات المتحدة الأمريكية لإقامة علاقة استراتيجية ونموذجية بين الإقليم والعراق وتركيا لخدمة المصالح المشتركة للكوردستانيين والعراقيين والترك، وهي بلا شك ستخدم في عين الوقت المنطقة وستوفر صماما لأمن المنطقة وللمجتمع الدولي، نأمل أن تكون هذه القواسم حافزا وبادرة ايجابية لكي تحمل بادرة خير ولو بحجم مثقال ذرة لخدمة شعوب المنطقة لتعيش بسلام واستقرار دائم لتتوفر لها فرصة العيش الكريم المتسم بكرامة معززة بقيم إنسانية سامية.
د.جرجيس كوليزادة
Gulizada_maktab@yahoo.com