أصداء

لدغة سورية بإنتظار واشنطن!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تزايد المعلومات و المؤشرات المتواترة بخصوص صفقة سورية ـ أمريکية"ضمنية" باتت في حکم المؤکد، خصوصا وأن الادارة الامريکية قد أعطت أکثر من دلالة على مسألة"إعادة تأهيل الحکم السوري"و السعي لعزله عن إيران، وقد کانت الزيارة التي قام بها الرئيس العراقي جلال الطالباني لدمشق و ماأثير في حينه بخصوص حمله لرسالة"أمريکية"لسوريا بهذا الشأن، وعلى الرغم من أن السفير الامريکي في بغداد قد سارع لتکذيب ذلک النبأ، لکن واقع الامر يکذب السيد خليلزاد نفسه و يدحض تکذيبه الاکثر من "باهت"للرسالة الامريکية التي حملها الطالباني للسوريين عدة وقائع باتت بعضها ملموسة على أرض الواقع.


والحق، أن الرئيس العراقي بحکم علاقته السابقة"الوثيقة"بالحکم السوري و علاقته الاکثر من قوية بالامريکان، قد جعلته أکثر من مؤهل للعب هکذا دور سيما وأنه"أي الطالباني"قد أدرک الارتياح العربي الرسمي لهکذا مسعى من المؤمل أن يکون مسک ختامه حالة طلاق قد تکون بلا رجعة بين دمشق و طهران"کما تتمناه غالبية الدول العربية".


وقد بات واضحا أن دمشق قد بدأت بالسعي الحثيث لترجمة محتويات الرسالة الآنفة والتي قد تکون مسألة إعادة تأهيل حزب البعث العراقي بقيادة جديدة تقبل مبدئيا بالانخراط في العملية السياسية الحالية الجارية في العراق، واحدة من الفقرات المهمة التي تضمنتها الرسالة، کما أن تأکيد سوريا على سعيها للعمل من أجل إستتباب الامن و الاستقرار في العراق و إستعدادها الکامل لتنفيذ"خطوات"مهمة و حساسة بهذا الاتجاه، جاء هو الاخر کإستجابة لمطلب أمريکي آخر قد يکون من أهم المطالب، إذ انه سوف يکون بمثابة بداية فک "التداخل المعقد"أمنيا لسوريا مع إيران على الساحة العراقية، والذي يدفع السوريين للمضي قدما بهکذا إتجاه، هو دقة ملاحظتهم لما جرى و يجري للتيار الصدري المدعوم إيرانيا و محاولة التيار الصدري لإستيعاب الهجمة الامريکية ضدها و تفريغها من"أفتک"محتوياتها.


دمشق، التي باتت ترى سرعة تسابق الاحداث في المنطقة مع إزدياد العد العکسي للفترة الزمنية للإدارة الامريکية و إمکانية أن تقوم هذه الادارة بعملية قيصرية سريعة في نقطة ما من المنطقة تمهيدا لسلسلة عمليات أخرى قد تکون من غير "تخدير عام"کما کان الامر في أفغانستان و العراق، تسلمت الرسالة الامريکية وهي مصممة على جعلها لبنة مهمة أخرى في بنيان بقائها وليس بمثابة سلاح قد يستخدم مستقبلا لإحداث شرخ في جدرانها المتهالکة بعض الشئ. ورغم أن القرار الاممي بالموافقة على تشکيل المحکمة الدولية الخاصة بمحاکمة المشتبهين بهم في جريمة إغتيال رفيق الحريري و سياسيين لبنانيين آخرين تم إغتيالهم کانوا مناوئين لسوريا، قد صدر متزامن مع الاستجابات السورية الايجابية للمطاليب الامريکية، إلا انه ليس بالامکان أبدا عزله من أساس اللعبة ذاتها التي تجري بطريقة "الطرشان"بين واشنطن و دمشق، ذلک أن الولايات المتحدة الامريکية تدرک بوضوح أن أفضل ضمانة لإلتزام سوريا بالمضي قدما في إتجاه يرضي الجميع"ماعدا إيران"لن يکون إلا بإبقاء ظل سيف مشهور ما مخيم على قاسيون و بردى، غير ان ذلک لايعني إطلاقا أن دمشق سوف تکون مثالية في إلتزاماتها أو إنها لاتسعى بالمقابل لتحريک قطع شطرنجية ما لها ضد"العم سام"، فهي حتى وإن مدت يدها اليمنى بغصن زيتون فإن يسراها تحمل الکثير من المفاجآت غير السارة لواشنطن إبتداءا من لبنان و إنتهاءا بالاراضي الفلسطينية"طبعا بعد المرور بالعراق". لکن الامر الذي يجب أن تدرکه واشنطن وتفهمه تماما، مثلما يجب أن تلاحظه و تعيه سائر دول المنطقة ذات العلاقة بالتداعيات السلبية للمحور الإيراني ـ السوري، هو ان دمشق تسير و بشکل متقن تماما بنفس الصيغة التي سار و يسير بها الايرانيون في تعاملهم مع الغرب عموما و واشنطن خصوصا، و هناک الکثير من المؤشرات التي تدل على ان دمشق و طهران متفقتان تماما على خططهما و برامجهما السياسية المتباينة على کافة الاصعدة، وان دمشق قد أدرکت کيف ان طهران ومن خلال لعبها على المتناقضات الاقليمية و الدولية تمکنت من الضحک على الذقن الغربي بکل براعة، فإنها"إي سوريا"قد لا تکون بأقل شأنا من إيران، خصوصا وهي تدرک أن نهاية عملية السير في الشارع الامريکي سوف يفضي الى إنتهاء سوريا في داخل بوتقة عربية في ظاهرها و أمريکية في محتواها.

ولکن الامر الذي، قد يغيب عن بال المراقبين و المحللين السياسيين، هو أن سوريا وان بدت في الظاهر بإنها مجرد مقلد و تابع لإيران فإن ذلک قد لايمثل واقع الامر کما کان و سيصير، إذ ان التحالف مع طهران مشروع سياسي بدأته دمشق من أيام حافظ الاسد الذي تمکن ببراعة من إستغلال الفوران الثوري لإيران کمخلب قط ضد دول صعيدي المنطقة و العالم، وهذا المشروع السياسي ثبتت فاعليته و أهميته الکبيرة بکونه لم يساهم في الحفاظ على قوة الدور السوري و حجمه الاقليمي والدولي فقط وإنما منح دمشق بعدا جديدا من خلال جعلها قطبا مهما ضمن محور بات دولي من کثر التأکيد عليه و التخوف منه، وهذا الامر بحد ذاته وفر لسوريا أرضية ملائمة جدا لأبشع عملية إبتزاز في تأريخ المنطقة إذ نجحت سوريا في فرض نفسها في حلة جديدة لم يألفها العالم فيها من قبل وطفقت تجني ثماره بين کل فترة و أخرى.


سوريا التي تحاول واشنطن تدجينها عبر مجموعة وسائل سياسية ـ إقتصادية و حتى"سايکيولجية"من خلال الحرب النفسية التي تشنها ضدها، قد إستطاعت أن تراوغ الامريکيين و تتعبهم بعد طول عناء معها في مشوار کانت هي المنتصرة في کل مراحلها المختلفة، وکما وجدت واشنطن نفسها وهي تخوض صراع مرير على أصعدة متباينة ضد طهران وقد صارت في موقف صعب بالامکان أن نسميه مأزق، فإن دمشق قد بدأت تقود واشنطن الى نفس المفترق الذي سوف يفضي في النهاية ومن دون ريب الى مأزق عويص آخر لواشنطن!

نزار جاف
nezarjaff@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف